تنقيح مباني الاحكام - كتاب الديات

اشارة

نام كتاب: تنقيح مباني الاحكام- كتاب الديات

موضوع: فقه استدلالى

نويسنده: تبريزى، جواد بن على

تاريخ وفات مؤلف: 1427 ه ق

زبان: عربى

قطع: وزيرى

تعداد جلد: 1

ناشر: دار الصديقة الشهيدة سلام الله عليها

تاريخ نشر: 1428 ه ق

نوبت چاپ: اول

مكان چاپ: قم- ايران

شابك: 1- 47- 8438- 964

[النظر الأوّل في أقسام القتل و مقادير الديات]

اشارة

الأوّل في أقسام القتل و مقادير الديات (1)

[أما أقسام القتل]

القتل عمد، و قد سلف مثاله، و شبيه العمد: مثل أن يُضرب للتأديب فيموت، و خطأ محض: مثل أن يرمي طائراً فيصيب إنساناً.

و ضابط العمد: أن يكون عامداً في فعله و قصده، و شبيه العمد: أن يكون عامداً في فعله، مخطئاً في قصده، و الخطأ المحض: أن يكون مخطئاً فيهما.

النَّظرُ الأوّل

أقسام القتل

______________________________

(1) ذكر قدس سره في الأمر الأوّل أقسام القتل أي الجناية على النفس و مقادير ديات النفس و التزم كما عليه الأصحاب بأنّ أقسام القتل ثلاثة: العمد و شبه العمد و الخطأ المحض، و الضابط في قتل العمد أن يكون الجاني قاصداً لكلّ من الفعل و ترتّب إزهاق الروح عليه، بخلاف شبه العمد فإنّه يكون الجاني فيه قاصداً للفعل من غير قصده قتل المضروب، و أمّا الخطأ المحض فلا يكون قاصداً للفعل الواقع خارجاً كما إذا رمى طيراً فلم يصبه بل أصاب شخصاً فقتل به و يعبّر عن هذا القسم الأخير في بعض الروايات بالخطإ الذي لا شكّ فيه.

أقول: قد ذكرنا في كتاب القصاص أنّه لا ينحصر القتل عمداً المترتب عليه القصاص على ما إذا قصد الجاني بفعله القتل، بل لو كان فعله ما يقتل الشخص عادة يحسب فعله مع ترتب الموت عليه، القتل عمداً كما يدلّ على ذلك صحيحة أبي العباس و زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إنّ العمد أن يتعمّده فيقتله بما يقتل

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 8

..........

______________________________

مثله، و الخطأ أن يتعمّده و لا يريد قتله يقتله بما لا يقتل مثله، و الخطأ الذي لا شكّ فيه أن يتعمّد شيئاً آخر فيصيبه» «1» و معتبرة السكوني عن

أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «جميع الحديد هو عمد» «2» و صحيحة سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل ضرب رجلًا بعصا فلم يرفع عنه حتّى قتل أ يدفع إلى أولياء المقتول؟ قال: «نعم و لكن لا يترك يعبث به و لكن يجاز عليه» «3» و في صحيحة الفضل بن عبد الملك برواية الصدوق عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا ضرب الرجل بالحديدة فذلك العمد» «4».

و على الجملة، إذا أراد الجاني بفعله القتل و ترتب عليه الموت يحسب ذلك القتل عمدياً حيث يعمّه ما دلّ على أنّ من قتل نفساً متعمّداً، و كذلك فيما إذا كان فعله بما يقتل مثله و ترتّب عليه موته و إن لم يكن قاصداً قتله كما يدلّ على ذلك التفرقة بين القتل عمداً و بين القتل شبيه العمد في صحيحة زرارة و أبي العبّاس المتقدّمة بأنّ: «العمد أن يتعمّده فيقتله بما يقتل مثله و الخطأ أن يتعمّده و لا يريد قتله يقتله بما لا يقتل مثله» فإنّ انحصار شبه العمد بما إذا لم يقصد القتل و إن كان فعله بما لا يقتل مثله مقتضاه أن مع قصد القتل يكون القتل عمدياً و إن لم يكن فعله بما يقتل عادة، و كذا مع عدم قصده القتل و لكن حصوله بما يقتل مثله حيث قيّد الإمام عليه شبه الخطأ بمجموع كلا الأمرين عدم قصد القتل و عدم كون فعله بما يقتل مثله.

أضف إلى ذلك ما ورد في معتبرة السكوني و صحيحة أبي العبّاس البقباق المتقدّمتين من أنّه «إذا ضرب الرجل بالحديدة فذلك العمد» و «جميع الحديد

______________________________

(1) وسائل الشيعة، 29: 40، الباب 11 من أبواب

القصاص في النفس، الحديث 13.

(2) وسائل الشيعة، 29: 40، الباب 11 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 14.

(3) وسائل الشيعة، 29: 39، الباب 11 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 12.

(4) من لا يحضره الفقيه 4: 105، الحديث 5195.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 9

..........

______________________________

عمد». و لا يخفى كما تقدّم في كتاب القصاص أنّه يعتبر في ترتّب القصاص على العمد كون القتل عدواناً و إذا كان بحقّ كما في مورد القصاص، و لو كان القصاص من الجروح فسرت إلى النفس فلا يترتّب عليه القصاص، و كذا إذا كان القتل عمداً من الجاني الذي لا يتعلّق عليه القصاص، كما إذا كان القاتل مجنوناً أو صغيراً أو كان أباً للمقتول أو كان مسلماً و المقتول كافراً أو كان حرّاً و المقتول رقّاً إلى غير ذلك ممّا تقدّم.

و تقدّم أيضاً أنّه من القتل بشبه العمد ما إذا قصد قتل شخص باعتقاد أنّه كافر حربي ثمّ ظهر بعد القتل أنّه مسلم، و كذا إذا قصد قتل زيد و اعتقد أنّ الجالس هو زيد فقتله ثمّ ظهر أنّه كان عمراً فإنّه لا يتعلّق في شي ء من الفرضين القصاص على الجاني، بل يكون عليه الدية، و لكن ربّما يشكل في إخراج الفرض الثاني عن القتل عمداً فيما كان كلّ من زيد و عمرو محقون الدم.

أقول: لا يتأمّل في ترتّب القصاص فيما كان من قصده قتل الجالس سواء كان زيداً أو عمراً و إن كان اعتقاده هو أنّه زيد، بخلاف ما إذا كان قاصداً قتل زيد فقط بحيث لو كان يحتمل أنّه عمرو ما قتله ففي الفرض لا مورد للقصاص؛ لأنّه لم يقصد قتل عمرو عدواناً عليه و قصده قتل

زيد عدواناً لا يوجب كون قتل عمرو عدواناً و لا يبعد أن يعمّ الفرض ما في صحيحة الحلبي، قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «العمد كلّ ما اعتمد شيئاً فأصابه بحديدة أو بحجر أو بعصا أو بوكزة فهذا كلّه عمد، و الخطأ من اعتمد شيئاً فأصاب غيره» «1» فإنّه يصدق في الفرض أنّه قصد زيداً و أصاب غيره، و نظير ذلك ما إذا قدّم الطعام المسموم إلى عمرو باعتقاد أنّه زيد لظلمة و نحوها فأكل عمرو فمات و كان قاصداً قتل زيد فقط فإنّه يثبت عليه الدية لا القصاص.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 36، الباب 11 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 3.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 10

و كذا الجناية على الأطراف تنقسم هذه الأقسام. (1)

______________________________

(1) قد تقدّم في كتاب القصاص أنّ الجناية في الأطراف أيضاً تنقسم بالأقسام الثلاثة و أنّ القسمة لاختلاف حكم الجناية فيها و يدلّ على جريان القصاص في الأطراف مع أنّه المتسالم عليه صحيحة إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام فيما كان من جراحات الجسد أنّ فيها القصاص أو يقبل المجروح دية الجراحة فيعطاها «1»، و صحيحته الأُخرى عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال قضى أمير المؤمنين عليه السلام في الجرح في الأصابع إذا أوضح العظم عشر دية الإصبع إذا لم يرد المجروح أن يقتصّ «2»، و كذا ما ورد في الجناية في الأعضاء كالعين و اليد و غيرهما ممّا يأتي، و قبل الروايات يدلّ على ثبوت القصاص في الأطراف قوله سبحانه:

«و الجروح قصاص» «3».

نعم، يأتي بعض الجروح و نحوها ممّا قام الدليل على عدم ثبوت القصاص فيها و

يؤيد الحكم بما رواه الشيخ باسناده عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن زيادة بن سوقة، عن الحكم بن عتيبة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت: ما تقول في العمد و الخطأ في القتل و الجراحات؟ قال: فقال: «ليس الخطأ مثل العمد، العمد فيه القتل و الجراحات فيها القصاص، و الخطأ في القتل و الجراحات فيها الديات» «4» و رواها في الفقيه «5» بسنده إلى هشام بن سالم و التعبير بالتأييد لضعف السند بالحكم بن عتيبة.

ثمّ إنّ المعيار في الجناية خطأً التي تعدّ شبه العمد و عبّر ذلك بالخطاء الذي

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 176، الباب 13 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 29: 176، الباب 13 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 2.

(3) سورة المائدة: الآية 45.

(4) تهذيب الأحكام 10: 174، الحديث 21.

(5) من لا يحضره الفقيه 4: 109، الحديث 5209.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 11

..........

______________________________

فيه شكّ ما إذا كان الفاعل قاصداً الفعل بما لا يقتل مثله و لم يكن من قصده القتل كما دلّ عليه صحيحة أبي العبّاس و زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام «1».

و قد ذكر خلاف في أنّه إذا قصد القتل بما لا يقتل مثله و اتّفق القتل فهل هذا ملحق بالقتل عمداً المترتّب عليه القصاص أو أنّه من القتل خطأً و الثابت فيه الدية على القاتل؟

و قد يقال بالثاني و يستدلّ على ذلك بأنّ القصد بما لا يقتل لا يكون إلّا كالقصد المجرد إلى القتل و كما أنّ القصد المجرد لا يوجب قصاصاً لو اتّفق الموت، و كذا قصده مع فعل ما لا يقتل عادة و بأنّ العمد فسّر في صدر

صحيحة أبي العباس و زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام «أن يتعمّده فيقتله بما يقتل مثله» «2» و مقتضى التقييد بما يقتل مثله أن لا يكون الفعل بما لا يقتل مثله عمداً.

و فيه أنّ القصد المجرّد مع عدم الفعل لا يوجب الاستناد ليترتّب عليه القصاص أو الدية لا على القاصد و لا على عاقلته، و ما ورد في صدر الصحيحة فلا دلالة فيه على أنّه إذا قصد القتل بالفعل الذي لا يقتل عادة مع ترتّب الموت عليه لا يكون قتلًا عمدياً، بل مدلولها أنّ قصد شخص و فعل ما يقتل مثله بذلك الشخص قتل عمدي إذا قتل سواء قصد بفعله هذا قتله أم لا.

و دعوى ظهور الصدر في قصد القتل لا يمكن المساعدة عليها؛ فإنّ قصد القتل بما يقتل مثله فرد غالبي من القتل، و لكن لا يخرج الصدر عن ظهورها الإطلاقي، و غاية الأمر أنّ الصدر لا يشمل صورة من القتل عمداً و هي ما لو قصد القتل بالفعل

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 7.

(2) وسائل الشيعة 29: 40، الباب 11 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 13.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 12

..........

______________________________

الذي لا يقتل عادة إذا ترتّب عليه الموت، و هذه الصورة تفهم من اعتبار الأمرين في شبه العمد أحدهما عدم إرادة القتل، و الثاني ترتّب الموت على الفعل بما لا يكون قاتلًا عادة.

و الحاصل أنّ القصد إلى القتل بالفعل الذي لا يقتل عادة مع ترتّبه عليه قتل عمد يعمّه قوله سبحانه: «و من قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً» «1».

و أمّا الخطاء المحض الذي عبّر عنه بالخطاء الذي لا شكّ فيه فهو ما إذا فعل و لم يقصد وقوعه

أو إصابته على أحد و لكن وقع و أصاب إنساناً فقتله أو جرحه، كمن رمى طيراً فأخطأ فأصاب إنساناً و قد ورد ذلك الحدّ في ذيل الصحيحة المتقدّمة «2» و غيرها من الروايات و مقتضى ذلك أنّه إذا لم يرد الفعل أصلًا بل لم يكن صدور فعل عن الشخص اختياراً بل الفعل وقع من غير اختيار و ترتّب عليه قتل شخص أو جرحه فلا يكون في البين ما يوجب القصاص أو الدية عليه أو على عاقلته، كمن أسقطه الريح من علو فوقع على إنسان فقتله بإصابته.

و ما عن جملة من الأصحاب من إدخال مثل ذلك في القتل خطاء لا أعرف لها وجهاً إلّا دعوى عدم ذهاب دم أحد هدراً و لكنّه لا يعمّ الموارد التي يحسب في العادة من قضاء اللّٰه المحض و تقديره، كما يدلّ على ذلك جملة من الروايات كصحيحة عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل وقع على رجل فقتله؟

قال: «ليس عليه شي ء» «3» و صحيحة محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليه السلام في الرجل يسقط على الرجل فيقتله، قال: لا شي ء عليه، و قال: من قتله القصاص فلا دية له «4».

______________________________

(1) سورة الإسراء: الآية 33.

(2) وسائل الشيعة 29: 40، الباب 11 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 13.

(3) وسائل الشيعة 29: 56، الباب 20 من أبواب القصاص في النفس، الحديث الأوّل.

(4) وسائل الشيعة 29: 56، الباب 20 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 2.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 13

[و أما مقادير الديات]

اشارة

ودية العمد: مائة بعير من مسان الإِبل، أو مائتا بقرة، أو مائتا حُلّة كلّ حلّة ثوبان من برود اليمن، أو ألف دينار، أو ألف

شاة. أو عشرة آلاف درهم (1)،

دية العمد

______________________________

(1) كون دية النفس في القتل عمداً أحد أُمور ستّة متسالم عليه بين الأصحاب و هي: مائة إبل أو مائتا بقرة أو مائتا حلّة و كلّ حلّة ثوبان أو ألف دينار أو ألف شاة أو عشرة آلاف درهم.

و يشهد لذلك صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: سمعت ابن أبي ليلى يقول: كانت الدية في الجاهلية مائة من الإبل فأقرّها رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله ثمّ إنّه فرض على أهل البقر مائتي بقرة، و فرض على أهل الشاة ثنيّة، و على أهل الذهب ألف دينار، و على أهل الورق عشرة آلاف درهم، و على أهل اليمن الحلل مائتي حلّة، قال عبد الرّحمن بن الحجاج: فسألت أبا عبد اللّه عما روى ابن أبي ليلى، فقال: كان علي عليه السلام يقول: الدية ألف دينار و قيمة الدينار عشرة دراهم، و عشرة آلاف لأهل الأمصار، و على أهل البوادي مائة من الإبل، و لأهل السواد مائتا بقرة أو ألف شاة «1».

و في صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: الدية عشرة آلاف درهم أو ألف دينار، قال جميل: قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام: الدية مائة من الإبل «2». و هذه لا تنافي ثبوت غير ذلك من الأنواع التي وردت في الصحيحة المتقدّمة و غيرها من البقرة أو الشاة، و صحيحة جميل بن درّاج في الدية قال: ألف دينار أو عشرة آلاف درهم و يؤخذ من أصحاب الحلل الحلل، و من أصحاب الإبل الإبل، و من أصحاب الغنم الغنم، و من أصحاب البقر البقر «3». و هذه الرواية و إن كانت رواية لقول جميل بن درّاج

______________________________

(1) وسائل الشيعة

29: 193، الباب الأوّل من أبواب ديات النفس، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 29: 195، الباب الأوّل من أبواب ديات النفس، الحديث 5.

(3) وسائل الشيعة 29: 195، الباب الأوّل من أبواب ديات النفس، الحديث 4.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 14

..........

______________________________

و لم يسند متنها إلى المعصوم عليه السلام إلّا أنّه لا يحتمل أن يلتزم جميل بن درّاج بما لم يسمعه منه عليه السلام و عدم ذكر الإمام عليه السلام، الحلل في ذيل صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج لا يدلّ على نفي كونها من أفراد الدية، و لكن إذا كان المراد من الحلّة مطلق ثوبين كما هو ظاهر الروايات فلا يناسب سائر أنواع الدية بل لا يناسب ما ورد من أنّ دية العبد قيمته ما لم يزد على الدية.

ثمّ إنّ الدية لا تكون تنويعه بحسب أصناف الناس بأن يختص كلّ نوع من الدية بصنف من الأشخاص بحيث لا يكون تخيير بين الأُمور الستّة عن ثبوت دية العمد بالمصالحة و التراضي عليها أو عدم إمكان القصاص؛ و ذلك فإنّ الظاهر من الروايات المتقدّمة و غيرها أنّ التنويع الوارد في الروايات كالتنويع الوارد في مواقيت الإحرام أو زكاة الفطرة بلحاظ تسهيل الأمر بالإضافة إلى أصناف الناس لا تعيّن كلّ نوع بصنف من الناس و على ذلك فالموارد التي ورد الأمر فيها بردّ الدية أو نصفها يؤخذ بالإطلاق فيها و يكون الأمر على التخيير بين الأُمور الستّة.

ثمّ إنّه ورد في بعض الروايات مقدار الدرهم باثني عشرة ألفاً من الدراهم كصحيحة عبد اللّٰه بن سنان قال: سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول: من قتل مؤمناً متعمّداً قيد منه إلّا أن يرضى أولياء المقتول أن يقلبوا الدية فإن رضوا

بالدية و أحب ذلك القاتل فالدّية اثنا عشر ألفاً أو ألف دينار أو مائة من الإبل و إن كان في أرض فيها الدنانير فألف دينار، و إن كان في أرض فيها الإبل فمائة من الإبل، و إن كان في أرض فيها الدراهم فدراهم بحساب ذلك اثنا عشر ألفاً «1». فإنّ ذكر الاثني عشر ألفاً مع كون الدية

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 196- 197، الباب الأوّل من أبواب ديات النفس، الحديث 9.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 15

..........

______________________________

عشرة آلاف يمكن أن يكون لاختلاف الدراهم بالإضافة إلى ألف دينار الذي هو مثقال شرعي من الذهب مطلقاً أو خصوص المسكوك منه أو أنها لرعاية التقيّة حيث إنّ اثني عشر ألفاً منسوب إلى العامّة.

قال الشيخ قدس سره- بعد ما قال: فقد ذكر الحسين بن سعيد و أحمد بن محمد بن عيسى معاً أنّه روى أصحابنا أنّ ذلك يعني اثني عشر ألف درهم من وزن ستّة-: و إذا كان ذلك كذلك فهو يرجع إلى عشرة آلاف «1». و يمكن أن يكون هذه الأخبار وردت للتقيّة؛ لأنّ ذلك مذهب العامّة.

و أيضاً قد ورد في بعض الروايات أنّ الدية بألفين من الغنم كما في صحيحة معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن دية العمد؟ فقال: «مائة من فحولة الإبل المسان فإن لم يكن إبل فمكان كلّ جمل عشرون من فحولة الغنم» «2» فإنّ ظاهرها عدم جواز الغنم مع وجود الإبل و مع عدمه يعطى بدل إبل عشرون من فحولة الغنم، و ليس من أصحابنا من يلتزم بذلك مع أنّها معارضة بالروايات التي لا يبعد دعوى تواترها الإجمالي بأنّ مقدار الغنم ألف في الدية.

نعم، لا يبعد تعيّن

الأخذ بما في صدرها من كون مائة إبل من المسان و الفحولة و يقيّد الإطلاق الوارد في بعض الروايات.

و دعوى أنّ عشرين شاة فيما إذا أُعطيت قيمة عن الإبل أيضاً لا يساعده الاعتبار فإنّ قيمة إبل لا يساوي عشرين شاة من فحولة الغنم مطلقاً.

______________________________

(1) التهذيب 10: 162، ذيل الحديث 24.

(2) وسائل الشيعة 29: 200، الباب 2 من أبواب ديات النفس، الحديث 2.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 16

..........

______________________________

ثمّ إنّ الماتن قدس سره قد قيّد الحلّة بل فسّرها بثوبين من برود اليمن، و قد تقدّم أنّ كون الحلّة من الدية لا بأس بالالتزام به لقول جميل بن دراج المتقدّم حيث يبعد أن يذكره من أنواع الدية من غير سماع عن الإمام عليه السلام و بما أنّ إطلاقها لا يمكن الأخذ به لعدم الاكتفاء بثلاثة حلل و ما فوق فلا بدّ من أن يؤخذ بالقدر المتيقّن في كونها دية، و القدر المتيقّن كونها مائتين و كونها من برود اليمن، و الاكتفاء بالأقل أي بمائة غير ثابت فإنّ في المروي في التهذيب مائتين حلّة و يحتمل كونها كذلك و كذا اعتبار كونها ثوبين حيث لم يحرز صدق الحلّة على ثوب واحد كما يظهر ذلك من جماعة من أهل اللغة، بل لا يبعد اعتبار كونها من برود اليمن حيث إنّ ذلك هو المتيقّن في الدّية لاعتبار ذلك فيها عن جماعة كالماتن و كالعلّامة و الشهيدين «1».

لا يقال: مقتضى البراءة هو عدم اعتبار كونهما من برود اليمن و الاكتفاء بمطلق ثوبين.

فإنّه يقال: لا مجال لأصالة البراءة في مثل المقام ممّا يكون جريانها خلاف الامتنان، بل يجري في المقام أصالة عدم اعتبار الدية لمطلق الثوبين و لا تعارض بأصالة

عدم اعتبارها لثوبين من برود اليمن، و الوجه في عدم التعارض أنّ الثوبين من برود اليمن يجزي في الدية قطعاً فلا مجال لأصالة عدم اعتبارها دية حيث لم تثبت كون الدية هي مطلق الثوبين.

اللهمّ إلّا أن يقال بعدم الإهمال في صحيحة جميل إلّا من حيث العدد، و أمّا كونها من برود اليمن فالإطلاق يدفعه.

______________________________

(1) المحقق في المختصر النافع: 294، و العلامة في قواعد الأحكام 3: 666، و المختلف 9: 429، و الشهيدين في اللمعة و شرحها 10: 176.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 17

و تُستأدى في سنة واحدة من مال الجاني مع التراضي بالدّية. (1)

أداء الدية مع التراضي

______________________________

(1) المراد أنّ دية العمد لا تكون حالًا مع التراضي بها بل يكون على الجاني التأخير في الأداء إلى سنة.

نعم، تأخيرها إلى ما بعد السنة لا بدّ من أن تكون بالتراضي من أوّل الأمر أو برضا أولياء الدم في التأخير بعد سنة.

و يشهد لما ذكر صحيحة أبي ولّاد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان علي عليه السلام يقول:

تستأدى دية الخطأ في ثلاث سنين و تستأدى دية العمد في سنة» «1» و مبدأ السنة فيما إذا كان ثبوتها بأصل الجناية كما في قتل الوالد ولده أو قتل العاقل المجنون أو الصغير، زمان تحقّق القتل، و فيما إذا كانت بالتراضي من حين التراضي بها و فيما إذا كانت لفوت مورد القصاص من حين فوته حيث إنّ ظاهر الصحيحة الأداء إلى تمام سنة و لو مع ثبوتها و لو بغير التراضي و هذا مع الإطلاق التراضي بالدية، و أمّا إذا وقع التراضي إلى أدائها حالًّا أو مؤجلًا بأزيد من السنة فلا بأس به لنفوذ الصلح، كما أنّه

إذا وقع التراضي بأزيد من الدية أو بأقل من مقدارها فإنّ الصلح جائز بين المسلمين.

دية القتل عمداً على الجاني لا على عاقلته

ثمّ إنّ الدية في القتل عمداً على الجاني لا على العاقلة و لا على بيت المال ففي الصحيح عن عبد اللّه بن سنان و ابن بكير جميعاً، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سئل عن المؤمن يقتل المؤمن متعمّداً هل له توبة؟ فقال: «إن قتله لإيمانه فلا توبة له، و إن كان قتله لغضب أو لسبب من أمر الدنيا فإنّ توبته أن يقاد منه، و إن لم يكن علم به انطلق إلى أولياء المقتول فأقرّ عندهم بقتل صاحبهم فإن عفوا عنه فلم يقتلوه أعطاهم الدية

______________________________

(1) وسائل الشيعة، 29: 205، الباب 4 من أبواب ديات النفس، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 18

..........

______________________________

و أعتق نسمة و صام شهرين متتابعين و أطعم ستّين مسكيناً توبة إلى اللّٰه عزّ و جلّ» «1» و ظاهرها أنّه هو المكلّف بإعطاء الدية.

و في موثّقة سماعة قال: سألته عمّن قتل مؤمناً متعمّداً هل له من توبة؟ قال: لا حتّى يؤدّي ديته إلى أهله و يعتق رقبة و يصوم شهرين متتابعين و يستغفر اللّٰه و يتوب إليه و يتضرّع فإنّي أرجو أن يتاب عليه إذا فعل ذلك، قلت: فإن لم يكن له مال؟ قال:

يسأل المسلمين حتّى يؤدّي ديته إلى أهله «2».

و في معتبرة السكوني، عن جعفر، عن أبيه أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال: «العاقلة لا تضمن عمداً و لا إقراراً و لا صلحاً» «3».

و ما ورد من أنّه إذا أقر القاتل عمداً فلم يقدر عليه يؤخذ الدية من ماله، و إن لم يكن له مال يؤخذ

من الأقرب فالأقرب، و ظاهر الأقرب فالأقرب العاقلة لا يوجب التعدّي عن مورده.

بقي في المقام أمران:

أحدهما: أنّهم اعتبروا في الإبل كون الدية منه من المسان و المسن و يطلق عليه الثني ما أكمل سنته الخامسة و دخل في السادسة و التحديد في ناحية الأقل و لا تحديد بالإضافة إلى الزيادة، و الوارد في جملة من الروايات مائة إبل و عنوان الإبل يصدق على غير الداخل في السادسة أيضاً إلّا أنّه يرفع اليد عن الإطلاق بما ورد في صحيحة معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن دية العمد؟ فقال: «مائة من

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 30، الباب 9 من أبواب القصاص في النفس، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 29: 34، الباب 10 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 5.

(3) وسائل الشيعة 29: 394، الباب 3 من أبواب العاقلة، الحديث 2.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 19

و هي مغلّظة في السنّ و الاستيفاء (1). و له أن يبذل من إبل البلد أو من غيرها، و أن يعطي من إبله أو إبل أدون أو أعلى إذا لم تكن مِراضاً و كانت بالصفة المشترطة.

و هل تُقبل القيمة السوقية مع وجود الإبل؟ فيه تردد، و الأشبه لا. و هذه الستة أُصول في نفسها، و ليس بعضها مشروطاً بعدم بعض، و الجاني مخيّر في بذل أيّها شاء.

______________________________

فحولة الإبل المسان فإن لم يكن إبل فمكان كلّ جمل عشرون من فحولة الغنم» «1» حيث إنّ ظاهرها اعتبار كونه من المسان و كونه فحلًا أي ذكراً فيتعيّن اعتبار الأمرين و ما في الصحيحة و غيرها من أنّ مع عدم الإبل يعطي مكان كلّ من الإبل الفحل- حيث إنّه ظاهر

الجمل المقابل للناقة التي يطلق على الأُنثى- عشرون من فحولة الغنم لا يضرّ باعتبار الصدر فلا وجه لما قيل بأنّها تحمل على التقيّة فإنّ الحمل على التقية بالإضافة إلى ما في ذيلها من الحكم لا ينافي بالإضافة الى ما ورد في صدرها من اعتبار الأمرين فلا موجب لحملها على التقية مع وجود الجمع العرفي بينها و بين المطلقات.

نعم، ما ورد في ذيلها من التحديد بعشرين غنم فحل مع عدم الإبل معارض بما تقدّم في الروايات من أنّ اللازم ألف شاة على التخيير.

ثانيهما: أنّ ما ورد في رواية الحكم بن عتيبة من كفاية ما حال عليه الحول فمع ضعف سندها بالحكم و معارضتها بصحيحة معاوية بن وهب و غيرها و عدم العامل بها من الأصحاب لا يمكن الاعتماد عليها.

(1) قد تقدّم أنّ الدية في القتل عمداً إذا ثبتت بالمصالحة فمقدارها و كيفية أدائها تابع للتراضي بين القاتل و أولياء المقتول و إذا ثبتت أصالة كما في قتل الوالد ولده أو قهراً كما في هرب القاتل و عدم الظفر به أو ما مات فمقداره ستّة أصناف، كما

______________________________

(1) رسائل الشيعة 29: 200، الباب 2 من أبواب ديات النفس، الحديث 2.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 20

..........

______________________________

أنّ الدية في القتل شبه الخطأ أو الخطأ المحض أيضاً ستّة أصناف، و لكنّ الاختلاف في بعض الشروط فإنّ دية العمد تستأدى في سنة واحدة و يعتبر كون المائة من الإبل المسان.

و ذكرنا أيضاً اعتبار كونها فحولة و لا يجب على القاتل إذا أراد إعطاء الدية من الإبل أن يعطي من إبله، بل له أداؤها من غير إبله بالاشتراء أو الاستيهاب و إن كان أدون من إبله أو أعلى.

و لكن

يعتبر أن لا تكون مراضاً، و يقال في وجه اعتبار عدم كونها مراضاً الانصراف إلى غير المراض.

و لكنّ إطلاق الاشتراط لا يخلو عن تأمّل فإنّه لو كان المرض ممّا هو عادي في الإبل و يعدّ من العارض الذي يترقّب البرء فالانصراف غير ثابت.

نعم، إذا كان ممّا يصعب تخلّص الحيوان و حصول البرء فدعوى الانصراف غير بعيدة و مرجع تشخيص أنّ المرض من أيّ القسمين نظر أهل الخبرة من أهل الإبل.

و على الجملة، مقتضى الإطلاق في كون الدية في القتل عمداً مائة إبل عدم الفرق بين إعطائها من إبله أو غيرها و كون المعطى أدون أم لا.

ثمّ إنّه يقع الكلام في أنّه هل للقاتل إلزام أولياء المقتول بأخذ القيمة للإبل أو غيرها من الأصناف أو ليس له إلّا التخيير بين الأصناف؟

و يظهر من جملة من كلمات الأصحاب أنّه إذا لم يتمكّن القاتل من دفع عين الصنف فله أن يدفع القيمة، كما هو ظاهر الماتن أيضاً حيث جعل مورد الكلام في حقّ القاتل في دفع القيمة في صورة وجود الإبل و اختار عدم حقّ له في إلزامهم فيه بقبول القيمة، و حيث إنّ الأصناف الباقية في الحكم المذكور متساوية يجري الإلزام بدفع القيمة في غير الإبل أيضاً، و لكن ظاهر ما ورد في الدية تخيير القاتل أو وليّه مع

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 21

..........

______________________________

موته أو فراره في الأصناف الستّة و يكون لأولياء المقتول الإلزام بدفع أحد الأصناف الستّة و دفع القيمة يحتاج إلى التراضي.

نعم، لو لم يوجد شي ء من الأصناف يجري التخيير للعلم بعدم سقوط الدية رأساً في القيمة لكلّ منها، و ما ورد في بعض الروايات التي أشرنا سابقاً من جعل بعض

الأصناف بدلًا فقد ذكرنا أنّه لا عامل بها من الأصحاب، و ينافيه ما ورد في أصناف الدية من ظهورها في تخيير القاتل، و أنّ التنويع الوارد بحسب أصناف الدية من أصحاب الإبل و البقر و الغنم و غيره ليس تنويعاً بحسب التكليف، بل للإرشاد و إلى تسهيل أمر الدية و التوسعة في أدائها، نظير ما ورد من التنويع في المواقيت و زكاة الفطرة و غيرها فيحمل تلك الرويات على التقيّة أو تأوّل.

و ممّا ذكرنا يظهر أنّ ما ورد في الأخبار من جعل الدينار و الدرهم صنفين من الأصناف الستّة ليس من قبيل دفع القيمة لسائر الأصناف، بل كلّ منهما صنف في عرض سائر الأصناف، و ظاهر الدينار و الدرهم هو الذهب و الفضة المسكوكة منهما بسكّة رائجة و حيث إنّ ذلك منقضية في مثل زماننا، يحتاج دفع الوزن أي بالمثقال الشرعي من الذهب و كذا الوزن من الفضة المساوي 6/ 12 حمّصة منها بالتراضي و إلّا بتعيين غيرها من الأصناف.

و إن أراد القاتل التبعيض بحسب الأصناف بأن يعطي خمسين من الإبل و خمسمائة شاة مثلًا فهذا أيضاً يحتاج إلى التراضي؛ لأنّ ظاهر ما ورد في تعيين الدية، التخيير بين الأصناف لا التخيير في التبعيض بينها، و التخيير بينها لا يلازم التخيير بين أبعاضها، و التخيير بينها للقاتل أو وليّه لا لأولياء المقتول فليس لهم إلزام القاتل بصنف من الأصناف بعينه مع التمكّن من عين الأصناف و مع عدم تمكّنه بقيمة صنف خاصّ منها.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 22

ودية شبيه العمد: ثلاث و ثلاثون بنت لبون، و ثلاث و ثلاثون حقّة و أربع و ثلاثون ثنيّة طروقة الفحل. و في رواية: ثلاثون بنت

لبون، و ثلاثون حقّة، و أربعون خلفة و هي الحامل. و يضمن هذه الدية الجاني دون العاقلة. (1)

دية شبيه العمد

______________________________

(1) ظاهر كلامه قدس سره أنّه اختار في دية شبه العمد أنّها أيضاً مائة إبل و لكن بالنحو التالي: ثلاث و ثلاثون بنت لبون، و ثلاث و ثلاثون حقّة، و أربع و ثلاثون ثنية طروقة الفحل، و المراد ببنت لبون الأُنثى من الناقة التي أكملت سنتين و تسمّى بنت لبون؛ لأنّ أُمّها وضعت غيرها و صارت ذات لبن، و حقّة بالكسر في الحاء ما أكمل سنتها الثالثة بحيث تقبل الحمل عليها، وثنية ما أكملت سنتها الخامسة بحيث طرقها الحمل فصارت حاملًا أو بلغت إلى ما تقبل طروق الفحل، و لكنّ الصحيح هو الثاني فإنّ الحامل هي الخلفة كما يأتي و في البين رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

دية الخطأ إذا لم يرد الرجل القتل مائة من الإبل أو عشرة آلاف من الورق أو ألف من الشاة و قال: دية المغلّظة التي تشبه العمد و ليست بعمد أفضل من دية الخطأ بأسنان الإبل: ثلاثة و ثلاثون حقّة، و ثلاثة و ثلاثون جذعة، و أربع و ثلاثون ثنية كلّها طروقة الفحل «1».

و لا يخفى أنّه لم يرد في هذه الرواية بنت لبون بل ورد حقة و جذعة وثنية و جذعة غير بنت لبون فإنّ جذعة ما يكون أكثر عمراً من حقة بسنة.

و ورد في صحيحة محمّد بن مسلم و زرارة و غيرهما عن أحدهما عليه السلام في الدّية قال: هي مائة من الإبل، إلى أن قال: قال ابن عمير: فقلت لجميل: هل للإبل أسنان معروفة؟ قال: نعم ثلاث و ثلاثون حقّة و ثلاث و

ثلاثون جذعة و أربع و ثلاثون ثنية إلى

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 200، الباب 2 من أبواب ديات النفس، الحديث 4.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 23

..........

______________________________

بازل عامها كلّها خلفة إلى بازل عامها، قال: و روى ذلك بعض أصحابنا عنهما «1».

و لا يبعد أن يكون بنت لبون في عبارة الماتن من غلط النسخة و كانت الأصل جذعة التي وردت في الروايتين و حيث إنّ ابن أبي عمير روى أسنان الإبل عن بعض أصحابنا عنهما عليه السلام و الرواية بنحو الإرسال فلا تصلح لرفع اليد عن التعيين الوارد في صحيحة عبد اللّه بن سنان قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: قال أمير المؤمنين عليه السلام في الخطأ و شبه العمد أن يقتل بالسوط أو بالعصا أو بالحجر أنّ دية ذلك تغلّظ و هي مائة من الإبل منها أربعون خلفة من بين ثنية إلى بازل عامها، و ثلاثون حقّة و ثلاثون بنت لبون، و الخطأ يكون فيه ثلاثون حقّة و ثلاثون ابنة لبون و عشرون بنت مخاض و عشرون ابن لبون ذكر «2». و لا يضرّ اشتمال ذيلها بما لا يعمل به للمعارضة أو الحمل على التقيّة.

و أمّا ما ورد في رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: دية الخطأ إذا لم يرد الرجل القتل مائة من الإبل أو عشرة آلاف من الورق أو ألف من الشاة، و قال: دية المغلظة التي تشبه العمد و ليست بعمد أفضل من دية الخطأ بأسنان الإبل: ثلاثة و ثلاثون حقة، و ثلاث و ثلاثون جذعة و أربع و ثلاثون ثنية كلّها طروقه الفحل «3».

فلضعفها سنداً و معارضتها بالصحيحة لا يمكن الاعتماد عليها، كما ذكرنا

أنّ الأمر في مرسلة جميل أيضاً كذلك و إن قبلنا الصحيحة التي ذكر فيها الحلل حيث يروي الحلل عن بعض أصحابه بل أخبر به و قلنا إنّه يبعد أن لا يسمعها عن الإمام عليه السلام.

و الحاصل المتعيّن هو الالتزام بأن الدية في شبه الخطأ بالإضافة إلى أسنان الإبل أربعون خلفة أي الحامل من بين ثنية إلى بازل عامها و ثلاثون حقة و ثلاثون جذعة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 201، الباب 2 من أبواب ديات النفس، الحديث 7.

(2) وسائل الشيعة 29: 199، الباب 2 من أبواب ديات النفس، الحديث الأوّل.

(3) وسائل الشيعة 29: 200، الباب 2 من أبواب ديات النفس، الحديث 4.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 24

..........

______________________________

و أمّا ما ذكر الماتن من كون الدية في شبه الخطأ على القاتل فهو متسالم عليه بين الأصحاب و لم ينسب «1» الخلاف إلّا إلى الحلبي «2» حيث ذهب إلى أنّها على العاقلة.

و لكن لا يساعده شي ء من الأدلة، بل مقتضى الخطابات الشرعيّة كون الدية في الخطأ على الجاني، سواء كان قتلًا أو جناية على الطرف، كما يشهد بذلك موثّقة أبي عبيدة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن أعمى فقأ عين صحيح؟ قال: إنّ عمد الأعمى مثل الخطأ هذا فيه الدية في ماله فإن لم يكن له مال فالدية على الإمام، و لا يبطل حقّ امرئ مسلم «3».

نعم، في صحيحة محمّد الحلبي المروية في باب (10) من العاقلة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل ضرب رأس رجل بمعول فسالت عيناه على خدّيه فوثب المضروب على ضاربه فقتله؟ قال: فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: هذان متعدّيان جميعاً فلا أرى على الذي قتل الرجل قوداً؛

لأنّه قتله حين قتله و هو أعمى، و الأعمى جنايته خطأ يلزم عاقلته يؤخذون بها في ثلاث سنين في كلّ سنة نجماً فإن لم يكن للأعمى عاقلة لزمته دية ما جنى في ماله يؤخذ بها في ثلاث سنين «4». و ظاهرها إلحاق جناية الأعمى بالقتل خطأً و يمكن التفرقة بين كون جنايته قتلًا أو جناية على الطرف فيعمل بالاولى في الثانية و بهذه الصحيحة في الأُولى.

و صحيحة أبي بصير ليث المرادي الواردة في قتل العاقل المجنون قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل قتل رجلًا مجنوناً؟ فقال: إن كان المجنون أراده فدفعه عن

______________________________

(1) نسبه في كشف اللثام 2: 495 (الحجرية)، و رياض المسائل 2: 530 (الحجرية).

(2) الكافي في الفقه: 396.

(3) وسائل الشيعة 29: 89، الباب 35 من أبواب القصاص في النفس، الحديث الأوّل.

(4) وسائل الشيعة 29: 399، الباب 10 من أبواب العاقلة، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 25

..........

______________________________

نفسه فقتله فلا شي ء عليه من قود و لا دية و يعطي ورثته ديته من بيت مال المسلمين، قال: و إن كان قتله من غير أن يكون المجنون أراده فلا قود لمن لا يقاد منه و أرى أنّ على قاتله الدية في ماله يدفعها إلى ورثة المجنون و يستغفر اللّٰه و يتوب إليه «1». فإنّه مع عدم ثبوت القصاص يجري على الجناية حكم شبه العمد.

و صحيحة زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل قتل رجلًا خطأً في أشهر الحرم؟ فقال: عليه الدية وصوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم، قلت: إنّ هذا يدخل فيه العيد و أيّام التشريق، قال: يصومه فإنّه حقّ لزمه «2».

و هذه الصحيحة و إن تعمّ الدية

في الخطأ المحض إلّا أنّه يرفع اليد عن إطلاقها بالروايات الدالّة على تحمّل العاقلة فيه الدية كالتي وردت في قتل الصبي و المجنون كصحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يجعل جناية المعتوه على عاقلته خطأً كان أو عمداً «3». و صحيحة الأُخرى عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: عمد الصبي و خطاه واحد «4». و موثقة إسحاق بن عمار، عن جعفر، عن أبيه: أنّ علياً عليه السلام كان يقول: عمد الصبيان خطأ يحمل على العاقلة «5».

و الحاصل مقتضى استناد القتل إلى شخص تحمّله الدية، و يستفاد ذلك أيضاً من روايات اخرى كصحيحة عبد اللّٰه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام عن رجل دفع رجلًا على رجل فقتله، فقال: الدية على الذي دفع على الرجل فقتله

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 71، الباب 28 من أبواب القصاص في النفس، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 29: 204، الباب 3 من أبواب ديات النفس، الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة 29: 400، الباب 11 من أبواب العاقلة، الحديث الأوّل.

(4) وسائل الشيعة 29: 400، الباب 11 من أبواب العاقلة، الحديث 2.

(5) وسائل الشيعة 29: 400، الباب 11 من أبواب العاقلة، الحديث 3.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 26

و قال المفيد رحمه الله: تستأدى في سنتين (1)، فهي إذن مخفّفة عن العمد، في السن و في الاستيفاء. و لو اختلف في الحوامل، رجع إلى أهل المعرفة. و لو تبيّن الغلط، لزم الاستدراك. و لو ازلقت بعد الإِحضار قبل التسليم، لزم الإِبدال. و بعد الإقباض لا يلزم.

______________________________

لأولياء المقتول، قال: و يرجع المدفوع بالدية على الذي دفعه قال: و إن أصاب المدفوع

شي ء فهو على الدافع أيضاً «1». و صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن رجل ينفر برجل فيعقره و تعقر دابّته رجلًا آخر قال: هو ضامن لما كان من شي ء «2». إلى غير ذلك ما لا يرفع اليد عنه إلّا بقيام الدليل على أنّ الدية على العاقلة.

(1) هذا هو المنسوب إلى المشهور حيث يقال إنّ ذلك مقتضى كون الدية في شبه العمد مخففة بالإضافة إلى دية العمد و مغلّظة بالإضافة إلى دية الخطأ المحض، و لكن لزوم كونها كذلك لم يقم عليه دليل، و مقتضى ما ورد في صحيحة أبي ولّاد المتقدّمة- عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان علي عليه السلام يقول: تستأدى دية الخطأ في ثلاث سنين و تستأدى دية العمد في سنة «3».- أنّها في هذا القسم أيضاً تستأدى في ثلاث سنين حيث إنّ الخطأ في مقابل العمد يعمّ ما فيه شكّ و ما ليس فيه شكّ على ما ورد في الروايات.

و المحكي «4» عن ابن حمزة أنّ هذه الدية مع كون الجاني موسراً تستأدى في سنة كدية العمد و إلّا في سنتين.

و التقسيم الوارد في صحيحة أبي ولّاد يقطع هذه التفصيل و لا وجه آخر له.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 57، الباب 21 من أبواب القصاص في النفس، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 29: 58، الباب 21 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 29: 205، الباب 4 من أبواب ديات النفس، الحديث الأوّل.

(4) حكاه السيد علي الطباطبائي في رياض المسائل 2: 530 (الحجرية).

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 27

ودية الخطأ المحض (1): عشرون بنت مخاض، و عشرون ابن لبون، و ثلاثون بنت لبون،

و ثلاثون حقة. و في رواية: خمس و عشرون بنت مخاض، و خمس و عشرون بنت لبون، و خمس و عشرون حقة، و خمس و عشرون جَذعة.

______________________________

ثمّ لا يخفى أنّه بناءً على اعتبار كون الأربعين من الإبل حوامل يعتبر أن يكون حين الدفع كذلك و يعلم كونها كذلك بالرجوع إلى أهل المعرفة للإبل و إن ظهر و لو بعد قبض أولياء المقتول أنّها أو بعضها لم تكن حوامل يتدارك لبقاء الحقّ و عدم أدائه و إذا ازلقت بعد الاحضار و قبل القبض بأن أسقطت حملها فلا يكون إعطاؤها من الدية إلّا بالمراضاة و إن لم يرضَ أولياء المقتول لزم الاستبدال لأنّهم لم يقبضوا الحقّ، بخلاف ما أسقطته بعد القبض فإنّ المعتبر في الدية كونها حوامل عند القبض لا الولادة بعد القبض كما لا يخفى.

دية الخطأ المحض

(1) المنسوب إلى المشهور أنّ الدية في الخطأ المحض عشرون بنت مخاض و عشرون ابن لبون و ثلاثون بنت لبون و ثلاثون حقة كما يشهد لذلك صحيحة عبد اللّه بن سنان المتقدّمة حيث ورد فيها بعد بيان دية شبه العمد و الخطأ يكون فيه ثلاثون حقّة و ثلاثون ابنة لبون و عشرون بنت مخاض و عشرون ابن لبون ذكر «1». و قد بيّنا اشتمال ذيلها لما لم يعمل به لا يوجب خللًا في الحكم في سائر فقراتها.

و لكن في رواية العلاء بن الفضيل، عن أبي عبد اللّه عليه السلام و الخطأ مائة من الإبل أو ألف من الغنم أو عشرة آلاف درهم أو ألف دينار و إن كانت من الإبل فخمس و عشرون بنت مخاض و خمس و عشرون بنت لبون و خمس و عشرون حقّة و خمس و عشرون

جذعة» «2» و ظاهرها تحديد دية الخطأ المحض في أسنان الإبل بما ذكر،

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 199، الباب 2 من أبواب ديات النفس، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 29: 198، الباب الأوّل من أبواب ديات النفس، الحديث 13.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 28

..........

______________________________

بقرينة التعرّض لدية شبه العمد بعد ذلك حيث ورد بعد ذلك: و الدية المغلظة في الخطاء الذي يشبه العمد الذي يضرب بالحجر و العصا الضربة و الاثنتين فلا يريد قتله فهي أثلاث: ثلاث و ثلاثون حقة ... الحديث.

و لكن الرواية لضعفها سنداً لوقوع محمّد بن سنان الراوي عن العلاء بن الفضيل، لا يمكن الاعتماد عليها بأن يقال الدية في الخطاء المحض على التخيير بالعمل بما ورد فيها أو ما ورد في صحيحة عبد اللّه بن سنان بالالتزام بأنّ الدية على التخيير واقعاً، و لا مجال لدعوى الشهرة؛ لأنّه لم يظهر العمل بها من جمع فضلًا عن المشهور.

نعم، حكي «1» ذلك عن ابن حمزة.

و مثل رواية العلاء بن الفضيل مرسلة العياشي في تفسيره عن عبد الرحمن عن أبي عبد اللّه عليه السلام «2».

قال الشيخ قدس سره في المبسوط و ابن إدريس في السرائر: إنّ دية الخطاء من الإبل عشرون بنت مخاض و عشرون ابن لبون و عشرون بنت لبون و عشرون حقة و عشرون جذعة «3»، و لكن لم يوجد فيما وصل إلينا من الأخبار ما يدلّ على ذلك، و أيضاً ورد في ذيل صحيحة جميل، عن محمّد بن مسلم و زرارة و غيرهما و زاد علي بن حديد في حديثه أنّ ذلك في الخطاء قال: قيل لجميل: فإن قبل أصحاب العمد الدية كم لهم؟ قال: مائة من الإبل إلّا أن يصطلحوا

على مال أو ما شاءوا غير ذلك «4». و قد ذكرنا أنّ ما رواه ابن أبي عمير عن جميل في أسنان الإبل غير معتبر؛ لأنّه رواه عن بعض

______________________________

(1) حكاه السيد علي الطباطبائي في رياض المسائل 2: 530 (الحجرية).

(2) تفسير العياشي 1: 265، الحديث 227.

(3) المبسوط 7: 115، السرائر 3: 322.

(4) وسائل الشيعة 29: 201، الباب 2 من أبواب ديات النفس، الحديث 7.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 29

و تُستأدى في ثلاث سنين، سواء كانت الدية تامّة أو ناقصة أو دية طرف. (1)

______________________________

أصحابنا فيكون بنحو الإرسال و رواية علي بن حديد غير معتبر في تفسيره أنّ ذلك في الخطاء فلا يرفع اليد عمّا تقدّم في صحيحة عبد اللّه بن سنان.

(1) قد تقدّم أنّه لا فرق بين دية شبه العمد و الخطاء المحض في أنّها تؤدى في ثلاث سنين، بمعنى أنّ الدية تعطى أثلاثاً كلّ ثلث منها في سنة بلا فرق بين دية الخطاء شبه العمد أو الخطاء المحض فإنّها ظاهر ما ورد في صحيحة أبي ولّاد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان علي عليه السلام يقول: «تستأدى دية الخطاء في ثلاث سنين، و تستأدى دية العمد في سنة» «1» و ظاهر الاستيداء في ثلاث سنين من غير تقييد هو التقسيط أثلاثاً بحيث يؤدّى ثلثه في السنة الاولى و ثلثه الآخر في الثانية و الثلث الأخير في الثالثة.

و يدلّ على ذلك أيضاً صحيحة محمّد الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل ضرب رأس رجل بمعول فسالت عيناه على خدّيه فوثب المضروب على ضاربه فقتله؟ قال: فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: هذان متعدّيان جميعاً فلا أرى على الذي قتل

الرجل قوداً؛ لأنّه قتله حين قتله و هو أعمى، و الأعمى جنايته خطأ يلزم عاقلته يؤخذون بها في ثلاث سنين في كلّ سنة نجماً فإن لم يكن للأعمى عاقلة لزمته دية ما جنى في ماله يؤخذ بها في ثلاث سنين و يرجع الأعمى على ورثة ضاربه بدية عينيه «2». فإنّ ظاهرها أنّ دية الخطأ على عاقلة الجاني تؤدّى في ثلاث سنين، و إذا لم يكن للجاني عاقلة فهي في ماله، و هذه الصحيحة و إن لا تعمّ دية غير النفس إلّا أنّ صحيحة ولّاد عامّة تعمّ دية النفس ودية الطرف سواء كانت تامّة أو ناقصة كدية المرأة، و سواء كانت مقدّرة أو غير مقدّرة فإنّ الدية شاملة للأرش أيضاً على ما تقدّم سابقاً.

و دعوى اختصاصها بدية النفس كما هو المحكي عن بعض كتبه لا وجه لها كما

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 205، الباب 4 من أبواب ديات النفس، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 29: 399، الباب 10 من أبواب العاقلة، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 30

فهي مخفّفة في السن و الصفة و الاستيفاء. و هي على العاقلة، لا يضمن الجاني منها شيئاً. (1)

______________________________

أنّ دعوى الاختصاص بالدية المقدّرة سواء كانت دية النفس أو دية الطرف كذلك، كما يجد ذلك موارد إطلاقاتها في الأخبار.

و يستفاد من صحيحة محمّد الحلبي و غيرها أنّه إذا لم يكن في مورد الجناية خطأً عاقلة للجاني تؤخذ الدية من مال الجاني.

و يلحق بذلك ما إذا لم تكن عاقلته متمكّناً من أدائها على ما يأتي في باب العاقلة.

ثمّ إنّه لو بنى على أنّ دية الطرف و الجروح المقدّرة منه و غير المقدّرة داخلة في مدلول صحيحة أبي ولّاد و يكون

مقتضاها تقسيط المقدّرة و الأرش مطلقاً بثلاثة أنجم سواء كان مساوياً لدية النفس أو زائداً عليها أو ناقصاً منها.

و القول بأنّها لو كانت بمقدار ثلث دية النفس تؤدى في السنة الأُولى، و إن كانت زائدة عليها و بمقدار الثلثين أو دونهما يؤدّى مقدار الثلث في السنة الأُولى و الزائدة في السنة الثانية، و لو كانت زائدة على الثلثين يؤدّى الزائد عنهما في السنة الثالثة.

لا يمكن المساعدة عليه بل مقتضى ظاهر صحيحة أبي ولّاد بإطلاقها هو التقسيط على ثلاثة أنجم في جميع الصور.

(1) قد تقدّم أنّ دية الخطأ المحض مخفّفة من حيث السنّ حيث يكفي فيها عشرون بنت مخاض أي الفصيل الانثى التي أكملت سنتها الأُولى بحيث تقبل أُمّها الحمل و إن لم تكن حاملًا و ليس فيها اعتبار الخلفة أي الحاملة و هذا من التخفيف في السّن و الوصف، و أمّا كونها مخفّفة من حيث الاستيفاء فقد تقدّم أنّه لا فرق بين دية الخطاء المحض ودية شبه العمد في أنّهما تستأديان في ثلاث سنين كما تقدّم أنّ كون دية الخطاء المحض على العاقلة أمر متسالم عليه بين الأصحاب بل عند المخالفين

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 31

و لو قتل في الشهر الحرم، أُلزم ديةً و ثلثاً، من أيّ الأجناس كان، تغليظاً. (1)

-

______________________________

أيضاً إلّا المحكي «1» عن الأصم.

نعم، المحكي «2» عن المفيد و سلّار ضمان الجاني الدية بحيث ترجع العاقلة إليه و لا نعرف لذلك وجهاً إلّا بعض الإطلاق ممّا لا بدّ من رفع اليد عنه.

نعم، لو لم يكن للجاني عاقلة أو كانوا فقراء فالدية على الجاني في ماله كما ورد في جناية الأعمى و يأتي الكلام فيه في بحث العاقلة.

القتل في الأشهر

الحرم

(1) قد تقدّم تقدير الدية في الأجناس الستّة و التقدير المذكور غير مراد إذا كان الجاني قتل في أشهر الحرم و هي رجب وذي القعدة الحرام وذي الحجّة و المحرم فإنّ الدية من أيّ الأجناس كانت، فيها تغليظ إذا وقع القتل في هذه الأشهر.

و لا فرق في ذلك بين ما كان القتل عمداً أو خطأً شبه العمد أو الخطأ المحض و لعلّ كلّ ذلك ممّا لا خلاف فيه بين الأصحاب.

و يدلّ عليه معتبرة كليب الأسدي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يقتل في الشهر الحرام ما ديته؟ قال: «دية و ثلث» «3» و المناقشة في السند بأنّه لم يثبت توثيق لكليب لا مجال لها، فإنّه من المعاريف الذي لم يذكر فيه قدح سوى القول بأنّه واقفي مع أنّه روى الكليني قدس سره عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى، عن الحسين بن المختار، عن زيد الشحام، عن أبي عبد اللّه عليه السلام «4» ما يدلّ على حسن حاله، و مقتضى المعتبرة عدم الفرق في

______________________________

(1) حكاه ابن إدريس في السرائر 3: 334، و النووي في المجموع 19: 143.

(2) حكاه السيد الخوئي في مباني تكملة المنهاج 2: 197.

(3) وسائل الشيعة 29: 203، الباب 3 من أبواب ديات النفس، الحديث الأوّل.

(4) الكافي 1: 390-/ 391، الحديث 3.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 32

و هل يلزم مثل ذلك في حرم مكّة؟ (1) قال الشيخان: نعم، و لا يعرف التغليظ في الأطراف.

______________________________

التغليظ بين كون القتل عمداً أو خطأً.

و في الصحيح المروي في الفقيه باسناده عن أبان، عن زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عليه

دية و ثلث» حيث روى في الفقيه قبل هذا الحديث عن ابن محبوب، عن علي بن رئاب، عن زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل قتل رجلًا خطأً في أشهر الحرم؟ قال: عليه الدية وصوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم، قلت: إنّ هذا يدخل فيه العيد و أيّام التشريق؟ فقال: يصومه فإنّه حقّ لزمه، ثمّ قال و في رواية أبان عن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام عليه دية و ثلث «1».

(1) المشهور بين الأصحاب قديماً و حديثاً أنّه يلحق القتل في حرم مكّة بالقتل في أشهر الحرم في التغليظ، و لكن يظهر من الماتن و جماعة أُخرى التوقّف في الإلحاق.

و يستدلّ على الإلحاق بصحيحة زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: رجل قتل في الحرم؟ قال: عليه دية و ثلث و يصوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم، قال: قلت: هذا يدخل فيه العيد و أيّام التشريق؟ فقال: يصومه فإنّه حقّ لزمه «2».

و بما رواه الكليني قدس سره عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبان بن تغلب، عن زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: رجل قتل رجلًا في الحرم؟ قال:

عليه دية و ثلث و يصوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم و يعتق رقبة و يطعم ستين مسكيناً، قال: قلت: يدخل في هذا شي ء؟ قال: و ما يدخل؟ قلت: العيدان و أيام التشريق، قال: يصوم فإنّه حقّ لزمه «3».

______________________________

(1) الفقيه 4: 110، الحديث 5212-/ 5213.

(2) وسائل الشيعة 29: 204، الباب 3 من أبواب ديات النفس، الحديث 3.

(3) الكافي 4: 140، الحديث 9.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 33

..........

______________________________

و لكنّ في الاستدلال بهما على الإلحاق تأمّلًا

فإنّ صحيحة زرارة يحتمل أن يكون الوارد في السؤال الحرم و هو جمع الحرام أي قتل في أشهر الحرم لا الحرم أي حرم مكّة، و يؤيّد كونه جمعاً ما ورد في ذيلها هذا: «يدخل فيه العيد و أيّام التشريق» و كذلك الحال فيما رواه الكليني مع أنّ في السند أيضاً على رواية الكليني قدس سره و كذا في دلالته إشكالًا فإنّ ابن أبي عمير يروي عن أبان بن تغلب و ابن أبي عمير لم يلاقِه، فإنّ أبان بن تغلب توفي في زمان الصادق عليه السلام و ابن أبي عمير لم يدرك الصادق عليه السلام أصلًا، إلّا أن يلتزم بالسهو في النسخة بأن يكون الأصل بن أبي عمير عن أبان بن عثمان أو أبان و فسّر سهواً بأبان بن تغلب، و يؤيده أنّ الراوي عن زرارة في سائر الروايات هو أبان بن عثمان.

و أمّا المتن ففيه أيضاً أنّه لا يدخل في صوم شهري العيدين اللهم إلّا أن يقال المراد لزوم محذور صوم يوم العيدين المعلوم المعروف عند المتشرعة حيث إنّ المحذور في صوم كلّ منهما ثابت عندهم فيلزم في الفرض صوم يوم الأضحى و صومه من صوم يوم العيدين.

و على الجملة، إلحاق حرم مكّة بأشهر الحرم في الحكم مشكل، و كون حرمة الحرم و مكّة أقوى من حرمة أشهر الحرم لا يكون دليلًا على الإلحاق حيث لا يعلم أنّ مجرد حرمة أشهر الحرم تمام ملاك الحكم كما ذكرنا ذلك في نظائر المقام؛ و لذا يجري التغليظ في أشهر الحرم حتّى فيما إذا كان القتل بنحو الخطاء المحض، و إذا كان جريان التغليظ في القتل في الحرم مشكلًا يكون التعدّي إلى سائر المحترمات كالقتل في حرم النبي

صلى الله عليه و آله و سائر الأئمة أشكل.

ثمّ إنّ التغليظ في الدية في القتل في أشهر الحرم لا يختصّ بما إذا كان القاتل أو المقتول مسلماً، بل يجري حتّى فيما كان المقتول كافراً كما هو مقتضى الروايات

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 34

..........

______________________________

و دعوى أنّ تعقيب التغليظ بالتكفير يكون قرينة على الاختصاص بناءً على عدم ثبوت التكفير فيما إذا كان القاتل أو المقتول كافراً كما ترى.

نعم، الموضوع للتغليظ في الدية في الروايات القتل و لا موجب للالتزام بالتغليظ في الجناية على الأطرف فالالتزام به في الجروح لا وجه له، بل مقتضى ما ورد في دية الأطراف و الجروح عدم الفرق بين وقوع الجناية في أشهر الحرم أو غيرها، و من هنا لم يحرز الالتزام به فيها من أحد من أصحابنا.

بقي في المقام ما ورد في الروايات المتقدّمة من أمر الكفّارة فإنّ الكفّارة في قتل العمد هي كفّارة الجمع، بلا فرق بين القتل في أشهر الحرم أو غيرها، و لكن إذا وقع القتل في أشهرها فالواجب على الجاني الصيام في نفس أشهر الحرم كما ورد في صحيحة زرارة قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام: «إذا قتل الرجل في شهر حرام صام شهرين متتابعين من أشهر الحرام» «1» حيث إنّ ظاهرها تعيّن كون الصيام في أشهر الحرم و في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان و ابن بكير جميعاً، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سئل عن المؤمن يقتل المؤمن متعمّداً إلى أن قال: فقال: «إن لم يكن علم به انطلق إلى أولياء المقتول فأقرّ عندهم بقتل صاحبه فإن عفوا عنه فلم يقتلوه أعطاهم الدية و أعتق نسمة و صام شهرين متتابعين

و أطعم ستّين مسكيناً توبة إلى اللّٰه عزّ و جلّ» «2» و نحوها غيرها.

و أمّا إذا كان القتل خطأً فالمشهور أنّ الكفّارة مرتّبة كما يقتضيه إطلاق صحيحة عبد اللّه بن سنان قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: كفّارة الدّم إذا قتل الرجل مؤمناً متعمّداً- إلى أن قال-: و إذا قتل خطأً أدّى ديته إلى أوليائه ثمّ أعتق رقبة فإن لم يجد صام شهرين متتابعين فإن لم يستطع أطعم ستّين مسكيناً مدّاً مدّاً، و كذلك إذا وهبت له

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 203-/ 204، الباب 3 من أبواب ديات النفس، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 29: 30، الباب 9 من أبواب قصاص في النفس، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 35

..........

______________________________

دية المقتول فالكفارة عليه فيما بينه و بين ربّه لازمة «1». و صحيحة أبي المغراء، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يقتل العبد خطأً، قال: عليه عتق رقبة، و صيام شهرين متتابعين، و صدقة على ستّين مسكيناً، قال: فإن لم يقدر على الرقبة كان عليه الصيام فإن لم يستطع الصيام فعليه الصدقة «2». فإنّ مقتضى الإطلاق في الروايات عدم الفرق في الكفّارة بين القتل في أشهر الحرم و غيره؛ و لذا لم يلتزم أحد من الأصحاب بالتغليظ.

نعم، ذكر بعض الأصحاب أنّ المتعيّن في القتل خطأً صوم شهرين من أشهر الحرم إذا وقع القتل في أشهرها و أنّه لا ترتيب في الخصال في هذه الصورة، و في كفّارة قتل العمد و إن يجب الجمع بين الخصال إلّا أنّه لا بدّ مع وقوع القتل في أشهر الحرم من الصوم في أشهر الحرم؛ و ذلك لما ورد في صحيحة زرارة قال: سمعت أبا جعفر

عليه السلام يقول: «إذا قتل الرجل في شهر حرام صام شهرين متتابعين من أشهر الحرم» «3» و ظاهرها تعيّن الصوم في أشهر الحرم إذا كان القتل فيه عمداً أو خطأً.

و إطلاق هذه الصحيحة و إن ينفي وجوب عتق الرقبة و الإطعام إلّا أنّه يرفع عن هذا الإطلاق بما دلّ على وجوب كفّارة الجمع في القتل عمداً.

و أمّا بالإضافة إلى القتل خطأً فيؤخذ بها و بالأُخرى من أنّ الكفّارة خصوص صيام شهرين من أشهر الحرم إذا وقع القتل خطأً فيها و هي صحيحة زرارة قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السلام رجل قتل رجلًا خطأً في أشهر الحرم؟ فقال: عليه الدية وصوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم، قلت: إنّ هذا يدخل فيه العيد و أيّام التشريق، قال:

______________________________

(1) وسائل الشيعة 22: 374، الباب 10 من أبواب الكفّارات، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 29: 34، الباب 10 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة 29: 203-/ 204، الباب 3 من أبواب ديات النفس، الحديث 2.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 36

..........

______________________________

يصومه فإنّه حقّ لزمه «1». فيكون الترتّب في الخصال مختصّاً بالقتل خطأً إذا وقع القتل في غيرها، و لكن يمكن أن يقال بحمل الصحيحة على أنّ صوم شهرين في كفّارة القتل لا بدّ من أن يقع في أشهر الحرم إذا وقع القتل فيها، و أمّا أنّ هذه الكفّارة بنحو المتعيّن أو بنحو الترتّب فيؤخذ في الخطاء بما دلّ على الترتّب.

نعم، بما أنّ عتق العبد غير ميسور في مثل زماننا يتعيّن الصوم فإن وقع القتل في أشهر الحرم فالواجب صيام شهرين من أشهر الحرم؛ و لذا لا أظن أن يلتزم القائل بسقوط الكفّارة عن القاتل خطأً إذا

لم يتمكّن من صيام شهرين بأن لا يجب عليه حتّى إطعام ستّين مسكيناً.

و ما ذكر قدس سره من أنّه يرفع عن إطلاقها في القتل عمداً بما دلّ على وجوب الجمع في القتل عمداً ففيه أنّ النسبة بينهما العموم من وجه لاختصاص الصحيحة بالقتل في أشهر الحجّ، كان عمداً أو خطأً، و اختصاص ما دلّ على كفّارة الجمع بالقتل عمداً و عمومها بالإضافة إلى القتل في أشهر الحجّ أو غيرها هذا مع قطع النظر عمّا ذكرنا من الجمع.

ثمّ إنّ الظاهر عدم الفرق في وجوب الكفّارة على الجاني في القتل خطأً بين شبه العمد و الخطاء المحض و إن كان أداء الدية على الجاني يوجب ظهورها في خصوص القتل بنحو شبه العمد إلّا أنّ هذا لا ينافي ظهور ما لا يشتمل عليه في القتل مطلقاً كالصحيحة الأُولى مع أنّه يمكن الالتزام بأنّ في القتل خطاء محض الدية على الجاني، و أداءها على العاقلة تكليف محض يتعيّن الرجوع بها على الجاني إذا لم يمكن استيفاؤها من العاقلة لفقدها أو فقرها، و يأتي الكلام في ذلك في بحث العاقلة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 204، الباب 3 من أبواب ديات النفس، الحديث 4.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 37

[فرع]

فرع: لو رمى في الحلّ إلى الحرم فقتل فيه، لزم التغليظ. و هل يغلظ مع العكس؟ فيه تردّد و لا يُقتص من الملتجئ إلى الحرم فيه و يُضيّق عليه في المطعم و المشرب حتّى يخرج. و لو جنى في الحرم، اقتص منه لانتهاكه الحرمة. و هل يلزم مثل ذلك في مشاهد الأئمة عليهم السلام؟ قال: به في النهاية. (1)

______________________________

ثمّ إنّ ما ورد في الروايات من لزوم الصوم يوم العيد إنّما

هو فيما إذا وقع القتل في أثناء ذي القعدة، و أمّا إذا وقع في رجب أو في الليلة الأُولى من ذي القعدة فيمكن له صوم ذي القعدة بتمامه و يوماً من ذي الحجة ثمّ يصوم البقيّة في الشهور الآتية؛ لأنّ صوم شهرين متتابعين يتحقّق بصيام شهر و يوم آخر على ما ورد من الرواية الدالّة عليه الحاكمة على ما دلّ على وجوب شهرين متتابعين في كلّ مورد كموثقة سماعة بن مهران قال: سألته عن الرجل يكون عليه صوم شهرين متتابعين أ يفرق بين الأيّام؟ فقال: «إذا صام أكثر من شهر فوصله ثمّ عرض له أمر فأفطر فلا بأس فإن كان أقلّ من شهر أو شهراً فعليه أن يعيد الصيام» «1».

و لكن لا يبعد أن يقال لا بأس بإتمام الشهرين من الأشهر الحرم و لو بالصوم يوم العيد أخذاً بإطلاق الروايات في القتل في أشهر الحرم.

فرع: لو رمى في الحلّ إلى الحرم فقتل فيه

(1) قد تقدّم أنّ التغليظ في الدية يختص بالقتل في أشهر الحرم، و أمّا القتل في الحرم فلا دليل على التغليظ فيه حتّى يجري البحث في الفرض من جهة تغليظ الدية.

نعم، لو تمّ الدليل على التغليظ في صورة القتل في الحرم فلا يبعد التفصيل بين ما إذا رمى من الحلّ فأصاب المقتول في الحرم فقتله؛ لأنّ ظرف القتل هو الحرم بخلاف العكس فإنّ ظرف القتل و هو زهوق روح المقتول خارجه و إصابة الجرح

______________________________

(1) وسائل الشيعة 10: 372، الباب 3 من أبواب بقية الصوم الواجب، الحديث 5.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 38

..........

______________________________

الموجب له في خارجه فلا يلحق عليه التغليظ.

و أمّا ما ذكره قدس سره من أنّه لا يقتصّ من

الملتجئ إلى الحرم في الحرم بل يضيّق عليه في المطعم و المشرب حتّى يخرج من الحرم و يقتصّ منه في خارجه فلا خلاف فيه بين الأصحاب، و الظاهر عدم الفرق بين كون جنايته هو القتل أو غيره كما هو مقتضى الروايات الواردة، بل مقتضاها عدم الفرق بين الجناية الموجبة للقصاص و بين موجب الحدّ، كما لا خلاف في أنّه إذا كانت جنايته في الحرم يجوز الاقتصاص و إجراء الحدّ عليه فيه؛ لأنّه لم يرَ للحرم حرمة.

و يشهد لذلك صحيحة معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل قتل رجلًا في الحلّ ثمّ دخل الحرم؟ فقال: لا يقتل و لا يطعم و لا يسقى و لا يبايع و لا يؤذى حتّى يخرج من الحرم فيقام عليه الحدّ، قلت: فما تقول في رجل قتل في الحرم أو سرق؟ قال: يقام عليه الحدّ في الحرم صاغراً؛ لأنّه لم يرَ للحرم حرمة و قد قال اللّٰه عزّ و جلّ «فَمَنِ اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ» فقال: هذا هو في الحرم، و قال «فَلٰا عُدْوٰانَ إِلّٰا عَلَى الظّٰالِمِينَ» «1».

و صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن قول اللّٰه عزّ و جلّ: «وَ مَنْ دَخَلَهُ كٰانَ آمِناً» قال: إذا أحدث العبد في غير الحرم جناية ثمّ فرّ إلى الحرم لم يسع لأحد أن يأخذه في الحرم و لكن يمنع من السوق و لا يبايع و لا يطعم و لا يسقى و لا يكلّم فإنّه إذا فعل ذلك يوشك أن يخرج فيؤخذ و إذا جنى في الحرم جناية أُقيم عليه الحدّ في الحرم؛ لأنّه لم يرعَ للحرم حرمة «2».

______________________________

(1) وسائل الشيعة

13: 225، الباب 14 من أبواب مقدمات الطواف، الحديث الأوّل. و الآيتان 94 و 93 في سورة البقرة.

(2) وسائل الشيعة 13: 226، الباب 14 من أبواب مقدمات الطواف، الحديث 2.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 39

ودية المرأة على النصف من جميع الأجناس. (1)

______________________________

و صحيحة حفص بن البختري قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يجني الجناية في غير الحرم ثمّ يلجأ إلى الحرم أ يقام عليه الحد؟ قال: لا، و لا يطعم و لا يسقى و لا يكلّم و لا يبايع فإنّه إذا فعل ذلك به يوشك أن يخرج فيقام عليه الحدّ و إذا جنى في الحرم جناية اقيم عليه الحدّ في الحرم؛ لأنّه لم يرَ للحرم حرمة «1». إلى غير ذلك.

ثمّ تعرّض قدس سره بأنّه هل يجري ذلك فيمن التجأ إلى حرم النبي صلى الله عليه و آله أو حرم أحد المعصومين عليه السلام اقتصر حكاية الجريان عن الشيخ في النهاية «2». و يستدلّ على الجريان بأنّ حرم رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و مشاهد الأئمة أشرف و أولى حرمة من الحرم في مقابل الحلّ، بل ذكر في التحرير أنّ المراد من المشهد البلد لا خصوص الروضة المنورة و الصحن الشريف «3» و الحاصل أنّه إذا ثبت الحكم في الحرم في مقابل الحلّ ثبت فيما ذكر؛ لأنّه أكثر و أولى حرمة.

أقول: كون مشاهدهم عليهم السلام فضلًا عن حرم رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله أولى حرمة من الحرم المقابل للحلّ و إن كان ممّا لا ريب فيه إلّا أنّ كون تمام ملاك الحكم الوارد في تلك الروايات مجرّد حرمة الحرم و لا دخل فيه غيره من غير

ورود خطاب شرعي في غير الحرم، غير ظاهر، و اللّٰه العالم.

و لا يخفى أنّ المناسب لذكر هذا الحكم، شرائط القصاص أو باب أحكام الحرم لا الديات و لم يظهر وجه لمناسبة ذكر الماتن إيّاه في المقام.

دية المرأة

(1) بلا خلاف من أصحابنا بل من المخالفين أيضاً إلّا ما عن ابن علية

______________________________

(1) وسائل الشيعة 13: 227، الباب 14 من أبواب مقدمات الطواف، الحديث 5.

(2) النهاية: 702.

(3) استظهره في الجواهر 43: 32. و لم نعثر عليه في التحرير.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 40

..........

______________________________

و الأصم «1» حيث إنّهما قالا: ديتها كدية الرجل.

و يدلّ على التنصيف في دية النفس بلا فرق بين الكبيرة و الصغيرة و العاقلة و المجنون و سليمة الأعضاء و غيرها و المؤمنة و غيرها من الفرق المسلمين غير واحد من الروايات كصحيحة عبد اللّه بن مسكان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام حيث ورد فيها: دية المرأة نصف دية الرجل «2». و صحيحة عبد اللّٰه بن سنان قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول في رجل قتل امرأته متعمداً فقال: «إن شاء أهلها أن يقتلوه و يؤدّوا إلى أهله نصف الدية و إن شاءوا أخذوا نصف الدية خمسة آلاف درهم» «3».

و في صحيحة الحلبي و أبي عبيدة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سئل عن رجل قتل امرأة خطأً و هي على رأس الولد تمخض، قال: «عليه الدية خمسة آلاف درهم، و عليه للذي في بطنها غرة وصيف أو وصيفة أو أربعون ديناراً» «4».

و صحيحة محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام في الرجل يقتل المرأة، قال:

«إن شاء أولياؤها قتلوه و غرموا خمسة آلاف درهم لأولياء المقتول، و إن

شاءوا أخذوا خمسة آلاف درهم من القاتل» «5» و إلى غير ذلك و مقتضى الإطلاق في مثل صحيحة عبد اللّه بن مسكان عدم الفرق بين أجناس الدية، و ما ورد من خمسة آلاف درهم مثل ما ورد في بعض الروايات دية الرجل عشرة آلاف درهم ناظر إلى صورة تأديتها من الدرهم و إلّا فلا خصوصية للدرهم إلّا ما ورد في بعض الروايات من سهولة أدائها منه لوفور الدرهم بالإضافة إلى أهل الأمصار.

______________________________

(1) حكاه عنهما الشيخ في الخلاف 5: 254، المسألة 63. و النووي في المجموع 19: 54.

(2) وسائل الشيعة 29: 205، الباب 5 من أبواب ديات النفس، الحديث الأوّل.

(3) وسائل الشيعة 29: 205، الباب 5 من أبواب ديات النفس، الحديث 2.

(4) وسائل الشيعة 29: 206، الباب 5 من أبواب ديات النفس، الحديث 3.

(5) وسائل الشيعة 29: 206، الباب 5 من أبواب ديات النفس، الحديث 4.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 41

ودية ولد الزنا إذا أظهر الإِسلام دية المسلم (1)، و قيل: دية الذمي، و في مستند ذلك ضعف.

______________________________

كما أنّ مقتضى الإطلاق فيها عدم الفرق بين كون الدية دية النفس أو دية الجراحات و الأطراف فإنّها في ذلك كلّه في المرأة نصف دية الرجل.

نعم، تساوي فيهما دية المرأة دية الرجل إلى الثلث و إذا بلغت رجعت ديتها إلى النصف كما يدلّ عليه الروايات.

منها صحيحة أبان بن تغلب المستفاد منها عدم الفرق بين دية الرجل و المرأة في أجناس الدية أيضاً قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ما تقول في رجل قطع إصبعاً من أصابع المرأة كم فيها؟ قال: عشرة من الإبل، قلت: قطع اثنتين؟ قال: عشرون، قلت:

قطع ثلاثاً؟ قال: ثلاثون، قلت: قطع أربعاً؟

قال: عشرون، قلت: سبحان اللّٰه يقطع ثلاثاً فيكون عليه ثلاثون و يقطع أربعاً يكون عليه عشرون؟! إنّ هذا كان يبلغنا و نحن بالعراق فنبرأ ممّن قاله و نقول: الذي جاء به شيطان، فقال: مهلًا يا أبان هذا حكم رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله إنّ المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث الدية فإذا بلغت الثلث رجعت إلى النصف، يا أبان إنّك أخذتني بالقياس و السنّة إذا قيست محق الدين «1». و موثّقة سماعة قال: سألته عن جراحة النساء، فقال: «الرجال و النساء في الدية سواء حتّى تبلغ الثلث، فإذا جازت الثلث فإنّها مثل نصف دية الرجل» «2» إلى غير ذلك.

دية ولد الزنا

(1) ظاهر كلام الماتن أنّ ولد الزنا إذا أظهر الإسلام فديته دية المسلم و مع عدم الإظهار لم تثبت له دية.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 352، الباب 44 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 29: 352، الباب 44 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 42

..........

______________________________

نعم، قيل و القائل السيد المرتضى «1» و الصدوق «2» (قدّس سرهما) إنّ دية ولد الزنا دية الذمّي أي ثمانمائة درهم إذا كان ذكراً و إن كان أُنثى فأربعمائة درهم بلا فرق بين إظهاره الإسلام و عدمه.

و ما ذكره قدس سره من ثبوت دية المسلم إذا أظهر الإسلام هو ممّا لم يوجد فيه مخالف ممّن تأخر عن المصنف كما في الجواهر «3»، بل هو المنسوب إلى المشهور قديماً و حديثاً.

نعم، المحكي عن حواشي الشهيد أنّه إذا لم يظهر الإسلام فديته دية الذمّي «4».

و المتحصّل أنّ في دية ولد الزنا ثلاثة أقوال:

الأوّل: ثبوت دية المسلم إذا أظهر الإسلام و إلّا فلا دية له.

الثاني:

أنّه إذا أظهر الإسلام أو لم يظهر فديته دية الذمّي.

الثالث: التفصيل بين إظهاره الإسلام تكون ديته دية المسلم و إلّا يكون ديته دية الذمّي.

و لا يخفى أنّ ما ورد في دية النفس ودية الأطراف يعمّ المولود للمسلم و لو كان زانياً و الخارج عنه الكافر سواء كان ذمياً أو غيره، و يعلم بخروج الكافر ما ورد في دية الذمّي بأنّه ثمانمائة درهم كما يأتي، و إذا كان الذمّي خارجاً يخرج غيره يعني الكافر الحربي قطعاً و لم يثبت فيه حتّى دية الذمّي.

و على الجملة، فالمولود من المسلم الزاني بل من الزانيين المسلم و المسلمة

______________________________

(1) رسائل المرتضى 1: 254.

(2) من لا يحضره الفقيه 4: 153، الحديث 5340.

(3) جواهر الكلام 43: 33.

(4) انظر جواهر الكلام 43: 34.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 43

..........

______________________________

داخل فيما دلّ على كون دية النفس من الأجناس، بل الولد المفروض محكوم بالإسلام كما يظهر ذلك ممّا ورد في جواز أكل ذبيحة ولد الزّنا.

و في صحيحة صفوان بن يحيى، قال: سأل المرزبان أبا الحسن عليه السلام عن ذبيحة ولد الزنا قد عرفناه بذلك؟ قال: «لا بأس به» «1» الحديث و لو كان محكوماً بالكفر حتّى فيما أظهر الإسلام لم يجز أكل ذبيحته لاشتراط إسلام الذابح.

و ممّا ذكرنا من الأقوال في المسألة و غيره يعلم أنّه لا اعتبار بكلام محكي «2» عن المرتضى قدس سره حيث قال بعد ذكر مختاره و الحجة على ذلك بعد الإجماع المتردّد أنّا قد بيّنا أنّ مذهب الطائفة أنّ ولد الزنا لا يكون قطّ طاهراً و لا مؤمناً بإيثاره و اختياره و إن أظهر الإيمان و هم على ذلك قاطعون و به عاملون فإذا كانت هذه صورته

عندهم فيجب أن تكون ديته دية الكفّار من أهل الذمّة للحوقه في الباطن بهم «3».

ثمّ تعرّض قدس سره للإشكال بأنّه إذا لم يخرج ولد الزنا إلى الإسلام فكيف يكون مكلّفاً و أجاب عنه بما يعدّ فراراً عن الجواب «4».

أقول: العمدة في الحكم بكفر ولد الزنا ما ورد من النهي عن الاغتسال من ماء بالوعة الحمام معلّلًا بأنّه يسيل فيه ما يغتسل به ولد الزنا و الناصب لنا أهل البيت «5»، و في بعضها أنّ ولد الزنا لا يطهر إلى سبعة آباء «6».

و لكنّ لا يخفى أنّ النهي عن الاغتسال كما ذكرنا في بحث الطهارة ليس للإرشاد

______________________________

(1) وسائل الشيعة 24: 47، الباب 25 من أبواب الذبائح، الحديث الأوّل.

(2) حكاه في كشف اللثام 2: 496 (الحجرية).

(3) الانتصار: 544، المسألة 305.

(4) المصدر السابق.

(5) وسائل الشيعة 1: 218، الباب 11 من أبواب الماء المضاف، الحديث الأوّل.

(6) وسائل الشيعة 1: 219، الباب 11 من أبواب الماء المضاف، الحديث 4.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 44

..........

______________________________

إلى تنجس الماء، بل للردع عمّا كان الناس بزعم أنّ الاغتسال ببالوعة الحمام استشفاء و الإمام عليه السلام كان بصدد الردع و أنّه كيف يكون في الاغتسال به أو فيه شفاء مع أنّ فيه غسالة ولد الزنا و الجنب و الناصبي و إلّا لم يكن لذكر الجنب وجه، و المراد من عدم طهارة ولد الزنا، الطهارة من شؤمة الزنا، لا الطهارة الخبثية كما يظهر ذلك من ملاحظة تلك الأخبار.

و الحاصل أنّ ولد الزنا لا يدخل في عنوان الكافر الذمّي لا فيما أظهر الإسلام و لا فيما لم يظهره، بل إذا كان ولد الزنا بزنا المسلم أو المسلمة فهو مسلم أظهر الإسلام أو لم

يظهره كسائر أطفال المسلمين.

نعم، ورد في بعض الروايات أنّ ديته دية الذمّي كخبر إبراهيم بن عبد الحميد، عن جعفر عليه السلام قال: قال: «دية ولد الزنا دية الذمي ثمانمائة درهم» «1» و في مرسلة عبد الرحمن بن عبد الحميد، عن بعض مواليه، قال: قال لي أبو الحسن عليه السلام: دية ولد الزنا دية اليهودي ثمانمائة درهم» «2» و مثلها مرسلة جعفر بن بشير «3»؛ و لضعفهما سنداً الأوّل بعبد الرحمن بن حمّاد و غيره بالإرسال و غيره مع عمل المشهور بها غير قابل الاعتماد عليها.

ثمّ إنّه قد ورد في صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن دية ولد الزنا، قال «يعطي الذي أنفق عليه ما أنفق» «4» و هذه بظاهرها لم يعهد من الأصحاب العمل به و احتمل حملها على صورة عدم إظهاره الإسلام.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 223، الباب 15 من أبواب ديات النفس، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 29: 222، الباب 15 من أبواب ديات النفس، الحديث الأوّل.

(3) وسائل الشيعة 29: 222، الباب 15 من أبواب ديات النفس، الحديث 2.

(4) وسائل الشيعة 29: 223، الباب 15 من أبواب ديات النفس، الحديث 4.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 45

ودية الذمّي: ثمان مائة درهم، يهوديّاً كان أو نصرانيّاً أو مجوسيّاً. ودية نسائهم على النصف. و في بعض الروايات: دية اليهودي و النصراني و المجوسي دية المسلم. و في بعضها دية اليهودي و النصراني أربعة آلاف درهم و الشيخ رحمه الله نزّلهما على من يعتاد قتلهم، فيغلّظ الإِمام الدية بما يراه من ذلك حسماً للجرأة. (1)

______________________________

و لكن لا يبعد حملها على الزنا من طرفي الرجل و المرأة و حيث

إنّ الدية للنفس كما هو ظاهرها انقطاع الإرث من الطرفين و عدم ضمان الجريرة و الولاء تصل إلى الإمام عليه السلام فله أن يعفو الجاني عن الدية في غير مقدار ما أنفق عليه المنفق عليه و أمره بإعطاء ذلك المقدار للمنفق عليه، و اللّٰه العالم.

دية الذمّي

(1) المعروف بين أصحابنا أنّ دية الذمّي سواء كان يهوديّاً أو نصرانيّاً أو مجوسيّاً ثمانمائة درهم كما يشهد لذلك عدّة من الروايات كصحيحة أبان بن تغلب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إبراهيم يزعم أنّ دية اليهودي و النصراني و المجوسي سواء؟ فقال: «نعم، قال الحق» «1» و صحيحة يونس عن ابن مسكان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «دية اليهودي و النصراني و المجوسي ثمانمائة درهم» «2» و موثقة ليث المرادي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن دية النصراني و اليهودي و المجوسي، فقال: «ديتهم جميعاً سواء، ثمانمائة درهم» «3» و معتبرة محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال: «دية الذمي ثمانمائة درهم» «4».

و موثّقة سماعة بن مهران، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: بعث رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 217، الباب 13 من أبواب ديات النفس، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 29: 217، الباب 13 من أبواب ديات النفس، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 29: 218، الباب 13 من أبواب ديات النفس، الحديث 5.

(4) وسائل الشيعة 29: 108، الباب 47 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 5.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 46

..........

______________________________

خالد بن الوليد إلى البحرين فأصاب بها دماء قوم من اليهود و النصارى و المجوس، فكتب إلى النبي صلى الله عليه

و آله إنّي أصبت دماء قوم من اليهود و النصارى فوديتهم ثمانمائة درهم ثمانمائة و أصبت دماء قوم من المجوس و لم تكن عهدت إليّ فيهم عهداً، فكتب إليه رسول اللّٰه: إنّ ديتهم مثل دية اليهود و النصارى، و قال: إنّهم أهل الكتاب «1». و ظاهر ذيل الحديث أنّ المجوس أهل الكتاب كاليهودي و النصارى لا أنّه ملحق لهم في جملة من الأحكام فقط. و نحوها موثّقة زرارة «2».

هذا في الرجل الذمّي الحرّ.

و أمّا نساؤهم فديتهن على النصف أربعمائة درهم كما هو ظاهر كلمات الأصحاب أيضاً و يقتضيه ما دلّ على أنّ دية المرأة على نصف دية الرجل، كما أنّ دية أعضائه على حساب دية نفسه أخذاً بالإطلاق فيما ورد في دية الأعضاء.

و يدلّ عليه أيضاً مثل صحيحة بريد العجلي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن مسلم فقأ عين نصراني، قال: «دية عين النصراني أربعمائة درهم» «3».

و في مقابل ما تقدّم من الروايات الواردة في دية الذمّي و تحديدها بثمانمائة، طائفتان من الأخبار:

إحداهما ما ورد في أنّ ديته كدية المسلم.

منها موثقة سماعة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن مسلم قتل ذمّياً، فقال: هذا شي ء شديد لا يحتمله الناس فليعطِ أهله دية المسلم حتّى ينكل عن قتل أهل السواد و عن قتل الذمّي، ثمّ قال: لو أنّ مسلماً غضب على ذمّي فأراد أن يقتله و يأخذ أرضه

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 218، الباب 13 من أبواب ديات النفس، الحديث 7.

(2) وسائل الشيعة 29: 220، الباب 13 من أبواب ديات النفس، الحديث 11.

(3) وسائل الشيعة 29: 218، الباب 13 من أبواب ديات النفس، الحديث 4.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 47

..........

______________________________

و

يؤدّي إلى أهله ثمانمائة درهم إذاً يكثر القتل في الذمّيين و من قتل ذمّياً ظلماً فإنّه ليحرم على المسلم أن يقتل ذميّاً حراماً ما آمن بالجزية و أدّاها و لم يجحدها «1».

و صحيحة أبان بن تغلب عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: دية اليهودي و النصراني و المجوسي دية المسلم «2».

ثانيتهما: ما ورد في أنّ ديتهم أربعة آلاف درهم أو أنّ: «دية اليهودي و النصراني أربعة آلاف درهم ودية المجوسي ثمانمائة درهم» «3» و في مرسلة الفقيه قال: روي أنّ دية اليهودي و النصراني و المجوسي أربعة آلاف درهم أربعة آلاف درهم؛ لأنّهم أهل الكتاب «4». و في رواية أبي بصير التي ضعف سندها بعلي بن أبي حمزة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «دية اليهودي و النصراني أربعة آلاف درهم، ودية المجوسي ثمانمائة درهم» «5» و التفصيل بين المجوسي و بين النصراني و اليهودي موافق لفتاوى بعض العامّة، و بما أنّ الروايتين ضعيفتان سنداً لا تصلحان للمعارضة بما تقدّم.

و أمّا الطائفة الأُولى التي تدلّ على أنّ دية الذمّي دية المسلم فتحمل على التقيّة؛ لأنّ كون دية الذمّي دية المسلم من مذهب العامة، و إن حملها الشيخ على مسلم يعتاد قتل الذمّي و حملها الصدوق قدس سره على دية ذمّي قام بالوفاء بشرائط الذمّة «6».

و في كلا الحملين ما لا يخفى فإنّ الحمل الأوّل بلا شاهد، و الثاني بلا وجه

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 221، الباب 14 من أبواب ديات النفس، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 29: 221، الباب 14 من أبواب ديات النفس، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 29: 222، الباب 14 من أبواب ديات النفس، الحديث 4.

(4) من لا يحضره الفقيه 4: 122،

الحديث 5253.

(5) وسائل الشيعة 29: 222، الباب 14 من أبواب ديات النفس، الحديث 4.

(6) من لا يحضره الفقيه 4: 122، ذيل الحديث 5254.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 48

و لا دية لغير أهل الذمّة من الكفّار، ذوي عهد كانوا أو أهل حرب بلغتهم الدعوة أو لم تبلغ (1).

ودية العبد قيمته (2)، و لو تجاوزت دية الحر رُدَّت إليها. و تؤخذ من مال الجاني الحر، إن كانت الجناية عمداً أو شبيهاً.

______________________________

حيث إنّ الذمّي مع خروجه عن شرائط الذمّة يلحق بالحربي و لا دية في قتل الحربي.

لا دية لغير الذمّي من الكفّار

(1) و أمّا غير أهل الذمّة من الكفّار فلا دية له، سواء كانوا ذوي العهد أو أهل الحرب بلغته الدعوة إلى الإسلام أو لم تبلغ و ذلك فإنّ ما ورد في تحديد دية النفس و الأطراف لا يعمّ غير المسلم، كما يظهر ذلك من مقدار الحد، و ليس في البين دليل آخر يدلّ على ثبوت دية في غير أهل الكتاب، و ما ورد في أهل الكتاب قد قيّد بالذمّي في بعض الروايات، و مقتضاه عدم ثبوتها مع عدم الذمّة و يساعده الاعتبار لعدم الحرمة لغير المسلم.

نعم، لا يبعد الالتزام بأنّ للإمام مع كون قتل الذمّي في معرض الفساد أن يأخذ دية المسلم من قاتله دفعاً للفساد و منعاً عن الاعتياد كما يظهر ذلك من موثّقة سماعة المتقدّمة «1».

دية العبد

(2) بلا خلاف معروف و يشهد له جملة من الروايات كصحيحة أبي بصير، عن أحدهما عليه السلام حيث ورد فيها: «لا يقتل حرّ بعبدٍ و لكن يضرب ضرباً شديداً و يغرم ثمنه دية العبد» «2» و صحيحة عبد اللّه مسكان عن أبي عبد اللّه عليه السلام

قال: «دية العبد قيمته

______________________________

(1) تقدمت في الصفحة 46.

(2) وسائل الشيعة 29: 207، الباب 6 من أبواب ديات النفس، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 49

و من عاقلته إن كانت خطأ (1). ودية أعضائه و جراحاته، مقيسة على دية الحرّ، فما فيه ديته ففي العبد قيمته كاللسان و الذكر، لكن لو جنى عليه جانٍ بما فيه قيمته، لم يكن لمولاه المطالبة إلّا مع دفعه. و كلّ ما فيه مقدر في الحرّ من ديته فهو في العبد كذلك من قيمته.

و لو جنى عليه جانٍ بما لا يستوعب قيمته كان لمولاه المطالبة بدية الجناية مع إمساك العبد (2)،

______________________________

فإن كان نفيساً فأفضل قيمته عشرة آلاف درهم و لا يجاوز به دية الحر» «1» و نحوها غيرها.

(1) على المشهور و ذلك أخذاً بإطلاق ما دلّ على أنّ العاقلة تتحمل الدية في الخطأ و ما دلّ على أنّ الدية في شبه الخطاء و العمد على الجاني إطلاقه يعمّ ما إذا كان المقتول حرّاً أو عبداً، و على ذلك أيضاً الدية في الجناية عليه في أعضائه، فإن كانت الجناية عليه في أعضائه بما فيه قيمته لم يكن لمولاه المطالبة بقيمته إلّا مع دفع العبد إلى الجاني كما في الجناية عليه بقطع لسانه و ذكره.

و يدلّ على ذلك موثّقة غياث بن إبراهيم، عن جعفر، عن أبيه قال: قال علي عليه السلام: «إذا قطع أنف العبد أو ذكره أو شي ء يحيط بقيمته أدّى إلى مولاه قيمة العبد و أخذ العبد» «2» و نحوها رواية أبي مريم الأنصاري «3».

و منه يظهر ما إذا قطع يدي العبد فإنّه إذا كان القطع خطأ أو عمداً لا يكون لمولاه المطالبة بقيمته إلّا بعد دفع

العبد، ودية أعضاء العبد على حساب قيمته كحساب دية أعضاء الحرّ بالإضافة إلى دية النفس.

(2) و الوجه في ذلك ظاهر فإنّ العبد ملك لمولاه و الجناية عليه بما لا يستوعب

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 207، الباب 6 من أبواب ديات النفس، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 29: 338، الباب 34 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

(3) التهذيب 10: 194، الحديث 60.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 50

و ليس له دفع العبد و المطالبة بقيمته (1). و ما لا تقدير فيه من الحرّ ففيه الأرش، و يصير العبد أصلًا للحرّ فيه.

______________________________

قيمته نقص في ملكه فله المطالبة ببدلها دية كانت أو أرشاً؛ و لذا لا يجوز للمولى إجبار الجاني أن يأخذ العبد في الفرض و يعطي قيمته حيث إنّ الجناية لم توجب في الفرض نقصاً يستوعب قيمته فإلزام مولاه الجاني بأخذ العبد و إعطاء القيمة يحتاج إلى دليل.

و يدلّ على لزوم إعطاء العبد جانيه بأخذ مولاه تمام قيمته في صورة استيعاب الجناية موثّقة غياث المتقدّمة «1» عن جعفر، عن أبيه قال: قال علي عليه السلام و أمّا فيما لا تستوعب الجناية قيمته فلمولاه ديتها أو أرشها، كما يدلّ عليه معتبرة السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليه السلام قال: «جراحات العبيد على نحو جراحات الأحرار في الثمن» «2».

(1) ذكروا في ديات الأعضاء و الشجاج و المنافع أنّ كلّ جناية فيها دية مقدّرة إذا وقعت على الحرّ فتحسب الدية في تلك الجناية على العبد بنسبة دية الحرّ، بخلاف ما إذا لم تكن في الجناية على الحرّ دية مقدّرة فتؤخذ في تلك الجناية على العبد بالأرش أي بالتفاوت ما بين قيمته بلا وقوع تلك الجناية عليه و

قيمته بعد وقوعها فتكون نسبة التفاوت أرشاً فيعيّن أرش الجناية على ذلك الحساب، فإذا كان الأرش في العبد ثلث قيمته يكون في الحرّ ثلث دية النفس؛ و لذا يقال: ما فيه تقدير من الجنايات على الحرّ فالحرّ فيها أصل، و ما ليس فيه تقدير فالعبد فيها أصل. هذا على مسلك المشهور في تعيين الأرش المسمّى بالحكومة، و لكن لم يقم على كون الأرش و الحكومة في الحرّ كذلك دليل يعتمد عليه غير دعوى الإجماع، و الظاهر

______________________________

(1) في الصفحة السابقة.

(2) وسائل الشيعة 29: 388، الباب 8 من أبواب ديات الشجاج و الجراح، الحديث 2.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 51

و لو جنى العبد على الحرّ خطأً، لم يضمنه المولى (1)، و دفعه إن شاء أو فداه بأرش الجناية، و الخيار في ذلك إليه، و لا يتخيّر المجني عليه. و كذا لو كانت جنايته لا تستوعب ديته، تخيّر مولاه في دفع أرش الجناية أو تسليم العبد ليسترقّ منه بقدر تلك الجناية.

______________________________

كونه مدركيّاً حيث علّل في جملة من الكلمات بعدم طريق آخر إذا أُريد عدم ذهاب حقّ المسلم هدراً.

جناية العبد على الحرّ خطأً

(1) يعني ليس للحرّ إلزام مولاه بدفع الدية عن جناية العبد عليه، بلا فرق بين أن يكون دية الجناية على الحرّ، أكثر من قيمة العبد أم لا، بل الخيار في ذلك إلى مولاه بأن يعرض جناية عبده على الحرّ بإعطاء أقلّ الأمرين من أرش الجناية أو قيمة العبد أو إعطاء نفس العبد.

و كذا فيما إذا لم تكن دية جنايته مستوعبة لقيمة العبد بأن كان أقلّ من قيمته فيتخيّر أيضاً بين إعطاء أرش جنايته أو دفع العبد ليسترقّ المجني عليه منه بقدر الأرش فيباع

و يأخذ المجني عليه مقدار الأرش و يؤدّي باقي القيمة إلى مولاه، بلا فرق بين أقسام العبد من القنّ و المدبّر و المكاتب المشروط.

و يجري ما ذكر في الأمة أيضاً بل في أُمّ الولد، و قد تقدّم ذلك في جناية العبد على الحرّ في مباحث القصاص، و قد ذكرنا أنّ ذلك مقتضى ما ورد من أنّ جناية العبد على رقبته لا على مولاه، غاية الأمر أنّ للمولى في مورد جناية عبده على الحرّ خطأً أن يفدي جنايته.

و أمّا ما ورد في أنّ جناية أُمّ الولد على مولاها و هي رواية مسمع بن عبد الملك، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «أُم الولد جنايتها في حقوق الناس على سيّدها، و ما كان من

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 52

و يستوي في ذلك كلّه، القن و المدبَّر، ذكراً كان أو انثى. و في أُمّ الولد تردّد، على ما مضى و الأقرب أنّها كالقن فإذا دفعها المالك في جنايتها استرقّها المجني عليه أو ورثته. و في رواية: جنايتها على مولاها. (1)

______________________________

حقوق اللّٰه عزّ و جلّ في الحدود فإنّ ذلك في بدنها» «1» الحديث.

(1) لا يمكن الاعتماد عليها لضعف سندها بنعيم بن إبراهيم.

و يدلّ على تخيير مولاه بين الفداء عن جناية عبده خطاء و الإمساك به أو تسليمه لاسترقاق المجني عليه أو أوليائه صحيحة جميل قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: مدبّر قتل رجلًا خطاء من يضمن عنه؟ قال: «يصالح عنه مولاه، فإن أبى دفع إلى أولياء المقتول» «2» الحديث، و نحوها صحيحة محمّد بن حمران «3».

و في صحيحة أبي بصير قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن مدبّر قتل رجلًا عمداً؟

فقال: يقتل به،

قلت: فإن قتله خطأً، فقال: يدفع إلى أولياء المقتول فيكون رقّاً لهم «4».

و على الجملة، بما أنّ جناية العبد على رقبته و الدية في ثمنه فللمولى أن يدفعه إلى المجني عليه أو أوليائه، و بما أنّ الدية في جناية العبد، تكون في قيمته فلمولاه أن يدفعها إلى المجني عليه أو أوليائه، من غير فرق بين أن يستوعب جناية قيمته أو كانت أكثر، و أمّا إذا كانت أقلّ و لم يدفعها مولاه يسترقّ المجني عليه بمقدار الدية فيباع و يعطي الزائد إلى مولاه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 103، الباب 43 من أبواب القصاص في النفس، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 29: 211، الباب 9 من أبواب ديات النفس، الحديث الأوّل.

(3) وسائل الشيعة 29: 211، الباب 9 من أبواب ديات النفس، الحديث 3.

(4) وسائل الشيعة 29: 102، الباب 42 من أبواب القصاص في النفس، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 53

النظر الثاني [في موجبات الضمان]

اشارة

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 54

النَّظرُ الثاني

في موجبات الضمان: و البحث: إمّا في المباشرة، أو التسبيب، أو تزاحم الموجبات (1).

[أما المباشرة]

اشارة

أمّا المباشرة: فضابطها: الإِتلاف، لا مع القصد إليه، كمن رمى غرضاً فأصاب إنساناً، أو كالضرب للتأديب فيتّفق الموت منه.

النظر الثاني

في موجبات الضمان

______________________________

(1) مراده قدس سره أنّ الموجب لضمان الدية أُمور ثلاثة: المباشرة و التسبيب و تزاحم الموجبات.

و المراد بتزاحم الموجبات اجتماع المباشرة و التسبيب و تقديم أحدهما على الآخر في كون الضمان على المباشر أو على المسبّب، و المعيار فيه استناد التلف إلى أيّ منهما؛ و لذا اقتصر بعضهم على ذكر المباشرة و التسبيب.

البحث الأوّل: في المباشرة

ضابط المباشرة

أمّا المباشرة فضابطها كون الإتلاف أي إتلاف النفس أو الطرف يعد فعله من غير قصده إليه، و إلّا فلو كان قاصداً تلف أحدهما بفعله فاتّفق التلف يكون مورد القصاص لا الدية.

و قد ذكر الماتن للمباشرة من غير قصد مثالين:

أحدهما: من قبيل القتل الخطائي المحض، كمن رمى غرضاً أي هدفاً فأصاب

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 55

[و تبين هذه الجملة بمسائل]

اشارة

و تبيّن هذه الجملة بمسائل:

[الأولى الطبيب يضمن ما يتلف بعلاجه]

(الأُولى): الطبيب يضمن ما يتلف بعلاجه (1) إن كان قاصراً، أو عالج طفلًا أو مجنوناً لا بإذن الولي، أو بالغاً لم يأذن.

______________________________

إنساناً فقتله.

و ثانيهما: من قبيل شبه الخطاء كمن ضرب زوجته أو طفله للتأديب فاتّفق موتها أو موته فإنّ هذا من قبيل الخطاء بنحو شبه العمد حيث إنّ الفعل الواقع على الزوجة أو الطفل كان مقصوداً من غير قصد القتل و لا كون الضربة من آلات قاتلة و إلّا فلو قصد القتل أو كانت الضربة قاتلة كما في الضرب بالحديد أو نحوه يكون المورد من موارد القصاص.

و قد يقال إنّه لو اتفق موت الزوجة أو وقوع التلف في أطرافها لا يضمن الزوج الضارب كما لو كان الضرب في مورد جوازه لنشوزها لأنّ المفروض تجويز الشارع ذلك الضرب.

و فيه أنّ ترتّب القتل كاشف عن عدم كون ذلك الضرب تأديباً، بل كان قتلًا غاية الأمر لاعتقاده أنّه يوجب الأدب و رجوعها إلى طاعته لم يكن معصية، مع أنّ جواز الفعل شرعاً لا ينافي الضمان فيما إذا ترتّب عليه التلف اتفاقاً بل مطلقاً بأن يتعلّق على الفاعل الضمان، و إن كان فعله جائزاً و لم يترتّب على الفعل ما يعدّ من التلف، كما في احمرار الوجه في الضرب تأديباً، و لكن لا يبعد ظهور إذن الشارع فضلًا عن أمره بمثل ذلك عدم ترتّب دية أو على أرش عليه و هذا أمر آخر غير ما ترتّب القتل بتخيل أن الضرب تأديب.

الطبيب يضمن ما يتلف بعلاجه

(1) ذكر قدس سره ضمان الطبيب ما يتلف بعلاجه سواء كان نفساً أو طرفاً أو منفعة العضو إذا كان الطبيب قاصراً في العلاج أو عالج طفلًا أو مجنوناً بلا إذن

الولي أو بالغاً

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 56

..........

______________________________

لم يأذن و عطفه: أو عالج طفلًا الخ، ب (أو) العاطفة مقتضاه ضمان القاصر مطلقاً حتّى فيما إذا كان مباشرته العلاج بإذن المريض البالغ أو وليّ الطفل و المجنون، و كذا يضمن إن كان حاذقاً فيما باشر علاج الطفل و المجنون بلا إذن وليّهما أو البالغ إذا لم يأذن فيه.

و أمّا إذا كان حاذقاً و باشر علاج الطفل أو المجنون بإذن الولي أو البالغ بإذنه فيه مع شعوره و عقله و مع عدم ذلك بالاستئذان من وليّه و اتّفق ترتّب التلف من غير تقصيره.

فقيل «1» إنّه لا يضمن لأنّ الضمان يوجب أن يوقف الطبيب علاجه و لأنّ الضمان في الفرض يسقط بالإذن كالإذن في التصرّف في المال الذي ربّما يترتّب عليه تلفه، و لأنّ علاجه مع الإذن عمل مجاز شرعاً فلا يوجب ضماناً.

و قيل كما عن جماعة «2» بالضمان؛ لأنّ التلف مستند إلى الطبيب و لو كان مجازاً في العلاج حيث إنّ الإذن في العلاج من الولي أو المريض البالغ لا يكون إذناً في الإتلاف، كما أنّ الجواز الشرعي و إذن الشارع في العلاج لا ينافي الضمان إذا اتّفق التلف؛ و لذا قال قدس سره: و قيل يضمن لمباشرته الإتلاف و هو أشبه.

أقول: لا ينبغي التأمّل في ضمان الطبيب حتّى الحاذق مع عدم تقصيره في العلاج إذا ترتّب عليه التلف، و يدلّ على ذلك معتبرة السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: «من تطبّب أو تبيطر فليأخذ البراءة من وليّه، و إلّا فهو له ضامن» «3» و ظاهرها كون العلاج بالمباشرة كقطعه عرقاً أو خيطه جرحاً أو قطعه

شيئاً من عضوه لفساده أو تزريقه و نحو ذلك ما يوجب استناد التلف إلى الطبيب، و أمّا

______________________________

(1) القائل هو ابن ادريس في السرائر 3: 373.

(2) ذكروا في جواهر الكلام 43: 46.

(3) وسائل الشيعة 29: 260، الباب 24 من أبواب موجبات الضمان، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 57

..........

______________________________

مجرد توصيفه الدواء كقوله: بنظري أنّ دواء مرضك الشراب الفلاني و شربه المريض باختياره أو بتكليف الولي فلا يستند التلف إلى الطبيب فضلًا عن كون الإتلاف بمباشرة الطبيب فلا حاجة إلى أخذ براءته من الولي في هذا الفرض و إنّما يحتاج انتفاء الضمان إلى أخذ البراءة من الولي في فرض مباشرته العلاج.

و المراد من الولي في فرض الطفل و المجنون وليّهما الشرعيين، و في البالغ مع شعوره و عقله نفس المريض حيث إنّه وليّ نفسه، و مع عدم شعوره و عقله أولياؤه أي وراثه.

و أخذ البراءة عن الضمان قبل تحقّق الضمان و إن يدخل في إسقاط ما لم يجب إلّا أنّه لا بأس بالالتزام به في مورد قيام الدليل كما في المقام، و مع جواز أخذ البراءة كذلك لا يوجب الالتزام بالضمان توقّف الطبيب عن القيام بالعلاج كما هو ظاهر.

ثمّ لا يخفى أنّ الحكم بضمان الطبيب يختصّ بما إذا كان التلف بعلاجه سواء كان أصل التلف به أو استعجال التلف.

و أمّا إذا لم يكن التلف بعلاجه أصلًا بأن كان علاجه غير مفيد أصلًا فتلف بمرضه و الداء المصاب به فلا موجب لضمانه.

و أيضاً إذن الولي في العلاج لا يكون من قبيل استيجار شخص على عملٍ يقتضي طبيعي العمل احتمال تلف العين، كما إذا استأجره على إدخال مسامير ضخيمة في خشبات ضعيفة حيث يستلزم طبيعي

هذه العمل و لو مع عدم التقصير في العمل كسر الخشبة احتمالًا و مع عدم التقصير إذا وقع كسر الخشبة لا يضمن الأجير كسرها، و الوجه في عدم كون الطبابة من قبيله أنّ الاستيجار على العمل المفروض إذن في الإتلاف الاتّفاقي، و هذا الإذن من المالك نافذ بخلاف إذن الولي في الطبابة فإنّ إذنه في الإتلاف غير نافذ، و الإذن الشرعي في العمل لا ينافي الضمان

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 58

و لو كان الطبيب عارفاً، و أذن له المريض في العلاج، فآل إلى التلف، قيل:

لا يضمن (1) لأنّ الضمان يسقط بالإِذن؛ لأنّه فعلٌ سائغ شرعاً، و قيل: يضمن لمباشرته الإِتلاف، و هو أشبه. فإن قلنا لا يضمن، فلا بحث. و إن قلنا يضمن، فهو يضمن في ماله. و هل يبرأ بالإِبراء قبل العلاج؟ قيل: نعم، لرواية السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام. قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: من تطبّب أو تبيطر، فليأخذ البراءة من وليّه، و إلّا فهو ضامن، و لأنّ العلاج مما تمسّ الحاجة إليه. فلو لم يشرّع الإبراء، تعذّر العلاج، و قيل لا يبرأ؛ لأنّه إسقاط الحقّ قبل ثبوته.

______________________________

على ما تقدّم فينحصر انتفاء الضمان على الطبيب على طلب البراءة عن الضمان قبل عمله على ما دلّ عليه معتبرة السكوني، و مدلولها و إن كان متضمّناً للبيطار أيضاً، و إذن المالك فيه نافذ بالإضافة إلى الإتلاف الذي احتماله في بعض الموارد لازم طبيعي العمل إلّا أنّه لا بأس بالالتزام به مع عدم أخذ البراءة مع أنّ التلف في الحيوان و لو أحياناً ليس من طبيعي البيطرة.

و لا يخفى أنّ استحقاق الطبيب الأُجرة على طبابته فيما إذا أفادت المريض

بل مطلقاً موقوف على إذن الولي ظاهراً، سواء انحصر الطبيب فيه أم لا، و أمّا توقف جواز مباشرته فيما إذا انحصر الحاذق فيه، على إذنه محلّ تأمّل حتّى مع حضوره.

هل يبرأ الطبيب بالإذن في العلاج

(1) قد تقدّم أنّه غير صحيح لأنّ إذن المريض في العلاج ليس إذناً في إتلافه أو إتلاف عضوه.

و دعوى أنّ تلف النفس أو العضو لزومه على العلاج أمر طبيعي كما في الإذن في فعل يتعلّق بالمال كإذنه أو استيجاره على إدخال مسمار كبير في لوحة ضعيفة حيث لا يضمن الأجير كسر الخشبة عن إدخال المسمار فيه من غير تفريط.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 59

[الثانية النائم إذا أتلف نفسا بانقلابه أو بحركته]

(الثانية): النائم إذا أتلف نفساً بانقلابه أو بحركته، قيل: يضمن الدية في ماله، و قيل: في مال العاقلة، و الأوّل أشبه. (1)

______________________________

لا يمكن المساعدة عليها فإنّ إذن المالك في التصرّف في ماله نافذ، بخلاف إذنه في إتلاف نفسه أو طرفه، و الجواز في مباشرة العلاج في حقّ الطبيب شرعاً لا يلازم انتفاء الضمان، فالأصح ضمان الطبيب إلّا إذا أخذ البراءة من الولي قبل العلاج كما هو ظاهر معتبرة السكوني.

و ما قيل من أنّ مدلولها ينافي قاعدة عدم نفوذ إسقاط ما لم يجب كما ترى فإنّ القاعدة المذكورة لا تزيد على سائر العمومات التي يرفع اليد عنها بورود خطاب الخاصّ، فالإسقاط أمر اعتباري لا أمر واقعي خارجي ليمتنع إزالته قبل وجوده.

و ممّا ذكر يظهر أنّه إذا استند التلف إلى علاج الطبيب و لم يأخذ البراءة قبل مباشرته العلاج يكون ضمان التلف في ماله حيث إنّه قصد العلاج أي الفعل الذي ليس بقاتله عادة و لم يقصد به القتل فيكون داخلًا في شبه العمد.

ضمان النائم إذا

أتلف نفساً

(1) المراد من النائم في المقام غير الظئر لما سيأتي التعرض لضمانها بانقلابها في نومها و قتلها الرضيع و النائم غير الظئر، إذا أتلف نفساً بانقلابه أو بحركته في نومه التزم جماعة من أصحابنا بأنّ الضمان في مال النائم، و الوجه في ذلك أنّ تلف النفس مستند إلى فعله، و بما أنّه لم يقصد القتل و لا فعله القاتل يكون قتله من قبيل شبه العمد فتكون الدية في ماله؛ و لذا ذكروا هذه المسألة في مباحث موجبات الضمان، و لكن قد تقدّم أنّ المعيار في القتل بشبه الخطاء ما إذا قصد الفعل الذي لا يقتل عادة و لم يقصد القتل به فاتّفق الموت، و المفروض في المسألة أنّه لم يصدر الانقلاب و الحركة من النائم بالقصد و الاختيار أصلًا.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 60

..........

______________________________

و دعوى أنّ نوم هذا الشخص في جنب شخص آخر يحسب من التسبيب فيوجب الضمان كحفر البئر في طريق يحتمل وقوع المارّة فيها، يدفعها أنّه لا يعمّ الفرض الذي سبق نومه في ذلك المكان على نوم المقتول بجنبه، بل لا يصحّ في لحوق نومه أيضاً إذا كانت تلك الحركة و الانقلاب أمراً غير عادي منه بحيث وقوعه منه يلحق بالقضاء و القدر.

و ممّا ذكرنا يظهر أنّ الالتزام بأنّ الدية على عاقلته؛ لأنّه من الخطأ المحض لا يخلو عن الإشكال فإنّ المعيار في قتل الخطأ المحض من قصد شيئاً و وقع غيره أو أصاب غيره و المفروض أنّه لم يقع منه قصد حتّى لحركته و انقلابه.

و دعوى أنّ الحصر في تحديد الخطأ المحض إضافي بالإضافة إلى قتل شبه العمد لا أنّ الخطأ المحض منحصر في ما ذكر أيضاً لا

يمكن المساعدة عليها؛ فإنّ ما ورد في بعض الموارد من كون الدية على الجاني أو على العاقلة مع عدم انطباق التحديد على كلّ منهما فهو لدليل خاصّ يقتصر على مورده و يؤخذ في غيره بمقتضى تحديد كلّ منهما، و يؤيد ذلك ما ورد في سقوط إنسان من شاهق على آخر بغير اختياره فقتله «1»، و وجه التأييد عدم كون سقوطه عليه أمراً قصدياً بل لم يكن أصل سقوطه باختياره و قصده.

و بهذا يدفع احتمال أن تكون دية المقتول على بيت المال لعدم ذهاب دم المسلم هدراً؛ لأنّ ذلك ما لا يعدّ الموت من قضاء اللّٰه و قدره، أو كان دفع الدية من بيت المال لمصلحة خاصّة كالذي يقتل يوم الجمعة أو العيد للزحام فإنّ أداء الدية من بيت المال لئلا يكون وقوع ذلك اتّفاقاً موجباً لرغبة الناس عن حضور الجمعة و العيد.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 56، الباب 20 من أبواب القصاص في النفس.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 61

[الثالثة إذا أعنف بزوجته جماعا في قبل أو دبر أو ضما فماتت ضمن الدية و كذا الزوجة]

(الثالثة): إذا أعنف بزوجته جماعاً في قبل أو دبر أو ضمّاً فماتت ضمن الدية (1). و كذا الزوجة و في النهاية إن كانا مأمونين، لم يكن عليهما شي ء، و الرواية ضعيفة.

______________________________

ثمّ لا يخفى أنّ هذا كلّه فيما لم يكن عادة الشخص المنقلب على غيره، عدم الاستقرار حال النوم، و أمّا إذا كانت عادته كذلك، فنام عند نائم قبله ثمّ انقلب عليه حال نومه فقتله، فلا ينبغي الإشكال في أنّه ضامن لديته في ماله، بل لو كان من قصده أن يقتله بذلك يستحقّ القصاص.

إذا أعنف الرجل بزوجته

(1) و أمّا عدم ثبوت القصاص فلأنّه قصد الإتيان بفعل لا يقتل عادة و المفروض أنّه لم يقصد القتل.

و

أمّا ثبوت الدية في ماله فإنّه قصد الفعل و اتّفق موته بذلك الفعل المقصود فيكون عليه الدية.

أضف إلى ذلك صحيحة سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه سئل عن رجل أعنف على امرأته فزعم أنّها ماتت من عنفه، فقال: «الدية كاملة، و لا يقتل الرّجل» «1».

و مثلها رواية زيد، عن أبي جعفر عليه السلام «2» و حيث إنّ الحكم الوارد على القاعدة يجري فيما كان العنف عن الزوجة بزوجها.

و كذا يجري فيما كان العنف موجباً للجناية في الأطراف و المنافع كما ورد ذلك في المعتبرة المروية عن كتاب ظريف «3».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 269، الباب 31 من أبواب موجبات الضمان، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 29: 269، الباب 31 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 29: 269، الباب 31 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 3.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 62

[الرابعة من حمل على رأسه متاعا فكسره أو أصاب به إنسانا]

(الرابعة): من حمل على رأسه متاعاً فكسره، أو أصاب به إنساناً ضمن جنايته في ماله. (1)

______________________________

و أمّا ما ورد في مرسلة يونس، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن رجل أعنف على امرأته أو امرأة أعنفت على زوجها فقتل أحدهما الآخر؟ قال:

«لا شي ء عليهما إذا كانا مأمونين فإن اتّهما أُلزما اليمين باللّٰه أنّهما لم يريدا القتل» «1» فلا يوجب رفع اليد عما تقدّم؛ لأنّ قوله: حلفا أنّهما لم يريدا القتل، قرينة على أنّ المراد من نفي الشي ء، نفي القصاص.

أضف إلى ذلك ضعفها سنداً بالإرسال و عدم ثبوت توثيق لصالح بن سعيد الراوي عن يونس بن عبد الرحمن و كنيته أبو سعيد القماط.

من حمل متاعاً على رأسه فكسره

(1) قد روى المحمّدون الثلاثة بأسانيدهم، عن

داود بن سرحان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل حمل متاعاً على رأسه فأصاب به إنساناً فمات أو انكسر منه، فقال: «هو ضامن» «2» و السند على رواية الكليني و الشيخ «3» في أحد الموضعين فيه سهل بن زياد، و في موضع آخر نقله باسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن ابن أبي نصر، و كذا رواه الصدوق قدس سره بإسناده عن ابن أبي نصر «4»، و السند على النقلين صحيح و ظاهرها ضمان الحامل في ماله سواء كان المصاب إنساناً أو مالًا فتلف.

و قد روى أيضاً الصدوق قدس سره هذه الرواية باسناده إلى داود بن سرحان و لكن فيه

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 270، الباب 31 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 29: 244، الباب 10 من أبواب موجبات الضمان، الحديث الأوّل.

(3) الكافي 7: 350، الحديث 5، و التهذيب 10: 230، الحديث 42.

(4) من لا يحضره الفقيه 3: 258، الحديث 3932.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 63

[الخامسة من صاح ببالغ فمات فلا دية]

(الخامسة): من صاح ببالغ فمات، فلا دية (1)، أمّا لو كان مريضاً أو مجنوناً أو طفلًا، أو اغتفل البالغ الكامل، و فاجأه بالصيحة، لزمه الضمان. و لو قيل بالتسوية في الضمان، كان حسناً؛ لأنّه سبب الإِتلاف ظاهراً. و قال الشيخ: الدية على العاقلة، و فيه إشكال، من حيث قَصَدَ الصائح إلى الإِخافة، فهو عمد الخطأ. و كذا البحث لو شهر سيفه في وجه إنسان.

______________________________

أنّه قال: «هو مأمون» «1»، و مقتضى هذه عدم الضمان على الحامل لا في تلف النفس و لا في تلف المال، و بعد التساقط للمعارضة يرجع إلى مقتضى القاعدة و مقتضاها في الجناية على الإنسان كون الدية

على العاقلة؛ لأنّ الحامل لم يقصد الإصابة و لا القتل المترتّب عليه، فيكون القتل من الخطاء المحض فتضمن العاقلة.

و أمّا بالإضافة إلى تلف المال فإن لم يكن من الحامل إفراط و كان مأموناً لا متّهماً فليس عليه ضمان؛ لأنّ المال في يده أمانة ترتّب على حمله تلفه من غير إفراط منه و يضمن مع إفراطه، كما إذا كان المال لثقله لم يمكن التحفظ عليه من الإصابة أو لم يكن يرى قدّامه في الطريق لكبر المحمول على رأسه و نحو ذلك.

و يدلّ على عدم الضمان فيما ذكر صحيحة أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الجمّال يكسر الذي يحمل أو يهريقه، قال: «إن كان مأموناً فليس عليه شي ء، و إن كان غير مأمون فهو ضامن» «2».

من صاح ببالغ فمات

(1) ذكر قدس سره أنّ من صاح بشخص بالغ فمات البالغ لا يتعلّق على الصائح قود و لا دية؛ لأنّ الصائح لم يقصد بصيحته قتله و أنّ الصيحة لا تكون فعلًا قاتلًا، فمن

______________________________

(1) من لا يحضره الفقيه 4: 111، الحديث 5219.

(2) وسائل الشيعة 19: 150، الباب 30 من أبواب الإجارة، الحديث 7.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 64

..........

______________________________

المحتمل أنّ موته عند صيحته أمر اتفاقي غير مستند إلى صيحته فاتّفق مقارنته معها، و هذا بخلاف من صاح بمريض أو ضعيف من طفل أو مجنون أو اغتفل البالغ العاقل فصاح به ففي مثل ذلك إذا مات يكون موته مستنداً إلى الصيحة، و حيث إنّ الصائح لم يقصد بها القتل و لا أنّها من الفعل القاتل عادة يكون عليه الدية في ماله، ثمّ ذكر أنّه لو قيل بالتسوية أي ضمان الدية في ماله حتّى فيما صاح

ببالغ فمات كان حسناً؛ و ذلك فإنّ موته عند صيحته كافٍ في استناد موته إليها، و في صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «أيّما رجل فزع رجلًا عن الجدار أو نفر به عن دابته فخرّ فمات فهو ضامن لديته و إن انكسر فهو ضامن لدية ما ينكسر منه» «1».

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، در يك جلد، دار الصديقة الشهيدة سلام الله عليها، قم - ايران، اول، 1428 ه ق

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات؛ ص: 64

و عن الشيخ قدس سره من أنّ الدية على عاقلة الصائح «2»، و لكن لا يخفى أنّه لا وجه لكون الدية على العاقلة بعد صدور الفعل من الفاعل بالقصد، و بما أنّه لم يقصد الفاعل القتل و لا يكون الفعل قاتلًا عادة فيتمّ ملاك ضمان الجاني الدية في ماله.

هذا فيما إذا أُحرز استناد الموت إلى الصيحة.

و أمّا إذا احتمل اتّفاق تقارن موته بسبب آخر معها فلا موجب للدية أيضاً.

و ممّا ذكر ظهر أنّه لو شهر سيفه في وجه إنسان ممّا يكون إخافة فمات فإنّه إذا كان بقصد قتله بإخافته يتعلّق عليه القود لتحقّق الموت به، و إن كان قصده مجرّد الإخافة مع أنّه ممّا لا يقتل عادة يكون عليه الدية إذا أُحرز استناد موته إلى فعله و إخافته، و مع عدم العلم و إحراز الاستناد فلا شي ء عليه.

و لو فرّ الإنسان المفروض فألقى نفسه في بئر فمات بالسقوط في البئر أو ألقى نفسه من أعلى سقف فمات فلا يكون على من فزعه أو شهر سيفه ضمان؛ لأنّه هو

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 252، الباب 15 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2.

(2) المبسوط

7: 158- 159.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 65

أمّا لو فرّ، فألقى نفسه في بئر أو على سقف، قال الشيخ: لا ضمان؛ لأنّه ألجأه إلى الهرب (1) لا إلى الوقوع، فهو المباشر لإِهلاك نفسه فيسقط حكم التسبيب. و كذا لو صادفه في هربه سَبُع فأكله. و لو كان المطلوب أعمى، ضمن الطالب ديته؛ لأنّه سبب ملجئ. و كذا لو كان مبصراً، فوقع في بئر لا يعلمها، أو انخسف به السقف أو اضطرّه إلى مضيق فافترسه الأسد؛ لأنّه يفترس في المضيق غالباً.

[السادسة إذا صدمه فمات المصدوم فديته في مال الصادم]

(السادسة): إذا صدمه فمات المصدوم، فديته في مال الصادم. (2)

-

______________________________

المباشر لإهلاك نفسه غاية الأمر من شهر سيفه أو فزعه يتعلّق الحد و التعزيز به.

نعم، إذا كان المطلوب أعمى أو غافلًا عن البئر فألجأه إلى الهرب يتعلّق به الدية، نظير ما إذا ألجأه بالدخول في مضيق فافترسه الأسد فإنّ الفعل في كلّ ذلك و إن لم يكن بقصد القتل و لا ممّا يقتل عادة إلّا أنّ ترتّب الموت عليه بالسقوط في البئر و الدخول في المضيق يوجب الدية.

إذا صدم إنساناً فمات

(1) و المتحصّل أنّه إذا شهر سيفه على إنسان فألجأه إلى الفرار فإن كان في إلقائه في البئر و عدمه مختاراً حيث كان له مندوحة فإن قتله السقوط في البئر باختياره فلا ضمان على شاهر السلاح. نعم، يستحقّ التعزيز بفعله و في الحقيقة الهارب قاتل نفسه بإلقاء نفسه في البئر باختياره.

نعم، إذا لم يكن له مندوحة أو كان أعمى بأن لا يرى البئر أو كان جاهلًا بالبئر فسقطه فيه فألجأه إلى الهرب الجأ للازمه العادي أيضاً؛ و لمّا لم يكن قاصداً لقتله و لم يكن الفعل قاتلًا عادة فيتعلّق الدية بماله و إلّا

يكون على شاهر السلاح القود.

و بهذا يظهر الحال في سقوطه من السقف أو الدخول في مضيق.

(2) هذا فيما إذا لم يقصد الصادم قتل المصدوم و لا كون صدمه ممّا يقتل عادة، و إلّا تعلّق على الصادم القود كما تقدّم كما إذا كان صدمه على أرض تراب، و أيضاً تعلّق الدية في الفرض الذي ذكرنا ما إذا أُحرز موت المصدوم بصدمه،

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 66

أمّا الصادم لو مات فهدر، إذا كان المصدوم في ملكه، أو في موضع مباح، أو في طريق واسع. و لو كان في طريق المسلمين ضيق، قيل: يضمن المصدوم ديته؛ لأنّه فرّط بوقوفه في موضع ليس له الوقوف فيه، كما إذا جلس في الطريق الضيّق و عثر به إنسان. هذا إذا كان لا عن قصد. و لو كان قاصداً و له مندوحة، فدمه هدر، و عليه ضمان المصدوم.

[السابعة إذا اصطدم حران فماتا]

(السابعة): إذا اصطدم حرّان فماتا، فلورثة كلّ منهما نصف ديته و يسقط النصف و هو قدر نصيبه؛ لأنّ كلّ واحد منهما تَلِفَ بفعله و فعل غيره. و يستوي في ذلك الفارسان و الراجلان و الفارس و الراجل، و على كلّ واحد منهما نصف قيمة فرس الآخر إن تلف بالتصادم، و يقع التقاصّ في الدية. و إن قصد القتل، فهو عمد.

أمّا لو كانا صبيين و الركوب منهما فنصف دية كلّ واحد منهما على عاقلة الآخر.

و لو أركبهما وليّهما، فالضمان على عاقلة الصبيين؛ لأنّ له ذلك و لو أركبهما أجنبي، فضمان دية كلّ واحد بتمامها على المركب. و لو كانا عبدين بالغين سقطت جنايتهما؛ لأنّ نصيب كلّ واحد منهما هدرٌ و ما على صاحبه؛ لأنّه فات بتلفه، و لا يضمن المولى.

و لو اصطدم

حرّان فمات أحدهما فعلى ما قلناه، يضمن الباقي نصف دية التالف. و في رواية عن أبي الحسن موسى عليه السلام (1)، يضمن الباقي دية الميت.

______________________________

و إلّا يكون الأمر كما تقدّم في الصيحة من الصائح عدم تعلّق القود و الدية به، و لو فرض أنّ الصادم قد مات يكون دمه هدراً؛ لأنّه هو الذي قتل نفسه و كون المصدوم أو وقوفه و إن كان دخيلًا في تحقّقه إلّا أنّ الاستناد يكون إلى الصادم.

إذا اصطدم حرّان فماتا

(1) قيّد في الجواهر «1» الفرض بما إذا كان الفارسان قاصدين الاصطدام فإنّه في

______________________________

(1) جواهر الكلام 43: 68.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 67

..........

______________________________

هذا الفرض إذا ماتا يكون على كلّ منهما نصف دية الآخر؛ لأنّ كلّ منهما قد مات بفعل نفسه و فعل غيره فبالإضافة إلى نصف ديته دمه هدر، و بالإضافة إلى نصفها الآخر تكون على الآخر، ففي النتيجة يقع التقاصّ في الديتين، فإذا كانا متساويين في الدية فتسقط الدية عن كلّ منهما، و مع الاختلاف يكون فاضل دية المقتول في مال الآخر.

و أمّا إذا لم يقصدا الاصطدام و اتّفق الاصطدام تكون نصف دية كلّ منهما على عاقلة الآخر كما إذا كان أحدهما قاصداً له دون الآخر يكون على كلّ منهما حكمه هذا بالإضافة إلى موت الراكبين.

و أمّا إذا تلف المركبان أيضاً يكون على كلّ من الراكبين ضمان نصف قيمة مركب الآخر، بلا فرق بين قصدهما الاصطدام و عدمه أو اختلافهما؛ لأنّ العاقلة لا تضمن تلف المركب.

أقول: في تعلّق الدية بالراكبين لا يعتبر قصدهما الاصطدام مطلقاً، و كما أنّ في مورد القصاص لا يعتبر قصد القتل مطلقاً، بل إذا كان الفعل قاتله عادة يحسب القتل عمدياً، كذلك

في مورد تعلّق الدية على الجاني لا يعتبر قصد الفعل الذي لا يكون قاتلًا عادة، بل إذا قصد الإتيان بفعل يترتّب عليه عادة الفعل الذي لا يكون قاتلًا عادة بمنزلة قصده فيحسب الجناية شبه العمد، فسوق دابته بسرعة في طريق ضيّق يوجب سوقه كذلك ممّا يترتّب عليه الاصطدام بمركب آخر في ذلك الطريق فهو بمنزلة قصد الاصطدام.

و قد ظهر ممّا ذكر في الفرض من ضمان كلّ منهما نصف دية الآخر حكم ما إذا كان فعل الآخر أيضاً موجباً للاصطدام عرفاً أو قاصداً للاصطدام، و إلّا فلا وجه لضمان الآخر بل يكون على المتعدّي و من يستند إليه التلف كما تقدّم في مسألة الصادم و المصدوم.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 68

و الرواية شاذة (1). و لو تصادم حاملان سقط نصف دية كلّ واحدة، و ضَمِنت نصف دية الأُخرى. أمّا الجنين فيثبت في مال كلّ واحدة، نصف دية جنين كامل.

[الثامنة إذا مر بين الرماة فأصابه سهم فالدية على عاقلة الرامي]

(الثامنة): إذا مرّ بين الرماة، فأصابه سهم، فالدية على عاقلة الرامي (2) و لو ثبت أنّه قال: حذارِ لم يضمن، لما روي: أنّ صبيّاً دقّ رباعية صاحبه يخطره،-

______________________________

و ممّا ذكر يظهر الحال في المسألة المبتلى بها في عصرنا الحاضر من تصادم السيارات في الطرق و الشوارع و أنّ الملاك في الضمان و عدمه فيها على غرار ما تقدّم من الاستناد إلى كلا الطرفين أو أحدهما أو كون الفعل من أحدهما تسبيباً في التلف أو كونه مباشراً.

(1) بل ضعيفة سنداً لوقوع صالح بن عقبة «1» فيه مع احتمال حملها على ما إذا كان استناد القتل إلى الباقي لضعف الاصطدام من طرف الميت.

و لو تصادم الحاملان فأسقطتا الجنينين و ماتا بحيث استند إسقاطهما و موتهما إليهما

معاً تثبت على كلّ منهما نصف دية الأُخرى؛ لأنّ موت كلّ منهما مستند إلى نفسه و غيره فيكون على منهما نصف دية الأُخرى، و أمّا ضمانهما بالإضافة إلى الجنينين فكلّ منهما تضمن نصف دية جنينها و نصف دية جنين الأُخرى فيكون على كلّ منهما دية جنين كامل هذا، و أمّا بالإضافة إلى الكفارة فيكون على كلّ منهما أربع كفّارات لقتل نفسها و قتل الأُخرى و إسقاط جنينها و إسقاط جنين الأُخرى حيث لا يلزم في ترتّب الكفّارة المستقلّة كون الجاني مستقلّاً في الجناية، بل تثبت الكفّارة المستقلّة على الجاني في صورة الاشتراك في الجناية أيضاً.

إذا مرّ شخص بين الرماة فأصابه

(2) و الوجه في ذلك ظاهر فيما إذا لم يكن جانب الرمي في معرض المرور

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 261، الباب 25 من أبواب موجبات الضمان، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 69

فرفع ذلك إلى علي عليه السلام فأقام بيّنة أنّه قال: حذارِ، فدرأ عنه القصاص، و قال: قد أعذر من حذّر. و لو كان مع المارّ صبي، فقرّبه من طريق السهم لا قصداً فأصابه، فالضمان على من قرّبه لا على الرامي؛ لأنّه عرّضه للتلف، و فيه تردد.

______________________________

بحيث لا يحتمل إصابة المارّ فيكون القتل من الخطأ المحض فيضمن عاقلة الرامي.

نعم، لو أعلن الرامي بالحال و حذّر المارّ منه و أصاب المارّ اتّفاقاً مع غير علم الرامي بمروره فالظاهر أنّه لا ضمان لا على الرامي و لا على عاقلته، فإنّ مع علم المارّ بالحال يكون مروره من جعل نفسه في معرض التلف بحيث يستند التلف إلى نفسه لا إلى الرامي ليكون ضمانه عليه أو عاقلته، كما ورد ذلك في رواية أبي الصباح عن أبي

عبد اللّه عليه السلام قال: كان صبيان في زمان علي عليه السلام يلعبون بأخطار لهم، فرمى أحدهم بخطره فدقّ رباعية صاحبه، فرفع ذلك إلى أمير المؤمنين عليه السلام فأقام الرامي البيّنة بأنّه قال: حذار فدرأ عنه القصاص، ثمّ قال: قد أعذر من حذّر «1». و الوارد فيها و إن كان نفي القصاص و غير البالغ لا يتعلّق به القصاص و الضمان بل يكون جنايته على عاقلته إلّا أنّه يمكن أن يكون الرامي بالغاً و التعليل بأنّه قد أعذر من حذّر كناية على عدم ترتّب شي ء على فعل المنذر إلّا أنّ الرواية ضعيفة سنداً لتردّد محمّد بن الفضيل بين الثقة و غيره و لكن تصلح للتأييد.

و لو كان المارّ قرّب صبيّاً من طريق السهم بحيث أصابه السهم فقتله فإن كان عالماً برمي الرامي و أنّه قد يصيبه يكون شريكاً في قتله مع الرامي و مع عدم علمه به و بكون فعله موجباً لذلك تكون الدية في ماله لا على عاقلته.

و أمّا الرامي فإن كان يحتمل إصابة رميه إلى مارّ اتفاقاً فالدية أي نصفها في ماله، و إن كان غافلًا عن ذلك رأساً فعلى عاقلته، و ما عن الماتن من كون الضمان بتمام الدية على من قرّبه ثمّ تردّده في ذلك لا وجه له فإن المورد من موارد الاشتراك في القتل.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 69، الباب 26 من أبواب القصاص في النفس، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 70

[التاسعة روى السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام: أنّ عليّاً عليه السلام، ضمن ختّاناً]

(التاسعة): روى السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام: أنّ عليّاً عليه السلام، ضمن ختّاناً قطع حشفة غلام (1)، و الرواية مناسبة للمذهب.

[العاشرة لو وقع من علو على غيره فقتله]

(العاشرة): لو وقع من علو على غيره فقتله، فإن قصد قتله و كان الوقوع ممّا يقتل غالباً، فهو قاتل عمداً (2). و إن كان لا يقتل غالباً فهو شبيه بالعمد يلزمه الدية في ماله. و إن وقع مضطرّاً إلى الوقوع، أو قصد الوقوع لغير ذلك، فهو خطأ محض و الدية فيه على العاقلة. أمّا لو ألقاه الهواء أو زلق فلا ضمان، و الواقع هدر على التقديرات.

في ضمان الختّان إذا قطع حشفة

______________________________

(1) إذا ترتّب موت الصبي على قطع حشفته و الفرض أنّه لم يقصد الختّان موته و لا كونه ممّا يقتل عادة يكون قتله غير عمد و حيث إنّ قطعها كان بالقصد فيكون القتل من شبه العمد؛ و لذا لو لم يكن في البين معتبرة السكوني، عن جعفر، عن أبيه أنّ عليّاً عليه السلام ضمّن ختّاناً قطع حشفة غلام «1»، كان الحكم كما في المعتبرة و لا فرق في الضمان بين كونه حاذقاً أم لا؛ و لذا ذكر الماتن و غيره مع كون الرواية ضعيفة عندهم سنداً بأنّ الحكم مناسباً للمذهب.

نعم، لو تبرأ الختّان من ضمانه من وليّ الطفل لم يكن شي ء عليه لما تقدّم في معتبرة السكوني الأُخرى: «من تطبّب أو تبيطر فليأخذ البراءة من وليّه و إلّا فهو له ضامن» «2».

لو وقع من علوّ على غيره فقتله

(2) قد تقدّم أنّ الميزان في القتل عمداً الموجب للقود ما إذا قصد الفاعل

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 260، الباب 24 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 29: 260، الباب 24 من أبواب

موجبات الضمان، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 71

..........

______________________________

بفعله القتل و إن لم يكن قاتلًا عادة أو كونه قاتلًا عادة و إن لم يقصد القتل، و على ذلك فإن قصد الواقع بوقوعه على آخر قتله أو كون فعله أي وقوعه بحيث يكون قاتلًا يتعلّق عليه القود.

و أمّا إذا وقع على الغير بالقصد و لكن لم يكن قاصداً للقتل و لم يكن وقوعه عليه قاتلًا عادة كما إذا كان من مكان غير مرتفع فمع اتّفاق قتله يكون الدية في ماله حيث إنّه من القتل شبه العمد.

و أمّا إذا لم يقصد الوقوع عليه بل قصد الوقوع على شي ء آخر فاتفق الوقوع عليه فمات من وقع عليه فالدية على عاقلته حيث إنّه قصد فعلًا آخر فاتّفق الفعل المفروض الذي ترتّب عليه القتل كما إذا رمى طائراً فأخطأ فأصاب إنساناً.

و ما في عبارة الماتن قدس سره: و لو وقع مضطراً إلى الوقوع أو قصد الوقوع لغير ذلك، فيه ما لا يخفى فإنّه لو كان المراد بالاضطرار أنّه كان قاصداً الوقوع عليه و لكن كان وقوعه لاضطراره فلا وجه له؛ لكون ضمانه على العاقلة، و إن كان المراد بالاضطرار النافي للقصد بأن لم يقصد وقوعه عليه بل كان قصده الفرار و الوقوع على غيره فالضمان و إن يكون على العاقلة إلّا أنّه لا وجه لعطف قصد الوقوع لغير ذلك على الاضطرار إلى الوقوع ب (أو) العاطفة.

و أمّا إذا لم يقصد الوقوع أصلًا بل أطاره الهواء العاصفة فألقاه أو زلقت رجله على الصعود في الدرج و نحوه فسقط فوقع على شخص فلا يكون عليه ضمان موته؛ لأنّه لم يقصد الفعل أصلًا لا الوقوع على الإنسان و لا الوقوع

على شي ء كما يشهد لذلك عدة روايات.

منها صحيحة عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل وقع على

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 72

و لو دفعه دافع، فدية المدفوع لو مات على الدافع. أمّا دية الأسفل. فالأصل أنّها على الدافع (1) أيضاً. و في النهاية ديته على الواقع، و يرجع بها على الدافع، و هي رواية عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

______________________________

رجل فقتله فقال: «ليس عليه شي ء» «1» و صحيحة محمد بن مسلم، عن أحدهما عليه السلام قال: في الرّجل يسقط على الرّجل فيقتله فقال: لا شي ء عليه، و قال: من قتله القصاص فلا دية له «2». و نحوها غيرها.

و لو دافع الواقع عليه فألقاه عن نفسه دفاعاً فمات الواقع فلا شي ء على الأسفل، و في موثّقة ابن بكير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يقع على رجل فيقتله فمات الأعلى، قال: «لا شي ء على الأسفل» «3».

و لا يبعد أن يكون المراد بالأخيرة دفع الأسفل الواقع دفاعاً عن نفسه فاتّفق موته فإنّ الدافع عن نفسه لا يكون عليه شي ء.

(1) كون مقتضى القاعدة ما ذكره الماتن من أنّ دية المدفوع ودية المدفوع عليه على الدافع في فرض عدم قصد الدافع القتل و عدم كونه قاتلًا عادة لاستناد تلفها في هذا الفرض إلى الدافع و هذا هو المشهور بين الأصحاب.

و لكن مقتضى صحيحة عبد اللّه بن سنان كون دية المدفوع على الدافع ودية المدفوع عليه على المدفوع و لكن يرجع المدفوع بها إلى الدافع فإنّه روى عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل دفع رجلًا على رجل فقتله، قال: الدية على الذي وقع

على الرجل فقتله لأولياء المقتول، قال: و يرجع المدفوع بالدية على الذي دفعه، قال و إن أصاب المدفوع شي ء فهو على الدافع أيضاً «4». و لكن ظاهر الصحيحة فرض عدم

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 56، الباب 20 من أبواب القصاص في النفس، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 29: 56-/ 57، الباب 20 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 29: 57، الباب 20 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 4.

(4) وسائل الشيعة 29: 238، الباب 5 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 73

[الحادية عشرة روى أبو جميلة، عن سعد الإِسكاف، عن الأصبغ قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في جارية رَكِبت أُخرى]

(الحادية عشرة): روى أبو جميلة (1)، عن سعد الإِسكاف، عن الأصبغ قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في جارية رَكِبت أُخرى فنخستها ثالثة فقمصت المركوبة، فصرعت الراكبة فماتت: أنّ ديتها نصفان على الناخسة و المنخوسة. و أبو جميلة ضعيف، فلا استناد إلى نقله. و في «المقنعة» على الناخسة و القامصة ثُلُثا الدية، و يسقط الثلث لركوبها عبثاً و هذا وجه حسن. و خرّج متأخر وجهاً ثالثاً، فأوجب الدية على الناخسة إن كانت ملجئة للقامصة. و إن لم تكن ملجئة، فالدية على القامصة و هو وجه أيضاً، غير أنّ المشهور بين الأصحاب هو الأول.

______________________________

موت المدفوع و التعدي إلى صورة تلفه أيضاً لعدم احتمال الفرق في الحكم خصوصاً بملاحظة ما في ذيلها من قوله عليه السلام و إن أصاب المدفوع شي ء فهو على الدافع أيضاً.

في جارية ركبت أُخرى فنخستها ثالثة فقمصت المركوبة

(1) روى الرواية الشيخ قدس سره بإسناده عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن أبي عبد اللّه، عن محمّد بن عبد اللّه بن مهران، عن عمرو بن عثمان، عن أبي جميلة، عن سعد الإسكاف «1»،

و أبو عبد اللّه الرازي و محمّد بن عبد اللّه مهران ضعيفان، و أبو جميلة و هو مفضل بن صالح أمره في الضعف ظاهر، و مقتضى ما تقدّم في موجب الضمان أنّ النخس من الثالثة بحيث كان قمص المركوبة بلا اختيار و من الأمر القهري فضمان تمام الدية على الثالثة أي الناخسة.

و أمّا لو كان أمراً اختيارياً فالضمان على المنخوسة، و الرواية لضعفها لا يمكن الاعتماد عليها و لم يثبت عمل المشهور بها، و رواها الصدوق أيضاً عن عمرو بن عثمان «2»، و سنده إليه غير مذكور و يكفي في عدم الاعتماد ضعف أبي جميلة، و روى المفيد في الإرشاد أنّ علياً عليه السلام رفع إليه خبر جارية حملت جارية على

______________________________

(1) التهذيب 10: 241، الحديث 10.

(2) من لا يحضره الفقيه 4: 169-/ 170، الحديث 5388.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 74

..........

______________________________

عاتقها عبثاً و لعباً فجاءت جارية أُخرى فقرصت الحاملة فقفزت لقرصتها فوقعت الراكبة فاندقّت عنقها و هلكت فقضى علي عليه السلام على القارصة بثلث الدية، و على القامصة بثلثها، و أسقط الثلث الباقي بقموص الراكبة لركوب الواقعة عبثاً القامصة، فبلغ النبي صلى الله عليه و آله فأمضاه «1». فهذه أيضاً مرسلة و مخالفة للقاعدة إذ العبث و اللعب لا يوجب سقوط الضمان عمّن أصابه و جني عليه عمداً أو خطأً، و اللّٰه العالم.

______________________________

(1) الإرشاد 1: 196.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 75

[و من اللواحق مسائل:]

اشارة

و من اللواحق مسائل:

[الأُولى: من دعاه غيره فأخرجه من منزله ليلًا، فهو له ضامن حتّى يرجع]

(الأُولى): من دعاه غيره فأخرجه من منزله ليلًا، فهو له ضامن حتّى يرجع إليه (1). فإن عدم فهو ضامن لديته. و إن وجد مقتولًا، و ادّعى قتله على غيره، و أقام بيّنة فقد برئ. و إن عدم البيّنة، ففي القود تردّد، و الأصحّ أن لا قود، و عليه الدية في ماله. و إن وجد ميّتاً ففي لزوم الدية تردّد، و لعلّ الأشبه أنه لا يضمن.

من دعا غيره فأخرجه من منزله ليلًا فهو له ضامن

______________________________

(1) لا خلاف بين الأصحاب في أنّ من دعا غيره ليلًا فأخرجه من منزله فهو له ضامن حتّى يرجع إلى بيته، فإن لم يرجع فقد يكون ديته على من أخرجه من ماله، فإن كان ذلك من واحد فتمام ديته عليه و مع التعدّد يكون على الجميع بالسوية.

و يشهد لذلك ما عبّر في كلمات بعض الأصحاب بصحيحة عمرو بن أبي المقدام (ثابت بن هرمز) أنّ رجلًا قال لأبي جعفر المنصور و هو يطوف: يا أمير المؤمنين إنّ هذين الرّجلين طرقا أخي ليلًا فأخرجاه من منزله فلم يرجع إليّ و و اللّٰه ما أدري ما صنعا به؟ فقال لهما: ما صنعتما به؟ فقال: يا أمير المؤمنين كلّمناه ثمّ رجع إلى منزله- إلى أن قال:- فقال لأبي عبد اللّه جعفر بن محمّد عليهما السلام: اقض بينهم- إلى أن قال:- فقال يا غلام اكتب: بسم اللّٰه الرحمن الرحيم قال رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله كلّ من طرق رجلًا بالليل فأخرجه من منزله فهو ضامن إلّا أن يقيم عليه البيّنة أنّه قد ردّه إلى منزله يا غلام نحّ هذا فاضرب عنقه، فقال: يا بن رسول اللّٰه و اللّٰه ما أنا قتلته

و لكنّي أمسكته ثمّ جاء هذا فوجأه فقتله، فقال: أنا ابن رسول اللّٰه يا غلام نحّ هذا فاضرب عنقه للآخر، فقال: يا ابن رسول اللّٰه ما عذّبته و لكنّي قتلته بضربة واحدة فأمر أخاه فضرب عنقه، ثمّ أمر بالآخر فضرب جنبيه و حبسه في السّجن و وقع على

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 76

..........

______________________________

رأسه يحبس عمره و يضرب كلّ سنة خمسين جلدة «1».

و روى الشيخ قدس سره بإسناده عن جعفر بن محمّد القمي، عن عبد اللّه بن ميمون، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا دعا الرجل أخاه بليل فهو له ضامن حتّى يرجع إلى بيته» «2» و سنده إلى جعفر بن محمّد بن عبد اللّه القمي ضعيف، و الرواية الأُولى رواها الكليني «3» بسند ضعيف و رواها الشيخ باسناده عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن الفضيل، عن عمرو بن أبي المقدام و محمّد بن الفضيل لا يبعد كونه مردّداً.

و كيف كان فالحكم متسالم عليه بين الأصحاب في صورة فقد الرجل.

و أمّا إذا وجد مقتولًا ففي كون الضمان على المخرج بالدية كما في صورة الفقدان أو يتعلّق على المخرج القود خلاف، و ما ورد في الرواية الضمان لا يدلّ على القود، غاية الأمر يثبت عليه الدية فإنّه لا يقصر عن صورة الفقدان.

نعم، لو ادّعى أولياؤه القتل على من أخرجه من بيته يحتاج إثباته إلى القسامة فإنّه مورد اللوث؛ و لذا لا تبرؤ ذمة المخرج إلّا أن يقيم البيّنة على أنّه أرجعه إلى منزله.

و الحاصل أنّ القتل عمداً ثبوته يحتاج إلى مثبت و إذا وجد ميّتاً فعلى المخرج الضمان إذا احتمل دخل إخراجه في موته، و إلّا لا يكون عليه شي ء

لانصراف الرواية عن صورة عدم احتمال دخالة إخراجه في موته.

ثمّ لا يخفى أنّ ما ورد في الرواية من أمر الإمام عليه السلام بضرب عنق الأوّل للآخر لا يدلّ على أنّ الضمان يوجب القصاص، بل كان أمره عليه السلام بضرب عنقه لاستظهار الحال، و إلّا لم يكن للغلام دخل في القصاص فإنّه حقّ أولياء الميّت؛ و لذا بعد ثبوت

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 51، الباب 18 من أبواب القصاص في النفس، الحديث الأوّل.

(2) التهذيب 10: 222، الحديث 2.

(3) الكافي 7: 287، الحديث 3.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 77

[الثانية: إذا أعادت الظئر الولد، فأنكره أهله، صُدِّقت]

(الثانية): إذا أعادت الظئر الولد، فأنكره أهله، صُدِّقت (1) ما لم يثبت كذبها، فيلزمها الدية أو إحضاره بعينه أو من يحتمل أنّه هو، و لو استأجرت أُخرى و دفعته بغير إذن أهله فجُهِل خبره ضمنت الدية.

______________________________

القتل بإقرار الآخر أمر الإمام عليه السلام أخا المقتول بالاقتصاص منه.

إذا أعادت الظئر الولد فأنكره أهله

(1) كما يدلّ على ذلك صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل استأجر ظئراً فدفع إليها ولده فغابت بالولد سنين ثمّ جاءت بالولد و زعمت أُمّه أنّها لا تعرفه و زعم أهلها أنّهم لا يعرفونه؟ فقال: «ليس لهم ذلك فليقبلوه إنّما الظئر مأمونة» «1» و مقتضى كونها مأمونة أنّها لو ادّعت موت الطفل قبلت دعواها و لا يكون لأهله إلّا الاستحلاف كما هو مقتضى الدعوى على الأمين، و قد قيّدوا قبول قولها بما لم يثبت كذبها، و إلّا تلزمها مع ثبوت كذبها دية الطفل أو إحضار الولد بعينه أو من يحتمل كونه هو الولد.

و قد يقال مجرّد ظهور كذب الظئر لا يوجب ضمانها الدية؛ لأنّ مجرّد الكذب لا يوجب ثبوت الدية،

و الضمان على ذي اليد إنّما هو فيما وضع يده على المال، و أمّا أنّ وضع اليد على الحرّ يوجب ضمان الدية فلم يثبت بشي ء يعتمد عليه إلّا دعوى الإجماع في المقام.

و أمّا استفادة الحكم ممّا ورد في مسألة من دعا غيره ليلًا و أخرجه من منزله لا يعمّ المقام، بل لا يرتبط به، فإنّه لا يعمّ من أخرج من منزله نهاراً فضلًا عن مسألة ثبوت كذب الظئر في دعواها.

و كذا لا يمكن استفادة ذلك ممّا ورد في الفرض الثاني الوارد في المتن من أنّها

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 266، الباب 29 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 78

[الثالثة: لو انقلبت الظئر فقتلته، لزمها الدية في مالها]

(الثالثة): لو انقلبت الظئر فقتلته، لزمها الدية في مالها، إن طلبت بالمظاءرة الفخر (1). و لو كان للضرورة، فديته على عاقلتها.

______________________________

دفعت الطفل إلى غيرها بغير إذن أهله فجهل خبرها؛ لأنّ موردها خيانة الظئر و تعدّيها الولد حيث أعطته للغير لا ثبوت مجرّد كذب الظئر في أنّ الولد هو من جاءت به.

و على الجملة، لم يثبت تعدّيها في الفرض ليكون عليها الدية كما هو موضوع ثبوتها.

نعم، إذا جاءت بعد ذلك بمن يحتمل أنّه هو الولد لا بأس بقبول قولها؛ لأنّها لم تخرج بالكذب السابق عن عنوان الأمين و إلّا كان قبول قولها بلا وجه.

أقول: ورد في صحيحة سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن رجل استأجر ظئراً فأعطاها ولده و كان عندها فانطلقت الظئر و استأجرت أُخرى فغابت الظئر بالولد فلا يدري ما صنعت به؟ قال: «الدية كاملة» «1» و المستفاد منها ضمان الظئر، الولد الذي أخذته و لم يردّها حيث إنّها لو جاءت بعد

ثبوت كذبها بالولد، أو من يحتمل كونه هو الولد و اعتذرت عن كذبها باشتباهها فلا تكون خائنة و إلّا تكون خائنة كما إذا لم تأت به حيث إنّ المستفاد من صحيحة سليمان بن خالد أنّ عدم المجي ء بالولد مع استيمانها بالمظاءرة يوجب عليها الدية مع خيانتها حتّى مع عدم العلم بموت الولد.

لو انقلبت الظئر فقتلت الولد

(1) مقتضى القاعدة عدم ضمان الظئر إذا انقلبت في نومها مع عدم كون ذلك الانقلاب في النوم أمراً عاديّاً لها؛ لعدم قصدها الانقلاب و لا فعلًا آخر لم يقع و وقع

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 267، الباب 29 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 3.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 79

[الرابعة: روى عبد اللّه بن طلحة عن أبي عبد اللّه عليه السلام في لصٍّ دخل على امرأة]

(الرابعة): روى عبد اللّه بن طلحة عن أبي عبد اللّه عليه السلام في لصٍّ دخل على امرأة، فجمع الثياب و وطأها قهراً، فثار ولدها فقتله اللصّ، و حمل الثياب ليخرج، فحملت هي عليه فقتلته، فقال: يضمن مواليه دية الغلام، و عليهم فيما ترك أربعة آلاف درهم لمكابرتها على فرجها، و ليس عليها في قتله شي ء. و وجه الدية فوات محلّ القصاص؛ لأنّها قتلته دفعاً عن المال فلم يقع قصاصاً. و إيجابُ المال دليلٌ، على أنّ مهر المثل في مثل هذا لا يتقدّر بخمسين ديناراً، بل بمهر أمثالها ما بلغ.

و تنزل هذه الرواية على أنّ مهر أمثال القاتلة هذا القدر. (1)

______________________________

الانقلاب فلا يكون القتل الصادر خطأً محضاً أيضاً فإنّ المعتبر في الخطاء المحض قصد فعل و تحقّق فعل آخر.

و إن كان انقلابها في نومها أمراً عاديّاً فلا يبعد ضمانها الدية في مالها لأنّ نومها في الفرض من قصد الانقلاب على الولد و لكن ورد في صحيحة محمد بن مسلم

المروية في المحاسن قال: قال أبو جعفر عليه السلام: «أيّما ظئر قوم قتلت صبيّاً لهم و هي نائمة فقتلته فإنّ عليها الدية من مالها خاصّة إن كانت إنّما ظائرت طلباً للعزّ و الفخر و إن كانت ظائرت من الفقر فإنّ الدية على عاقلتها» «1» و الرواية صحيحة يتعين الأخذ بها و إن كانت على خلاف القاعدة.

في لصّ دخل على امرأة فوطئها قهراً

(1) هذه الرواية بحسب نقل عبد اللّه بن طلحة «2» لا تخلو عن الإشكال في السند لعدم ثبوت توثيق لعبد اللّٰه، و محمّد بن حفص أبو جعفر كان وكيل الناحية، و أبوه حفص بن عمرو المعروف بالعمري وكيل أبي محمّد عليه السلام.

______________________________

(1) المحاسن 2: 304-/ 305، الحديث 14.

(2) وسائل الشيعة 29: 62، الباب 23 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 2.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 80

..........

______________________________

و لكن روى الصدوق، عن يونس بن عبد الرحمن، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن رجل سارق دخل على امرأة ليسرق متاعها فلمّا جمع الثياب تبعتها نفسه فواقعها فتحرّك ابنها فقام فقتله بفأس كان معه فلمّا فرغ حمل الثياب و ذهب ليخرج حملت عليه بالفأس فقتلته، فجاء أهله يطلبون بدمه من الغد؟

فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: «يضمن مواليه الذين طلبوا بدمه دية الغلام و يضمن السارق فيما ترك أربعة آلاف درهم بما كابرها على فرجها؛ لأنّه زان و هو في ماله يغرمه و ليس عليها في قتلها إيّاه شي ء؛ لأنّه سارق» «1» و قد يورد على الرواية مع أنّه لا يبعد صحّتها سنداً؛ لأنّ الشيخ قدس سره ذكر طريق الصدوق قدس سره إلى يونس بن عبد الرحمن

في الفهرست «2» و إن لم يذكر الصدوق نفسه في مشيخة الفقيه، و الطريق المذكور صحيح إن ثبت أنّ الرواية مأخوذة من كتب يونس بن عبد الرحمن؛ لأنّ الشيخ قدس سره لم يروها عن يونس بن عبد الرحمن، بل روى باسناده عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد بن حفص، عن عبد اللّه بن طلحة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام «3» بأنّ مدلولها على خلاف القواعد حيث إنّ قتل السارق ولد المرأة التي قهر عليها في فرجها كان قتلًا عمدياً فكيف تكون الدية مع فوات محلّ القصاص على العاقلة و فرض عدم المال له ينافيه أنّ على السارق المقتول أربعة آلاف لإكراهه على المرأة على فرجها و كيف يحسب قتل السارق جزاءً على سرقته مع أنّ السارق يقطع يده؟

و قد تصدّى الماتن لدفع هذه الإشكالات بأنّ قتل المرأة السارق كان دفاعاً عن ماله الذي أراد السارق الذهاب به و الانتقال إلى الدية لفوات مورد القصاص حيث إنّ

______________________________

(1) من لا يحضره الفقيه 4: 164، الحديث 5371.

(2) الفهرست: 266، باب يونس، الرقم 1.

(3) التهذيب 10: 208، الحديث 28.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 81

و روي عنه عن أبي عبد اللّه عليه السلام في امرأةٍ أدخلت ليلة البناء بها صديقاً إلى حجلتها (1)، فلمّا أراد الزوج مواقعتها ثار الصديق، فاقتتلا فقتله الزوج فقتلته هي، فقال عليه السلام: تضمن دية الصديق و تُقتل بالزوج، و في تضمين دية الصديق تردّد، أقربه أنّ دمه هدر.

______________________________

السارق قتل دفاعاً عن المال و أنّ ما ذكروا من ضمان الزاني المكره على المرأة مهر المثل المحدود بخمسين ديناراً غير تامّ، بل الضمان بمهر المثل غير محدّد بمقدار خاصّ و

في كلّ مورد يحسب المهر بحسب مهر أمثال المرأة. و لكن لا يخفى أنّه لو تمّ ما ذكر لا يتمّ ضمان أولياء السارق لدية الغلام، إلّا أن يقال مع صحّة الرواية سنداً و تمام دلالتها يؤخذ بمدلولها في الدية أيضاً فيما إذا لم يكن للسارق مال. و لكن صحيحة عبد اللّه بن سنان و كذا رواية عبد اللّه طلحة في قضية إدخال المرأة صديقها حجلتها مشتملة على أمر لا يمكن الالتزام به كما يأتي و على ذلك يوهن الأخذ بتمام ما ورد في الرواية مع إعراض الأصحاب عنها.

في امرأة أدخلت صديقاً إلى حجلتها

(1) ما ذكر قدس سره من رواية عبد اللّه بن طلحة و إن كانت ضعيفة سنداً إلّا أنّه رواها الصدوق قدس سره بسنده عن يونس بن عبد الرحمن، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: رجل تزوّج امرأة فلمّا كان ليلة البناء عمدت المرأة إلى رجل صديق لها فأدخلته الحجلة فلمّا ذهب الرجل يباضع أهله ثار الصديق فاقتتلا في البيت فقتل الزوج الصديق و قامت المرأة فضربت الرجل ضربة فقتلته بالصديق؟

قال: «تضمن المرأة دية الصديق و تقتل بالزوج» «1» و دلالتها على أنّ المرأة تقتل بالزوج قصاصاً حكم على القاعدة، و لكن ظاهرها ضمان المرأة دية الصديق و هذا لا يمكن الأخذ به فإنّ من دخل بيت الآخر و شهر سيفه فدمه هدر.

______________________________

(1) من لا يحضره الفقيه 4: 165، الحديث 5375.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 82

[الخامسة): روى محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام عن عليّ عليه السلام في أربعة شربوا المسكر]

(الخامسة): روى محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام عن عليّ عليه السلام (1) في أربعة شربوا المسكر، فجرح اثنان، و قتل اثنان، فقضي دية المقتولين

على المجروحين، بعد أن ترفع جراحة المجروحين من الدية. و في رواية السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: أنّه جعل دية المقتولين على قبائل الأربعة، و أخذ دية جراحة الباقين من دية المقتولين. و من المحتمل أن يكون عليّ عليه السلام، قد اطَّلع في هذه الواقعة على ما يوجب هذا الحكم.

في أربعة شربوا المسكر فجرح اثنان و قتل اثنان

______________________________

(1) روى في الوسائل عن محمّد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، و عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد جميعاً، عن ابن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في أربعة شربوا مسكراً فأخذ بعضهم على بعض السلاح فاقتتلوا فقتل اثنان و جرح اثنان فأمر المجروحين فضرب كلّ واحد منهما ثمانين جلدة و قضى بدية المقتولين على المجروحين و أمر أن تقاس جراحة المجروحين فترفع من الدية فإن مات المجروحان فليس على أحد من أولياء المقتولين شي ء» «1».

أقول: قد تقدّم الكلام في تعلّق القود على الجاني بالقتل متعمّداً و لكن وقع الخلاف في الجاني السكران فهل تحسب جنايته تعمدياً أو أنّه غير تعمّدي بحيث تكون على الدية في ماله، و ذكرنا سابقاً أنّ الشخص إذا علم من حاله أنّه إذا سكر في واقعة تصدر منه الجناية قتلًا أو غيره تكون الجناية الصادرة منه عمدياً، و أمّا إذا لم يكن كذلك فصدر منه الجناية بعد سكره اتفاقاً تكون عليه الدية و على ذلك يمكن أن تكون الواقعة من الثاني؛ و لذا حكم بأنّ دية المقتولين على المجروحين بعد وضع دية جراحتهما.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 233، الباب الأوّل من أبواب

موجبات الضمان، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 83

..........

______________________________

و دعوى أنّه لم تكن في الرواية فرض قتل المقتولين من المجروحين و كون جراحتهما كانت من المقتولين تدفعها أنّها حكاية في واقعة لعلّها كانت كما ذكر، اللهم إلّا أن يقال إنّ حكاية الإمام عليه السلام قضاء علي عليه السلام ظاهرها بيان حكم الواقعة و أنّ الحيّ من المقاتلين حال سكرهم يضمن دية المقتول بعد وضع دية جراحته، و موت المجروحين يوجب تغيير الحكم بمعنى أنّ مع سراية جراحتهما لا يكون شي ء على أولياء القاتلين بأن يكون دم السكرة في الفرض هدراً.

و تدلّ معتبرة السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام على خلاف ذلك و لكن يمكن جعلها قرينة على أنّ السكران إذا كان من القسم الأوّل يتعلّق به القود قال عليه السلام: كان قوم يشربون فيسكرون فيتباعجون بسكاكين كانت معهم، فرفعوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام فسجنهم فمات منهم رجلان و بقي رجلان فقال أهل المقتولين: يا أمير المؤمنين أقدهما بصاحبينا، فقال للقوم: ما ترون؟ فقالوا: نرى أن تقيدهما، فقال علي عليه السلام للقوم: فلعلّ ذينك اللذين ماتا قتل كلّ واحد منهما صاحبه، قالوا: لا ندري، فقال علي عليه السلام: بل اجعل دية المقتولين على قبائل الأربعة و آخذ دية جراحة الباقيين من دية المقتولين «1». الحديث، فإنّه يستفاد منها أنّ الجاني القاتل مع كونه سكراناً يتعلّق به القود فلا بد من أن يكون المراد القسم الأوّل من السكران بقرينة صحيحة محمّد بن قيس المتقدّمة «2» و لو فرض تعارضهما في ذلك و سائر ما ورد فيهما يكون المرجع ما تقدّم من القاعدة و هو التفصيل بحسب كون الجناية حال السكر عادياً أو

اتّفاقياً فيتعلّق في الأوّل القود و في الثاني الدية في مال الجاني.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 233-/ 234، الباب الأوّل من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2.

(2) في بداية تعليقة المسألة الخامسة.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 84

[السادسة: روى السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام و محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام عن علي عليه السلام في ستة غلمان، كانوا في الفرات فغرق واحد]

(السادسة): روى السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام و محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام عن علي عليه السلام (1): في ستة غلمان، كانوا في الفرات فغرق واحد، فشهد اثنان على الثلاثة أنّهم غرقوه، و شهد الثلاثة على الاثنين، فقضى بالدية ثلاثة أخماس على الاثنين و خمسين على الثلاثة، و هذه الرواية متروكة بين الأصحاب.

فإن صحّ نقلها، كانت حكماً في واقعة، فلا تتعدى لاحتمال ما يوجب الاختصاص.

في ستة غلمان كانوا في الفرات فغرق واحد منهم

______________________________

(1) رواها الكليني باسناده إلى السكوني و الشيخ بإسناده عن محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام «1».

و مقتضاه سماع شهادة الثلاثة بالإضافة إلى الاثنين في توزيع الدية على رءوس الشهود و سماع شهادة الاثنين في حقّ الثلاثة فيكون خمسين من الدية على الثلاثة و ثلاثة أخماس على الاثنين، و هذا الحكم المستفاد منهما عند الأصحاب خلاف القاعدة فإنّه من التبعيض في قبول الشهادة المتعارضة مع عدم فرض الدعوى من أولياء الميت، و لعلّ ضمان الدية في مثل الفرض كضمان أهل القرية دية المقتول الذي وجد في تلك القرية حكم للتحفّظ على الدماء، و اللّٰه العالم.

______________________________

(1) الكافي 7: 284، الحديث 6، التهذيب 10: 239، الحديث 3.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 85

[البحث الثاني: في الأسباب]

اشارة

البحث الثاني: في الأسباب و ضابطها ما لولاه لمّا حصل التلف (1)، لكن علّة التلف غيره، كحفر البئر و نصب السكين و إلقاء الحجر، فإنّ التلف عنده بسبب العِثار،

[و لنفرض لصورها مسائل:]

اشارة

و لنفرض لصورها مسائل:

[الأُولى: لو وضع حجراً في ملكه أو مكان مباح (2)، لم يضمن دية العاثر]

(الأُولى): لو وضع حجراً في ملكه أو مكان مباح، لم يضمن دية العاثر، و لو كان في ملك غيره، أو في طريق مسلوك ضمن في ماله، و كذا لو نصب سكّيناً فمات العاثر بها. و كذا لو حفر بئراً أو ألقى حجراً.

البحث الثاني: في التسبيب

ملاك التسبيب

______________________________

(1) ما ذكر قدس سره من ملاك التسبيب الموجب للضمان غير تامّ؛ لما يأتي في المسائل الآتية بأنّ فعل مطلق ما لولاه لمّا حصل التلف لا يوجب ضمان الدية؛ و لذا لا بدّ في بيان الموضوع لضمان الدية من ملاحظة الأدلّة الواردة، ثمّ إلحاق الموارد التي لم يرد فيها دليل خاصّ بأن لم يكن بين مورد النصّ و غيره فرق بحسب المفروض في الأوّل أو كان في المورد الأوّل تعليل في الحكم يجري في الثاني أيضاً فيلحق الثاني بالأوّل، و إلّا فلا بدّ من ملاحظة استناد الموت إلى فاعل ما يطلق عليه السبب فإن كان الموت مستنداً إليه بحيث يصدق حقيقةً أنّ فاعله قتله فهو، و إلّا فلا موضوع للضمان؛ و لذا ذكر الماتن قدس سره في بيان الأسباب الموجبة للضمان مسائل:

لو وضع حجراً في ملكه أو مكان مباح

(2) لو وضع حجراً في ملكه أو مكان مباح يجوز له التصرف فيه بذلك لم يضمن دية العاثر، سواء كان عثاره بذلك موجباً للجرح أو الموت، و لكن لو وضعه في ملك غيره أو في طريق مسلوك ضمن الدية في ماله، و كذا لو نصب سكيناً فمات العاثر بها أو حفر بئراً أو ألقى حجراً فإنّ وضع ذلك في ملك غيره أو في طريق مسلوك يوجب الضمان في ماله.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 86

و لو

حفر في ملك غيره، فرضي المالك، سقط الضمان عن الحافر. و لو حفر في الطريق المسلوك لمصلحة المسلمين، قيل: لا يضمن؛ لأنّ الحفر لذلك سائغ، و هو حسن.

______________________________

و يدلّ على ما ذكر صحيحة زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: رجل حفر بئراً في غير ملكه فمرّ عليها رجل فوقع فيها، فقال: «عليه الضمان لأنّ كلّ من حفر في غير ملكه كان عليه الضمان» «1» و موثقة سماعة قال: سألته عن الرجل يحفر البئر في داره أو في أرضه فقال: «أمّا ما حفر في ملكه فليس عليه ضمان، و أمّا ما حفر في الطريق أو في غير ما يملك فهو ضامن لما يسقط فيه» «2» و في صحيحة زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لو أن رجلًا حفر بئراً في داره ثمّ دخل رجل فوقع فيها لم يكن عليه شي ء و لا ضمان و لكن ليغطّها» «3» و صحيحة أبي الصباح الكناني قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «من أضرّ بشي ء من طريق المسلمين فهو له ضامن» «4» و صحيحة الحلبي قال: سألته عن الشي ء يوضع على الطريق فتمرّ الدابة فتنفر بصاحبها فتعقره؟ فقال: «كل شي ء يضرّ بطريق المسلمين فصاحبه ضامن لما يصيبه» «5».

و معتبرة السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله: «من أخرج ميزاباً أو كنيفاً أو أوتد وتداً أو أوثق دابة أو حفر شيئاً في طريق المسلمين فأصاب شيئاً فعطب فهو له ضامن» «6».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 241، الباب 8 من أبواب موجبات الضمان، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 29: 241، الباب 8 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 3.

(3)

وسائل الشيعة 29: 242، الباب 8 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 4.

(4) وسائل الشيعة 29: 241، الباب 8 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2.

(5) وسائل الشيعة 29: 243، الباب 9 من أبواب موجبات الضمان، الحديث الأوّل.

(6) وسائل الشيعة 29: 245، الباب 11 من أبواب موجبات الضمان، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 87

ينبغي التعرض في المقام لأُمور:

الأوّل:

..........

______________________________

أنّ الضمان على الحافر و الواضع في ملك غيره أو طريق المسلمين ما إذا لم يكن بعنوان الإحسان على المالك و رعاية صلاح المسلمين، كما إذا استولى السيل على ملك الغير أو طريق المسلمين و وضع شخص أحجاراً في ملكه أو طريقهم لعبور أهله أو عبور المسلمين و عثر واحد بذلك فمات أو جرح فإنّه لا يكون بذلك ضمان على الواضع، و كذا ما لو حفر بئراً في طريق المسلمين لنزول ماء الطريق في ذلك البئر، و كلّ ذلك لتقييد الضمان في صحيحة الحلبي المتقدّمة، و كذا في صحيحة أبي الصباح الكناني بفعل ما يضرّ في طريق المسلمين.

الثاني:

ما إذا كان الحفر و الوضع في ملكه و الحكم بعدم ضمان الحافر و الواضع ما إذا كان وقوع الواقع بالعثار به، و أمّا إذا كان ذلك لغفلة الداخل عن البئر و الحجر كما إذا أدخله المالك ملكه مع غفلته عن الحال لظلمة أو عمى فلا يبعد الضمان على المالك، و أمّا ما ورد في موثقة أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن غلام دخل دار قوم يلعب فوقع في بئرهم هل يضمنون؟ قال: «ليس يضمنون، فإن كانوا متّهمين ضمنوا» «1» و ظاهرها أنّ ضمانهم بشرائط الدعوى عليهم بأنّ أهل الدار أوقعوه في البئر فيحتاج إلى

الإثبات.

الثالث: إذا وقع في البئر لا بالعثار بل لكسر غطائه بالمرور عليه اتّفاقاً يكون دمه هدراً

، سواء كان البئر في طريق المسلمين أو في ملك مباح أو مملوك للغير فيما لم يكن الكسر لعدم المبالاة من الحافر كما إذا كان حفره قديماً فضعف الغطاء بمرور الأيام، بخلاف ما إذا كان لترك مبالاة الحافر و كونه في معرض المرور عليه فإنّه لا يبعد كونه موجباً للضمان. و ما ورد في معتبرة السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 255، الباب 18 من أبواب موجبات الضمان، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 88

[الثانية: لو بنى مسجداً في الطريق، قيل إن كان بإذن الإِمام عليه السلام، لم يضمن ما يتلف بسببه]

(الثانية): لو بنى مسجداً في الطريق، قيل إن كان بإذن الإِمام عليه السلام، لم يضمن ما يتلف بسببه (1)، و الأقرب استبعاد الفرض.

______________________________

قال رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله: «البئر جبار و العجماء جبار و المعدن جبار «1»» ظاهرها صورة موت الشخص بدخوله في البئر لحفره أو لغيره فمات بخرابه فإنّه يكون دمه هدراً، كما في ركوب الدّابة و الدخول في المعدن لإصلاحه أو حفره و لا ترتبط بما إذا سقط في البئر بالعثار و نحوه مع كون حافره غيره.

لو بنى مسجداً في الطريق

(1) ذكر قدس سره أنّه لو بنى المسجد في طريق الناس و كان ذلك موجباً لتلف العابرين نفساً أو عضواً أو مالًا فإن كان ذلك بإذن الإمام عليه السلام لم يضمن الباني، و تعليقه عدم الضمان على ما ذكره مقتضاه أنّه يضمن إذا لم يكن بإذنه، و الوجه في ذلك ما تقدّم في صحيحة أبي الصباح و غيره من أنّ: «من أضرّ بشي ء من طريق المسلمين فهو له ضامن» «2» و بما أنّ

الإمام عليه السلام لا يأذن بالتصرّف في طريق المسلمين بما يضرّهم ذكر قدس سره و الأقرب استبعاد الفرض.

و لا يخفى أنّ الطريق النافذ المسمّى بالشارع العام، سواء كان صيرورته طريقاً نافذاً بالاستطراق و التردّد كثيراً في الأرض الموات أو بوقف شخص أو أشخاص ملكهم شارعاً عامّاً و سبيلًا لسلوك عامّة الناس أو بإحياء الناس أرضاً مواتاً و تركهم منها طريقاً نافذاً بين أملاكهم التي صارت لهم بالإحياء، لا يجوز التصرّف فيها بتصرف يضرّ بالمارّة، و هذا ممّا لا يأذن فيه الإمام عليه السلام فإنّه وليّ المسلمين لا يأذن إلّا فيما كان صلاحهم لا فيما يضرّهم.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 271، الباب 32 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 29: 241، الباب 8 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 89

[الثالثة: لو سلَّم ولده لمعلم السباحة فغرق بالتفريط، ضمنه في ماله]

(الثالثة): لو سلَّم ولده لمعلم السباحة فغرق بالتفريط (1)، ضمنه في ماله؛ لأنّه تلف بسببه. و لو كان بالغاً رشيداً، لم يضمن؛ لأنّ التفريط منه.

[الرابعة: لو رمى عشرةٌ بالمنجنيق، فقتل الحجر أحدهم]

(الرابعة): لو رمى عشرةٌ بالمنجنيق، فقتل الحجر أحدهم (2)،-

______________________________

نعم، إذا صار الطريق متروكاً بحيث صارت مجرّد أرض خربة، يجوز التصرّف فيها، سواء كان التصرّف تصرّفاً فيه صلاح عامّة الناس، كما إذا كانت طريقاً موقوفاً أو صلاحاً خاصّاً كما إذا كانت في أصلها طريقاً بالاستطراق و التردّد كثيراً فلا بأس بذلك، كما لا بأس بالتصرّف في طرفي الطريق النافذ بالإحياء إذا كانت أحد طرفيه أو كلا طرفيه أرضاً مواتاً لم تدخل في الاستطراق.

لو سلّم ولده لمعلم السباحة فغرق

(1) ظاهر كلامه قدس سره أنّه إذا كان الغرق مستنداً إلى التفريط فإن كان الولد صغيراً يستند الغرق إلى المعلم فيكون عليه الضمان، بخلاف ما إذا كان الولد بالغاً فإنّه يكون التفريط مستنداً إلى البالغ نفسه فلا يضمن المعلّم شيئاً.

و ربّما يعلّل استناد التفريط إلى المعلّم بأنّه إذا كان الولد صبيّاً استلمه من وليّه يجب عليه المحافظة على الصبي فإن قصّر يحسب هذا تعدّياً.

و لكن الظاهر عدم الفرق في ذلك بين الصبي و البالغ المحتاج إلى المحافظة و لو لعدم تعلّمه السباحة بوجه يطمئن به، و أمّا إذا لم يكن من ناحية المعلّم تقصير فاتّفق الموت بحيث لا يستند إلى المعلّم فلا موجب لضمانه من غير فرق بين الصبي و البالغ، و قد تقدّم في ضمان الطبيب أيضاً أنّه لو لم يستند موت المريض إلى علاجه بل إلى مرضه فلا ضمان للطبيب أيضاً.

لو رمى عشرة بالمنجنيق فقتل الحجر أحدهم

(2) ذكر قدس سره أنّه لو رمى عشرة أشخاص حجراً بالمنجنيق فسقط الحجر على

تنقيح مباني

الأحكام - كتاب الديات، ص: 90

سقط نصيبه من الدية لمشاركته، و ضمن الباقون تسعة أعشار الدية. و تتعلق الجناية بمن يمدّ الحبال، دون من أمسك الخشب أو ساعد بغير المدّ. و لو قصدوا أجنبيّاً بالرمي، كان عمداً موجباً للقصاص. و لو لم يقصدوه، كان خطأً. و في النهاية إذا اشترك في هدم الحائط ثلاثة، فوقع على أحدهم، ضمن الآخران ديته؛ لأنّ كلّ واحد ضامن لصاحبه، و في الرواية بُعد، و الأشبه الأوّل.

______________________________

أحدهم فمات تكون الدية مقسطاً على عاقلة التسعة الباقية بعد سقوط عشر الدية سهم المقتول؛ لأنّه قتل بفعل نفسه مع فعل التسعة الباقية، و حيث إنّهم لم يقصدوا الفعل الواقع، بل المقصود لهم رمي الحجر يكون القتل الواقع من الخطأ المحض كما إذا رمى طيراً فانحرفت الرمية فأصاب إنساناً.

و نظير ذلك ما إذا اشترك ثلاثة في هدم حائط فوقع الحائط على أحدهم اتّفاقاً فمات فإنّه يسقط عن الدية ثلثها، و تثبت ثلثاها على عاقلة الباقين لوقوع القتل بفعل وقع باشتراك الثلاثة.

و لكنّ المحكي «1» عن نهاية الشيخ أنّه لو اشترك ثلاثة في هدم حائط فوقع على فأحدهم فمات فديته على الآخرين الباقيين، و علّله بأنّ كلّ واحد من المشتركين في فعل ترتب قتل أحدهم عليه اتّفاقاً يكون الضمان على صاحب المقتول، و على ذلك فلو اشترك اثنان في فعل ترتّب عليه قتل أحدهما اتّفاقاً يكون ضمان تمام ديته على صاحبه الحيّ.

و الظاهر أنّ المستند لما ذكره في النهاية رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في حائط اشترك في هدمه ثلاثة نفر فوقع على واحد منهم فمات فضمّن الباقيين ديته؛ لأنّ كلّ واحد منهما

______________________________

(1)

حكاه العلامة في المختلف 9: 339، و النهاية: 764.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 91

..........

______________________________

ضامن لصاحبه» «1».

و لكنّ الرواية و إن رواها المشايخ «2» الثلاثة إلّا أنّ السند ينتهي إلى علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير و لضعف الرواية سنداً لا يمكن الاعتماد عليها مضافاً إلى كونها مخالفة للقاعدة و غير معمول بها عند المشهور.

و لا يخفى أنّ ما تعارف في زماننا من أنّ القضاة يجعلون دية المقتول الأجير على مستأجره فلا يرجع إلى شي ء يطابق الشرع.

نعم، لو شرط في عقد الإجارة أنّه لو مات عند العمل بالإجارة أحدهم يتحمّل المستأجر الدية عن عاقلة الباقين أو عنهما في موارد شبه العمد صحّ فإنّه من شرط أداء الدين على الآخر، و أمّا شرط الضمان فلا يصحّ فإنّه من ضمان ما لم يجب بل كونه على خلاف الشرع حيث إنّ ضمان الدية على القاتل أو عاقلته شرعاً، و لا تبطل الإجارة في الفرض لو استؤجروا على نفس الهدم مجموعاً، ثمّ إنّ ضمان دية المقتول كلّاً أو بإسقاط سهم المقتول من الدية في ما إذا استند موته إلى فعل الجميع، و أمّا إذا استند إلى فعل الباقيين فقط ضمن الباقيان تمام ديته، كما أنّه إذا استند إلى فعل نفسه من دون أن يكون فعل الباقيين دخيلًا فيه لا يكون في البين موجب ضمان.

و ممّا ذكر يظهر أنّ من يعمل في هدم حائط فوقع عليه الحائط لا يكون في دمه ضمان و لو شرط في عقد استيجاره أنّه لو تلف فعلى المستأجر إعطاء ديته لا يكون الشرط نافذاً إذا مات أثناء العمل؛ لأنّ مع موته كذلك تبطل إجارته لعدم تمكّنه من العمل بعقد الإجارة فيبطل الشرط

التابع للقصد أيضاً حتّى إذا كان الشرط من قبيل شرط الفعل فلا يستحق الميت إلّا أُجرة المثل لعمله فتدفع إلى أوليائه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 236، الباب 3 من أبواب موجبات الضمان، الحديث الأوّل.

(2) الكافي 7: 284، الحديث 8، و الفقيه 4: 159، الحديث 5361. و التهذيب 10: 241، الحديث 8.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 92

[الخامسة لو اصطدمت سفينتان بتفريط القيمين و هما مالكان]

(الخامسة): لو اصطدمت سفينتان بتفريط القيّمين و هما مالكان فلكلّ منهما (1) على صاحبه نصف قيمة ما أتلف صاحبه. و كذا لو اصطدم الحمّالان، فأتلفا أو أتلف أحدهما. و لو كانا غير مالكين، ضمن كلّ واحدٍ منهما، نصف السفينتين و ما فيهما، لأنّ التلف منهما، و الضمان في أموالهما، سواء كان التالف مالًا أو نفوساً. و لو لم يفرّطا بأن غلبتهما الرياح، فلا ضمان.

و لا يضمن صاحب السفينة الواقفة، إذا وقعت عليها أُخرى (2)، و يضمن صاحب الواقعة لو فرّط.

لو اصطدمت سفينتان

______________________________

(1) ذكر قدس سره أنّه لو اصطدمت سفينتان بتفريط القيّمين و الفرض أنّ كلّاً منهما يملك سفينته التي اصطدمت بالأُخرى، و المراد بالتفريط أن يحصل الاصطدام بفعلهما لا ما إذا كان ناشئاً من طغيان الماء دفعة أو هبوب الرياح الشديدة اتّفاقاً حيث إنّ مع هذا الأمر الاصطدام الحاصل يعتبر من قضاء اللّٰه و قدره فلا موجب للضمان، بخلاف ما إذا استند إلى فعلهما فإنّه إن كان القيّمان مالكين كلّ منهما سفينته فيضمن كلّ نصف ما أتلف من صاحبه؛ لأنّ التلف حصل بفعلهما فيكون الضمان بالإضافة إلى ما يستند إلى فعله و هو نصف ما للآخر، و أمّا إذا كانتا للغير فيكون استقرار ضمان ما تلف على المالكين عليها، و لكن لكلّ من المالكين أن يرجع إلى

القيّم لسفينته لكونه خارجاً عن الأمين بتفريطه فإن أخذ تمام ما تلف عليه من قيّم سفينته يرجع القيم في نصفه إلى قيم السفينة الأُخرى؛ لأنّ التلف بفعلهما، و كذا الحال في ما إذا اصطدم الحمّالان، و هذا كلّه بالإضافة إلى تلف المال من نقص السفينة أو المال الذي كان فيها، و أمّا بالإضافة إلى تلف النفس أو العضو تكون الدية من مالهما أو مال عاقلتهما أيضاً بالمناصفة حيث إنّ الجناية حصلت بفعلهما جميعاً.

(2) إذا وقعت سفينة حال سيرها على الواقفة فتلف من الواقعة شي ء لا يضمن

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 93

[السادسة لو أصلح سفينة و هي سائرة أو أبدل لوحا فغرقت بفعله]

(السادسة): لو أصلح سفينةً و هي سائرة (1)، أو أبدل لوحاً فغرقت بفعله، مثل أن يُسمِرَ مسماراً فقلع لوحاً، أو أراد ردم موضع فانهتك، نهوضاً من في ماله ما يتلف من مال أو نفس؛ لأنّه شبيه بالعمد.

[السابعة لا يضمن صاحب الحائط ما يتلف بوقوعه]

(السابعة): لا يضمن صاحب الحائط ما يتلف بوقوعه، إذا كان في ملكه أو مكان مباح. و كذا لو وقع إلى الطريق (2)، فمات إنسان بغباره و لو بناه مائلًا إلى غير ملكه ضمن، كما لو بناه في غير ملكه، و لو بناه في ملكه مستوياً فمال إلى الطريق أو إلى غير ملكه، ضمن إن تمكّن من الإزالة. و لو وقع قبل التمكّن،-

______________________________

صاحب الواقفة إذ لا يستند التلف إلى الواقفة، بل إذا تلف من الواقفة شي ء يكون الضمان على صاحب الواقعة إذا كان منه تفريط، و إلّا فكما إذا وقعت على الواقفة بغلبة الرياح أو طغيان الماء يحسب التلف من قضاء اللّٰه و قدره على ما تقدّم.

لو أصلح سفينة و هي سائرة فغرقت

(1) لو أراد إصلاح سفينة حال سيرها فقلع منها اللوح و ترتّب على القلع غرقها يكون المصلح ضامناً، كما إذا سمر فيها مسماراً فأدّى إلى قلع لوحة منها أو أراد سدّ موضع الخرق منها فانهتك الموضع فأدّى إلى غرقها الموجب لتلف المال و النفس فيكون ضامناً لتلف المال حيث إنّ التلف مستند إلى فعله، و يدلّ عليه ما ورد في ضمان الصانع إذا أراد إصلاح شي ء فأفسده «1» كما يكون ضامناً لدية النفس الغارقة؛ لأنّ تلف النفس مستند إليه و يحسب شبه العمد؛ لأنّه قد فعل ما قد يترتّب عليه التلف و لكن من غير قصده و إلّا يكون عليه مع قصد التلف القود.

لا يضمن صاحب الحائط

ما يتلف بوقوعه

(2) عدم الضمان فيما إذا بنى الحائط في ملكه أو في مكان مباح فتلف بوقوعه

______________________________

(1) وسائل الشيعة 19: 141، الباب 29 من أبواب كتاب الإجارة.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 94

لم يضمن ما يتلف به لعدم التعدي.

[الثامنة نصب الميازيب إلى الطرق جائز]

(الثامنة): نصب الميازيب إلى الطرق جائز، و عليه عمل الناس. (1)

-

______________________________

مال أو إنسان لعدم حصول التعدّي منه، بل يحسب وقوعه و ترتب التلف عليه من قضاء اللّٰه و قدره حتّى فيما إذا وقع الحائط على الطريق فمات إنسان بغباره أو بتطاير شي ء منه و مثله ما إذا وقع على ملك الغير.

نعم، لو بناه مائلًا على الطريق أو ملك الغير أو بأساس ضعيف بحيث لا يثبت الحائط مع مثل الرياح العاصفة ضمن؛ لأنّ بناءه الحائط كذلك يعدّ تعدّياً و إضراراً بالطريق.

و لو فرض عدم كون الحائط في الأصل كذلك و لكن صار بحسب مرور الزمان كذلك مائلًا إلى الطريق أو ملك الغير فإن وقع و ترتّب عليه تلف شي ء، فإن كان ذلك قبل التمكّن من إصلاحه و تعديله لم يضمن لعدم التعدّي منه.

و إن لم يعتنِ بإصلاحه أو رفع الحائط و لو بمقدار ميله و ترتّب على ذلك التلف بوقوعه على الطريق أو ملك الغير ضمن.

و على الجملة، كلّما يعدّ الحائط بقاؤه على ملكه داخلًا في التصرّف المتعارف من الملّاك في ملكهم فلا يوجب سقوطه أو وقوعه على الطريق أو ملك الغير تعدّياً منه، بل يحسب من قضاء اللّٰه و قدره إذا كان ذلك بالريح العاصفة و نحوه، و أمّا إذا صار بحيث حصل فيه انشقاق أو ميل جعله معرضاً للسقوط فعدم الاعتناء من مالكه يعدّ من التعدّي و الإضرار بالطريق أو بالغير.

نصب الميازيب

و إخراج الرواشن إلى الطرق

(1) لا ينبغي التأمّل في جواز نصب الميازيب إلى الطرق و عدم ترتّب الضمان فيما إذا وقع على شخص أو مال و ترتّب على وقوعه تلفها فيما إذا كان وقوعه أمراً اتّفاقياً على ما تقدّم في وقوع الحائط بالرياح العاصفة؛ و ذلك فإنّ الموجب للضمان

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 95

و هل يضمن لو وقعت فأتلفت؟ قال المفيد رحمه الله: لا يضمن، و قال الشيخ: يضمن لأنّ نصبها مشروط بالسلامة، و الأوّل أشبه. و كذا إخراج الرواشن في الطرق المسلوكة، إذا لم تضرّ بالمارة. فلو قتلت خشبةٌ بسقوطها، قال الشيخ: يضمن نصف الدية؛ لأنّه هلك عن مباح و محظور، و الأقرب أنّه لا يضمن مع القول بالجواز. و ضابطه أنّ كلّ ما للإنسان إحداثه في الطريق، لا يضمن ما يتلف بسببه. و يضمن بما ليس له إحداثه، كوضع الحجر و حفر البئر.

______________________________

هو الإضرار بالطريق و التعدي على المارّ فلا يكون نصب الميزاب بنحو لا يضرّ به عرفاً من التعدّي و الإضرار.

نعم، إذا صار في معرض الوقوع نظير ما ذكرنا في الحائط الذي مضى عليه زمان من بنائه و صار مائلًا إلى الطريق جرى فيه ما تقدّم في ذلك الحائط.

نعم، هذا في نصبه في الطرق النافذة و أمّا في الطريق المرفوع و المملوك لملاك البيوت يكون التصرّف فيه بنصب الميزاب أو غيره من التصرّف مشروطاً بإذن الشركاء.

و أمّا دعوى الضمان مطلقاً و استفادته من قوله عليه السلام: «كلّ شي ء يضرّ بطريق المسلمين فصاحبه ضامن لما يصيبه» «1» كما في صحيحة الحلبي، أو قوله صلى الله عليه و آله في معتبرة السكوني: «من أخرج ميزاباً أو كنيفاً أو أوتد وتداً

أو أوثق دابة أو حفر شيئاً في طريق المسلمين فأصاب شيئاً فعطب فهو له ضامن» «2» فلا يعمّ المفروض في المقام حيث إنّ ظاهرهما كون الشي ء بإحداثه مضرّاً كوضع الحجر أو نصب الميزاب كما إذا كان البيت سطحه نازلًا بحيث يضرّ الميزاب المنصوب فيه على المارّة لا ما إذا كان منصوباً بحيث لا يضرّ بالمارّة، بل حدث الضرر بسقوطه اتّفاقاً على ما تقدّم.

و كذا الحال في إخراج الرواشن و الأجنحة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 243، الباب 9 من أبواب موجبات الضمان، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 29: 245، الباب 11 من أبواب موجبات الضمان، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 96

فلو أجّج ناراً في ملكه لم يضمن و لو سرت إلى غيره، إلّا أن يزيد عن قدر الحاجة، مع غلبة الظن بالتعدّي (1)، كما في أيام الأهوية. و لو عصفت بغتةً لم يضمن. و لو أجّجها في ملك غيره، ضمن الأنفس و الأموال في ماله؛ لأنّه عدوان مقصود، و لو قصد إتلاف الأنفس مع تعذّر الفرار كانت عمداً.

______________________________

و ممّا ذكر ظهر أنّ ما ذكر الشيخ قدس سره من أنّ في فرض سقوط الخشبة و ترتّب التلف يكون على صاحبها نصف الدية؛ لأنّ التلف حصل من مباح و محظور، فالمحظور ما كان خارجاً من الخشبة على الطريق و المباح ما كان داخلًا منها في ملكه «1»، كما ترى فإنّ إخراج نصف الخشبة على فضاء الطريق بحيث لم يكن ضاراً بالمارّة جائز و السقوط الاتفاقي المحسوب من قضاء اللّٰه و قدره لا يوجب الضمان.

لو أجّج ناراً في ملكه لم يضمن إذا سرت إلى غيره

(1) تأجيج النار في ملكه لقضاء حاجته بمقدار لا يكون معرضاً للإضرار بالجار

و غيره ممّا عليه السيرة الجارية من المتشرعة و غيرهم، و لم يرد المنع عنه في شي ء من الخطابات الشرعية، و على ذلك فلو اتّفقت السراية كحدوث الريح العاصفة غير المتعارفة بغتة لم يضمن؛ لأنّ التلف لا يستند إليه بل يعدّ من قضاء اللّٰه و قدره.

نعم، تأجيجها بمقدار غير متعارف أو في زمان تكون فيه معرض السراية يستند التلف إليه كما يستند إليه لو أجّج ناراً في ملك الغير من غير إذن مالكه و طلبه ضمن ما يتلف بها من المال و النفس، بل لو كان قاصداً بالتأجيج إتلاف النفس أو كان ممّا يترتّب عليه تلف النفس عادة لعدم تمكّن الشخص من الفرار و التخلّص يحسب القتل عمداً يتعلّق القود.

و لا يخفى أنّ مجرّد كون التأجيج معرضاً للسراية كافٍ في عدم الجواز و الضمان و لا يعتبر غلبة الظن بالتعدّي و السراية.

______________________________

(1) المبسوط 7: 188.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 97

و لو بالت دابته في الطريق (1)، قال الشيخ: يضمن لو زلق فيه إنسان. و كذا لو ألقى قمامة المنزل المزلقة كقشور البطيخ، أو رشّ الدرب بالماء، و الوجه اختصاص ذلك بمن لم يرَ الرش أو لم يشاهد القمامة.

______________________________

و على الجملة، إنّما يثبت القود فيما إذا أجّج النار في ملك الغير بأحد أمرين إمّا بقصد إتلاف النفس مع عدم تمكن الغير من الفرار أو كانت النار في معرض السراية التي لا يمكن الفرار منها، و في معتبرة السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليه السلام أنّه قضى في رجل أقبل بنار فأشعلها في دار قوم فاحترقت و احترق متاعهم، قال: «يغرم قيمة الدار و ما فيها ثمّ يقتل» «1» و بهذا يظهر

ثبوت هذه الحكم فيمن ألقى المواد المتفجّرة في بيت الغير فأتلف المال و النفس حيث يجري في ذلك أيضاً ما ورد في هذه المعتبرة.

لو بالت الدابة فانزلق فيه إنسان

(1) لا يخفى أنّ بول الدابة في الطريق أمر عادي و ترتّب انزلاق شخص به أمر اتّفاقي لا يبعد أن يحسب من قضاء اللّٰه و قدره، بل لو وضع الشخص رجله في موضع البول عالماً لا يستند التلف إلى مالك الدابة قطعاً، نعم إلقاء قمامة المنزل المزلقة.

إضرار بالمارّة، لا يجوز، بل يترتّب عليه الضمان إذا كان في معرض وضع الرجل عليه فيدخل فيما ورد في صحيحة الحلبي: «كلّ شي ء يضرّ بطريق المسلمين فصاحبه ضامن لمّا يصيبه» «2» و أمّا رشّ الدرب فلو كان بنحو المتعارف بحيث لا تعدّ إضراراً للمارة بل كان لملاحظة المصلحة لهم، فاتفق ترتّب ضرر على ذلك فهذا لا يدخل في العموم المذكور فلا موجب للضمان.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 279-/ 280، الباب 41 من أبواب موجبات الضمان، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 29: 243، الباب 9 من أبواب موجبات الضمان، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 98

[التاسعة لو وضع إناء على حائطه فتلف بسقوطه نفس أو مال لم يضمن]

(التاسعة): لو وضع إناءً على حائطه، فتلف بسقوطه نفس أو مال لم يضمن؛ لأنّه تصرّف في ملكه من غير عدوان (1).

[العاشرة يجب حفظ دابته الصائلة]

(العاشرة): يجب حفظ دابّته الصائلة، كالبعير المغتلم (2) و الكلب العقور. فلو أهمل، ضمن جنايتها. و لو جهل حالها، أو علم و لم يفرّط فلا ضمان.

لو وضع إناء على حائطه فتلف بسقوطه نفس

______________________________

(1) الحكم في وضع شي ء ثقيل على حائطه المملوك بحيث يكون معرضاً لسقوطه يكون كبناء الحائط في ملكه مائلًا أو بلا أساس حيث يكون فعله غير جائز و يضمن ما يتلف بسقوطه مالًا أو غيره، بخلاف ما إذا لم يكن في معرض السقوط بل كان سقوطه أمراً اتّفاقياً، إذا كما سقط من الحائط باتّفاق الزلزال فإنّه يكون كسقوط نفس الحائط المبني من غير ميلان و مع الأساس في كون التلف بسببه يعدّ من قضاء اللّٰه و قدره.

لو أهمل حفظ الدابة الصائلة ضمن جنايتها

(2) و الوجه في ذلك أنّ ترك صاحب البعير المغتلم أو الكلب العقور التحفّظ عليها إضرار للناس، و لو ترك الدابة بحالها وجنت يكون صاحبها ضامناً جنايتها و يجوز للغير إتلافها إذا كان ذلك دفاعاً.

و في صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام سئل عن بختيّ اغتلم فخرج من الدار فقتل رجلًا فجاء أخو الرجل فضرب الفحل بالسيف؟ فقال: «صاحب البختي ضامن للدية و يقتص ثمن بختيه» «1» و صحيحة علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال: سألته عن بختي مغتلم قتل رجلًا فقام أخو المقتول فعقر البختي

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 250، الباب 14 من أبواب موجبات الضمان، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 99

و لو جنى على الصائلة جانٍ، فإن

كان للدفع لم يضمن. و لو كان لغيره ضمن (1) و في ضمان جناية الهرة المملوكة تردد.

______________________________

و قتله ما حاله؟ قال: «على صاحب البختي دية المقتول و لصاحب البختى ثمنه على الذي عقر بختيه» «1» و الحكم بضمان قاتل البختي؛ لأنّ قتله لم يكن دفاعاً بل كان للتشفّي.

و من الظاهر أنّ البختي لا خصوصيّة له، بل يجري ذلك في مطلق الصائل الذي لو ترك حفظه وقع منه الإضرار و الجناية؛ و لذا ذكر الماتن قدس سره عنوان الدابة الصائلة.

هذا إذا كان صاحب الدابة عالماً بحالها و ترك حفظها، و أمّا إذا لم يعلم ذلك كما إذا حدث منها هذه الحالة لأوّل مرّة تحسب الجناية و الإضرار من قضاء اللّٰه و قدره فلا ضمان على صاحبها، و لو قتلها الشخص مع حدوثها لأوّل مرّة دفاعاً عن جنايتها مع توقّف الدفاع عليه لم يضمن، و كذا إذا عقرها و في رواية مسمع بن عبد الملك، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان إذا صال الفحل أوّل مرّة لم يضمن صاحبه فإذا ثنّى ضمّن صاحبه» «2».

و لا يبعد أن يكون المراد ممّا ورد في معتبرة السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«البئر جبار و العجماء جبار و المعدن جبار» «3» من العجماء الدابة المرسلة فتكون جنايتها هدراً، و الجبار بالضمّ و التخفيف بمعنى الهدر، و كذا ما ورد في معتبرة زيد بن علي، عن أبيه، عن آبائه «4».

لو جنى على الصائلة جانٍ

(1) لا فرق في عدم ضمان الجناية على الصائلة بين كونها دفاعاً عن نفسه أو

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 251، الباب 14 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 29: 251،

الباب 14 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 29: 271، الباب 32 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2.

(4) وسائل الشيعة 29: 272، الباب 32 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 5.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 100

قال الشيخ: يضمن بالتفريط مع الضراوة، و هو بعيد، إذ لم تجر العادة بربطها، نعم يجوز قتلها. (1)

______________________________

ماله أو دفاعاً عن نفس الغير، بل ماله الذي يقع في حرج عظيم من تلفه بحيث يجب على السائرين حفظه من التلف.

(1) قد يقال لا فرق في جناية الهرّة المملوكة بتفريط مالكها مع الضراوة و تعودها و بين جناية الدابة الصائلة بالتفريط و ذكر الماتن قدس سره أنّه و إن جاز للغير قتل الهرّة المفروضة دفاعاً كما تقدّم في الصائلة إلّا أنّه لا يضمن مالك الهرّة جنايتها؛ و ذلك لأنّه لم تجر العادة على ربط الهرة ليكون جنايتها بالتفريط من مالكها، بل العادة جارية على تحفّظ الناس على طعامهم عن تعدّيها و كذا سائر ما يناسب التحفّظ عليه من جناية الهرّة.

و ما في الجواهر من عدم الفرق بين الدابة الصائلة و الهرّة لا يمكن المساعدة عليه.

و يمكن أن يستدل على عدم ضمان صاحب الهرّة بما ورد في معتبرة السكوني، عن جعفر، عن أبيه عن علي عليه السلام قال: «كان علي عليه السلام لا يضمّن ما أفسدت البهائم نهاراً و يقول: على صاحب الزرع حفظ زرعه و كان يضمن ما أفسدت البهائم ليلًا» «1».

و في معتبرة زيد بن علي، عن آبائه، عن علي عليه السلام: «أنّه كان يضمّن صاحب الكلب إذا عقر نهاراً و لا يضمنه إذا عقر بالليل و إذا دخلت دار قوم بإذنهم فعقرك كلبهم فهم ضامنون و

إذا دخلت بغير إذن فلا ضمان عليهم» «2» فإنّه لا يبعد أن يكون

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 276-/ 277، الباب 40 من أبواب موجبات الضمان، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 29: 255، الباب 17 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 3.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 101

[الحادية عشرة لو هجمت دابة على أخرى فجنت الداخلة]

(الحادية عشر): لو هجمت دابّة على أُخرى، فجنت الداخلة ضمن صاحبها (1). و لو جنت المدخول عليها، كان هدراً. و ينبغي تقييد الأوّل بتفريط المالك في الاحتفاظ.

______________________________

التفصيل بين النهار و الليل في تعدّي البهائم بعدم ضمان صاحب الحيوان في النهار و ضمانه في الليل، و في الكلب على العكس لا لخصوصيّة في نفس الليل و النهار، بل باعتبار جريان العادة فيما كان الزرع يجنب طريق المواشي على تحفّظ صاحب الزرع زرعه في النهار، بخلاف الليل فإنّه و إن كان بجنب الطريق لا يكون الطريق معرضاً لدخول المواشي لعدم عبورهم ليلًا و لا عادة في حفظ الزرع من قبل صاحب الزرع في الليل، بخلاف الكلب فإنّ على صاحبه التحفّظ عليه في النهار عن إحراز الناس، بخلاف الليل فإنّه يترك للحراسة فعلى الناس التحفّظ على أنفسهم من تعدّيه.

لو هجمت دابة على أُخرى

(1) قد ظهر الحال في هذا الفرض أيضاً ممّا تقدّم فإنّ الدابّة المهاجمة إذا وقعت الجناية عليها من المدخول عليها فلا يكون جناية المدخول عليها مستنداً إلى مالكها بوجه فلا ضمان، بخلاف ما إذا وقعت الجناية على المدخول عليها من الداخلة فإنّه لو فرّط مالكها يضمن الإتلاف و الجناية.

نعم، لو لم يكن منه تفريط أصلًا و لكن كان دخولها على الأُخرى أمراً اتّفاقياً يحسب من قضاء اللّٰه و قدره؛ و لذا قال الماتن: ينبغي تقييد الأوّل بتفريط المالك في

الاحتفاظ، و ما في رواية سعد بن طريف الإسكاف، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «أتى رجل رسول الله صلى الله عليه و آله فقال: إنّ ثور فلان قتل حماري، فقال له النبي صلى الله عليه و آله ائت أبا بكر فسله فأتاه فسأله، فقال: ليس على البهائم قود، فرجع إلى النبي صلى الله عليه و آله فأخبره بمقالة أبي بكر، فقال له النبي صلى الله عليه و آله ائت عمر فسله فأتى عمر فسأله، فقال: مثل مقالة أبي بكر، فرجع إلى النبي صلى الله عليه و آله فأخبره، فقال النبي صلى الله عليه و آله ائت عليّاً فسله فأتاه فسأله،

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 102

[الثانية عشرة من دخل دار قوم فعقره كلبهم]

(الثانية عشر): من دخل دار قوم فعقره كلبهم ضمنوا إن دخل بإذنهم، و إلّا فلا ضمان. (1)

______________________________

فقال علي عليه السلام: إن كان الثور الداخل على حمارك في منامه حتّى قتله فصاحبه ضامن، و إن كان الحمار هو الداخل على الثور في منامه فليس على صاحبه ضمان، قال: فرجع إلى النبي صلى الله عليه و آله فأخبره، فقال النبي: الحمد للّٰه الذي جعل من أهل بيتي من يحكم بحكم الأنبياء» «1» محمول على صورة التفريط في حفظ الثور و يؤيّد ذلك مرسلة عبيد اللّٰه الحلبي عن رجل عن أبي جعفر عليه السلام «2».

من دخل دار قوم فعقره كلبهم

(1) قد ورد هذا التفصيل في ذيل معتبرة زيد بن علي، عن أبيه، عن آبائه، عن علي عليه السلام من قوله: «و إذا دخلت دار قوم بإذنهم فعقرك كلبهم فهم ضامنون و إذا دخلت بغير إذن فلا ضمان عليهم» «3».

و هذه الرواية أيضاً على طبق ما تقدّم من التفريط من

المالك الموجب لضمانه عدم تفريطه، فإنّه لو كان في داره كلب عقور فإن استأذن الداخل فأُذن له في الدخول فعلى المالك التحفّظ من تعدّي الكلب، بخلاف ما دخل الداخل من غير استيذان فإنّه على تقدير جواز هذا الدخول لرضاهم كما هو المتعارف في القرى و بعض البلاد فلا يكون من قبل أهل الدار تفريط فلا موجب لضمانهم، و في معتبرة السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل دخل دار قوم بغير إذنهم فعقره كلبهم، قال: لا ضمان عليهم و إن دخل بإذنهم ضمنوا» «4».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 256، الباب 19 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 29: 257، الباب 20 من أبواب موجبات الضمان، الحديث الأوّل.

(3) وسائل الشيعة 29: 255، الباب 17 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 3.

(4) وسائل الشيعة 29: 254، الباب 17 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 103

[الثالثة عشرة راكب الدابة يضمن ما تجنيه بيديها]

(الثالثة عشر): راكب الدابة يضمن ما تجنيه بيديها، و فيما تجنيه برأسها تردّد، أقربه الضمان لتمكّنِهِ من مراعاته (1). و كذا القائد، و لو وقف بها، ضمن ما تجنيه بيديها و رجليها. و كذا إذا ضربها فجنت ضمن. و كذا لو ضربها غيره ضمن الضارب، و كذا السائق يضمن ما تجنيه. و لو ركبها رديفان تساوياً في الضمان. و لو كان صاحب الدابة معها ضمن دون الراكب. و لو ألقت الراكب لم يضمنه المالك، إلّا أن يكون بتنفيره. و لو أركب مملوكه دابةً ضمن المولى جناية الراكب. و من الأصحاب من شرط صغر المملوك، و هو حسن. و لو كان بالغاً كانت الجناية في رقبته، إن كانت على

نفس آدمي. و لو كانت على مال لم يضمن المولى. و هل يسعى فيه العبد؟ الأقرب أنّه يتبع به إذا أُعتق.

راكب الدابة يضمن ما تجنيه

______________________________

(1) قد تقدّم أنّ ضمان الجناية على من يستند إليه تلك الجناية و أنّها صدرت منه و لو بالتسبيب، و على ذلك فلا موجب للضمان فيما إذا وقع الإتلاف من الدابة إذا لم يكن تفريط من مالكها، و لو قام دليل في مورد عدم التفريط على ضمان ما أتلفت الدابّة فيؤخذ به في مدلوله و في غيره يؤخذ بمقتضى ما ذكرنا خصوصاً بملاحظة ما ورد من أنّ العجماء جبار «1»، و قد وردت في روايات معتبرة أنّ جناية الدابة على راكبها و قائدها إذا كانت بيديها و عمل بها الأصحاب من غير خلاف يعرف.

منها صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه سئل عن الرجل يمرّ على طريق من طرق المسلمين فتصيب دابته إنساناً برجلها فقال: «ليس عليه ما أصابت برجلها و لكن عليه ما أصابت بيدها؛ لأنّ رجليها خلفه إن ركب فإن كان قاد بها فإنّه يملك بإذن اللّٰه يدها يضعها حيث يشاء» «2» و معتبرة السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 271، الباب 32 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 29: 247، الباب 13 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 3.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 104

..........

______________________________

ضمّن القائد و السائق و الراكب، فقال: «ما أصاب الرجل فعلى السائق و ما أصاب اليد فعلى القائد و الراكب» «1».

و صحيحة سليمان بن خالد، قال: سألت أبا عبد اللّه عن رجل مرّ في طريق المسلمين فتصيب دابته برجلها؟ فقال: «ليس على صاحب

الدابّة شي ء ممّا أصابت برجلها، و لكن عليه ما أصابت بيدها؛ لأنّ رجلها خلفه إذا ركب و إن قاد دابة فإنّه يملك يدها بإذن اللّٰه يضعها حيث يشاء» «2» و لا مورد للتأمّل و في كون مدلول هذه الروايات أنّ جناية الدابة بيديها على راكبها و قائدها، كما لا مورد للتأمّل في أنّ جنايتها برجلها على سائقها، و كأنّ المستفاد منها أنّ الحكم بالضمان على الراكب أو القائد و السائق لإلزامهم كمال الاحتياط في رعاية الدابّة حال الركوب أو القود أو السوق؛ و لذا أوجب ذلك أن يحكم جماعة بضمان الراكب ضمان جناية رأس الدابّة، و كذا قائدها لتمكّنها من مراعاة رأسها.

و لكن لا يخفى أنّ الحكم بالضمان و لو يكون ظاهره مراعاة الدابّة، إلّا أنّ ذلك لا يوجب التعدّي إلى الحكم بالضمان في غير جناية اليد، فإنّ الحكم بالضمان مجرّد تعبّد و إلّا كان الأصل مقتضاه عدم الضمان إلّا مع تفريط الراكب، و معه لا فرق في الضمان بين جنايته برأسها أو بيديها أو برجليها، كما إذا ضربها بحيث كان خارج المتعارف فطفرت الدابة برجليها و قد أصابت إنساناً مارّاً في الطريق.

و على ذلك يظهر أنّه لو كان راكبها رديفين فالضمان في جناية يديها عليهما من غير فرق بين كون أحدهما مالكاً لها أو غير مالك، و فرض التعدّي من أحدهما بحيث جنت بها، فرض خارج عن المقام.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 248، الباب 13 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 5.

(2) وسائل الشيعة 29: 249، الباب 13 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 9.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 105

..........

______________________________

و ما ذكر الماتن قدس سره و لو ركبها رديفان تساويا في الضمان و لو

كان صاحب الدابّة ضمن دون الراكب.

فإن أراد صورة كون المالك قائداً لها و غيره راكباً فلا يبعد ذلك حيث يستفاد من التعليل الوارد في صحيحتي الحلبي و سليمان بن خالد «1» أنّ اختيار يدي الدابة في يد القائد.

و أمّا إذا أراد أنّ الرديفين إذا كان أحدهما مالك الدابّة و الآخر مجرّد راكب فالضمان على مالكها فلا دليل عليه، بل مقتضى كون الضمان على الراكب توزيع الضمان عليهما.

و ذكر الماتن أيضاً أنّ ضمان جناية الدابة على سائقها و لم يفرّق بين جناية يديها أو رجليها أو رأسها مع أنّ مقتضى ما تقدّم في معتبرة السكوني من أنّ ما على السائق ضمان رجليها، و لكن الالتزام بضمان السائق جناية يديها كرجليها مستنده رواية العلاء بن الفضيل، عن أبي عبد اللّه عليه السلام عن رجل يسير على طريق من طرق المسلمين على دابّته فتصيب برجلها، قال: «ليس عليه ما أصابت برجلها و عليه ما أصابت بيدها و إذا وقف فعليه ما أصابت بيدها و رجلها و إن كان يسوقها فعليه ما أصابت بيدها و رجلها أيضاً» «2» و لكنّ الرواية ضعيفة سنداً بمحمّد بن سنان و معارضة في هذه الجهة مع معتبرة السكوني فيؤخذ بالمقدار الثابت و هو ضمن جناية رجليها.

و ممّا ذكر يظهر أنّ ما ذكره قدس سره من أنّ ضمان الرجل و اليد على الراكب إذا وقف بها مستنده هذه الرواية التي ذكرنا لضعفها لا يمكن الاعتماد عليها.

______________________________

(1) تقدّمتا قبل قليل.

(2) وسائل الشيعة 29: 247، الباب 13 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 106

..........

______________________________

و دعوى انجبار ضعفها بعمل المشهور كما ترى حيث يحتمل أن يكون وجه عمل بعضهم لو

لا جلهم ملاحظة مناسبة الحكم و الموضوع التي تقدّم أنّها من قبيل الحكمة في الحكم بالضمان.

نعم، لو وقف بها في طريق يضرّ وقوفها بالمارّة يكون عليه ضمان ضررها لما تقدّم من قوله عليه السلام: من أضرّ بطريق المسلمين فهو ضامن بما أصابه «1».

و قد يقال إنّ ما تقدّم من ضمان الراكب جناية يد الدابة دون رجليها ينافيها ما ورد في موثقة إسحاق بن عمّار، عن جعفر، عن أبيه: «أنّ علياً عليه السلام كان يضمّن الراكب ما وطئت الدابة بيدها أو رجلها إلّا أن يعبث بها أحد فيكون الضمان على الذي عبث بها» «2» و هذه الموثّقة تعارض الروايات المتقدّمة في نفي تلك الروايات ضمان الرجل فتسقطان في هذه الجهة، و ذكرنا أنّ عدم الضمان مقتضى الأصل، و يمكن حمل الموثّقة على التفرقة بين ضرب الدابة برجليها أو وطئها، فإن كان التلف بالوطء فراكبها ضامن، و إن كان بالضرب يكون الضمان على التفصيل المتقدّم كما يستفاد ذلك من معتبرة أبي مريم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في صاحب الدابّة أنّه يضمن ما وطئت بيدها و رجلها و ما نفحت برجلها فلا ضمان عليه إلّا أن يضربها إنسان» «3» حيث إنّ المراد من نفحت ضربها و دفعها مقابل وطئها و لكن لم يكن فيما رواه الفقيه «4» كلمة الرجل.

______________________________

(1) انظر وسائل الشيعة 29: 241، الباب 8 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 29: 249، الباب 13 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 10.

(3) وسائل الشيعة 29: 247، الباب 13 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 4.

(4) من لا يحضره الفقيه 4: 156، الحديث 5353.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 107

[البحث الثالث في تزاحم الموجبات]

اشارة

البحث الثالث: في تزاحم الموجبات: إذا اتّفق المباشر و السبب، ضمن المباشر (1)، كالدافع مع الحافر، و الممسك مع الذابح، و واضع الحجر في الكفّة مع جاذب المنجنيق. و لو جهل المباشر حال السبب، ضمن المسبب. كمن غطّى بئراً حفرها في غير ملكه فدفع غيره ثالثاً و لم يعلم، فالضمان على الحافر. و كالفارّ من مخيفة إذا وقع في بئر لا يعلمها.

البحث الثالث: في تزاحم الموجبات

إذا اتّفق المباشر و السبب

______________________________

(1) ذكر قدس سره أنّه إذا اجتمع موجبان للضمان أحدهما المباشرة و الآخر السبب فمع علم المباشر بالسبب يكون الضمان على المباشر، كما إذا حفر شخص بئراً و دفع الآخر ثالثاً إلى البئر فسقط الثالث فيه فمات اتّفاقاً تكون الدية على الدافع، و كذا في القود، كما إذا أمسك شخص أحداً فقطع الآخر رأسه أو جرحه حتّى مات.

أقول: في صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قضى علي عليه السلام في رجلين أمسك أحدهما و قتل الآخر، قال: «يقتل القاتل و يحبس الآخر حتّى يموت غمّاً كما حبسه حتّى مات غماً» «1».

و في معتبرة السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «أنّ ثلاثة نفر رفعوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام واحد منهم أمسك رجلًا و أقبل الآخر فقتله و الآخر يراهم فقضى في صاحب الرؤية أن تسمل عيناه، و في الذي أمسك أن يسجن حتّى يموت كما أمسكه، و قضى في الذي قتل أن يقتل» «2» إلى غير تلك و لأنّ القتل و غيره من التلف مستند تمام الاستناد إلى المباشر دون ما سمّوه بالسبب.

و يعدّ أيضاً من قبيل اجتماع السبب و المباشرة ما إذا وضع شخص الحجر في

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 49،

الباب 17 من أبواب القصاص في النفس، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 29: 50، الباب 17 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 3.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 108

..........

______________________________

كفّة المنجنيق و جذبه الآخر فإنّ استناد التلف إلى الجاذب، حيث يعتبر مباشراً بلا فرق بين موردي القصاص و الدية.

و قال الماتن قدس سره هذا إذا كان من يعدّ فعله مباشرة، عالماً بالحال، و أمّا إذا كان جاهلًا بوجود البئر أو وضع الحجر في الكفّة يكون الضمان على فاعل السبب من حافر البئر و واضع الحجر في الكفّة و لعلّ هذا هو المشهور بل ادّعى الإجماع على ذلك.

و لكن لا يخفى أنّه لو كان حفر البئر في غير ملكه أو في طريق المسلمين غايته أنّه دخيل في تحقّق التلف و لا يزيد دخالته عن دخالة الدافع، و كذا الحال في واضع الحجر فالتلف مستند إلى فعلهما و فعل المباشر فيكون الضمان على الفاعل و السبب معاً، و إنّما يكون تمام الضمان على الحافر في مثل الفارّ من مخيفة إذا حفر البئر في طريق المسلمين أو في غير ملكه.

و لا يخفى أنّ الفار من مخيفة إذا ألقى نفسه في البئر عمداً فلا يكون في البين ضمان؛ لأنّ الفار أعان على نفسه فالتلف مستند إليه.

و عن بعض أصحابنا أنّ المخيف كما إذا شهر سيفه و الفارّ عنه ألقى نفسه في بئر يكون الضمان على المخيف.

و فيه قد تقدّم أنّ الضمان إنّما يكون على القاعدة أو بقيام دليل خاصّ عليه أو في مورد لا يحتمل الفرق بينه و بين مورد النصّ، و مع إلقاء نفسه في البئر متعمّداً لا يكون القتل مستنداً إلى المخيف و إن يستحقّ المخيف الحدّ،

كما ذكر في بحث المحارب أو التعزير فيما إذا لم يدخل شاهر السيف في عنوان المحارب إلّا أنّ ضمان التلف إنّما يكون عليه مع مباشرته الجناية و لم يقم في المقام و نظيره دليل

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 109

و لو حفر في ملك نفسه بئراً، و سترها و دعا غيره، فالأقرب الضمان (1) لأنّ المباشرة يسقط أثرها مع الغرور.

______________________________

خاصّ على الضمان، غايته أنّه كالمكره بالكسر على قتل أحد فإنّ الضمان على المكره الجاني، و ما نحن فيه لا يزيد عن المكره بالكسر و المكره بالفتح هو الجاني على نفسه، و لا فرق في جنايته على نفسه بين أن يكون البئر المحفورة في طريق المسلمين أو ملك الغير أو غير ذلك، و في جميعها يكون الفار هو الجاني على نفسه و إنّما يكون الضمان على الحافر فيما ذكر من عدوان الحافر و جهل الفارّ بالبئر مع عدم وضع مانع عن الوقوع فيها أو الإنذار منها؛ و لذا لا أظنّ من يلتزم بعدم الضمان على من دفع الغير إلى الحفرة الطبيعيّة مع غفلته عنها فمات أو انكسر عظمه.

و على الجملة، من حفر بئراً في غير ملكه أو في الطريق و إن يعمّ المقام إلّا أنّه لا يمنع عن ضمان الغير أيضاً، بخلاف صورة علم الدافع فإن الضمان على الدافع مع علمه بالبئر.

لو حفر في ملك نفسه بئراً

(1) إذا حفر بئراً في ملكه و غطّاها بما يسقط بوضع القدم عليه و كان موضعها في معرض وضع القدم عليه و دعا الغير بالدخول في ملكه من غير إخباره بمكان البئر بحيث يعدّ إنذاراً، فوقع في البئر بوضع قدمه فلا ينبغي التأمل في ضمانه؛ لأنّ دعوته

الغير للدخول من غير إنذار و إخبار بمكان البئر تغرير الغير و لا يكون دخول الغير و وضع قدمه من الجناية على نفسه، مباشرة و كذا في سائر موارد تغرير الغير ممّا يترتّب عليه تلف نفسه أو ماله.

نعم، لو لم يكن البئر في معرض سقوط الداخل فيها و لكن ترتّب عليه الكسر و السقوط بحيث يحسب من قضاء اللّٰه و قدره فلا ضمان.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 110

و لو اجتمع سببان ضمن من سبقت الجناية بسببه (1)، كما لو ألقى حجراً في غير ملكه، و حفر الآخر بئراً، فلو سقط العاثر بالحجر في البئر فالضمان على الواضع. هذا مع تساويهما في العدوان. و لو كان أحدهما عادياً كان الضمان عليه.

و كذا لو نصب سكّيناً في بئر محفورة في غير ملكه، فتردّى إنسان على تلك السكّين، فالضمان على الحافر ترجيحاً للأوّل. و ربّما خطر بالبال التساوي في الضمان؛ لأنّ التلف لم يتمحّض من أحدهما لكنّ الأوّل أشبه.

______________________________

و فيما يترتّب عليه الضمان فإن ترتّب عليه تلف نفس الغير أو كسر بعض أعضائه فإن كان من دعاه قاصداً لذلك أو كان الترتّب على السقوط أمراً غالبيّاً عاديّاً، يكون الضمان بالقود.

و أمّا إذا لم يقصده و لم يكن ممّا يترتّب عليه عادة فالضمان بالدية في مال الداعي فإنّ التلف يرتب على الفعل بغرور الداعي و طلبه و قد ورد في بعض الروايات:

منها معتبرة السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل دخل دار قوم بغير إذنهم فعقره كلبهم، قال: لا ضمان عليهم، و إن دخل بإذنهم ضمنوا» «1» فإنّه لا موجب للضمان مع الاستيذان، و إنّ إذنهم في الدخول

مع فرض الكلب العقور في الدار يعدّ من تغرير الداخل.

لو اجتمع سببان ضمن من سبقت الجناية بسببه

(1) المنسوب إلى المشهور أو الأشهر أنّه إذا اجتمع سببان للضمان في تحقّق الجناية، فالسابق من السببين في ترتّب الجناية عليهما فاعله ضامن، كمن وضع حجراً و حفر الآخر بئراً في موضع قريب منه، فلو سقط العاثر بالحجر في البئر فالضمان على

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 254، الباب 17 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 111

و لو وقع في حفرة اثنان، فهلك كلّ منهما بوقوع الآخر، فالضمان على الحافر لأنّه كالمُلقي. (1)

______________________________

واضع الحجر؛ لأنّ العثور الموجب للسقوط حصل بفعله.

و بتعبير آخر، وضع الحجر- في المفروض- واضعه كالدافع إلى البئر، و كأنّه لا فرق فيما ذكر بين أن يكون حفر البئر أوّلًا و وضع الحجر بعده أو وضع الحجر أوّلًا ثمّ حفر البئر، و في كلا الفرضين العثور المترتّب عليه السقوط في البئر يحصل بوضع الحجر، فالضمان على واضعه.

و هذا فيما إذا تساويا الفاعلان في العدوان.

و أمّا إذا كان العدوان من أحدهما خاصّة فالضمان عليه، كما إذا وضع الحجر في ملكه فعثر به آخر فوقع في البئر من غير أن يكون في البين غرور من واضع الحجر، فإنّ حافر البئر في ملك الغير أو في الطريق ضامن لمن أضرّت به على ما تقدّم في الروايات.

و قد ذكر الماتن أنّ مع اجتماع السببين عدواناً كون الضمان مشتركاً بين كلّ من فاعلي السببين يبادر إلى الذهن و لكن الأوّل أشبه.

و لكن لا يخفى أنّ مقتضى استناد التلف إلى السببين جميعاً مقتضاه الاشتراك في الضمان و إن كانت حصّة الدافع مع غفلته من البئر على عاقلته.

و

دعوى كون البئر بالإضافة إلى الحجر الملقى عدواناً كالشرط من المباشر لا يمكن المساعدة عليها؛ لأنّ إسناد إزهاق الروح فيه إلى المباشر خاصّة، دون المقام مضافاً إلى ما تقدّم من كون الضمان على المباشر مورد النص و اجتماع السببين لا يدخل فيه، بل ذكرنا أنّ الدافع جهلًا بالبئر يكون مع الحافر مشتركاً في الضمان و واضع الحجر و حافر البئر كلّ منهما دخيل في الجناية الحاصلة من غير ترجيح إذ لو لا أحدهما لم يتحقّق الجناية و جعل أحدهما شرطاً و الآخر سبباً بلا مرجح.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 112

و لو قال ألق متاعك في البحر لتسلم السفينة فألقاه، فلا ضمان، و لو قال: و عليَّ ضمانه ضمن (1) دفعاً لضرورة الخوف. و لو لم يكن خوف، فقال: ألقه و عليَّ ضمانه ففي الضمان تردّد، أقربه أنّه لا يضمن. و كذا لو قال: مزِّق ثوبك و عليَّ ضمانه، أو اجرح نفسك؛ لأنّه ضمان ما لم يجب، و لا ضرورة فيه.

و لو قال عند الخوف: ألقِ متاعك و عليَّ ضمانه مع ركبان السفينة فامتنعوا فإن قال: أردت التساوي قُبِل و لزمه بحصّته، و الركبان إن رضوا، لزمهم الضمان و إلّا فلا.

و لو قال: أذنوا لي فأنكروا بعد الإِلقاء صُدِّقوا مع اليمين، و ضمن هو الجميع. (2)

______________________________

و بهذا يظهر الحال في حفر البئر و نصب آخر السكّين فيه، حيث يكون الضمان عليهما على السوية؛ لأنّه لو لا أحدهما لم يتحقّق تلك الجناية الحاصلة.

نعم، لو حصلت جناية بحيث لم يكن لوضع السكّين فيها دخالة يكون الضمان على الحافر فقط لعدم استنادها على الواضع أصلًا.

لو وقع في حفرة اثنان فهلك كلّ منهما بوقوع الآخر

(1) المفروض في

المقام سقوطهما في الحفيرة من غير تعمّد و التفات إلى الحفيرة، و الحفيرة وقع حفرها بنحو العدوان و في مثل ذلك يكون الحافر ضامناً لدية كلّ منهما حتّى و إن هلكا بوقوع أحدهما على الآخر، و لو أسقطا نفسهما فيها فماتا فيدخل في مسألة اجتماع السبب و المباشر و الضمان في هذا الفرض، لا يكون على الحافر بل إن مات الأوّل بسقوط الثاني عليه يكون على الثاني ديته، كما أنّه لو مات الثاني بوقوعه على الأوّل فكذلك و لو لم يكن موت أحدهما مستنداً إلى الآخر بل ماتا لعمق الحفيرة فلا يكون لهما شي ء؛ لأنّه أعان كلّ منهما على نفسه.

لو قال ألقِ متاعك في البحر فألقاه فلا ضمان

(2) و ربّما يتوهّم أنّ مجرّد قوله: و عليّ ضمانه لا يكون ضماناً فإنّه من ضمان ما لم يجب فيشبه الوعد حيث لا يجب الوفاء به.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 113

..........

______________________________

و قد يردّ ذلك بالإجماع بين الأصحاب بل بعدم الخلاف بين الخاصّة و العامّة إلّا من أبي ثور «1».

و قد يردّ بالسيرة العقلائية حيث إنّ الأمر بالآخر بإتلاف ماله لغرض عقلائي، يوجب ضمان الآمر كالأمر بالآخر بالإتيان بعمل له مالية عند العقلاء حيث يضمن الآمر أُجرة ذلك العمل.

و ما ذكروا فيما كان الغرض العقلائي مختصّاً بالآمر بحيث لو لا طلبه، لم يكن على المأمور إلزام بإلقاء ماله صحيح.

و أمّا إذا كان في البين إلزام كدفع خوف الغرق، فكونه موجباً للضمان شرعاً إشكال.

و لا يندرج أيضاً ضمان إلقاء المأمور في قاعدة الغرور.

و عن العلامة «2» إمكان ادراجه في الجعالة حيث لا تحتاج الجعالة إلى الإلزام، بل يستحقّ العامل الجعل بالعمل.

و فيه أنّ الجعل في الجعالة في

مقابل العمل و المالية في الفرض ليس في إلقاء المال من قبل مالكه بل في مقابل ماله.

و من ذلك ظهر الحال فيما إذا قال: ألقِ متاعك في البحر و عليّ ضمانه، فيما إذا لم يكن في البين خوف أو غرض عقلائي آخر من خفّة السفينة و حدوث السرعة في سيره من خفّته، فإنّ مع عدم الغرض العقلائي في تحقّق الضمان تأمّل، بل لا يجوز للمأمور العمل إذا كان فيه إتلاف المال بلا موجب، كما إذا قال: مزّق ثوبك و عليّ ضمانه أو اجرح نفسك و عليّ ديته أو أرشه.

______________________________

(1) الخلاف 5: 275، المسألة 95.

(2) عنه المحقق الثاني في جامع المقاصد 5: 404، و الجواهر 43: 150، و انظر تذكرة الفقهاء 2: 103 (الطبعة الحجرية).

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 114

..........

______________________________

و دعوى عموم السيرة العقلائية على ثبوت الضمان عهدة إثباتها على مدّعيها.

و لو قال عند الخوف: ألق متاعك في البحر و عليّ مع ركبان السفينة ضمانه، فإن امتنع الآخرون عن الضمان فلا يضمن إلّا حصّته؛ لأنّه لم ينشئ ضمان نفسه إلّا بمقدار حصّته.

و لو قال: ألق متاعك في البحر و عليّ ضمانه مع الركاب حيث أذنوا لي في الضمان عنهم، فإن أنكر الآخرون لم يلزمه أيضاً إلّا حصّته فإنّه لم ينشئ ضمانهم على نفسه بل المنشأ بمقدار حصّته أيضاً.

و إذا حلف الآخرون على عدم إذنهم و سقط عنهم الضمان، لا يطلب من مدّعي الوكالة بقاعدة الغرور؛ لأنّ مالك المتاع هو الغار على نفسه حيث لم يسأل الركاب عن صحّة دعوى وكالته عنهم.

نعم، لو قال قد أذنوا لي في الضمان منهم أو أنا ضامن لأدائهم يضمن جميع المال.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 115

[و من لواحق هذا الباب مسائل الزبية]

و من لواحق هذا الباب مسائل الزُّبْيَة:

فلو وقع واحد في زُبية الأسد، فتعلّق بثان، و تعلق الثاني بثالث و الثالث برابع فافترسهم الأسد فيه روايتان.

إحداهما: رواية محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام، قال قضى أمير المؤمنين عليه السلام: في الأوّل فريسة الأسد و غُرم أهله ثلث الدية للثاني، و غرم الثاني لأهل الثالث ثلثي الدية، و غرم الثالث لأهل الرابع الدية كاملة.

و الثانية: رواية مسمع، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، أنّ عليّاً عليه السلام قضى: أنّ للأوّل ربع الدية، و للثاني ثلث الدية و للثالث نصف الدية، و للرابع الدية كاملة، و جعل ذلك على عاقلة الذين ازدحموا.

و الأخيرة ضعيفة الطريق إلى مسمع فهي إذن ساقطة. و الأُولى مشهورة لكنّها حكمٌ في واقعة.

و يمكن أن يقال: على الأوّل الدية للثاني لاستقلاله بإتلافه، و على الثاني دية الثالث، و على الثالث دية الرابع لهذا المعنى. و إن قلنا: بالتشريك بين مباشر الإمساك و المشارك في الجذب، كان على الأوّل دية و نصف و ثلث، و على الثاني نصف و ثلث، و على الثالث ثلث دية لا غير. (1)

مسائل الزُّبْيَة

______________________________

(1) لو دفع أحد في زبية الأسد و تعلّق الواقع بثان و تعلّق الثاني بثالث و الثالث برابع فماتوا جميعاً، بافتراسهم الأسد أو بوقوعهم فيها ففي الفرض روايتان:

إحداهما رواية محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في أربعة اطّلعوا في زبية الأسد فخرّ أحدهم فاستمسك بالثاني و استمسك الثاني بالثالث و استمسك الثالث بالرابع حتّى أسقط بعضهم بعضاً على

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 116

..........

______________________________

الأسد فقتلهم الأسد فقضى بالأوّل فريسة الأسد و غرّم أهله

ثلث الدّية لأهل الثاني، و غرّم الثاني لأهل الثالث ثلثي الدية، و غرّم الثالث لأهل الرابع الدية كاملة «1»» و ظاهرها أن دم الأوّل هدر لا شي ء لأهله و إنّما غرّم أهله لأهل الثاني ثلث الدية و غرّم أهل الثاني لأهل الثالث ثلثي الدية و غرّم الثالث لأهل الرابع كامل الدية.

و مدلول الصحيحة لا ينطبق على القواعد لا على قاعدة تقديم المباشرة على السبب و لا على قاعدة اشتراك المسبب و المباشر.

و قد أورد الشهيد الثاني قدس سره على الرواية سنداً بأنّ محمّد بن قيس مشترك «2» و مدلولها لا ينطبق على القواعد، و لكن لا يخفى أنّ محمّد بن قيس هو البجلي ثقة بقرينة أنّ الراوي عنه عاصم بن حميد، و المروي عنه أبو جعفر عليه السلام و يروي قضايا علي عليه السلام.

نعم، أنّها مخالفة للقواعد فتقصر في العمل بها على موردها و هو موت الواقعين في زبية الأسد بتعلّق أحدهم بالآخر و موت الجميع بجرح الأسد و في غيره يؤخذ بمقتضى القواعد.

و قد ذكر الماتن قدس سره أنّ مقتضى القاعدة بناءً على كون الضمان على مباشر الإمساك و التعلّق أنّ تمام دية الثاني على الأوّل، و تمام دية الثالث على الثاني و تمام دية الرابع على الثالث، و على تقدير التشريك في الضمان بين مباشر الإمساك و المشارك في الجذب، يكون على الأوّل دية و نصف و ثلث الدية الكاملة لأهل الثاني و النصف لأهل الثالث و الثلث لأهل الرابع حيث إنّ دم الأوّل هدر و عليه لأهل الثاني بإمساكه و جذبه إياه إلى الزبية تمام الدية كما أنّ عليه ضماناً لجذبه الثالث و الرابع و لو

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 237، الباب

4 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2.

(2) الروضة البهية (شرح اللمعة) 10: 168.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 117

..........

______________________________

بغير المباشرة ففي الضمان للثالث بالاشتراك مع الثاني فيكون عليه نصف الدية ففي الرابع لاشتراكه مع الثاني و الثالث في الجذب يكون عليه ثلث دية لأهل الرابع، و على هذا الحساب يكون على الثاني نصف الدية لأهل الثالث و الثلث لأهل الرابع؛ لأنّ نصف الدية لجذبه الثالث مع الاشتراك مع الأوّل و ثلث الدية لأهل الرابع لجذبه إيّاه مع الأوّل و الثالث.

و الرواية الثانية ما رواه الكليني قدس سره عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الحسن بن شمون، عن عبد اللّه بن عبد الرحمن الأصمّ، عن مسمع بن عبد الملك، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «أنّ قوماً احتفروا زبية للأسد باليمن فوقع فيها الأسد فازدحم الناس عليها ينظرون إلى الأسد فوقع فيها رجل فتعلّق بآخر، فتعلّق الآخر بآخر و الآخر بآخر فجرحهم الأسد فمنهم من مات من جراحة الأسد و منهم من أُخرج فمات فتشاجروا في ذلك حتّى أخذوا السيوف، فقال أمير المؤمنين عليه السلام:

هلمّوا أقضي بينكم فقضى أنّ للأوّل ربع الدية و للثاني ثلث الدية و للثالث نصف الدية و للرابع الدية كاملة و جعل ذلك على قبائل الذين ازدحموا فرضي بعض القوم و سخط بعض فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه و آله و أُخبر بقضاء أمير المؤمنين عليه السلام فأجازه» «1».

و قد ذكر صاحب الجواهر قدس سره «2» في توجيه الرواية بحمل حفر الزبية بقصد العدوان، و حيث إنّ موت الأوّل مستند إلى حفرها و إلى وقوع الثاني و الثالث و الرابع و وقوعهم عليه نتيجة

تعلّقه بالثاني فيكون دمه هدراً بالإضافة إلى الوقوع عليه و يبقى له ربع الدية على الحافر، و أمّا الثلث لأهل الثاني؛ لأنّ موته مستند إلى جذب الأوّل و وقوع الثالث و الرابع عليه و حيث إنّ وقوعهما نتيجة جذبه يكون له ثلث الدية

______________________________

(1) الكافي 7: 286، الحديث 2.

(2) جواهر الكلام 43: 158.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 118

و لو جذب إنسانٌ غيره إلى بئر، فوقع المجذوب، فمات الجاذب بوقوعه عليه، فالجاذب هدر (1). و لو مات المجذوب، ضمنه الجاذب لاستقلاله بإتلافه.

و لو ماتا: فالأوّل هدرٌ و عليه دية الثاني في ماله.

______________________________

بجذب الأوّل و ثلثا ديته لاستناده إلى جذبه يكون هدراً و يكون للثالث نصف الدية؛ لأنّ موته مستند إلى جذب الثاني و وقوع الرابع عليه فبالإضافة إلى وقوع الرابع دمه هدر، و بالإضافة إلى جذب الثاني يكون له نصف الدية، و أمّا الرابع فموته مستند إلى الجذب فقط فيكون له الدية كاملة.

و لكن لا يخفى ما في التوجيه فإنّ ظاهر الرواية فرض حفر الزبية للأسد فلا عدوان فيه، و إنّ موتهم و لا أقل بعضهم بجرح الأسد لا وقوع الآخرين عليه، و لأنّ موت الثالث مستند إلى جذب الأوّل و الثاني و وقوع الرابع عليه فيكون إحدى الجنايات الثلاث هدراً فمن فعله فلا بدّ من أن يكون بالحساب المذكور لأهله ثلثا الدية لا نصفها.

أضف إلى ذلك أنّ ظاهر الرواية كون ما ورد فيها من الدية لكلّ من أهل المقتولين على الذين ازدحموا لا أنّ الربع لأهل المقتول الأوّل على حافري الزبية، و الصحيح أنّ الرواية ضعيفة سنداً؛ لأنّ فيه سهل بن زياد و محمّد بن الحسن بن شمون و عبد اللّٰه بن

عبد الرّحمن الأصمّ و ليس فيهم توثيق بل ورد في كلّ واحد منهم التضعيف، مع كونها معرض عنها عند المشهور.

لو جذب إنسان غيره إلى بئر

(1) هذا فيما إذا مات الجاذب بوقوع المجذوب عليه من غير تعمّد.

و أمّا إذا تعمّد بالوقوع عليه و مات الجاذب بذلك من غير قصد قتله يكون على المجذوب نصف الدية في ماله؛ لأنّ موته مستند إلى جذبه الثاني و إلى وقوع المجذوب عليه عمداً.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 119

و لو جذب الثاني ثالثاً، فماتوا بوقوع كلّ واحد منهم على صاحبه، فالأوّل مات بفعله و فعل الثاني فيسقط نصف ديته (1) و يضمن الثاني النصف، و الثاني مات بجذبه الثالث عليه و جذب الأوّل فيضمن الأوّل نصف ديته و لا ضمان على الثالث، و للثالث الدية. فإن رجّحنا المباشرة فديته على الثاني. و إن شرّكنا بين القابض و الجاذب، فالدية على الأوّل و الثاني نصفين.

و لو جذب الثالث رابعاً، فمات بعض على بعض، فللأوّل ثلثا الدية؛ لأنّه مات بجذبه الثاني عليه، و بجذب الثاني الثالث عليه، و بجذب الثالث الرابع، فيسقط ما قابل فعله و يبقى الثلثان على الثاني و الثالث، و لا ضمان على الرابع. و للثاني ثلثا الدية أيضاً؛ لأنّه مات بجذب الأوّل، و بجذبه الثالث و هو فعل نفسه، و بجذب الثالث الرابع عليه، فيسقط ما قابل فعله و يجب الثلثان على الأوّل و الثالث. و للثالث ثلث الدية أيضاً؛ لأنّه مات بجذبه الرابع و بجذب الثاني و الأوّل له، أمّا الرابع فليس عليه شي ء، و له الدية كاملة. فإن رجّحنا المباشرة فديته عليه. و إن شرّكنا كانت ديته أثلاثاً بين الأوّل و الثاني و الثالث.

______________________________

كما

أنّه إذا مات المجذوب بوقوعه في البئر يكون ديته على الجاذب لكون التلف مستند إلى الجاذب، بل قد يكون على الجاذب القصاص إذا كان بقصده أو كان الوقوع فيه قاتل عادة.

و ممّا ذكر يظهر أنّه إن مات كلّ منهما فالجاذب ديته هدر و عليه دية المجذوب في ماله حتّى فيما كان جذبه الثاني بقصد قتله بناءً على أنّ مع تعذّر القصاص ينتقل الحقّ إلى الدية في مال القاتل.

(1) لا يخفى أنّ الأوّل و إن مات بفعل نفسه و فعل الثاني حيث جذب الثاني الثالث إلّا أنّ الأوّل مشترك مع الثاني في جذبه الثالث حيث إنّه لو لا جذبه الثاني إلى البئر لم يكن جذب الثاني الثالث.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 120

..........

______________________________

و بتعبير آخر، الأوّل في جذبه الثاني مستقلّ و في جذب الثالث مشترك مع الثاني فنصف ديته هدر بجذبه الثاني و النصف الآخر من الدية نصفه أيضاً هدر فيكون على الأوّل ثلاثة أرباع دية للثاني، و على الثاني ربع الدية للأوّل فيقع التهاتر في الربع فيكون على الأوّل للثاني نصف الدية ودية الثالث كاملًا على الأوّل و الثاني بنصفين لاشتراكهما في جذبه إلى البئر.

و لو جذب الثالث أيضاً الرابع إلى البئر تكون دية الرابع على الأوّل و الثاني و الثالث أثلاثاً لاشتراكهم في جذبه.

و لو جذب الرابع الخامس تكون دية الخامس على الأربع أرباعاً و هكذا.

و على الجملة، لا وجه لترجيح الجذب مباشرة على الجذب بالواسطة لاستناد موت المجذوب إلى كلا الجذبين، ففي مسألة السقوط في زبية الأسد و نحوها ممّا يكون السقوط موجباً للموت، فمع قطع النظر عن صحيحة محمّد بن قيس كان موت الثاني بافتراس الأسد مستنداً إلى تعلّق الأوّل

بالثاني فتكون ديته تماماً على الأوّل، كما أنّ موت الثالث بجرحه مستنداً إلى تعلّق الأوّل بالثاني و تعلّق الثاني بالثالث فيكون على كلّ منهما نصف الدية للثالث، و مع تعلّق الثالث بالرابع تكون تمام الدية على الأوّل و الثاني و الثالث أثلاثاً لاستناد موت الرابع إلى الثلاثة و هذا مع التعلّق مع الالتفات، و إلّا يكون الموت من القتل خطأً فتكون الدية على العاقلة، و على كلا التقديرين فدم الأوّل هدر لعدم استناد سقوطه إلى غيره.

و على ذلك فما ذكره الماتن قدس سره- من أنّ على الأوّل تمام الدية للثاني و نصف الدية للثالث و ثلث الدية للرابع، و على الثاني نصف الدية للثالث و ثلث الدية للرابع و على الثالث أيضاً ثلث الدية للرابع بناءً على التشريك- صحيح.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 121

..........

______________________________

و نظير ذلك إسقاط بعضهم بعضاً من شاهق بالتعلّق بحيث يكون السقوط موجباً للموت بحيث لا دخل في موت الأوّل لفعل الثاني.

و أمّا إذا كان لفعل الثاني دخالة في موت الأوّل يكون الحكم كما ذكرنا من أنّ للأوّل ربع الدية على الثاني، و على الأوّل ثلاثة أرباع الدية للثاني فيقع التهاتر في ربع الدية فيكون على الأوّل للثاني نصف الدية.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 122

النظر الثالث [في الجناية على الأطراف]

اشارة

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 123

النَّظرُ الثالث

في الجناية على الأطراف و المقاصد ثلاثة:

[الأول في ديات الأعضاء]

اشارة

(الأوّل): في دية الأعضاء و كلّ ما لا تقدير فيه، ففيه الأرش. (1)

النَّظرُ الثالث

المقصد الأوّل: في دية الأعضاء

ما لا تقدير فيه ففيه الأرش

______________________________

(1) المراد بالأعضاء أعيانها فإن ثبت في الجناية على عضو الدية فهو، و إلّا يتعيّن فيه الأرش و يسمّى بالحكومة أيضاً، و قالوا إنّ الحرّ أصل في دية الجناية على العبد و العبد أصل في الجناية على الحرّ، فيما لم يكن في تلك الجناية تقدير الدية.

فإن ثبت في الجناية على عضو الحرّ تمام الدية أو نصفها أو ثلثها و هكذا تكون تلك الجناية في العبد موجبة لتمام قيمته أو نصفها أو ثلثها و هكذا.

كما يدلّ على تبعية المملوك الحرّ، في تعيين الدية مثل معتبرة السكوني عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليه السلام قال: «جراحات العبيد على نحو جراحات الأحرار في الثمن» «1».

و أمّا تعيين أرش الجناية على الحرّ يتبع أرش الجناية على المملوك، كما إذا كانت الجناية التي لا تقدير فيها موجبة لنزول قيمة العبد إلى نصفها أو نزولها إلى ثلثها و هكذا، يكون أرش تلك الجناية على الحرّ نصف الدية أو ثلثها و هكذا.

فهذا و إن كان مشهوراً بين الأصحاب إلّا أنّ إثباته بوجه يعتمد عليه مشكل.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 388، الباب 8 من أبواب ديات الشجاج و الجراح، الحديث 2.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 124

..........

______________________________

و أشكل من ذلك ما لو لم تكن الجناية على المملوك بحيث لا توجب نزول قيمته و إن يذكر في بعض الكلمات أنّ الأمر في هذه الصورة بيد الحاكم فيأخذ من الجاني ما يرى فيه مصلحة.

بل يقال

إنّ هذا يجري حتّى في الموارد التي تكون الجناية على المملوك موجبة لنقصان قيمتها فيأخذ الحاكم من الجاني على الحرّ، ما يرى فيه مصلحة.

و استظهر ذلك من صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «دية اليد إذا قطعت خمسون من الإبل، و ما كان جروحاً دون الاصطلام فيحكم به ذوا عدل منكم و من لم يحكم بما أنزل اللّٰه فأُولئك هم الكافرون» «1».

و وجه الاستظهار أنّ ظاهر قوله عليه السلام: و ما كان من الجروح من غير اصطلام و قطع يكون الثابت ما حكم به ذوا عدل، و حيث إنّ الحكم لا يصلح إلّا من الحاكم يكون المراد أنّ الحاكم في حكمه يستعين بنظر ذوي عدل و تعيينهما فيكون هو المأخوذ من الجاني.

و في صحيحة أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: عندنا الجامعة، قلت: و ما الجامعة؟ قال: صحيفة فيها كلّ حلال و حرام و كلّ شي ء يحتاج إليه الناس حتّى الأرش في الخدش و ضرب بيده إليّ فقال: أ تاذن يا أبا محمد؟ قلت: جعلت فداك إنّما أنا لك فاصنع ما شئت، فغمزني بيده و قال: حتّى أرش هذا «2». و يستفاد أيضاً من هذه الصحيفة العفو عن الأرش و جواز الإذن فيما يوجبه إذا كان لغرض صحيح، كما يستفاد من ذلك تعيّن الأرش في مواردها واقعاً لا أنّ التعيين يدور مدار نظر الحاكم و تعيين ذوي عدل.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 288، الباب الأوّل من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 14.

(2) وسائل الشيعة 29: 356، الباب 48 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 125

..........

______________________________

إلّا أن يحمل ما في صحيحة عبد

اللّه بن سنان على صورة عدم وصول التعيين كما لا يبعد أن يكون ذلك مقتضى الجمع العرفي بينهما و يحسب حكم الحاكم كما ذكر صلحاً قهرياً ملزماً للطرفين.

و على الجملة، لا مناصّ من الالتزام في غير موارد ثبوت الدية بالأرش المفسّر بالحكومة، لئلا يذهب حقّ امرئ مسلم هدراً، كما ورد ذلك في موثّقة أبي عبيدة قال:

سألت أبا جعفر عليه السلام عن أعمى فقأ عين صحيح فقال: «إنّ عمد الأعمى مثل الخطاء هذا فيه الدية في ماله فإن لم يكن له مال فالدية على الإمام و لا يبطل حقّ امرئ مسلم» «1» بدعوى أنّ مورد هذه الموثقة و إن كانت الدية إلّا أنّ التعليل لثبوتها يجري في موارد ثبوت الأرش أيضاً.

أقول: ظاهر صحيحة عبد اللّه بن سنان أنّ الثابت في الجراحة التي دون الاصطلام و قطع العضو ما يحكم به ذوا عدل و لو بإشراف الحاكم على ما مرّ، و لكن لا دلالة لها على أنّ المعيار في حكمهما أي شي ء من ملاحظة الصلاح و المصلحة مع أنّ جهاتها مختلفة بالإضافة إلى حال الجاني و المجني عليه، فلا بدّ من أن يكون في البين ملاحظة جهة معيّنة تكون المعيار في حكمهما، و بما أنّ الأرش داخل في الدية و في الجناية على المملوك نسبة نزول قيمته بالجناية لو لاها، مع ما ورد في أنّ دية العبد لا تتجاوز دية الحرّ، و لو كانت قيمته ضعف دية الحرّ يحسب قيمته مقدار دية الحر بلا فرق بين دية نفسه أو دية أعضائه، فالجهة المعيّنة التي تصلح ملاحظتها، في موارد الأرش في الجناية على الحرّ إنّما هي ملاحظة الأرش في الجناية على المملوك.

نعم، إذا لم يمكن التعيين بهذا النحو

فمقتضى التعليل في موثّقة أبي عبيدة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 89، الباب 35 من أبواب القصاص في النفس، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 126

[و التقدير في ثمانية عشر]

اشارة

و التقدير في ثمانية عشر:

[الأول الشعر]

(الأوّل): الشعر، و في شعر الرأس الدية، و كذا في شعر اللحية. فإن نبتا فقد قيل: في اللحية ثلث الدية، و الرواية ضعيفة. و الأشبه فيه و في شعر الرأس الأرش إن نبت، و قال المفيد رحمه الله: في شعر الرأس إن لم ينبت مائة دينار و لا أعلم المستند. (1)

______________________________

الحكم بما يراه الحاكم على ما مرّ من باب قطع المنازعة.

ما فيه تقدير

الشعر

(1) التزم قدس سره بأنّ ثبوت الدية في الجناية على الأعضاء في ثمانية عشر موضعاً، و يتّضح مواضع ثبوتها و تعدادها بالتعرض إلى موارد ثبوتها، و ذكر في الموضع الأوّل الشعر، فقال في إزالة شعر الرأس، بحيث لم ينبت بعد ذلك تمام الدية و كذا الحال في إزالة الشعر اللحية، و قيل إن نبت شعر اللحية ففي إزالته ثلث الدية و التزم قدس سره بأنّ الأظهر ثبوت الأرش إذا نبت شعر اللحية، و كذا في شعر الرأس؛ لأنّ الرواية الدالّة على ثبوت ثلث الدية إذا نبت شعر اللحية بعد إزالته ضعيفة، كما أنّ ما ذكر المفيد قدس سره «1» و الصدوق في موضع من المقنع «2» من أنّ دية شعر الرأس إذا لم ينبت مائة دينار، لا يعرف لذلك مستند.

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، در يك جلد، دار الصديقة الشهيدة سلام الله عليها، قم - ايران، اول، 1428 ه ق

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات؛ ص: 126

و يستدلّ على ثبوت الدية الكاملة في إزالة شعر الرأس بحيث لا ينبت بصحيحة سليمان بن خالد المروية في الفقيه، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجل صبّ ماءً حارّاً على رأس رجل فامتعط شعره

فلا ينبت أبداً قال: «عليه الدية» «3».

______________________________

(1) المقنعة: 756.

(2) المقنع: 530.

(3) من لا يحضره الفقيه 4: 149، الحديث 5330.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 127

..........

______________________________

و يؤيّد برواية سلمة بن تمام قال: أهرق رجل قدراً فيها مرق على رأس رجل فذهب شعره فاختصموا في ذلك إلى عليّ عليه السلام فأجّله سنة فلم ينبت شعره فقضى عليه بالدية «1».

و بمرسلة علي بن خالد (علي بن حديد) عن بعض رجاله، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت: الرجل يدخل الحمام فيصبّ عليه صاحب الحمّام ماءً حارّاً فيمتعط شعر رأسه فلا ينبت فقال: «عليه الدية كاملة» «2».

و قد يناقش في صحيحة سليمان بن خالد بأنّه رواها الشيخ في التهذيب في الصحيح عن جعفر بن بشير، عن هشام بن سالم، عن سليمان بن خالد، و هذا عين سند الفقيه «3»، هكذا قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجل دخل الحمام فصبّ عليه ماء حار فامتعط شعر رأسه و لحيته فلا ينبت أبداً قال: «عليه الدية» «4» و ظاهرها ثبوت الدية في ذهاب شعر الرأس و اللحية معاً لا في ذهاب كلّ من شعر الرأس أو اللحية.

و قد أيّد في الجواهر رواية الفقيه بما ورد في إزالة شعر المرأة إذا لم ينبت، حيث ورد أنّ الثابت فيه الدية يعني دية المرأة، مضافاً إلى التأييد برواية سلمة بن تمام و مرسلة علي بن خالد (علي بن حديد) فرجّح أن يكون (الواو) في رواية التهذيب بمعنى (أو) مع أنّ رواية الفقيه أضبط من روايات التهذيب «5».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 342، الباب 37 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 29: 341، الباب 37 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث

2.

(3) من لا يحضره الفقيه 4: 149، الحديث 5330.

(4) التهذيب 10: 250، الحديث 24.

(5) الجواهر 43: 170.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 128

..........

______________________________

أقول: لا معيّن في البين لكون الرواية في الأصل هو ما رواه في الفقيه، و ما ذكروا من رواية سلمة بن تمام و المرسلة لا تفيدان شيئاً، و من المحتمل أن يكون مرجع الضمير في رواية الصدوق: «فامتعط شعره» هو الرجل لا رأس الرجل و لا يكون حينئذ بين الروايتين اختلاف في المدلول، و لا يبعد أيضاً أن يلتزم بأنّ في سقوط شعر الرأس و اللحية بعمل واحد تثبت دية النفس، و أمّا إذا كان كلّ منهما بعمل منفرداً يثبت الدية لكلّ منهما بقرينة معتبرة السكوني حيث ورد فيها ثبوت الدية في حلق اللحية قال:

إنّ عليّاً عليه السلام قضى في اللحية إذا حلقت فلم تنبت الدية كاملة، فإذا نبتت فثلث الدية «1».

و ما في عبارة الماتن من أنّ «الرواية ضعيفة» لا يمكن المساعدة عليه، اللهم إلّا أن يقال ضعف رواية السكوني من جهة أنّ السكوني روايته عن قضاء علي عليه السلام حيث لم يذكر الواسطة بينه و بين علي عليه السلام لكونها مرفوعة لا من جهة الحسين بن يزيد النوفلي ليقال باعتباره فإنّه من المعاريف، أو أنّ عمل الأصحاب بروايات السكوني مع كون الناقل عنه النوفلي يفيد توثيقه أو لغير ذلك، و يمكن أن يقال لا يثبت من صحيحة هشام بن سالم عن سليمان بن خالد إلّا ثبوت الدية في ذهاب شعر الرأس و اللحية بعمل واحد، و أمّا في ذهاب كلّ منهما منفرداً فثبوت الدية لكلّ منهما للدليل الدالّ على الأمر العام و هو أنّ كلّ ما من العضو في

البدن واحداً ففيه الدية، و ما كان اثنان ففيه نصف الدية.

ثمّ إنّ ثبوت الدية الكاملة في ذهاب جميع شعر الرأس أو اللحية، و أمّا إذا كان الذاهب بعضه فقالوا يحسب بمقدار مساحته و لكن لا يبعد الأرش إلّا إذا كان الباقي بحيث يلحق بالعدم، و على ذلك ففي صورة عود الشعر الساقط الأحوط الصلح في

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 341، الباب 37 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 129

أمّا شعر المرأة ففيه ديتها، و لو نبت ففيه مهرها. (1)

______________________________

أرش اللحية و تعيّن الأرش في شعر الرأس.

شعر المرأة

(1) ذكر في الجواهر «1» عدم الخلاف في ذلك إلّا أنّ الإسكافي، جعل فيما نبت شعرها ثلث ديتها «2».

و يستدلّ على ذلك برواية عبد اللّه بن سنان التي ذكرها الشيخ في التهذيب في باب الحد في القيادة، و في باب ديات الأعضاء و الجوارح، ففي الأوّل رواها عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد بن سليمان، عن عبد اللّه بن سنان قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام أخبرني عن القوّاد ما حدّه؟ قال: لا حدّ على القوّاد، أ ليس إنّما يعطى الأجر على أن يقود؟ إلى أن قال: قلت: جعلت فداك فما على رجل وثب على امرأة فحلق رأسها؟ قال: يضرب ضرباً وجيعاً و يحبس في سجن المسلمين حتّى يستبرأ شعرها فإن نبت أُخذ منه مهر نسائها، و إن لم ينبت أُخذ منه الدية كاملة خمسة آلاف درهم، قلت: فكيف مهر نسائها إن نبت شعرها؟ فقال: يا ابن سنان إنّ شعر المرأة و عذرتها شريكان في الجمال فإذا ذهب بأحدهما وجب لها المهر كاملًا «3».

و رواها في ديات الأعضاء بإسناده

عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن إبراهيم بن هاشم، عن سليمان المنقري، عن عبد اللّه بن سنان قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: جعلت فداك ما على رجل وثب على امرأة فحلق رأسها «4». إلى آخر الحديث كما تقدّم.

______________________________

(1) جواهر الكلام 43: 174.

(2) رياض المسائل 2: 542 (الطبعة الحجرية).

(3) التهذيب 10: 64، الحديث الأوّل.

(4) التهذيب 10: 262، الحديث 68.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 130

و في الحاجبين خمسمائة دينار (1)،

______________________________

و الرواية بحسب هذا النقل صحيحة أو موثّقة فإنّ سليمان المنقري هو سليمان بن داود المنقري، و إن وقع الشك في كونه من أصحابنا إلّا أنّه ثبت له التوثيق، و أمّا محمّد بن سليمان الواقع في سند الرواية الأُولى فهو مردّد، و لا بعد في ثبوت النقل لإبراهيم بن هاشم بواسطة محمّد بن سليمان تارة و سليمان بن داود المنقري أُخرى.

و أمّا ما في الوسائل من توصيف محمّد بن سليمان بالمنقري «1» فلم يظهر له وجه فإنّه لم يوصف محمّد بن سليمان بالمنقري لا في رواية الكليني و لا في رواية الشيخ، و لا في كتب الرجال مذكور.

نعم، وصفه الصدوق قدس سره بالبصري و لكن لم يورد في الفقيه إلّا صدرها الناظرة إلى حدّ القواد «2».

و كيف ما كان، فلا بأس بالالتزام بما ذكروه في دية شعر رأس المرأة.

شعر الحاجبين

(1) هذا منسوب إلى أكثر الأصحاب بل إلى المشهور.

و يستدلّ على ذلك بخبر أبي عمرو المتطبب حيث ورد في كتاب الفرائض لأمير المؤمنين عليه السلام الذي عرضه لأبي عبد اللّه عليه السلام: «و إن أُصيب الحاجب فذهب شعره كلّه فديته نصف دية العين مائتا دينار و خمسون ديناراً فما أُصيب منه فعلى حساب ذلك»

«3» و قد يناقش في الرواية بضعف السند.

و فيه لا مجال للمناقشة في السند فإنّ كتاب الفرائض الوارد فيه هذا الحكم

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 334، الباب 30 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

(2) من لا يحضره الفقيه 4: 47، الحديث 5061.

(3) وسائل الشيعة 29: 289، الباب 2 في أبواب ديات الأعضاء، الحديث 3.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 131

و في كلّ واحدة نصف ذلك، و ما أُصيب منه فعلى الحساب. (1)

______________________________

عرضه يونس بن عبد الرحمن على الرضا عليه السلام و كذا الحسن بن فضال فقال عليه السلام: هو حقّ قد كان أمير المؤمنين عليه السلام يأمر عماله بذلك، روى ذلك الشيخ و الكليني قدّس سرهما ذلك سند صحيح عن يونس و ابن فضّال قالا: عرضنا كتاب الفرائض عن أمير المؤمنين عليه السلام على أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: هو حقّ «1».

و بهذا يظهر أنّ ما هو المحكي «2» عن صاحب الغنية و الإصباح «3» من أنّ في ذهاب شعر الحاجبين معاً تمام الدية و في ذهاب شعر أحدهما نصف الدية، لا يمكن المساعدة عليه؛ فإنّه لم يرد تحديد الدية بما ذكرا في شي ء من الروايات، و لعلّهما أخذا بما ورد في صحيحة عبد اللّه بن سنان، و غيرها «كلّ ما في الجسد اثنان ففيها الدية الكاملة و في أحدهما نصفه و ما كان واحد ففيه تمام الدية» «4» و لكن ما ورد فيها من قبيل المطلق و العامّ فيرفع اليد عنهما بالخطاب الخاصّ الوارد في مورد مع أنّ في شمول العامّ لمثل الحاجبين ممّا لا يكون من الأعضاء الأصليّة تأمّلًا كما أشرنا آنفاً.

(1) قد ورد ذلك في ذيل الخبر المتقدّم فيتعيّن

الأخذ بذلك، بل يذكر أنّ هذا يجري في إذهاب شعر الرأس و اللحية أيضاً، و لكن قد تقدّم عدم ورود ذلك في إذهابهما فالمتعين هو الأخذ بالأرش و قد يبادر إلى الذهن أنّ الأرش يثبت في حلق الرأس أيضاً إذا لم يكن مقروناً بالجناية على بشرته كصب الماء الحارّ و نحوه كما كان ذلك مورد النصّ، و أما حلق اللحية فقد ذكرنا أنّ الرواية ضعيفة لكونها مرفوعة و مع الغمض عن ذلك فلا يبعد أن يكون المراد الحلق مع إذهاب جلد البشرة بقرينة ما ورد فيه من فرض أنّه لم ينبت بعد الحلق.

______________________________

(1) التهذيب 10: 295، الحديث 26، و الكافي 7: 330، الحديث الأوّل، و فيه: هو صحيح.

(2) حكاه السيد الخوئي في مباني تكملة المنهاج 2: 271.

(3) الغنية: 417، الإصباح: 504.

(4) وسائل الشيعة 29: 287، الباب الأوّل من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 12.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 132

و في الأهداب تردّد (1) قال في المبسوط و الخلاف: الدية إن لم ينبت و فيها مع الأجفان ديتان. و الأقرب السقوط حالة الانضمام و الأرش حالة الانفراد.

و ما عدا ذلك من الشعر لا تقدير فيه، استناداً إلى البراءة الأصليّة. (2)

الأهداب

______________________________

(1) الأهداب جمع الهدب بالضم و الدال المهملة أو المعجمة هو الشعر النابت على الأجفان و إذا أزال الشعر عن الأجفان الأربعة فهل يكون عليه الدية أم يثبت الأرش؟ الظاهر هو الثاني لعدم ورود الدية فيه في شي ء من الروايات.

و الاستدلال على ذلك بما ورد في صحيحة عبد اللّه بن سنان و غيرها: «كلّ ما في الجسد اثنان ففيه الدية و في واحد نصف الدية «1»» لا تعمّ الأجفان فضلًا عن الشعر النابت فيها فإنّها

في الجسد أربع.

و ما حكاه الماتن قدس سره عن الشيخ قدس سره في الخلاف و المبسوط «2» لم يعلم له وجه غير ما ذكرنا من دعوى العموم المشار إليه.

و أيضاً ما ذكر فيهما أنّه إذا ذهب الأهداب مع الأجفان كما إذا قطع الأجفان يكون عليه ديتان دية الأهداب ودية الأجفان.

لا يمكن المساعدة عليه حيث إنّ مع إزالة الأجفان يكون ذهاب الأهداب تبعياً، يثبت في قطع الأجفان و شترها، و بما أنّ الدية المذكورة في الأجفان أيضاً غير ثابت على ما يأتي؛ لأنّ العموم في صحيحة عبد اللّه بن سنان و كذا في صحيحة هشام لا تعمّ ما في الجسد أربعة بل يثبت في شترها و قطعها ما يأتي في ديتها.

(2) إنّما تكون البراءة الأصليّة بالإضافة إلى تقدير الدية، و أمّا إذا أُزيل منفرداً و عدّ ذلك عيباً يثبت الأرش و الحكومة، بل مطلقاً إذا وقع ذلك قهراً عليه ما تقدّم.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 283 و 287، الباب الأوّل من أبواب موجبات الضمان، الحديث 1 و 12.

(2) المبسوط 7: 130، الخلاف 5: 197، المسألة 67، و الصفحة 236، المسألة 25.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 133

[الثاني العينان]

الثاني: العينان و فيهما الدية، و في كلّ واحدة نصف الدية. و يستوي الصحيحة و العمشاء و الحولاء و الجاحظة. (1)

______________________________

نعم، إذا كانت الإزالة تبعاً لإزالة العضو أو جلد البشرة كما إذا كشط الجلد لم يكن فيه إلّا دية قطع العضو أو أرش إزالة الجلد.

دية العينين

(1) لا خلاف في أنّ الثابت في العينين معاً الدية الكاملة و في واحدة منها نصف الدية.

و يدلّ عليه صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «ما كان

في الجسد منه اثنان ففيه نصف الدية مثل اليدين و العينين» «1».

و صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يكسر ظهره، قال: «فيه الدية كاملة و في العينين الدية، و في أحدهما نصف الدية» «2».

و صحيحة هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «كلّ ما كان في الإنسان اثنان ففيهما الدية، و في أحدهما نصف الدية، و ما كان فيه واحد ففيه الدية» «3» و هي على رواية الشيخ «4» مضمرة و على رواية الفقيه «5» مسندة إلى أبي عبد اللّه عليه السلام.

و مقتضى الإطلاق في صحيحتي عبد اللّه بن سنان و الحلبي عدم الفرق بين العين الصحيحة و العمشاء،- و المراد بها العين الضعيفة البصر الذي لا يرى صاحبها الأشياء صافياً بحيث لضعفها يسيل دمعها كثيراً- و بين العين الحولاء و العين

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 283، الباب الأوّل من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 29: 284، الباب الأوّل من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة 29: 287، الباب الأوّل من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 12.

(4) التهذيب 10: 258، الحديث 53.

(5) من لا يحضره الفقيه 4: 133، الحديث 5288.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 134

و في الأجفان الدية (1). و في تقدير كلّ جفن خلاف. قال في المبسوط: في كلّ-

______________________________

الجاحظة و الجهراء التي لا تبصر في الشمس و غير ذلك.

دية الأجفان

(1) ثمّ إنّ الماتن قدس سره تعرض لدية الأجفان و التزم في جميعها الدية الكاملة و قال في تقدير الدية في كلّ جفن خلاف، قال الشيخ في المبسوط في كلّ جفن ربع الدية «1» و قال في الخلاف في الجفن الأعلى ثلثا الدية و

في الأسفل الثلث «2». و في موضع آخر منه في الأعلى ثلث الدية و في الأسفل النصف.

و على ذلك فلو شتر الجفن الأعلى و الأسفل من عين واحدة تكون ديتهما ناقصة عن دية العين الواحدة بسدس و لا يكون في شتر الأجفان و قطعها الدية الكاملة بل الثابت الناقص من الدية الكاملة بسدسين.

و المشهور بين الأصحاب أنّ في شترها جميعاً أو قطعها كذلك، تمام الدية استناداً إلى ما تقدم في أنّ كلّ ما في الجسد منه اثنان ففيه نصف الدية و في الاثنين تمام الدية.

و لكن شموله للأجفان محلّ تأمّل؛ لأنّ الأجفان أربع لا اثنان.

و الأظهر أنّه في شتر الجفن الأعلى ثلث الدية و في السفلى نصف دية العين كما يشهد بذلك ما ورد في كتاب الفرائض الذي تقدّم أنّ الكليني و الشيخ روياه بسند صحيح عن الرضا عليه السلام حيث ورد فيه: «إن أُصيب شفر العين الأعلى فشتر فديته ثلث دية العين مائة دينار و ستة و ستّون ديناراً و ثلثا دينار، و إن أُصيب شفر العين الأسفل فشتر فديته نصف دية العين مائتا دينار و خمسون ديناراً» الحديث «3». و أمّا ما ذكر

______________________________

(1) المبسوط 7: 130.

(2) الخلاف 5: 236، المسألة 24.

(3) وسائل الشيعة 29: 289، الباب 2 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 3.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 135

واحد ربع الدية. و في الخلاف: في الأعلى ثلثا الدية، و في الأسفل الثلث.

و في موضع آخر: في الأعلى ثلث الدية، و في الأسفل النصف. و ينقص على هذا التقدير سدس الدية و القول بهذا كثير. و في الجناية على بعضها بحساب ديتها (1).

و لو قلعت مع العينين، لم يتداخل ديتاهما. (2)

______________________________

الشيخ

قدس سره في الخلاف من تقدير الدية في الجفن الأعلى بثلثي الدية و في الأسفل بالثلث «1».

فلا وجه له أصلًا حيث لم يرد في رواية، و دعوى الإجماع موهومة.

و المتحصّل بناءً على ما في كتاب الفرائض تكون دية الجفن الأعلى و الأسفل ناقصاً عن دية العين الواحدة بسدس؛ لأنّ الثلث الذي دية الأعلى يساوي سدسين و السدسان يضاف إليهما النصف يعني ثلاثة أسداس فيصير المجموع خمسة أسداس.

فينقص من دية العين الواحدة بسدس، و الصحيحة و إن ورد فيها (شتر) إلّا أنّه لو لم يعمّ قطع الجفن يثبت الحكم فيه بالأولوية.

(1) هذا ورد في كتاب الفرائض في ذهاب شعر الحاجبين و كأنّه لا خصوصيّة لهما فيجري الحكم في الأجفان أيضاً، و يحتمل رجوع الضمير فيه إلى ما تقدّم فيعمّ الأجفان أيضاً.

(2) و ذلك فإنّ الواقع جنايتان و في كلّ واحد منهما دية و لم يقم دليل على التداخل، و الأصل أي مقتضى الإطلاق في خطاب كلّ منهما الثبوت في كلا فرضي الانضمام و الانفراد، و هذا بخلاف الأهداب حيث تذهب بذهاب الجفن فإنّ الأهداب تابعة للأجفان.

______________________________

(1) الخلاف 5: 236، المسألة 24.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 136

و في العين الصحيحة من الأعور الدية كاملة، إذا كان العور خلقة أو بآفة من اللّٰه تعالى (1). و لو استحق ديتها، كان في الصحيحة نصف الدية خمسمائة دينار.

أمّا العوراء ففي خسفها روايتان (2)، إحداهما ربع الدية. و هي متروكة، و الأُخرى ثلث الدية و هي مشهورة، سواء كانت خلقة أو بجناية جان، و وَهِمَ هنا واهم فتوقَّ زلله.

العين الصحيحة من الأعور

______________________________

(1) هذا التقييد وقع في كلام المشهور حيث قيّدوا ثبوت الدية الكاملة في عين الأعور الصحيحة بما

إذا كان أعوريته بحسب الخلقة الأصليّة أو بآفة من اللّٰه.

و أمّا إذا كان بجناية الآخر الموجب لاستحقاقه أخذ الدية فدية عينه الصحيحة خمسمائة دينار و كأنّه لا فرق بين أخذه الدية أم لا.

و لكن ما ورد في أنّ دية العين الصحيحة من الأعور، الدية الكاملة لم يرد فيه التقييد و ليس في البين ما يوجبه ففي صحيحة محمّد بن قيس قال: قال أبو جعفر عليه السلام:

«قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل أعور أُصيبت عينه الصحيحة ففقئت أن تفقأ إحدى عيني صاحبه و يعقل له نصف الدية و إن شاء أخذ دية كاملة و يعفى عن عين صاحبه» «1».

و في صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «في عين الأعور الدية كاملة» «2» و المراد عينه الصحيحة بقرينة ما تقدّم و ما يأتي في خسف عينه العوراء.

العين العوراء

(2) المنسوب إلى المشهور أنّ في خسف العين العوراء أو قلعها ثلث الدية و إن

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 180، الباب 17 من أبواب قصاص الطرف، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 29: 330، الباب 27 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 137

..........

______________________________

كان المحكي «1» عن الشيخ في النهاية الفرق بين الخسف و القلع فقال فإن قلع العين العوراء التي أُخذت ديتها أو استحقّها و لم يأخذها فنصف الدية و إن خسف بها و لم يقلعها ثلث ديتها «2».

و لكنّ الظاهر عدم الفرق بينهما لما ورد في صحيحة بريد بن معاوية، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «في لسان الأخرس و عين الأعمى و ذكر الخصي و أُنثييه ثلث الدية» «3» و مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين القلع و الخسف كما

أنّ مقتضاها عدم الفرق بين كون العور من اللّٰه سبحانه أو بالجناية أُخذت ديتها أم لا.

و عن ابن إدريس و إن كان العور من اللّٰه تعالى فلا خلاف بين أصحابنا أنّ فيها ديتها كاملة خمسمائة دينار «4»، فلم يفرق بين الصحيحة و العوراء و لعل الماتن قدس سره يشير إلى ذلك بقوله و وهم هنا واهم إلخ.

و كيف كان في مقابل صحيحة بريد، روايتان:

إحداهما رواية عبد اللّه بن أبي جعفر، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: في العين العوراء تكون قائمة فتخسف؟ فقال: «قضى فيها علي بن أبي طالب عليه السلام نصف الدية في العين الصحيحة» «5».

و رواية عبد اللّه بن سليمان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل فقأ عين رجل ذاهبة و هي قائمة، قال: «عليه ربع دية العين» «6» و لكن في سندهما أبو جميلة و هو

______________________________

(1) حكاه ابن ادريس في السرائر 3: 381.

(2) لاحظ عبارة الشيخ في النهاية: 765.

(3) وسائل الشيعة 29: 336، الباب 31 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

(4) السرائر 3: 382.

(5) وسائل الشيعة 29: 333، الباب 29 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

(6) وسائل الشيعة 29: 334، الباب 29 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 138

..........

______________________________

المفضّل بن صالح ضعيف، و عبد اللّٰه بن سليمان مجهول، و كذا في عبد اللّه بن أبي جعفر.

و قد ورد في صحيحة أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سأله بعض آل زرارة عن رجل قطع لسان أخرس؟ فقال: «إن كان ولدته أُمّه و هو أخرس فعليه ثلث الدية، و إن كان لسانه ذهب به وجع أو آفة بعد ما كان يتكلّم فإنّ

على الذي قطع لسانه ثلث دية لسانه، قال: و كذلك القضاء في العينين و الجوارح، قال: و هكذا وجدناه في كتاب عليّ عليه السلام» «1» فلا بدّ من حمل العينين على الاستغراق بمعنى أنّ في كلّ من العين العوراء أو الأعمى ثلث ديتها.

ثمّ إنّه قد تقدّم أنّ الأعور إذا جنى على البصير فإن كان جنايته عمديّاً يقتصّ منه كما يدلّ على ذلك صحيحة محمّد بن قيس، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: أعور فقأ عين صحيح؟ قال: تفقأ عينه، قال: قلت: يبقى أعمى؟ قال: الحقّ أعماه «2». و نحوها غيرها.

و هذا بخلاف الأعمى فإنّه قد تقدّم أنّه لا يقتصّ من الأعمى، بل تتعلّق به الدية في ماله كما يدلّ عليه موثّقة أبي عبيدة، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن أعمى فقأ عين صحيح؟ فقال: «إنّ عمد الأعمى مثل الخطاء هذا فيه الدية في ماله فإن لم يكن له مال فالدية على الإمام» «3» بل لا يحتاج هذا المورد إلى النصّ و الرواية لعدم إمكان القصاص.

و يدل عليه أيضاً صحيحة محمّد الحلبي «4».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 336، الباب 31 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 29: 178، الباب 15 من أبواب قصاص الطرف، الحديث الأوّل.

(3) وسائل الشيعة 29: 89، الباب 35 من أبواب القصاص في النفس، الحديث الأوّل.

(4) وسائل الشيعة 29: 399، الباب 10 من أبواب العاقلة، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 139

[الثالث الأنف]

الثالث: الأنف و فيه الدية كاملة إذا استُؤصل (1). و كذا لو قطع مارنه و هو ما لانَ منه.

بقي في المقام أمر:

______________________________

و هو أنّه إذا كان عين شخص قائمة فقلعها أو خسفها جان و قال المجني

عليه إنّها كانت صحيحة تبصر و ادّعى الجاني أنّها كانت قائمة لا تبصر، فالمشهور على أنّه تثبت دية العين العوراء أي ثلث دية العين، و يحلف على نفي ما يقول المجني عليه و ذلك لأصالة براءة ذمّة الجاني عن الزائد الذي يدّعيه المجني عليه فيكون منكراً فيحلف.

و لكن يختصّ ذلك بما إذا لم تكن عينه قبل ذلك صحيحة، و إلّا كان مقتضى الاستصحاب كونها صحيحة و أنّ في قلعها أو خسفها خمسمائة دينار.

بل يأتي عند تعرّض الماتن قدس سره أنّ قول المجني عليه مطابق لأصالة الصحّة الجارية في الإنسان كما يجري في غيره فإن لم يكن للجاني طريق إلى إثبات كونها عوراء، يحكم بثبوت دية العين الصحيحة، و يأتي عند تعرّض الماتن لذلك أنّ الشارع حكم بثبوت خمسمائة دينار في العين، و قد خرج عن ذلك العين العوراء فيمكن إحراز عدم كونها عوراء بالاستصحاب في العدم الأزلي، و لا يعارض بالاستصحاب في عدم كونها صحيحة حيث ذكرنا أنّ الصحّة لم تؤخذ في موضوع الدية و إثبات كونها عوراء بذلك الاستصحاب من الأصل المثبت.

دية الأنف

(1) قد ذكر الماتن عليه السلام أنّ الأنف إذا استؤصل أي قطع كلّه أو قطع مارنه و هو ما لان منه أو كسر ففسد ففي كلّ من الفروض الثلاثة تمام الدية لما تقدّم من صحيحة هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «كلّ ما في الإنسان اثنان ففيهما الدية و في أحدهما نصف الدية و ما كان فيه واحد ففيه الدية» «1».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 287، الباب الأوّل، من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 12.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 140

..........

______________________________

و في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه

السلام: «و في الأنف إذا قطع المارن الدية» «1».

و صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في الأنف إذا استؤصل جدعه الدية» الحديث «2».

و في معتبرة زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «و في الأنف إذا قطع المارن الدية» «3».

و موثّقة سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «و في الأنف إذا قطع الدية كاملة» «4».

و في موثّقته التي رواها الشيخ قال: سألت- إلى أن قال- و في الأنف إذا قطع المارن الدية كاملة «5».

و المحكي «6» عن الشيخ عليه السلام في المبسوط أنّ في قطع المارن تمام الدية، و هو أي المارن دون قصبة الأنف فيكون المنخرين و الحاجز بينهما إلى القصبة و إذا قطع المارن مع القصبة كان في المارن الدية أي كاملة ففي القصبة الحكومة.

و حكى ذلك عن الوسيلة و العلّامة في التحرير و الشهيد في الروضة «7» و اختاره في الرياض «8».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 284، الباب الأوّل، من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 29: 285، الباب الأوّل، من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 5.

(3) وسائل الشيعة 29: 285، الباب الأوّل، من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 6.

(4) وسائل الشيعة 29: 286، الباب الأوّل، من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 7.

(5) التهذيب 10: 246، الحديث 8.

(6) حكاه العلّامة في المختلف 9: 453، و انظر المبسوط 7: 95- 96.

(7) حكاه عنهم النجفي في جواهر الكلام 43: 191. و انظر الوسيلة: 447، و التحرير 2: 269، (الطبعة الحجرية)، و الروضة البهية 10: 207.

(8) رياض المسائل 2: 544، (الطبعة الحجرية).

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 141

و كذا لو كسر ففسد. (1)

______________________________

و مستندهم أنّه إذا كانت الدية كاملة في

المارن فالزائد عنه أي قطع القصبة كلّاً أو بعضاً جناية لا تخلو عن عوض و إذا لم تعيّن الدية يكون فيه الأرش و الحكومة.

و لكن لا يخفى أنّه إذا كان قطع القصبة بجناية أُخرى لا يبعد ما ذكروه.

و أمّا إذا كان بجناية واحدة فلا يمكن المساعدة عليه لما تقدّم من أنّ قطع الأنف يوجب الدية سواء استؤصل كلّه أو قطع المارن منه كما يظهر ذلك ممّا تقدّم من الروايات خصوصاً صحيحة عبد اللّه بن سنان، و موثقة سماعة حيث حدّد في قطع الأنف الدية، بالدية الكاملة اللازمة لها نفي الزائد.

و على الجملة، نفي الزائد في المقام مستفاد من الروايات.

و لو لم يكن في البين إلّا خصوص الروايات الواردة في قطع المارن تعيّن القول أيضاً بما ذكر لما دلّ على أنّ كلّ عضو في البدن واحد ففيه الدية الكاملة.

نعم، لو كان قطع القصبة أو شي ء منها بجناية أُخرى تعيّن فيه الحكومة كما ذكرنا و لو لم يكن روايات قطع المارن كان المتعيّن في قطعه الحكومة اللهم إلّا أن يقال إنّ قطع الأنف الوارد في الروايات كقطع الذكر يعمّ قطع الكلّ أو البعض.

كسر الأنف

(1) وجوب الدية كاملة فيما إذا انكسر الأنف و فسد ممّا التزم به الشيخان و الحلبي و ابن حمزة و العلّامة و ولده و الشهيدان.

و غيرهم بل عن الرياض لم يعلم فيه خلاف و يقال إنّ فساده كالإبانة، و قد ذكر في الروض أنّ المراد من فساده سقوطه لا صيرورته أشل الذي يأتي حكمه «1».

______________________________

(1) حكاه عنه النجفي في جواهر الكلام 43: 191. الرياض 2: 544، (الطبعة القديمة).

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 142

و لو جبر على غير عيب فمائة دينار. (1)

______________________________

و

في الجواهر «1» ظاهر كلمات الأصحاب أنّ المراد من الفساد أعم من السقوط و استدل قدس سره بما ورد في صحيحة هشام بن سالم: كلّ ما في البدن واحد ففيه الدية «2».

فإنّه بإطلاقه يعمّ الإفساد الذي يعدّ من ذهاب العضو.

أقول: لو كان الكسر الموجب للإفساد بحيث أوجب ذهاب الأنف أو المارن منه ففيه الدية كاملة لما تقدم، و إلّا فالحكم بأنّ فيه تمام الدية مشكل و لا بد فيه من الرجوع إلى الحكومة.

و الاستدلال بالدية كاملة مع عدم ذهاب الأنف أو المارن بما ورد في صحيحة هشام بن سالم لا يمكن المساعدة عليه فإنّ ظاهرها ذهاب ما في البدن لا بقاؤه فيه معيوباً كالعضو المشلول.

لو جبر الأنف على غير عيب

(1) قد ذكر في الجواهر بعد نقل ذلك عن جماعة و عن الغنية الإجماع و أنّه الحجة بعد تبيّنه: يفهم ذلك ممّا ورد في خبر ظريف من ثبوت المائة في كسر الظهر إذا جبر على غير عيب من أنّ ذلك كذلك في كلّ ما كان في كسره الدية «3»، أي الدية الكاملة و أنّه إذا جبر من غير عيب تكون الدية مائة دينار و يدخل فيه ما نحن فيه.

أقول: لا يخفى ما فيه فإنّ ما ورد في معتبرة ظريف أنّ في كسر الظهر إذا جبر من غير عيب مائة دينار «4»، و ليس فيه أي دلالة على أنّه حكم كلّي في كلّ ما كان في كسره الدية كامله، و على تقدير الإغماض لم تثبت الدية الكاملة في كسر الأنف

______________________________

(1) جواهر الكلام 43: 191-/ 192.

(2) وسائل الشيعة 29: 287، الباب الأوّل، من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 12.

(3) جواهر الكلام 43: 192، و انظر الغنية: 417.

(4) وسائل

الشيعة 29: 304-/ 305، الباب 13 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 143

و في شلله ثلثا ديته. (1)

______________________________

على ما تقدّم فالمتحصّل المرجع مع البرء و عدمه الحكومة.

شلل الأنف

(1) هذا الحكم لا يختصّ بشلل الأنف بل ذكر أصحابنا أنّ في شلل كلّ عضو فيه الدية أي عين له دية ففي شلله ثلثا تلك الدية، و بما أنّ الدية في الأنف مقدّر و هو الدية الكاملة إذا استؤصل جدعاً أو قطع مارنه، يكون في الجناية الموجبة لشلله ثلثا الدية الكاملة.

و يستدلّ على القاعدة الكلّية بصحيحة الفضيل بن يسار على رواية الكليني قدس سره قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الذراع إذا ضرب فانكسر منه الزند، قال: فقال: إذا يبست منه الكفّ فشلّت أصابع الكفّ كلّها فإنّ فيها ثلثي الدية دية اليد، قال: و إن شلّت بعض الأصابع و بقي بعض فإنّ في كلّ إصبع شلّت ثلثي ديتها، قال: و كذلك الحكم في الساق و القدم إذا شلّت أصابع القدم «1».

و وجه الاستدلال أنّ قوله عليه السلام: «و كذلك الحكم في الساق و البدن» ظاهر عدم خصوصية لليد و أنّ الحكم المذكور جارٍ في كلّ عضو يكون مشلولًا بالجناية.

و يمكن أن يستفاد ذلك ممّا ورد في قطع ذكر الخصي أو أُنثييه من أن في قطع كلّ منهما ثلث الدية و كذلك ما ورد في قطع لسان الأخرس «2»، بل ما ورد في قطع اليد الشلّاء من أنّ فيها ثلث دية اليد «3».

و في رواية الحكم بن عتيبة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن أصابع اليدين

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 347، الباب 39 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 5.

(2)

وسائل الشيعة 29: 336، الباب 31 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

(3) وسائل الشيعة 29: 287، الباب الأوّل من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 13.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 144

..........

______________________________

و الرجلين إلى أن قال: و كلّما كان من شلل فهو على الثلث من دية الصحاح «1».

و وجه الاستفادة هو أنّ الشلل يوجب ذهاب ثلثي الدية فيكون على الجاني الموجب جنايته الشلل ثلثا الدية.

و لكن في مقابل ذلك بعض الروايات الدالّة على أنّ في الجناية الموجبة لشلل العضو تمام دية العضو كصحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «في الإصبع عشر الدية إذا قطعت من أصلها أو شلّت» «2» و موثّقة زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «في الإصبع عشر من الإبل إذا قطعت من أصلها أو شلت» «3» و في صحيحة يونس بن عبد الرحمن الذي عرض على الرضا عليه السلام كتاب الديات: و الشلل في اليدين كلتاهما ألف دينار و شلل الرجلين ألف دينار «4»، و لكن لا بدّ في المعارضة مع صحيحة الفضيل بن يسار و غيرها حملها على التقيّة؛ لأنّ تساوي الشلل و قطع العضو محكيّ عن بعض العامّة.

لا يقال: كيف تحمل ما في كتاب ظريف على التقيّة مع أنّ المحكي عن الرضا عليه السلام بسند صحيح أنّه عليه السلام قال: إنّه حق «5».

فإنّه يقال: إنّ ما ورد في الصحيح عن الرضا عليه السلام كون الكتاب المسئول عنه حقاً صدر ما فيه عن أمير المؤمنين عليه السلام و أمّا إنّه لم يكن فيه حكم صدر عن أمير المؤمنين عليه السلام لرعاية التقيّة كما صدر ذلك عن سائر الأئمة عليهم السلام فلا دلالة فيه

______________________________

(1) وسائل الشيعة

29: 345، الباب 39 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 29: 346، الباب 39 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 29: 348، الباب 39 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 8.

(4) وسائل الشيعة 29: 283، الباب الأوّل من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.

(5) وسائل الشيعة 29: 290، الباب 2 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 5.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 145

و في الروثة و هي الحاجز بين المنخرين نصف الدية (1). و قال ابن بابويه:

هي مجمع المارن. و قال أهل اللغة هي طرف المارن.

______________________________

على ذلك؛ و لذا لم يجر دأب العلماء على تقديم ما فيه على سائر الروايات إذا كانت على تعارض لما فيه، بل يعمل بما في هذا الكتاب مع عدم المعارضة أو عدم كون المعارض معتبرة في نفسها.

و ربّما يقال بعد تعارض الروايتين يكون المرجع الأصل العملي و مقتضاه الاكتفاء بالثلثين لجريان أصالة البراءة عن ضمان الزائد.

و فيه كون الثلثين متيقناً مبني على اعتبار ما دلّ على أنّ الدية في شلل كلّ عضو ثلثا ديته و إذا سقط بالمعارضة فلا يمكن الالتزام بأنّ الثلثين متيقّن.

و دعوى أنّ المعارضة بينهما في لزوم الزائد على الثلثين و عدم لزومه لا في أصل لزوم الثلثين.

لا يمكن المساعدة عليها فإنّه مبني على اعتبار الدلالة الالتزامية بعد سقوط المتعارضين عن الاعتبار في دلالتهما المطابقيّة أو اعتبارهما في الدلالة التضمنيّة المرتبطة بالدلالة المطابقيّة بعد سقوطهما عن الاعتبار فيها.

دية الروثة

(1) المحكي عن جملة من الأصحاب أنّ في استئصال الروثة من الأنف نصف الدية كما عن الشيخين و ابن حمزة و العلامة و قد نسب هذا القول في كشف اللثام إلى الأكثر و الشهيد الثاني في

المسالك إلى المشهور «1».

و يستدلّ على ذلك بما في كتاب ظريف عن أمير المؤمنين عليه السلام في الأنف، قال:

______________________________

(1) حكاه النجفي في جواهر الكلام 43: 195، و انظر المقنعة: 776، و النهاية: 776، الوسيلة: 447، إرشاد الأذهان 2: 237، كشف اللثام 2: 499 (الطبعة القديمة)، المسالك 15: 409.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 146

و في أحد المنخرين نصف الدية؛ لأنّه إذهاب نصف المنفعة، و هو اختياره في المبسوط. (1)

______________________________

«فإن قطع روثة الأنف- و هي طرفه- فديته خمسمائة دينار و إن أنفذت فيه نافذة لا تنسد بسهم أو رمح فديته ثلاثمائة دينار و ثلاثة و ثلاثون ديناراً و ثلث دينار، و إن كانت نافذة فبرأت و التأمت فديتها خمس دية (روثة) الأنف مائتا دينار فما أُصيب منه فعلى حساب ذلك، و إن كانت نافذة في إحدى المنخرين إلى الخيشوم- و هو الحاجز بين المنخرين فديتها عشر دية روثة الأنف خمسون ديناراً؛ لأنّه النصف، و إن كانت نافذة في إحدى المنخرين أو الخيشوم إلى المنخر الآخر فديتها ستة و ستون ديناراً و ثلثا دينار» «1».

و قد وقع الخلاف في بيان المراد من الروثة فقد فسّرها الماتن قدس سره بأنّها الحاجز بين المنخرين و لكن في الصحيحة المتقدّمة قوله عليه صلوات اللّٰه و سلامه: و إن كانت نافذة في إحدى المنخرين إلى الخيشوم، و أن الحاجز بينهما هو الخيشوم و يؤيد ذلك أنّ ما في رواية الكليني قدس سره من تفسير روثة الأنف بطرفه «2» هو المراد من الروثة و هو الطرف الذي يقطر منه دم الرعاف، و لعلّ هذا هو المراد من قول جماعة «3»، أنّهما مجمع المارن.

و ظاهر الشهيد قدس سره أنّ في الروثة

بالمعنى المذكور ثلث الدية لا نصفها لأنّ الأنف له ثلاثة أجزاء فيقسم الدية عليها «4».

دية أحد المنخرين

(1) إذا قطع من الأنف أحد المنخرين يثبت نصف الدية عند الشيخ قدس سره على ما

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 293، الباب 4 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

(2) الكافي 7: 330-/ 331، الحديث 2.

(3) منهم ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه 4: 81، و فخر المحققين في إيضاح الفوائد 4: 688.

(4) مسالك الأفهام 15: 409.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 147

و في رواية غياث عن أبي جعفر عليه السلام، عن أبيه عليه السلام، عن علي عليه السلام: ثلث الدية.

و كذا في رواية عبد الرحمن العرزمي، عن أبي جعفر عن أبيه عليهما السلام، و في الرواية ضعف، غير أن العمل بمضمونها أشبه.

______________________________

في مبسوطه و قد علّل ذلك بأنّ مع قطعه يذهب نصف المنفعة و نصف الجمال فيكون فيه نصف الدية «1» لا محالة.

و يضاف إلى ذلك ما ورد في صحيحة عبد اللّه بن سنان و صحيحة هشام بن سالم كلّ ما في الإنسان اثنان ففيهما الدية و في أحدهما نصفها «2» كما في الأُولى من الصحيحتين.

و فيه أنّ الأنف يعدّ في الإنسان و غيره عضواً واحداً لا أنّه عضوان.

و أمّا التعليل المذكور فهو كما ترى فإنّ قطع أحد المنخرين مع قطعهما معاً سيّان في ذهاب الجمال و ذهاب نصف المنفعة لا يعدّ ذهاب العضو.

و دعوى الإجماع عليه أو نسبته إلى مذهبنا «3» أيضاً كما ترى فإنّه قد يقال كما عن جماعة بل المحكي «4» عن ابن زهرة الإجماع على أنّ فيه ربع الدية «5»، و هذا أيضاً لا دليل عليه و لعلّهم حسبوا الأنف أربعة أجزاء.

و

قد ذكر الماتن أنّ في رواية غياث ديته ثلث الدية و قد روى في الوسائل عن الشيخ باسناده، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن العباس بن معروف، عن الحسن بن محمّد بن يحيى، عن غياث، عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليه السلام أنّه قضى

______________________________

(1) المبسوط 7: 131.

(2) وسائل الشيعة 29: 283 و 287، الباب الأوّل من أبواب ديات الاعضاء، الحديث 1 و 12.

(3) المبسوط 7: 131.

(4) حكاه ابن فهد في المهذب البارع 5: 318.

(5) غنية النزوع: 417.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 148

[الرابع الأذنان]

الرابع: الأُذنان و فيهما الدية. و في كلّ واحدة نصف الدية. (1)

______________________________

في شحمة الأُذن بثلث دية الأُذن و في الإصبع الزائدة ثلث دية الإصبع، و في كلّ جانب من الأنف ثلث دية الأنف «1».

و لا يخفى أنّ السند في نسخة التهذيب «2» أيضاً كذلك إلّا أنّ فيه اشتباهاً، و الصحيح العباس بن معروف، عن الحسن، عن محمّد بن يحيى، عن غياث؛ لتعدد روايات العباس بن معروف عن الحسن بن محبوب، و محمّد بن يحيى هو الخزار الذي يروي عن غياث روايات متعدّدة، و غياث بن إبراهيم لا بأس به.

و يستفاد ذلك من رواية عبد الرّحمن العرزمي عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام أيضاً أنّه جعل في السن السوداء ثلث ديتها و في العين القائمة إذا طمست ثلث ديتها و في شحمة الأُذن ثلث ديتها، و في الرجل العرجاء ثلث ديتها و في خشاش الأنف كلّ واحد ثلث الدية «3».

و لكن لضعف سندها تصلح للتأييد فقط و وجه ضعفها سنداً أنّه لم يثبت توثيق ليوسف بن الحارث و لا لمحمّد بن عبد الرحمن العرزمي.

نعم، أبوه عبد الرحمن بن

محمّد العرزمي ثقة، و في نسخة الرسائل التي عندي محمّد بن عبد الرحمن بن العرزمي، عن أبيه، عن عبد الرحمن و كلمة (عن) زائدة، بل الصحيح عن أبيه عبد الرحمن.

دية الأُذنين

(1) بلا خلاف يعرف و يشهد لذلك ما في صحيحة هشام بن سالم: كلّ ما في

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 351، الباب 43 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

(2) التهذيب 10: 261، الحديث 67.

(3) وسائل الشيعة 29: 351، الباب 43 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 149

و في بعضها بحساب ديتها (1)

______________________________

الإنسان اثنان ففيهما الدية و في أحدهما نصف الدية و ما كان فيه واحد ففيه الدية «1».

و صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يكسر ظهره، قال: «فيه الدية كاملة و في العينين الدية، و في إحداهما نصف الدية، و في الأُذنين الدية، و في إحداهما نصف الدية» «2» الحديث.

و صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الأنف إذا استؤصل جذعه الدية، و في العين إذا فقئت نصف الدية، و في الأُذن إذا قطعت نصف الدية.

الحديث «3» إلى غير ذلك و ما حكي «4» عن بعض المخالفين من أنّ في قطعها الحكومة؛ لأنّ وجودهما جمال و لا يوجب قطعها انتفاء النفع كما ترى.

(1) بلا خلاف يعرف و لعلّ المراد القطع من غير الشحمة و يستدلّ على ذلك بما في كتاب ظريف عن أمير المؤمنين عليه السلام في الأُذنين إذا قطعت إحداهما فديتها خمسمائة دينار، و ما قطع منها فبحساب ذلك «5».

و لكن في موثقة سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل الواحدة نصف الدية، و الأُذن نصف

الدية إذا قطعها من أصلها، و إذا قطع طرفها قيمة عدل. الحديث «6» و لا يبعد أن يكون المراد حساب القيمة بحسب ديتها فلا يختلف مع ما ورد في كتاب ظريف.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 287، الباب الأوّل من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 12.

(2) وسائل الشيعة 29: 284، الباب الأوّل من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة 29: 285، الباب الأوّل من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 5.

(4) حكاه النجفي عن مالك في جواهر الكلام 43: 201، و انظر المدونة الكبرى 6: 313، و المغني (لابن قدامة) 9: 593.

(5) وسائل الشيعة 29: 296، الباب 7 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

(6) وسائل الشيعة 29: 285، الباب الأوّل من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 7.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 150

و في شحمتها ثلث ديتها (1)، على رواية فيها ضعف، لكن يؤيّدها الشهرة. قال بعض الأصحاب: و في خرمها ثلث ديتها، و فسّره واحدٌ بخرم الشحمة، و بثلث دية الشحمة.

دية شحمة الأُذن

______________________________

(1) قالوا في شحمة الأُذن ثلث ديتها و ذكر الماتن قدس سره أنّ على ذلك رواية فيها ضعف و قد ورد ذلك في ذيل رواية غياث، عن جعفر، عن أبيه، عن علي رحمه الله أنّه قضى في شحمة الأُذن بثلث دية الأُذن، و في الإصبع الزائدة ثلث دية الإصبع و في كلّ جانب من الأنف ثلث دية الأنف «1». كما ورد ذلك في رواية عبد الرحمن العرزمي و تقدّم أنّ رواية غياث معتبرة و رواية عبد الرحمن صالحة للتأييد.

و مثلها في التاييد رواية مسمع، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّ علياً عليه السلام قضى في شحمة الأُذن ثلث دية الأُذن «2». و في المحكي

«3» عن الخلاف أنّ في شحمة الأُذن ثلث دية الأُذن و كذلك في خرمها بدليل إجماع الفرقة و أخبارها «4».

و مراد الماتن من قوله: و فسّره واحد بخرم الشحمة و إنّ في خرمها ثلث دية الشحمة هو ابن ادريس «5».

و عن الرياض أنه أجود لإجمال عبارات الأصحاب و الروايات «6» التي يستدلّ بها لحكم المقام كقوله صلوات اللّٰه و سلامه عليه في كتاب ظريف: و في قرحة لا تبرأ

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 351، الباب 43 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 29: 297، الباب 7 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.

(3) حكاه الحلي في الأشباه و النظائر: 151.

(4) الخلاف 5: 234، المسألة 19.

(5) السرائر 3: 382.

(6) رياض المسائل 2: 544-/ 545 (الطبعة القديمة).

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 151

..........

______________________________

ثلث دية ذلك العضو الذي هي فيه «1».

و يؤيد بما ورد في خبر مسمع، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قضى في خرم الأنف ثلث دية الأنف «2». بناءً على عدم الفرق بين خرم الأنف و الأُذن.

و يستدلّ على ذلك أيضاً برواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في كلّ فتق ثلث الدية» «3».

و لكن ما في كتاب ظريف مبني على رواية الشيخ «4».

و أمّا في رواية الكليني: و في قرحة لا تبرأ ثلث دية العظم الذي هو فيه «5».

و لكن المناسب ما في التهذيب حيث إنّ تصحيح معنى ما في الكافي يحتاج إلى تكلّف بعيد، و لو لم يظهر ذلك فاللازم الرجوع إلى الحكومة فإنّ رواية مسمع ضعيفة واردة في خرم الأنف، و مدلول رواية معاوية بن عمار مع ضعفها ثلث دية النفس

كما هو ظاهر إطلاق (الدية) المحلّى باللام و لا يمكن الالتزام بذلك في غير مثل فتق الأُنثيين الذي موردها.

و على الجملة كون الدية في خرم الأُذن ثلث دية الأُذن في صورة عدم برئه تأمّل و لا يبعد الحكومة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 301، الباب 11 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 29: 393، الباب 4 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 29: 337، الباب 32 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

(4) التهذيب 10: 295، الحديث 26.

(5) الكافي 7: 335، ذيل الحديث 10.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 152

[الخامس الشفتان]

الخامس: الشفتان و فيهما الدية إجماعاً. و في تقدير دية كلّ واحدةٍ خلافٌ.

قال في المبسوط: في العليا الثلث و في السفلى الثلثان، و هو خيرة المفيد رحمه الله.

و في الخلاف: في العليا أربعمائة و في السفلى ستمائة، و هي رواية أبي جميلة عن أبان عن أبي عبد اللّه عليه السلام. و ذكره ظريف في كتابه أيضاً (1)،

دية الشفتين

______________________________

(1) لا خلاف في أنّ الدية في قطعهما معاً تمام دية النفس.

و يدلّ عليه صحيحة هشام بن سالم و عبد اللّٰه بن سنان في أنّ كلّ ما في الجسد اثنان ففيهما الدية «1». و صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: في الرجل يكسر ظهره قال: فيه الدية- إلى أن قال- و في الشفتين الدية «2». و ما في كتاب ظريف الذي عرضه يونس على الرضا عليه السلام و كان فيه: في ذهاب السمع كلّه ألف دينار- إلى أن قال و الشفتين إذا استؤصلا ألف دينار «3». هذا فيما إذا قطعا معاً:

و أمّا إذا قطع أحدهما ففي الدية خلاف بين الأصحاب:

الأوّل: ما اختاره

المفيد عليه السلام، و الشيخ في المبسوط «4» و جماعة «5» أُخرى من أنّ الدية في العليا الثلث و في السفلى الثلثان.

الثاني: ما اختاره جمع «6» من أنّ الدية في العليا أربعمائة و في السفلى ستمائة.

الثالث: ما عن بعضٍ «7» من أنّ الدية في العليا النصف و في السفلى ثلثا الدية.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 283 و 287، الباب الأوّل من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1 و 12.

(2) وسائل الشيعة 29: 284، الباب الأوّل من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة 29: 283-/ 284، الباب الأوّل من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.

(4) المقنعة: 755، المبسوط 7: 132.

(5) منهم ابو الصلاح في الكافي في الفقه: 398، و سلّار في المراسم: 246.

(6) منهم الصدوق في المقنع: 511، و الشيخ في النهاية: 766، و العلامة في المختلف 9: 370.

(7) حكاه العلّامة عن ابن الجنيد في مختلف الشيعة 9: 369، و نقله المحقق عن ابن بابويه في المختصر النافع: 300.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 153

..........

______________________________

و الرابع: أنّهما سيّان في الدية و ظاهر المصنف و المحكي «1» عن النافع اختيار هذا القول.

و لا يعرف لما ذكره المفيد قدس سره إلّا أنّ السفلى لها نفع في الأكل و الشرب فيتعدّد نفعها بخلاف العليا فإنّها تنفع في الأكل فتقسط الدية على حسب المنافع.

و لكن لا يخفى أنّه على تقديره لا يقتضي خروج العضو عن اثنين و الدية على العضو.

و أمّا القول الثاني وارد في رواية أبان بن تغلب، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «في الشفة السفلى ستة آلاف درهم، و في العليا أربعة آلاف؛ لأنّ السفلى تمسك الماء» «2».

و في سند هذه الرواية أبو جميلة مفضّل بن

صالح و هو ضعيف جداً، و لا مجال لدعوى الإجماع أو انجبار ضعفها بعمل المشهور؛ لأنّ المسألة خلافية على ما ذكرنا.

و ما في رواية الماتن من أنّه ذكر ظريف في كتابه غير تام فإنّ المذكور في كتاب ظريف أنّ في العليا نصف الدية و في السفلى الثلثين، و هذا يطابق للقول الثالث، و لكن هذا التحديد أيضاً و إن ورد في كتاب ظريف إلّا أنّه لا يمكن الالتزام به؛ لأنّ موثقة سماعة تعارضها حيث ورد فيها: و الشفتان العليا و السفلى سواء في الدية «3»، حيث إنّ ظاهرها التسوية في مقدار الدية لا في أصل الدية كما حملها الشيخ على

______________________________

(1) حكاه السيد الخوئي في مباني تكملة المنهاج 2: 285، و حكاه المحقق عن ابن أبى عقيل و قوّاه في المختصر النافع: 300.

(2) وسائل الشيعة 29: 294، الباب 5 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 29: 286-/ 287، الباب الأوّل من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 10.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 154

و في أبي جميلة ضعف (1).

و قال ابن بابويه: و هو مأثور عن ظريف أيضاً، في العليا نصف الدية و في السفلى الثلثان، و هو نادر، و فيه مع ندوره زيادة لا معنى لها.

و قال ابن أبي عقيل: هما سواء في الدية، استناداً إلى قولهم عليهم السلام كلّ ما في الجسد منه اثنان ففيه نصف الدية و هذا حسن. و في قطع بعضها بنسبة مساحتها.

و حدّ الشفة السفلى عرضاً، ما تجافى عن اللثة مع طول الفم. و العليا ما تجافى عن اللثة متّصلًا بالمنخرين و الحاجز مع طول الفم. و ليس حاشية الشدقين منهما.

______________________________

التسوية في أصل الدية لا في مقدارها

«1»: فإنّه لو كان المراد ذلك لم يكن حاجة إلى ذكر السواء حتّى يوجب الاختلال في الظهور بل كان الوارد الشفتين فيهما الدية.

مع أنّ ما في كتاب ظريف بعيد من جهة أُخرى و هو أنّه إذا ثبت في قطع الشفتين، الدية فكيف يثبت فيما قطعهما في واقعتين أزيد من الدية بأن قطع في إحداهما العليا و في الأُخرى السفلى إلّا أن يراد بشرط عدم لحوق قطع الأُخرى أو ما إذا كان القطع من آخر، و قد تقدّم أنّ قول الرضا عليه السلام في عرضه عليه: «نعم، هو حق» «2» ناظر إلى كونه صواباً بحسب النقل عن علي عليه السلام لا أنّه ما نقل بحسب المضمون مطابق للحكم الواقعي بحيث لم يصدر منه شي ء برعاية التقيّة أو نحوها.

الأقوال في دية الشفة

(1) و الحاصل أنّ في المسألة- أي في تقدير دية الشفة العليا و الشفة السفلى- أربعة أقوال:

الأوّل: أنّ دية قطع العليا ثلث الدية ودية قطع السفلى الثلثان و هذا هو

______________________________

(1) التهذيب 10: 246، ذيل الحديث 8.

(2) وسائل الشيعة 29: 290، الباب 2 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 5.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 155

..........

______________________________

المنسوب إلى الشيخ في المبسوط «1» و محكي عنه الإجماع عليه.

و القول الثاني: ذكره في الخلاف «2» و هو أن في الشفة العليا خمسين من الدية و في السفلى ثلاثة أخماس فيكون دية العليا أربعمائة دينار و السفلى ستمائة دينار، و هذا التحديد ورد في رواية أبان بن تغلب «3» و في سندها أبو جميلة و هو ضعيف جدّاً.

و القول الثالث: ما قاله ابن بابويه «4» و هو أنّ دية العليا نصف الدية و السفلى ثلثي الدية فيلزم على هذا

القول أنّه لو قطعهما يكون ديتها الدية الكاملة و سدسها، و هذا القول كما ذكر الماتن مع ندوره زيادة لا معنى لها.

و القول الرابع: ما قال به أبو عقيل «5» من أنّهما سواء في الدية و يكون في قطع كلّ منهما نصف الدية، و يدلّ عليه ما في صحيحة هشام بن سالم: من أنّ كلّ ما في الجسد اثنان ففيهما الدية و في واحد منهما نصف الدية «6» و يدلّ عليه أيضاً ما تقدّم في موثقة سماعة من أنّ الشفتين العليا و السفلى سواء في الدية «7».

و ما تقدّم أنّ مقتضى المستند المعتمد في الأقوال هو الالتزام بالقول الرابع.

و ما ذكر الماتن قدس سره ما إذا قطع الشفة العليا أو السفلى بالاستئصال.

و أمّا إذا قطع بعض من إحداهما أو كلتاهما فتعيّن الدية بملاحظة النسبة كما في

______________________________

(1) المبسوط 7: 132.

(2) الخلاف 3: 238، المسألة 30.

(3) وسائل الشيعة 29: 294، الباب 5 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.

(4) حكاه المحقق عنه في المختصر النافع: 300.

(5) حكاه المحقق عنه في المختصر النافع: 300.

(6) وسائل الشيعة 29: 287، الباب الأوّل من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 12.

(7) وسائل الشيعة 29: 286، الباب الأوّل من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 10.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 156

و لو تقلَّصت (1)، قال الشيخ: فيه ديتها و الأقرب الحكومة و لو استرختا فثلثا الدية.

[السادس اللسان]

(السادس): اللسان و في استئصال الصحيح الدية (2). و في لسان الأخرس ثلث الدية. و فيما قطع من لسان الأخرس بحسابه مساحةً.

______________________________

غير الشفة ممّا تقدّم كالأُذن، و قد ورد ذلك في كتاب ظريف من قوله عليه السلام: و ما قطع منها فبحساب ذلك «1».

ثمّ فسّر الماتن قدس

سره الشفة العليا بما يتباعد عن اللثة عن الضحك و نحوه. و يتّصل بالمنخرين و الحاجز بينهما في طول الفم، كما فسّر الشفة بما تجافى أي تباعد عن اللثة مع طول الفم و ذكر أنّ حاشية الشدقين ليس من الشفتين و كأنّ الشدقين جانبا الفم متّصلين بالوجه.

و في الجناية على حاشية الشدقين الحكومة على ما تقدّم من أنّه مقتضى عدم تعيين الدية في أي مورد.

(1) ذكر قدس سره و لو تقلّصت الشفة أي جمعت بالجناية و صارت كاليابسة ففي قول الشيخ قدس سره «2» أنّ ديته دية استئصال الشفة لذهاب نفعها و صارت تالفة، و لكن الأرجح الرجوع إلى الحكومة، كما أنّه لو جنى عليه في شفته و صارت مسترخاة التي من الشلل ففيه ثلثا دية الشفة على ما تقدّم من أنّ الجناية على عضو الموجبة لشلله، فيه ثلثا دية العضو، و حيث إنّ التقلّص لم يرد فيه تعيين الدية يرجع إلى الحكومة.

دية اللسان

(2) لا خلاف بينهم في أنّ دية اللسان الصحيح، الدية الكاملة و يقتضيه ما دلّ

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 294، الباب 5 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

(2) المبسوط 7: 132.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 157

أمّا الصحيح فيعتبر بحروف المعجم، و هي ثمانية و عشرون حرفاً. و في رواية تسعة و عشرون حرفاً. و هي مطرحة. و تبسط الدية على الحروف بالسوية، و يؤخذ نصيب ما يعدم، منها. و يتساوى اللسنية و غيرها ثقيلها و خفيفها. و لو ذهبت أجمع.

وجبت الدية كاملة.

______________________________

على أنّ كلّ ما في جسد الإنسان واحد ففيه الدية «1».

و موثقة سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام حيث ورد فيها: و في اللسان إذا قطع الدية

كاملة «2». و ما في الصحيحة عن كتاب ظريف: و اللسان إذا استؤصل ألف دينار «3». كما أنه إذا قطع لسان الأخرس يكون فيه ثلث الدية كما يدلّ عليه صحيحة بريد بن معاوية، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «في لسان الأخرس و عين الأعمى و ذكر الخصي و أُنثييه ثلث الدية» «4».

نعم، في صحيحة أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سأله بعض آل زرارة عن رجل قطع لسان رجل أخرس؟ فقال: إن كان ولدته أُمّه و هو أخرس فعليه ثلث الدية و إن كان لسانه ذهب به وجع أو آفة بعد ما كان يتكلّم فإنّ على الذي قطع لسانه ثلث دية لسانه، قال: و كذلك القضاء في العينين و الجوارح، قال: و هكذا وجدناه في كتاب علي عليه السلام «5» و لكن لم يثبت صحّة نقل: «فعليه الدية» المروي عن الفقيه «6»، بل المروي أيضاً ثلث الدية، و التفرقة في الرواية بالتفصيل في التعرض لما كان خرسه أصلياً أو عارضياً لا تدلّ على صحّة نقل الاختلاف في الدية بين الصورتين، بل لعلّ

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 287، الباب الأوّل من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 12.

(2) وسائل الشيعة 29: 285-/ 286، الباب الأوّل من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 7.

(3) وسائل الشيعة 29: 284، الباب الأوّل من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 3.

(4) وسائل الشيعة 29: 336، الباب 31 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

(5) وسائل الشيعة 29: 336، الباب 31 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.

(6) نقله عنه في كشف اللثام 2: 498، و انظر من لا يحضره الفقيه 4: 148، الحديث 5328.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 158

..........

______________________________

التعرّض كذلك لبيان عدم

الفرق بين الصورتين و لا يكون للوهم في الاختلاف مورد.

هذا فيما إذا قطع الكلّ، و أمّا إذا قطع بعض لسان الأخرس فيكون ديته بحساب مساحة المقطوع من مساحة اللسان على ما تقدّم في نظائره.

هذا بالإضافة إلى ما قطع من لسان الأخرس.

و أمّا بالإضافة إلى قطع بعض لسان الصحيح ففيه أقوال:

الأوّل: و هو المنسوب إلى المشهور أن يكون حساب ديته بلحاظ ذهاب منفعته.

الثاني: و هو المنسوب إلى الأردبيلي قدس سره «1» أن يكون ذهاب مقدار المساحة.

الثالث: كما عن الشهيد الثاني «2» أكثر الأمرين من دية المساحة و ذهاب المنفعة.

الرابع: أن يكون مجموع الديتين كما احتمله الأردبيلي و قوّاه في الرياض «3».

و يستدلّ على القول الأوّل بموثقة سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له:

رجل ضرب لغلام ضربة فقطع بعض لسانه فأفصح ببعض و لم يفصح ببعض، فقال:

يقرأ المعجم فما أفصح به طرح من الدية و ما لم يفصح به أُلزم الدية، قال: قلت له:

كيف هو؟ قال: على حساب الجمل: ألف ديته واحد، و الباء ديتها اثنان، و الجيم ثلاثة. الحديث «4» و ظاهرها أنّ تعيين دية المقطوع بحساب ما ذهب من المجني عليه من التكلّم.

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان 14: 377.

(2) مسالك الأفهام 15: 417.

(3) رياض المسائل 2: 546 (الطبعة القديمة).

(4) وسائل الشيعة 29: 360، الباب 2 من أبواب ديات المنافع، الحديث 7.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 159

..........

______________________________

و قد يقال إنّ ما ورد في الروايات من تحديد الدية بمقدار ذهاب منفعة اللسان لم يرد فيها قطع شي ء من العضو أو قطعه، و المراد ممّا في هذه الموثقة من القطع إتلاف بعض التكلّم لا قطع بعض العضو.

و لكن لا يخفى أنّ ظاهر

هذا الموثّقة هو فصل بعض نفس العضو حيث فرّع ذهاب بعض التكلّم على قطع بعض لسانه، و تحديد دية ذهاب بعض العضو بذهاب بعض التكلّم مقتضاه أنّ في قطع بعض العضو دية واحدة يتعيّن بمقدار ذهاب التكلّم.

نعم، لو كان قطعه بحيث لم يضرّ بتكلّمه يتعيّن تقسيط الدية الكاملة على أجزاء العضو بحسب المساحة؛ لاقتضاء الحكومة ذلك على ما تقدّم في قطع بعض لسان الأخرس.

ثمّ إنّه لا تنحصر منفعة اللسان بالتكلّم فإنّه يكون واسطة في إيصال الطعام من داخل الفم إلى الحلق بعد المضغ و غير ذلك، إلّا أنّ المعيار في حساب دية قطعه لا بتمامه حساب ذهاب التكلّم بالحروف، و ظاهر الموثّقة عدم الفرق بين الحروف الخارجة من اللسان و الحلق و غيرها و بلا فرق بين ثقيلها و خفيفها و لو ذهبت بقطع البعض، جميعها تلزم الدية الكاملة.

و لو قطع ربع اللسان فذهب نصف التكلّم بالحروف تكون ديته، نصف الدية الكاملة و هكذا، و كيفية تقسيم الدية على الحروف و إن ورد في ذيل الموثّقة و لكنّها غير صحيحة قطعاً فإنّها لا تنطبق لا بالدنانير و لا بالدراهم حيث يزيد إذا قسّط بالدنانير و يقلّ إذا قسّط بالدراهم و احتملوا أنّ الحساب الوارد فيه من الراوي لا بالنقل عن الإمام.

بل ما ورد في معتبرة السكوني أنّ الدية سواء كانت بالدراهم أو بالدنانير تقسط

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 160

و لو صار سريع المنطق أو ازداد سرعةً، أو كان ثقيلًا فزاد ثقلًا فلا تقدير فيه (1)، و فيه الحكومة، و كذا لو نقص، فصار ينقل الحرف الفاسد إلى الصحيح.

______________________________

على ثمانية و عشرين حرفاً حيث روى عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال

أُتي أمير المؤمنين عليه السلام برجل ضرب فذهب بعض كلامه و بقي البعض فجعل ديته على حروف المعجم ثمّ قال: تكلّم بالمعجم فما نقص من كلامه فبحساب ذلك و المعجم ثمانية و عشرون حرفاً، فجعل ثمانية و عشرين جزءاً فما نقص من كلامه فبحساب ذلك «1».

و لكن في صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل ضرب رجلًا بعصا على رأسه فثقل لسانه، فقال: «يعرض عليه حروف المعجم فما أفصح منه به، و ما لم يفصح به كان عليه الدية و هي تسعة و عشرون حرفاً» «2» و لكن في رواية الصدوق باسناده عن البزنطي، عن عبد اللّه بن سنان، قال: ثمانية و عشرون «3» و رواها الشيخ باسناده عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى، عن عبد اللّه بن سنان و هي تسعة و عشرون حرفاً «4». و لو فرض التعارض و التساقط يكون المعيار على تسعة و عشرين؛ لأنّه الأقل و الزائد يدفع بأصالة البراءة.

ذهاب سرعة النطق أو ثقله

(1) حاصل ما ذكر قدس سره من أنّ تقدير الدية بحسب ذهاب الحروف فيما إذا كان القطع موجباً لذهابها جملة أو بعضاً، و أمّا إذا لم يكن القطع موجباً لذهابها، بل كان المجني عليه قبل ذلك سريع النطق فصار نطقه بعد الجناية أسرع، أو كان ثقيل النطق و بعدها كان نطقه أثقل فبما أنّه لا تقدير للدية في الفرض تصل النوبة إلى الحكومة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 360، الباب 2 من أبواب ديات المنافع، الحديث 6.

(2) وسائل الشيعة 29: 358، الباب 2 من أبواب ديات المنافع، الحديث 2.

(3) من لا يحضره الفقيه 4: 112، الحديث 5222.

(4) التهذيب 10: 263، الحديث

73.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 161

و لا اعتبار بقدر المقطوع من الصحيح (1)، بل الاعتبار بما يذهب من الحروف. فلو قطع نصفه فذهب ربع الحروف فربع الدية. و كذا لو قطع ربع لسانه فذهب نصف كلامه فنصف الدية.

و لو جنى آخر، اعتبر (2) بما بقي، و أُخذ بنسبة ما ذهب بعد جناية الأوّل. و لو أعدم واحدٌ كلامه، ثمّ قطعه آخر، كان على الأوّل الدية و على الثاني الثلث.

______________________________

أقول: إن أُريد هذا الحدوث في صورة قطع شي ء من اللسان فالظاهر أنّ المراد من الحكومة تقدير الدية على المساحة، و إن كان بغير القطع فالتقدير بما يراه الحاكم و ألحق الماتن قدس سره بمورد الحكومة ما إذا كان قبل الجناية يتلفّظ بحرف غلطاً، بأن كان يشبه الراء الملفوظ الغين مضطربة و بعد الجناية عليه يبدّل الراء إلى حرف آخر صحيح، فإنّه في هذا لم يكن له التلفّظ بالراء من الأوّل فلا يكون في تبديل الراء إلى حرف صحيح آخر دية؛ لأنّه لم ينقص عنه الراء بالجناية فلا بد من أن يكون الرجوع إلى الحكومة.

الاعتبار بما يذهب من الحروف لا القدر المقطوع

(1) قد تقدّم أنّه إذا قطع شيئاً من لسانه الصحيح و بقطعه ذهب عنه بعض الحروف يكون المعيار في تقدير الدية مقدار الحروف الذاهبة بالقطع لا مقدار القطع من مساحة اللسان، فلو قطع نصف اللسان فذهب عنه ربع الحروف يكون ديته ربع دية النفس، و إن قطع ربع لسانه فذهب نصف الحروف من كلامه فنصف الدية.

نعم إذا قطع من لسانه شي ء فذهب عنه بعض الحروف المتداولة في لغته لا من الحروف الثمانية عشر فالمرجع الحكومة كما تقدّم في تبديل الغلط من الحرف إلى

حرف صحيح آخر.

لو جنى عليه شخصان

(2) لو جنى عليه فذهب بجنايته بعض الحروف ثمّ جنى عليه شخص آخر

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 162

و لو قطع لسان الطفل، كان فيه الدية (1) لأنّ الأصل السلامة. أمّا لو بلغ حداً ينطق مثله و لم ينطق ففيه ثلث الدية لغلبة الظن بالآفة. و لو نطق بعد ذلك، تبينا الصحيحة، و اعتبر بعد ذلك بالحروف، و أُلزم الجاني ما نقص عن الجميع، فإن كان بقدر ما أُخذ و إلّا تمم له.

______________________________

فتقدير الدية في الجناية الثانية بمقدار ذهاب الحروف الباقية له بعد الجناية الأُولى بالإضافة إلى الدية الكاملة المنبسطة على تمام حروف ثمانية عشر، فإن ذهب بالجناية الثانية أربعة حروف يكون على الجاني ربع الدية الكاملة.

دية لسان الطفل

(1) و ذلك لإطلاق ما ورد في كتاب ظريف: و اللسان إذا استؤصل ألف دينار «1».

الخارج عن ذلك لسان الأخرس حيث إنّه ورد في صحيحة بريد بن معاوية، عن أبي جعفر قال: «في لسان الأخرس و عين الأعمى و ذكر الخصي و أُنثييه ثلث الدية» «2» و مقتضى أصالة الصحة التي تقدّم اعتبارها عند الشّك في الصحّة عدم كونه داخلًا في عنوان الأخرس.

نعم، إذا بلغ حدّاً ينطق مثله و لم ينطق مع الوثوق و العلم بعدم تمكّنه من النطق و لو فيما بعد يجري عليه حكم الأخرس، و لكن لو نطق و لو بعد مدّة تبيّن الصحّة و حينئذ يعيّن ديته بمقدار ذهاب الحروف التي لا يتمكّن من النطق بها.

و لكن لا يخفى أنّ هذا فيما كان القطع من غير استئصال.

و أمّا إذا كان بنحو الاستئصال يتعيّن تمام الدية من غير فرق بين الصغير و الكبير و التحديد في

تقدير الدية بحسب مقدار ذهاب الحروف إنّما هو فيما إذا كان

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 284، الباب الأوّل من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 29: 336، الباب 31 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 163

و لو ادّعى الصحيح ذهاب نطقه عند الجناية صدق مع القسامة لتعذّر البيّنة (1) و في رواية يضرب لسانه بإبرة فإن خرج الدم أسود صدق و إن خرج أحمر كذب.

______________________________

المقطوع بعض اللسان كما هو ظاهر موثقة سماعة حيث إنّ المفروض في السؤال فيها رجل ضرب غلاماً ضربة فقطع بعض لسانه فأفصح ببعض و لم يفصح ببعض «1».

لو ادّعى ذهاب نطقه بالجناية

(1) يظهر ممّا ذكر الماتن أنّ المجني عليه في الفرض يحسب مدّعياً بالإضافة إلى ذهاب النطق فعليه إثبات دعواه، حيث إنّ المتيقّن ثبوت دية الأخرس كلّاً أو بعضاً و لكن بما أنّه يتعذّر عليه إقامة البيّنة على دعواه يثبتها بالقسامة، فإنّ الجناية توجب اللوث على ما تقدّم في ثبوت الدعوى بالقسامة.

و لكنّ الصحيح على ما ذكرنا سابقاً من أنّ قوله: مطابق لأصالة السلامة و مقتضى أصالتها كونه مدعى عليه، فالجاني هو المدّعي بأنّه لم يكن متمكّناً من التكلّم قبل الجناية فعليه إثباته و إلّا فيحلف المجني عليه على تمكّنه و يستحقّ دية الصحيح، و قد ورد فيما رواه الشيخ باسناده عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن الوليد، عن محمد بن الفرات، عن الأصبع بن نباتة، عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه يضرب بلسانه بإبرة فإن خرج الدم أحمر فقد كذب، و إن خرج الدم أسود فقد صدق «2». و الرواية ضعيفة غير معمول بها فلا موجب لرفع اليد عمّا

ذكرنا فإنّ محمّد بن الفرات ضعيف، و محمّد بن الوليد مشترك و روايتهما عن الأصبغ مرسلة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 359، الباب 2 من أبواب ديات المنافع، الحديث 4.

(2) التهذيب 10: 268، الحديث 86.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 164

و لو جنى على لسانه فذهب كلامه، ثمّ عاد، هل تستعاد الدية؟ قال في المبسوط: نعم؛ لأنّه لو ذهب لما عاد. و قال في الخلاف: لا، و هو الأشبه (1).

أمّا لو قلع سن المثغر، فأخذ ديتها ثمّ عادت، لم تستعد ديتها؛ لأنّ الثانية غير الأُولى. و كذا لو اتّفق أنّه قطع لسانه فأنبته اللّٰه تعالى؛ لأنّ العادة لم تقضِ بعوده، فيكون هبة.

و لو كان للّسان طرفان، فأذهب أحدهما، اعتبر بالحروف، فإن نطق بالجميع فلا دية، و فيه الأرش لأنّه زيادة.

لو عاد ما جنى عليه

______________________________

(1) ظاهر الماتن قدس سره أنّه اختار عدم استعادة الدية؛ لأنّ ذهاب الكلام يوجب استحقاق الدية و الاستعادة تحتاج إلى دليل كما علّل الشيخ قدس سره عدم جواز الاستعادة بذلك في الخلاف «1».

و لكن لا يخفى أنّه لا بدّ من التفصيل في المسألة بأنّه إذا كان العود كاشفاً عن كون ذهاب كلامه أمراً عارضيّاً و أنّ قابليّته على التكلّم لم تنعدم بالجناية المفروضة فتستعاد الدية؛ لأنّ ظاهر ما ورد من ثبوت الدية بذهاب كلامه، هو الذهاب حقيقة لا ما إذا كان أثر الجناية أمراً عارضاً فارتفع.

و في صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إذا ضرب الرجل على رأسه فثقل لسانه عرضت عليه حروف المعجم فما لم يفصح به منها يؤدّي بقدر ذلك من المعجم، يقام أصل الدية على المعجم كلّه يعطى بحساب ما لم يفصح به

منها «2». و نحوها غيرها.

______________________________

(1) الخلاف 5: 242، المسألة 37.

(2) وسائل الشيعة 29: 359، الباب 2 من أبواب ديات المنافع، الحديث 5.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 165

[السابع الأسنان]

(السابع): الأسنان و فيها الدية كاملة (1). و تُقسَّم على ثمانية و عشرين سناً.

اثني عشر في مقدّم الفم، و هي ثنيّتان و رباعيّتان و نابان، و مثلها من أسفل. و ستة عشر في مؤخّره و هي: ضاحك و ثلاثة أضراس من كلّ جانب، و مثلها من أسفل.

ففي المقاديم ستّمائة دينار، حصّة كلّ سنّ خمسون ديناراً. و في المآخر أربعمائة دينار، حصّة كلّ ضرس خمسة و عشرون ديناراً.

______________________________

نعم، إذا كان العود بحيث كان ذهاب القابلية حقيقة لا تستعاد الدية؛ لأنّ العود هبة جديدة و يعلم ذلك بتشخيص أهل الخبرة، و لا فرق في ذلك بين كون الذهاب في بعض كلامه أو كلّه.

كما أنّ الظاهر عدم الفرق بين أن تكون الجناية بقطع بعض لسانه أو بجناية أُخرى.

نعم، لو كان قطع البعض بحيث عاد كلامه يعود المقدار المقطوع و لم يكن هذا العود أمراً متعارفاً و عادياً فلا يبعد عدم جواز الاستعادة و حساب العود هبة جديدة من اللّٰه و مثل ذلك عود السنّ من المثغر بعد قلعها.

ثمّ في صورة عود الكلام و كشفه أنّه لم يذهب حقيقة، تعلّق على الجاني الأرش كما في سائر الجناية التي لم يعيّن فيها الدية.

و من ذلك يظهر أنّه لو كان اللسان ذا طرفين كالمشقوق فقطع أحدهما دون الآخر فإن نطق بجميع الحروف فلا دية مقدّرة و يكون فيه الأرش يعني الحكومة، و إن أوجب انقطاع تكلّمه ببعض الحروف تعيّن الدية بحساب الحروف التي لم يتمكّن من الإفصاح بها.

دية الأسنان

(1) بلا خلاف

معروف قديماً و حديثاً، و يدلّ على ذلك صحيحة محمّد بن قيس التي رواها في الفقيه باسناده إلى قضايا أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: قضى في

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 166

..........

______________________________

الأسنان التي تقسّم عليها الدية أنّها ثمانية و عشرون سنّاً، ستّة عشر في مواخير الفم و اثنا عشر في مقاديمه فدية كلّ سنّ من المقاديم إذا كسر حتّى يذهب خمسون ديناراً فيكون ذلك ستّمائة دينار، ودية كلّ سنّ من المواخير إذا كسر حتّى يذهب على النصف من دية المقاديم خمسة و عشرون ديناراً، فيكون ذلك أربعمائة دينار فذلك ألف دينار، فما نقص فلا دية له، و ما زاد فلا دية له «1».

و يدلّ أيضاً على ثبوت الدية الكاملة في ذهاب الأسنان رواية العلاء بن الفضيل، عن أبي عبد اللّه عليه السلام حيث ورد فيها: «و في أسنان الرجل الدية تامة» «2».

كما يدلّ على التقسيط الوارد في صحيحة محمّد بن قيس رواية الحكم بن عتيبة، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام إنّ بعض الناس في فيه اثنان و ثلاثون سنّاً، و بعضهم له ثمانية و عشرون سنّاً، فعلى كم تقسّم دية الأسنان؟ فقال: الخلقة إنّما هي ثمانية و عشرون سنّاً اثنتا عشرة في مقاديم الفم و ستّ عشرة في مواخيره، فعلى هذا قسّمت دية الأسنان فدية كلّ سنّ من المقاديم إذا كسرت حتّى تذهب خمسمائة درهم، فديتها كلّها ستّة آلاف درهم، و في كلّ سنّ من المواخير إذا كسرت حتّى تذهب فإنّ ديتها مائتان و خمسون درهماً و هي ستّة عشر سنّاً فديتها كلّها أربعة آلاف درهم فجميع دية المقاديم و المواخير من الأسنان عشرة آلاف درهم و إنّما وضعت الدية

على هذا فما زاد على ثمانية و عشرين سنّاً فلا دية له و ما نقص فلا دية له هكذا وجدناه في كتاب علي عليه السلام «3».

و الروايتان لضعف سندهما قابلتان لتأييد الحكم المستفاد من صحيحة

______________________________

(1) من لا يحضره الفقيه 4: 136، الحديث 5300.

(2) وسائل الشيعة 29: 286، الباب الأوّل من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 8.

(3) وسائل الشيعة 29: 343، الباب 38 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 167

..........

______________________________

محمد بن قيس المتقدّمة.

و لكن في مقابلها روايات ظاهرها خلاف ما ذكر:

منها ما ورد في كتاب ظريف عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: في الأسنان في كلّ سنّ خمسون ديناراً و الأسنان كلّها سواء كان قبل ذلك يقضى في الثنيّة خمسون ديناراً، و في الرباعية أربعون ديناراً، و في الناب ثلاثون ديناراً، و في الضرس خمسة و عشرون ديناراً «1».

و لا يمكن حمل المعتبرة على التسوية في أسنان من المقاديم فيما بينها؛ لأنّ قوله: و في الضرس خمسة و عشرين، ينافي هذا الحمل كما لا يخفى.

و أصرح منها في التسوية رواية علي بن أبي حمزة «2».

و كذا صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: الأسنان كلّها سواء في كلّ سنّ خمسمائة درهم «3».

و موثقة سماعة قال: سألته عن الأسنان؟ فقال: «هي سواء في الدية» «4».

و المتعيّن حمل هذه الأخبار على التقيّة لكون الأسنان سواء في الدية و أنّ الدية فيها في كلّ سنّ خمسون ديناراً، مذهب العامّة.

أضف إلى ذلك أنّ تقسيط الدية على الأسنان يوجب أن تكون ديتها جميعاً، أزيد من دية النفس يعني ألف و أربعمائة دينار و هذا أمر لا يحتمل.

______________________________

(1) وسائل الشيعة

29: 297، الباب 8 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 29: 344، الباب 38 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 6.

(3) وسائل الشيعة 29: 344، الباب 38 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 3.

(4) وسائل الشيعة 29: 344، الباب 38 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 4.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 168

و تستوي البيضاء و السوداء خلقة. و كذا الصفراء (1) و إن جنى عليها.

______________________________

و في معتبرة السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: «الأسنان إحدى و ثلاثون ثغرة في كلّ ثغرة ثلاثة أبعرة و خمس بعير» «1» و لازم ذلك أن تكون ديتها أقل من دية النفس مع أنّ مدلولها خلاف الوجدان فإنّ الثغرة في ما بين السنين من الأسنان ثلاثين و إن أراد منها موضع السّن و هو اثنان و ثلاثون.

لا فرق بين السن البيضاء و غيرها

(1) ظاهر الماتن قدس سره التفرقة بين السّن التي صارت سوداء بالجناية و بين الصفرة التي صارت عليها بالجناية، و أن استواء السّن السوداء مع البيضاء في الدية فيما إذا كانت سوداء بحسب الخلقة، و أمّا إذا صارت بالجناية فلا يكون في قلعه أو كسره الدية الأصليّة للسنّ، بخلاف السّن الصفراء فإنّ ديتها تساوي دية البيضاء حتّى فيما كانت صفرتها بالجناية.

و علّل ذلك في المبسوط «2» أنّها يعني الصفرة بالجناية تكون المقلوعة أو المكسورة تماماً سنّاً من المقاديم أو المواخير تكون بهما على الجاني ديتها كالإصبع إذا لحقها شين بالجناية يكون في قطعها تمام دية الإصبع، كما يكون على من صيّرها صفراء بالجناية الأرش كما هو الحال في الجاني على الإصبع حيث أوجد فيها شيناً.

و لكن لا يخفى أنّ

هذا الكلام بعينه يجري في الجناية على السنّ حيث صيّرها سوداء، و مقتضى الإطلاق في كسر السنّ حتّى يذهب أو قلعها عدم الفرق في ثبوت الدية الكاملة.

نعم، التفرقة بين السوداء خلقةً و ما إذا صارت عليها بالجناية صحيح، و لكنّ

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 344، الباب 38 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 5.

(2) المبسوط 7: 141.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 169

..........

______________________________

المستند صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «السّن إذا ضربت انتظر بها سنة فإن وقعت أُغرم الضارب خمسمائة درهم و إن لم تقع و اسودّت أُغرم ثلثي الدية» «1».

و هذه الصحيحة و إن كانت مطلقة من حيث كونها من المقاديم أو المواخير فإن سقطت إلى سنة تكون ديتها خمسمائة درهم إلّا أنّها تحمل على المقاديم بقرينة ما تقدّم، و بما أنّه لا يحتمل التفرقة بين اسوداد المقاديم أو المواخير يكون في اسوداد المواخير أيضاً ثلثا دية المواخير، كما يستفاد من هذه الصحيحة أنّ في الجناية على السنّ السوداء بقلعه أو كسره تماماً ثلث دية السنّ كما يأتي؛ لأنّ دية العضو لا تزيد على مجموع الثلث و الثلثين.

و لكن يعارضها صحيحة ظريف، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: و في الأسنان في كلّ سنّ خمسون ديناراً- إلى أن قال-: فإذا اسودّت السّن إلى الحول و لم تسقط فديتها دية الساقطة خمسون ديناراً «2».

و لا يخفى أنّ تعارضهما في الثلث الآخر من الدية و بعد تساقطهما فيه يرجع إلى الأصل العملي، و مقتضاه البراءة عن الزائد عن الثلثين و ليس دلالتهما على وجوب الثلث الآخر و عدم لزومه من قبيل المدلول الالتزامي لمدلولهما المطابقي، بل من قبيل تعارض

المدلول التضمّني لإحداهما مع المدلول الالتزامي للآخر.

و مثلها مرسلة أبان، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: «إذا اسودّت الثنية جعل فيها الدية» «3» مع أنّها ضعيفة سنداً

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 298، الباب 8 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 29: 297، الباب 8 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

(3) وسائل الشيعة 29: 298، الباب 8 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 3.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 170

و ليس للزائدة دية إن قلعت منضمّة إلى البواقي. و فيها ثلث دية الأصلي لو قلعت منفردة و قيل: فيها الحكومة، و الأوّل أظهر. (1)

______________________________

و قابلة للحمل على الثلثين بخلاف ما عن كتاب ظريف.

و أمّا ما أشرنا إليه من أنّه إذا قلع السّن السوداء أو كسر تماماً يكون عليه ثلث الدية فلمّا ذكرناه من الوجه.

فقد يقال إنّه وجه استحساني و الوارد في رواية عجلان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «في دية السنّ الأسود ربع دية السنّ» «1» و هذه الرواية و إن كانت ضعيفة سنداً إلّا أنّ في المروي عن كتاب ظريف عن أمير المؤمنين عليه السلام: «فإن سقطت بعد و هي سوداء فديتها اثنا عشر ديناراً و نصف دينار» «2».

و لكن في المروي عن الفقيه: «و إن سقطت بعد و هي سوداء فديتها خمسة و عشرون ديناراً» «3» و بما أنّ رواية عجلان ضعيفة و المروي عن كتاب ظريف مجمل مردّد بين كون الدية ربعاً أو نصفاً يؤخذ بالربع و يدفع الزائد بالأصل فتكون النتيجة ثبوت الربع.

ليس للزائدة دية إن قلعت مع البواقي

(1) و الوجه في كونه أظهر، ما ورد في

أنّ في قطع الإصبع الزائدة ثلث دية الإصبع الأصلية و يتعدّى منه إلى المقام؛ لأنّ المستفاد منه حكم دية العضو الزائد، و قد ورد في موثّقة غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الإصبع الزائدة إذا قطعت ثلث دية الصحيحة «4». و قد ورد في الأصابع أيضاً أنّ الدية تقسّط على عشرة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 349، الباب 40 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 29: 297-/ 298، الباب 8 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

(3) من لا يحضره الفقيه 4: 83، الحديث 5150.

(4) وسائل الشيعة 29: 345، الباب 39 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 171

و لو اسودّت بالجناية و لم تسقط فثلثا ديتها (1)، و فيها بعد الاسواد الثلث، على الأشهر.

______________________________

أصابع فما زاد أو نقص فلا دية له «1». مقتضى ذلك أنّه إذا قلعت مع سائر الأسنان الأصلية فلا دية له و إذا انضمت إلى بعضها فلا يبعد أن يرجع إلى الأرش فإنّ في الأوّل لا تكون ديتها أزيد من دية النفس بخلاف الثانية، و مقتضى الجمع أنّ الإصبع الزائدة إذا قطعت منضمّة إلى الأصابع الأصلية فلا دية له، و إذا قطعت منفردة تكون ديتها ثلث دية الإصبع الأصلية و يأتي الكلام في ذلك.

و على كلّ، ففي التعدّي منه إلى المقام إشكال حيث إنّه ليس في ما ورد في الإصبع الزائدة عموم أو إطلاق و دعوى العلم بعدم الخصوصية للإصبع الزائدة كما ترى فالوجه أنّ السّن الزائدة إذا قلعت أو كسرت يرجع فيها إلى الحكومة على ما تقدّم من أنّ ذلك مقتضى القاعدة الأوّلية بعد عدّ الجرح جناية.

لو اسودّت بالجناية

(1) قد

تقدّم أنّه ورد في صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

«السّن إذا ضربت انتظر بها سنة فإن وقعت أُغرم الضارب خمسمائة درهم و إن لم تقع و اسودّت أُغرم ثلثي الدية» «2».

و قد ذكرنا أنّه ربّما يستفاد منها دية السنّ التي صارت سوداء إذا قلعت أو كسرت، ثلث الدية الصحيحة، و في الاستفادة تأمّل و غاية ما يمكن هو القول بأنّ المستفاد منها أنّه لا تكون دية السوداء أزيد من الثلث حيث يزيد على دية الأصلية، و أمّا إنّها الثلث فلا و مقتضى ما تقدّم أنّ ديتها الربع فراجع.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 345، الباب 39 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 29: 298، الباب 8 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 4.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 172

و في انصداعها و لم يسقط، ثلثا (1) ديتها، و في الرواية ضعف، و الحكومة أشبه.

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، در يك جلد، دار الصديقة الشهيدة سلام الله عليها، قم - ايران، اول، 1428 ه ق

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات؛ ص: 172

و الدية في المقلوعة مع سنخها، و هو الثابت منها في اللثة. و لو كسر ما برز عن اللثة (2)، فيه تردّد. و الأقرب أنّ فيه دية السن. و لو كسر الظاهر عن اللثة، ثمّ قلع الآخر السنخ، فعلى الأوّل دية و على الثاني حكومة.

لو انصدعت و لم تسقط

______________________________

(1) و ذلك فإنّ انصداعها يعتبر من الشلل حيث إنّ شللها تقلقلها و عدم استقرارها ودية شلل العضو ثلثا ديته، و هذا أي ثبوت ثلثي الدية وارد في كلما تهم و ذكر الماتن قدس

سره و في الرواية ضعف و الحكومة أشبه، و استظهر منها وجود رواية في انصداع السنّ و قد نوقش في وجود رواية فيه، و على تقدير وجودها لم يحرز دلالتها على ذلك حيث إنّ قول الماتن: و في الرواية ضعف، يشمل ضعف دلالتها أيضاً و لا مجال لدعوى انجبار الضعف بفتوى المشهور لاحتمال استنادهم إلى ما تقدّم من إدخال انصداع السنّ في شلل العضو، فإن أُحرز دخولها فيه كما إذا لم يكن للسنّ المنصدع نفع إلّا حفظ الجمال فهو، و إلّا كونه شللًا غير ظاهر فيكون الرجوع إلى الحكومة متعيّناً.

لو كسر ما برز عن اللثة

(2) لا مجال للتفرقة بين قلع السّن أي إذهابها حتّى بالإضافة إلى مقدار النابت المستور في اللثة و بين كسر مقدار البارز منها من اللثة في مساواة الدية حيث ورد في قضايا علي عليه السلام التي رواها الصدوق بسند صحيح: قضى في الأسنان التي تقسّم عليها الدية أنّها ثمانية و عشرون سنّاً، ستة عشر من مواخير الفم و اثنا عشر في مقاديمه، فدية كلّ سنّ من المقاديم إذا كسر حتّى يذهب خمسون ديناراً «1». و ما ورد في

______________________________

(1) من لا يحضره الفقيه 4: 136، الحديث 5300.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 173

و ينتظر بسن الصغير، فإن نبت لزم الأَرش، و إن لم ينبت فدية سن المثغر. (1)

______________________________

الأسنان في كلّ سنّ خمسون يشمل الأُولى منها صورة كسرها و الثانية صورة قلعها حتّى مقدار النابت في اللثة، و على ذلك فإن كسر من جناية مقدار البارز من اللثة ثمّ قلع بجناية أُخرى مقدار الباقي من اللثة يكون على الأوّل الدية كاملة و على الثاني الأرش؛ لكونه مورد الحكومة كما ذكر

الماتن في قوله: فعلى من كسر الظاهر من اللثة الدية و على قالع السنخ الحكومة.

سنّ الصغير

(1) و يستدلّ على ذلك بمرسلة جميل، عن بعض أصحابه، عن أحدهما عليهم السلام في سنّ الصبي يضربها الرجل فتسقط ثمّ تنبت، قال: ليس عليه قصاص و عليه الأرش «1». و ظاهرها نفي دية السنّ إذا نبت السّن موضعها و مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين أن يكون ذلك قبل أن يصير مثغراً أو بعده.

و لكن مقتضى ظاهر كلام الماتن وقوع الجناية قبل أن يصير مثغراً و إن كان الكلام في ذلك الصبي فلا يبعد ما ذكره الماتن؛ لانصراف ما ورد في دية السّن إلى السّن من المثغر و لا أقل من سنّ الصبي قبل أن يصير مثغراً و نبتت بعد ذلك.

و أمّا إذا كان النبات أمراً اتفاقياً لكونه مثغراً فالظاهر الدية فإنّ الرواية ضعيفة بإرسالها و لم يعملوا أيضاً بإطلاقها.

و عن جماعة من أنّ دية سنّ الصبي قبل أن يثغر بعير و لم يفصّلوا بين أن تنبت ثانياً أم لا، و استناداً إلى رواية السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قضى في سنّ الصبي إذا لم يثغر ببعير «2». و رواية مسمع، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إنّ

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 337، الباب 33 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 29: 338، الباب 33 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 3.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 174

و من الأصحاب من قال: فيها بعيرٌ و لم يفصِّل، و في الرواية ضعف. و لو أنبت الإنسان في موضع المقلوعة عظماً فثبت، فقلعه قالع قال الشيخ: لا دية (1)، و يقوى

أنّ فيه الأرش؛ لأنّه يستصحب ألماً و شيناً.

[الثامن العنق]

(الثامن): العنق و فيه إذا كُسِرَ فصار الإِنسان أصور الدية (2). و كذا لو جنى عليه بما يمنع الازدراد. و لو زال فلا دية، و فيه الأرش.

______________________________

علياً عليه السلام قضى في سنّ الصبي قبل أن يثغر بعيراً في كلّ سنّ «1».

و لكنّهما ضعيفتان سنداً؛ لأنّ الشيخ «2» روى رواية السكوني بسنده إلى النوفلي و سنده إليه ضعيف و في سند رواية مسمع سهل بن زياد و ابن شمون و الأصم و كلّهم ضعفاء.

(1) و الوجه في عدم الدية ظاهر لانصراف ما ورد في دية السنّ عن المفروض، و أمّا الأرش فهو يثبت في موارد صدق الجناية التي لم يرد فيها دية مقدرة.

دية العنق

(2) المراد من الأصور أن يكون الإنسان بالجناية عليه مائل العنق، سواء كان ذلك بالكسر أو بغيره، و الماتن عليه السلام و إن ذكر الكسر إلّا أنّه الحقّ ما لم يكن كسره به؛ لأنّ المدرك لهذا الحكم رواية مسمع بن عبد الملك و لم يرد فيها خصوصيّة الكسر حيث روى، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: قال رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله: في القلب إذا أُرعد فطار الدية، و قال رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله: في الصعر الدية، و الصعر أن يثنى عنقه فيصير في ناحية «3».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 338، الباب 33 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.

(2) التهذيب 10: 261، الحديث 66.

(3) وسائل الشيعة 29: 373، الباب 11 من أبواب ديات المنافع، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 175

..........

______________________________

و الرواية سنداً ضعيفة فإنّه في سندها مضافاً إلى سهل، محمد بن

الحسن بن شمون، عن عبد اللّه بن عبد الرحمن الأصم و كلاهما ضعيفان.

و ذكر في الجواهر قدس سره ينجبر السند بما تقدّم «1» و هو دعوى نفي العلم بالخلاف و دعوى الشيخ الإجماع في الخلاف «2».

و لكن لا يخفى أنّ دعوى عدم عرفان الخلاف بين أصحابنا لا يدلّ على اتفاقهم على الحكم في المسائل التي لم يذكر في جملة من كتب الأصحاب، و دعوى الإجماعات في خلاف الشيخ أمرها معروف.

و مع ذلك ورد في المعتبرة من كتاب ظريف: «و في صدغ الرجل إذا أُصيب فلم يستطع أن يلتفت إلّا إذا انحرف الرجل نصف الدية خمسمائة دينار فما كان دون ذلك فبحسابه» «3».

و أيضاً فيه بعد بيان دية موضّحة الصدر و الكتفين و الظهر: «و إن اعترى الرجل من ذلك صعر لا يستطيع أن يلتفت فديته خمسمائة دينار» «4».

قال في الجواهر «5» بعد نقل ذلك: إلّا أنّي لم أجد عاملًا بما في كتاب ظريف من أصحابنا كالقول بالحكومة المحكي «6» عن الشافعي و أضاف إلى ذلك دعوى الإجمال في ما ورد فيه من: «صدع الرجل إذا أُصيب فلم يستطع أن يلتفت إلّا إذا

______________________________

(1) جواهر الكلام 43: 243.

(2) الخلاف 5: 253-/ 254، المسألة 62.

(3) وسائل الشيعة 29: 283-/ 284، الباب الأوّل من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.

(4) وسائل الشيعة 29: 304-/ 305، الباب 13 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

(5) جواهر الكلام 43: 243.

(6) حكاه الفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 507 (الطبعة القديمة).

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 176

..........

______________________________

انحرف الرجل» «1» بدعوى أنّه كما يحتمل كون صدغ بالعين المعجمة مضافاً إلى الرجل بالراء المفتوحة و الجيم المضمومة، كذلك يحتمل أن يكون بالعين المهملة

و الرجل بالراء المكسورة و الجيم الساكنة، بأن يكون المراد إذا وقعت الصدع على رجل إنسان فلم يتمكّن من الالتفات ما لم يحوّل رجله يكون في ذلك خمسمائة دينار دية الرجل، و فيه مضافاً إلى نقل الصدع بالعين المعجمة، أنّه إن كان الوارد صدع الرجل في مقابل اليد للزم أن يقال و في صدع الرجل إذا أُصيبت بالتأنيث مع أنّ الوارد (إذا أُصيب) و الضمير يرجع إلى المجني عليه.

و كيف كان، ففي صعر العنق إذا كان بحيث لا يتمكّن من الالتفات معه يلتزم بخمسمائة دينار و إلّا فبمجرّد ميل الوجه إلى أحد الجانبين لا يوجب إلّا الرجوع إلى الحكومة.

لا يقال: إنّ ما ورد في أنّ كلّ ما في البدن واحد ففيه الدية كاملة مقتضاه الالتزام بما ذكر في الجواهر.

فإنّه يقال: ظاهره قلعه و إفساده لا الجناية عليه بالكسر و نحوه؛ و لذا لم يتمسّك في المقام إلّا برواية مسمع و كذا في سائر الجناية بالكسر و نحوه على سائر الأعضاء.

و ألحق الماتن و غيره بالصعر الجناية على العنق بما يمنع من ازدراد سواء مات الشخص بذلك أو عاش و لو بتناول المائعات، و يستفاد ذلك ممّا ذكروا في الجناية بذهاب الذوق حيث إنّ مقتضاه بالفحوى ثبوت الدية كاملة بذهاب منفعة الازدراد الذي أعظم من ذهاب الذوق بمراتب.

أقول: لا يبعد أنّه إذا لم يمكنه الازدراد يعدّ هذا فساداً للعضو، و لكن إذا زال كلّ

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 283-/ 284، الباب الأوّل من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 177

[التاسع اللحيان]

(التاسع): اللحيان و هما العظمان اللذان يُقال لملتقاهما الذقن، و يتّصل طرف كلّ واحد منهما بالإِذن، و فيهما الدية لو

قلعا منفردين عن الأسنان (1) كلحيي الطفل، أو من لا أسنان له. و لو قلعا مع الأسنان فديتان. و في نقصان المضغ مع الجناية عليهما أو تصلّبهما الأرش.

______________________________

من الصعر و أمكن الازدراد، يرجع إلى الحكومة للقاعدة المشار إليها في أنّ كلّ جناية لم يرد فيها دية يرجع إلى الأرش و الحكومة.

دية اللحيين

(1) بلا خلاف يعرف من أصحابنا و يشهد لذلك ما ورد في أنّ ما في الجسد اثنان و في واحدة منهما نصف الدية و ما كان واحداً ففيه الدية.

كما يدلّ على ذلك، العموم المزبور الوارد في صحيحة عبد اللّه بن سنان «1»، و صحيحة هشام بن سالم قال: كلّ ما كان في الإنسان اثنان ففيهما الدية و في إحداهما نصف الدية، و ما كان فيه واحد ففيه الدية. رواها الصدوق «2» بإسناده عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

بل لو لم يكن في البين إلّا رواية الشيخ باسناده التي هي مضمرة فلا يضرّ الإضمار من هشام بن سالم، و قيّدوا الأصحاب ما ذكر من نصف الدية و الدية بما إذا كان قلعهما منفردين عن الأسنان كما في لحيي الطفل و من سقطت أسنانه لكبر أو مرض أو قلع قبل ذلك.

و أمّا إذا كان مع الأسنان فللأسنان أيضاً دية بحسب عدد الأسنان و أوصافها؛ و ذلك فإنّ ما ورد من الدية في الأسنان يعمّ ما كان إزالتها بكسرها أو بقلعها أو بجناية

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 283، الباب الأوّل من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

(2) من لا يحضره الفقيه 4: 133، الحديث 5288.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 178

[العاشر اليدان]

(العاشر): اليدان و فيهما الدية، و في كلّ واحدة نصف الدية،

و حدّهما المعصم. فلو قطعت مع الأصابع فدية اليد خمسمائة دينار. و لو قطعت الأصابع منفردة فدية الأصابع خمسمائة دينار، و لو قطع معها شي ء من الزند، ففي اليد خمسمائة دينار، و في الزائدة الحكومة. و لو قُطِعَت من المرفق أو المنكب قال في المبسوط: عندنا فيه مقدّر، محيلًا على التهذيب. (1)

______________________________

أُخرى، و لا يجري فيها ما يأتي في زوال الأصابع بقطع اليد من الكوع أي الزند أو بإزالة الكفّ بقطع اليد من المرفق و نحوها.

دية اليدين

(1) لا ينبغي التأمّل في أنّ قطع اليد من الزند يوجب نصف الدية إذا كان المقطوع يد واحدة ودية النفس إذا قطعتا جميعاً من الزند، و لا فرق بين اليمنى و اليسرى و إن كانت اليمنى في غالب الأشخاص أقوى و أنفع من اليسرى، كما لا فرق بين من لم يكن له إلّا يد واحدة أو كان له يدان، بلا فرق بين كون من له يد واحدة خلقة أو بالعارض من آفة أو جناية أو للجهاد في سبيل اللّٰه، و إلحاقه بالجناية على الأعور مطلقاً أو إذا ذهبت إحدى يديه في سبيل اللّٰه قياس لا اعتبار به.

و قد حدّد الماتن قدس سره اليد بالمعصم المراد منه الكوع أي الزند مفصل ما بين الكفّ و الساعد يعني الذراع تبعاً لغيره.

و فرّع على ذلك أنّه لو قطعت اليد مع الأصابع فليس إلّا دية اليد و هي خمسمائة دينار، و على ذلك فتاوى الأصحاب بخلاف ما إذا قطعت الأصابع منفردة فإنّ في قطع أصابع يد واحدة نصف الدية، و في أصابع كلتاهما تمام الدية و قالوا في وجه ذلك إنّ ما ورد في قطع يد واحدة نصف الدية و في كلتاهما تمام

الدية مقتضى إطلاقها كون الحكم كذلك مع ثبوت الأصابع كما هو الغالب فلا يكون لذهاب الأصابع في قطع اليد ضمان دية أُخرى.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 179

..........

______________________________

و ما ذكروه صحيح بالنظر إلى الخطابات الشرعيّة الواردة في الروايات في الجناية على اليد و في الجناية على الأصابع.

ثمّ ذكر الماتن تبعاً لجماعة «1» أنّه لو قطع مع اليد المحدّد بالمعصم الشي ء من الزند تثبت دية اليد؛ لأنّ لليد دية في الشرع، و لكن بما أنّ المقدار المقطوع من الزند لم يرد فيه الدية فيرجع فيه إلى الحكومة.

و لكن لا يخفى أنّ القطع من شي ء من الزند إن لم يكن قطعاً لليد فلا موجب لضمان الكف حيث يكون ذهاب الكفّ تبعاً كذهاب الأصابع بقطع الكف من الزند، و حيث إنّ قطع شي ء من الزند لا دية مقدّرة له فيرجع إلى الحكومة كما هو مقتضى تحديد اليد بالمعصم، و أمّا لو بنى على أنّ اليد لو قطع من المرفق أو من المنكب لا يكون في البين إلّا دية يد واحدة فإنّ اليد لا ينحصر إطلاقها على المحدود بالمعصم، بل يصدق عليه و على المرفق إلى رءوس الأصابع و على العضد من المنكب إلى رءوسها فلا يكون في البين إلّا ضمان دية يد واحدة و أبعاض الذراع و حصول القطع منها لا يوجب غير ضمان دية اليد، غاية الأمر لا يقتصّ من هذه الجناية؛ لأنّ رعاية المماثلة في الاقتصاص يمنع عن ذلك على ما تقدّم في شرائط القصاص فينتقل الأمر إلى الدية.

و هذا بخلاف ما قطع من المرفق أو من المنكب فيمكن فيه رعاية المماثلة في الاقتصاص؛ و لذا يجري على ذلك جواز الاقتصاص إذا كانت الجناية

عمدية، و إذا لم يكن للمجني عليه الكفّ بل خصوص الذراع إلى المنكب أو خصوص العضد إلى المنكب فوقع الجناية عليه فيمكن أن يقال الحكم في مثل ذلك الحكومة؛ لأنّ مع عدم الكفّ لا يقال على الذراع أو على العضد يد، بل لو قيل بأنّ الذراع أيضاً يد

______________________________

(1) ذكر هم النجفي في جواهر الكلام 43: 246.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 180

و لو كان له يدان على زند، ففيهما الدية و حكومة؛ لأنّ إحداهما زائدة (1).

و تُميّز الأصلية: بانفرادها بالبطش، أو كونها أشدّ بطشاً. فإن تساويا فإحداهما زائدة في الجملة. و لو قطعهما ففي الأصليّة الدية، و في الزائدة حكومة. و قال في المبسوط: ثلث دية الأصلية، و لعلّه تشبيه بالسّن و الإصبع، فالأقرب الأرش. و يظهر لي في الذراعين الدية، و كذا في العضدين، و في كلّ واحدة نصف الدية.

______________________________

فشرط المماثلة في القصاص مفقود.

و على أي تقدير، فالظاهر ثبوت خمسمائة دينار في قطع الذراعين و الظاهر أنّ ما قال في المبسوط عندنا فيه مقدّر «1» محيلًا على التهذيب «2»، أراد ما ذكرنا من أنّ ما ورد في دية اليد و أنّها خمسمائة دينار يعمّ ما إذا قطع من الزند أو من المرفق أو من الكفّ فإذا وقع القطع بأي نحو من الأنحاء الثلاثة تثبت خمسمائة دينار، سواء صولح القصاص بالدية أو كان الثابت في مورد الجناية الدية.

في اليد الزائدة

(1) تارة تكون اليد الزائدة زائدة من المفصل أي الزند بحيث يمكن قطع اليد الأصلية دون الزائدة، ففي هذا الفرض الحكم كما ذكروا من ثبوت الدية في اليد الأصلية و الحكومة في الزائدة إذا قطعت أيضاً.

و أمّا إذا كانت الزائدة متّصلة بالكف الأصلية

فهي كالإصبع الزائدة فيما إذا قطعت اليد من الزند فذهبت الأصابع بالتبع حيث لا تثبت إلّا دية اليد الأصلية و ظاهر الأصحاب كظاهر الماتن الفرض الأوّل حيث قال: لو كان له يدان على زند.

و تمتاز اليد الأصلية في هذا الفرض عن الزائدة التي لا تقدير في ديتها،

______________________________

(1) المبسوط 7: 143. و فيه: و عندنا أنّ جميع ذلك فيه مقدّر ذكرناه في تهذيب الأحكام.

(2) التهذيب 10: 301-/ 302.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 181

[الحادي عشر الأصابع]

(الحادي عشر): الأصابع و في أصابع اليدين الدية. و كذا في أصابع الرجلين، و في كلّ واحدة عُشر الدية (1). و قيل: في الإِبهام ثلث الدية، و في الأربع البواقي الثلثان بالسوية. ودية كلّ إصبع مقسومة على ثلاث أنامل بالسوية، عدا الإِبهام فإنّ ديتها مقسومة بالسوية على اثنين. و في الإصبع الزائدة ثلث الأصليّة. و في شلل كلّ واحدة ثلثا ديتها، و في قطعها بعد الشلل الثلث. و كذا لو كان الشلل خِلقةً.

______________________________

بانفرادها بالبطش و القوة أو أنّها أشدّ بطشاً كما هو ظاهر عند العرف.

و أمّا إذا تساويتا في البطش و القوة بحيث لا تمتاز إحداهما عن الأُخرى فإن قطعهما للعلم بأنّ اليد الأصلية هما اليدان اليمنى و اليسرى، فتكون زيادة إحداهما أي خروجها عن تقدير الدية محرزة، ففي النتيجة تثبت خمسمائة و حكومة في قطعهما من الرجل و من المرأة نصف دية اليد من الرجل و الحكومة بحيث لا تزيد على دية يدها الأصليّة.

و قد ظهر الحكم في صورة قطع إحداهما دون الأُخرى في فرض امتياز اليد الأصليّة، و أمّا في صورة اشتباهها و قطع إحداهما فالظاهر الاكتفاء بالحكومة لأصالة براءة ذمة الجاني عن الاشتغال بالزائد.

دية الأصابع

(1) ما ذكره

قدس سره من أنّ الدية في كلّ من أصابع اليدين و الرجلين عشر الدية هو المنسوب إلى المشهور من أصحابنا «1»، و عن جماعة كالشيخ في الخلاف و ابن حمزة في الوسيلة «2» في أنّ بين الإبهام و سائر الأصابع فرقاً و يثبت في قطع الإبهام ثلث دية اليد و في دية الأربعة الباقية سواء في كلّ منها سدس دية اليد أي تكون دية الأربعة الباقية ثلثي دية اليد.

______________________________

(1) نسبه الشهيد الثاني في المسالك 15: 428.

(2) الخلاف 5: 248، المسألة 50، و الوسيلة: 452.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 182

..........

______________________________

و يدلّ على الأوّل روايات:

منها صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الإصبع عشر الدية إذا قطعت من أصلها أو شلّت، و قال: و سألته عن الأصابع أ هنّ سواء في الدية؟ قال: نعم «1».

و صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبدا للّٰه عليه السلام، قال: أصابع اليدين و الرجلين سواء في الدية في كلّ إصبع عشر من الإبل «2».

و موثقة سماعة قال: سألته عن الأصابع هل لبعضها على بعض فضل في الدية؟

قال: «هنّ سواء في الدية» «3» إلى غير ذلك.

و في معتبرة ظريف عن أمير المؤمنين عليه السلام: في دية الأصابع و القصب التي في الكفّ ففي الإبهام إذا قطع ثلث دية اليد مائة دينار و ستة و ستون ديناراً و ثلثا دينار (23 166) إلى أن قال: و في الأصابع في كلّ إصبع سدس دية اليد «4». و ظاهرها أنّ ثلث دية اليد للإبهام و ثلثيها للأربع الباقية.

و على ذلك تقع المعارضة بين المعتبرة و الروايات المتقدّمة المؤيدة بغيرها، و من الظاهر أنّ الشهرة في الرواية التي تكون مرجّحة

لأحد المتعارضين على الآخر أو معيّنة للحجّة عن اللاحجّة لا تجري في المقام، و إنّما الثابت في المقام الشهرة في العمل و هذه الشهرة ليست من المرجّحات.

و يبقى في البين الترجيح بمخالفة العامّة و ظاهر كلام الشيخ في الخلاف بل المحكي عن العامّة أنّهم يلتزمون بأنّ الدية في كلّ إصبع عشر الدية.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 346، الباب 39 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 29: 346، الباب 39 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة 29: 347، الباب 39 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 6.

(4) وسائل الشيعة 29: 302-/ 303، الباب 12 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 183

..........

______________________________

قال في الخلاف: الخلاف في أصابع الرجلين مثل الخلاف في أصابع اليدين في تفضيل الإبهام عندنا و عند الفقهاء هي متساوية «1». و على ذلك فيحمل الروايات المتقدّمة على التقيّة، و على ذلك فإن لم يمكن حمل الصحيحتين و الموثّقة على التقيّة يكون الطائفتان متعارضتين، فإن قطع الجاني تمام أصابع كفّ واحدة فالدية نصف دية النفس بلا كلام فإنّه مقتضى الطائفتين، بل مقتضى ما ورد: كلّ ما في الجسد اثنان ففي كلّ نصف الدية «2».

و أمّا إذا قطع بعض الأصابع فيقتصر في ديتها على الأقل فإن كان إبهاماً فيقتصر على خمس دية اليد، و إن كان غيرها يقتصر بسدس دية اليد كلّ ذلك لأصالة براءة الذمّة عن الزائد و إن جمع في القطع بين الإبهام و الإصبع يؤخذ خمسان من نصف الدية؛ لأنّ الاشتغال بالزائد عن ذلك مدفوع بالأصل، و يؤيد أنّها صدرت لرعاية التقيّة ما ورد في صحيحة الحلبي المتقدّمة آنفاً عن أبي عبد اللّه عليه

السلام: في الإصبع عشر الدية إذا قطعت أو شلّت «3». و عشر الدية في الشلل مذهب العامة و عند أصحابنا كما ذكر الماتن قدس سره ثلثا دية الإصبع.

و في صحيحة الفضيل بن يسار المروية في الكافي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الذراع إذا ضرب فانكسر منه الزند؟ فقال: إذا يبست منه الكفّ فشلّت أصابع الكفّ كلّها فإنّ فيها ثلثي الدية دية اليد، و إن شلّت بعض الأصابع و بقي بعض فإنّ في كلّ إصبع شلّت ثلثي ديتها و كذلك الحكم في الساق و القدم إذا شلّت أصابع القدم «4».

______________________________

(1) الخلاف 5: 250، المسألة 54. و انظر بداية المجتهد 2: 346، الشرح الكبير 9: 567، المجموع 9: 106، الأُم 6: 80.

(2) وسائل الشيعة 29: 283، الباب الأوّل من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

(3) وسائل الشيعة 29: 346، الباب 39 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 3.

(4) الكافي 7: 328، الحديث 9.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 184

..........

______________________________

و عن الحلبي في الكافي: أنّ دية الإبهام ثلث دية اليد و في الأربع الباقية كلّ إصبع ديتها عشر دية اليد، هذا في أصابع اليدين و أمّا في أصابع الرجل ففي الجميع عشر الدية «1».

و لا يخفى ما فيه فإنّه إن أراد في كلّ من الأربعة الباقية عشر دية يد واحدة يكون المجموع أنقص من دية يد واحدة، و إن أراد عشر دية اليدين فيزيد المجموع على دية يد واحدة، مضافاً إلى ما تقدّم من التسوية بين دية اليدين و الرجلين بالإضافة إلى أصابعهما و عن ابن زهرة في الغنية «2» دية الإبهام ثلث دية اليد و في الباقي في كلّ عشر الدية بلا فرق بين

أصابع اليد و أصابع الرجلين. و يردّه ما تقدّم من أنّ ذلك يوجب نقص دية المجموع عن دية واحدة أو يزيد عليها.

و أمّا ما ذكر الماتن قدس سره من أنّ دية كلّ إصبع مقسومة على ثلاث أنامل بالسوية غير الإبهام فإنّ ديتها سواء قيل بأنّها عشر دية النفس أو ثلث دية يد واحدة تقسم على اثنين بالسوية و يستدلّ على ذلك بمعتبرة السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان يقضي في كلّ مفصل من الإصبع بثلث عقل تلك الإصبع إلّا الإبهام فإنّه كان يقضي في مفصلها بنصف عقل تلك الإبهام؛ لأنّ لها مفصلين «3».

و ظاهرها و إن كان كما ذكر الماتن و غيره، بل قيل لا خلاف في الحكم إلّا أنّ ما ورد في كتاب ظريف: ودية المفصل الأوسط من الأصابع الأربع إذا قطع فديته خمسة و خمسون ديناراً و ثلث دينار- إلى أن قال:- و في المفصل الأعلى من الأصابع

______________________________

(1) الكافي في الفقه (للحلبي): 398.

(2) حكاه السيد الخوئي في مباني تكملة المنهاج 2: 304، و انظر الغنية: 418.

(3) وسائل الشيعة 29: 350، الباب 42 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 185

..........

______________________________

الأربع إذا قطع سبعة و عشرون ديناراً و نصف و ربع و نصف عشر دينار «1». لا يساعد أن يكون دية المفصل الأوسط ضعفي دية المفصل الأولى ودية المفصل الأُولى يزيد عن نصف ضعفي المفصل الاوسط و يجمع بينهما أنّ التسوية الظاهرة من المعتبرة تقريبية لا ينافي الاختلاف اليسير الوارد في كتاب ظريف.

أقول: لا يمكن جعل تساوي دية شلل اليدين مع دية النفس قرينة على حمل تعيين عشر من الإبل

و أنّ أصابع اليدين و القدمين متساوية في الدية في الصحيحتين و الموثّقة على التقيّة، فإنّ كون دية شلل اليدين تمام الدية وارد أيضاً في كتاب ظريف و لو فرض أنّ الحكم المذكور فيها للتقيّة- كما يأتي- فلا يكون قرينة أو مؤيّدة لكون الحكم في مورد الكلام من تسوية الأصابع في الدية الوارد في الصحيحتين و الموثّقة و غيرهما لرعاية التقيّة.

نعم، ظاهر كلام الشيخ في الخلاف «2» من أنّ التسوية مذهب الفقهاء و لكن التفصيل بين دية الإبهام و سائر الأصابع مذهب أصحابنا.

و أمّا ما ذكره قدس سره من أنّ في قطع الإصبع الزائدة ثلث دية الإصبع فقد ورد في معتبرة غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الإصبع الزائدة إذا قطعت ثلث دية الصحيحة «3». و إطلاقها يعمّ ما إذا كان الإصبع الزائدة من اليد أو الرجل.

و الرواية معتبرة سنداً فإنّ كلّاً من محمّد بن يحيى الخزّاز الراوي لكتاب غياث بن إبراهيم، و غياث بن إبراهيم موثّق فلا مجال للمناقشة فيها سنداً إلّا عند من يشترط الإيمان في اعتبار الخبر.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 302، الباب 12 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

(2) الخلاف 5: 248، المسألة 50.

(3) وسائل الشيعة 29: 345-/ 346، الباب 39 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 186

..........

______________________________

و يدلّ أيضاً على ذلك ما رواه الشيخ باسناده عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن العباس بن معروف، عن الحسن، عن محمد بن يحيى، عن غياث، عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليه السلام: أنّه قضى في شحمة الأُذن بثلث دية الأُذن، و في الإصبع الزائدة ثلث دية الإصبع «1». الحديث، و الرواية

معتبرة؛ لأنّ الحسن الذي يروي عنه العباس بن معروف و إن كان مردّداً بين ابن فضّال و الحسن بن محبوب و الحسن بن محمد الحضرمي و هم الذين يروي عنهم العباس بن معروف إلّا أنّ كلّهم ثقات، و ما في نسخة الوسائل الحسن بن محمد بن يحيى «2» غلط؛ لأنّ الراوي عن غياث بن إبراهيم هو محمّد بن يحيى الخزاز (و هو بتري ثقة) لا الحسن بن محمّد بن يحيى فلفظة (بن) في نسخة الوسائل مصحّف (عن).

و ما ذكره قدس سره من أنّ في شلل كلّ واحد من الأصابع ثلثي الدية و في قطع الإصبع بعد شللها ثلث الدية يستفاد ممّا تقدّم من صحيحة الفضيل المتقدّمة حيث ورد فيها:

في كلّ إصبع شلّت ثلثي ديتها، قال: و كذلك الحكم في الساق و القدم إذا شلّت أصابع القدم «3».

و ما ذكر قدس سره من أنّ في قطع الإصبع بعد الشلل ثلث ديتها و هو ممّا لا خلاف فيه بين أصحابنا، يستفاد من رواية الحكم بن عتيبة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام حيث ورد في ذيلها: و كلّما كان من شلل فهو على الثلث من دية الصحاح «4».

و من صحيحة أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال سأله بعض آل زرارة عن رجل

______________________________

(1) التهذيب 10: 261، الحديث 67.

(2) وسائل الشيعة 29: 351، الباب 43 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

(3) وسائل الشيعة 29: 347، الباب 39 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 5.

(4) وسائل الشيعة 29: 345، الباب 39 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 187

و في الظفر إذا لم ينبت عشرة دنانير. و كذا لو نبت أسود. و

لو نبت أبيض، كان فيه خمسة دنانير، و في الرواية ضعف، غير أنّها مشهورة و في رواية عبد اللّه بن سنان في الظفر خمسة دنانير. (1)

______________________________

قطع لسان رجل أخرس؟ فقال: إن كان ولدته أُمّه و هو أخرس فعليه ثلث الدية، و إن كان لسانه ذهب به وجع أو آفة بعد ما كان يتكلّم فإنّ على الذي قطع لسانه ثلث دية لسانه، قال: و كذلك القضاء في العينين و الجوارح، قال: و هكذا وجدناه في كتاب علي عليه السلام «1». و ظاهر أنّ الجناية على أيّ عضو مشلول ثلث دية ذلك العضو إذا كان صحيحاً كما هو مقتضى قوله عليه السلام: و كذلك القضاء، الخ.

دية الظفر

(1) المنسوب «2» إلى المشهور بين الأصحاب أنّ في قطع الظفر و إزالته بلا فرق بين أظفار اليد و الرجل تفصيلًا، بمعنى أنّه إذا لم تنبت الظفر أصلًا أو نبت أسود فدية كلّ ظفر عشرة دنانير و أمّا إذا نبت أبيض فديته خمسة دنانير.

و استندوا في ذلك إلى رواية مسمع، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في الظفر إذا قطع و لم ينبت أو خرج أسود فاسداً عشرة دنانير فإن خرج أبيض فخمسة دنانير» «3».

و لكن في سندها مع الغمض عن سهل بن زياد، محمّد بن الحسن بن شمّون و عبد اللّٰه بن عبد الرحمن الأصم و كلاهما ضعيفان؛ و لذا قال الماتن قدس سره في سندها ضعف.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 336، الباب 31 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.

(2) نسبه الشهيد الثاني في الروضة البهية (شرح اللمعة) 10: 230، و الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 14: 405.

(3) وسائل الشيعة 29: 349، الباب 41

من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 188

..........

______________________________

و مع ذلك يعارضها صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «في الظفر خمسة دنانير» «1».

و ما عن المروي في كتاب ظريف: في كلّ ظفر من أظفار اليد خمسة دنانير «2»، و من أظفار الرجل عشرة دنانير «3».

و لا بد من رفع اليد عن إطلاق صحيحة عبد اللّه بن سنان بما ورد في كتاب ظريف من حمل خمسة دنانير على أظفار اليد، و أمّا اظفار الرجل و في كلّ منها غير الإبهام عشرة دنانير، و أمّا الإبهام فدية ظفرها ثلاثون ديناراً حيث ورد ذلك فيما رواه الكليني باسناده إلى كتاب ظريف عن أمير المؤمنين عليه السلام و في ظفره يعني الإبهام ثلاثون ديناراً و ذلك لأنّه ثلث دية الرجل «4». حيث يرفع اليد بذلك عمّا ورد فيه في أظفار القدم من قوله: دية كلّ ظفر عشرة دنانير. فتكون النتيجة أنّ في أظفار القدم في ظفر الإبهام ثلاثون، و في كلّ من غير الإبهام عشرة، و أمّا أظفار اليدين و في كلّ منها خمسة هذا مع قطع النظر عن رواية مسمع.

و قد يستشكل فيما ورد في كتاب الظريف بأنّه لا يعمل به لعدم عامل به و لأنّ التعليل الوارد فيه من قوله: «و ذلك لأنّه ثلث دية الرجل» غير قابل للتصديق حيث إنّ الثلثين لا يكون ثلث دية الرجل.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 350، الباب 41 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 29: 302، الباب 12 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل، قوله في آخره: و في ظفر كل إصبع منها خمسة دنانير.

(3) وسائل الشيعة 29: 308،

الباب 17 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل، قوله في آخره: ودية كل ظفر عشرة دنانير.

(4) الكافي 7: 341، ذيل الحديث 11.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 189

[الثاني عشر الظهر]

(الثاني عشر): الظهر و فيه إذا كُسِرَ الدية كاملة. و كذا لو أُصيب فاحدودب، أو صار بحيث لا يقدر على القعود (1). و لو صَلُح، كان فيه ثلث الدية.

-

______________________________

و أيضاً ما ورد في كتاب ظريف من التفرقة بين أظافير اليد و أظافير الرجل ينافي ما ورد في روايات متعدّدة من أنّ أصابع اليد و الرجلين سواء في الدية، و يوجّه ما عليه المشهور بأنّ التفصيل الوارد في رواية مسمع يوجب حمل صحيحة عبد اللّه بن سنان على صورة نبات الظفر بعد ذلك أبيض فيكون في كلّ من أظافير اليد و الرجل مع عدم نباته أو نباته أسود عشرة دنانير، و في نباته أبيض خمسة دنانير، و ضعف رواية مسمع ينجبر بعمل المشهور، و أمّا ما ورد في كتاب ظريف من التفصيل بين أظافير اليد و الرجل و بين ظفر الإبهام من القدم و سائر أظافيره يترك لعدم عامل به بالالتزام بالدية فيه كذلك.

أقول: لعلّ وجه عدم عملهم بما في كتاب ظريف هو اعتقادهم بأنّ عدم صحّة التعليل فيها و الروايات الواردة في تسوية أصابع الرجلين و اليدين في الدية مانعان عن العمل بما فيه.

و لكن شي ء منهما لا يمنع عن ذلك؛ لأنّ عدم صحّة التعليل لا يوجب رفع اليد عن الحكم الوارد فيه و لعلّ عدم صحّته للاشتباه في الضبط و كان التعليل بحيث كان مطابقاً للواقع و الروايات الواردة في التسوية ناظرة إلى دية الأصابع لا أظافير الأصابع؛ و لذلك ذكر في بعضها بأنّ

في كلّ إصبع عشر الدية، و على ذلك فالأظهر العمل بما في صحيحة عبد اللّه بن سنان، و ما ورد في المروي عن كتاب ظريف عن أمير المؤمنين عليه السلام «1» كما ذكرنا.

دية الظهر

(1) بلا خلاف بين الأصحاب و ذكر بعضهم في ديات كسر الأعضاء و لا يمكن

______________________________

(1) تقدمتا في الصفحة السابقة.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 190

و في رواية ظريف: إن كُسِرَ الصلب، فجُبِرَ على غير عيب فمائة دينار. و إن عثم فألف دينار. و لو كسر، فشلّت الرجلان فدية له، و ثلثا دية للرجلين. و في الخلاف لو كسر الصلب فذهب مشيه و جماعه فديتان.

______________________________

التمسّك فيه بما ورد في أنّ كلّ ما في البدن واحد ففيه الدية حيث إنّ ظاهره إزالة العضو و الكسر غير داخل فيه.

و لكن يشهد لمّا ذكروا صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يكسر ظهره، قال: «فيه الدية كاملة» «1».

و صحيحة بريد العجلي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل كسر صلبه فلا يستطيع أن يجلس أنّ فيه الدية» «2» رواها في الوسائل عن الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن أبي سليمان الحمّار، عن بريد العجلي، و أبو سليمان الحمّار هو داود بن سليمان ثقة و له كتاب يرويه الحسن بن محبوب.

و معتبرة السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في الصلب الدية» «3».

و في موثّقة سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل الواحدة نصف الدية- إلى أن قال:- و في الظهر إذا انكسر حتّى لا ينزل صاحبه الماء الدية كاملة «4». و

ربّما يوهم بأنّ الكسر لا يتعلّق بكسره الدية، بل إذا كان موجباً لعدم إنزال الماء.

و لكن لا يخفى أنّ عدم الإنزال لازم للكسر الذي لا يجبر فهو معرف للكسر و في

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 284، الباب الأوّل من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 29: 305- 306، الباب 14 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

(3) وسائل الشيعة 29: 306، الباب 14 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.

(4) وسائل الشيعة 29: 285-/ 286، الباب الأوّل من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 7.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 191

[الثالث عشر النخاع]

(الثالث عشر): النخاع و في قطعه الدية كاملة. (1)

______________________________

معتبرة يونس أنّه عرض على أبي الحسن الرضا عليه السلام كتاب الديات و كان فيه- إلى أن قال:- و في الظهر إذا أحدب ألف دينار «1».

هذا كلّه إذا لم يجبر من غير عيب و عثم.

و أمّا إذا جبر من غير عيب فالمنسوب إلى المشهور أو إلى أكثر فيه ثلث الدية و لم يعرف لذلك مستند يعتمد عليه و قد ورد في المعتبرة عن كتاب ظريف: و إن انكسر الصلب فجبر على غير عثم و لا عيب فديته مائة دينار «2». فالمتعيّن الأخذ بذلك. ثمّ إنّه إذا كسر الظهر و ترتّب عليه شلل الرجلين، سواء جبر أو لم يجبر، يكون مع ديته دية شللهما و هي ثلثا دية الرجلين؛ لأنّه مقتضى ما دلّ على الدية في كلّ من كسر الظهر و شلل الرجلين و إن كان كلاهما بفعل واحد، و سيأتي الكلام في ثبوت الديات المتعدّدة للجنايات المتعدّدة التي لكلّ منها دية أو لبعضها أرش و إن كان كلّها حدثت بفعل واحد.

دية النخاع

(1) النخاع هو العصب الابيض داخل

عظم الرقبة المعبر عنه في كلمات بالخيط الأبيض داخل عظم الرقبة ممتد إلى الصلب، و عن المشهور أنّ دية قطعه حتّى على تقدير عدم موت المجني عليه بقطعه الدية الكاملة بل ادّعي عدم الخلاف فيه.

و يستدلّ على ذلك بالإطلاق و العموم في: أنّ كلّ ما في الجسد واحد ففيه الدية و ما فيه اثنان ففي واحد منهما نصفها «3».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 311، الباب 18 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 29: 304-/ 305، الباب 13 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

(3) وسائل الشيعة 29: 287، الباب الأوّل من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 12.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 192

[الرابع عشر الثديان]

(الرابع عشر): الثديان و فيهما من المرأة ديتها. و في كلّ واحد نصف ديتها (1). و لو انقطع لبنهما، ففيه الحكومة، و كذا لو كان اللبن فيهما و تعذّر نزوله.

و لو قطعهما مع شي ء من جلد الصدر، ففيهما ديتها و في الزائدة حكومة. و لو أجاف مع ذلك الصدر، لزمه دية الثديين و الحكومة ودية الجائفة.

______________________________

و قد يقال لو فرض بقاء حياة الإنسان مع قطع نخاعه ففي التمسّك بالعموم و الإطلاق المشار إليهما تأمّل فإنّ ظاهرهما إزالة العضو المستقلّ من الجسد و النخاع لا يعدّ عضواً مستقلّاً، بل من تابع عضو الإنسان و الحيوان و هو عظم الفقرات من داخل الرقبة مع أنّ ما دلّ على ثبوت الدية في العضو إنّما يراد به قطعه و إزالته عن محلّه و القطع مع بقائه في محلّه لا يدخل في الإطلاق و العموم؛ و لذا لا يدخل كسر عظم عضو فيهما سواء كان ذلك العضو واحداً أو اثنان و لا يبعد مع فرض بقاء

الحياة الرجوع إلى الحكومة.

أقول: إنّما يصحّ الرجوع إلى الحكومة إذا قطع شي ء من النخاع، و أمّا إذا قطع بحيث حصل الانفصال و لو في داخل عظم الرقبة فلا يبعد التمسّك بالإطلاق المشار إليه أو العموم، حيث إنّ إناطة حياة الإنسان و الحيوان بعدم قطعه بنحو الانفصال و لو في داخل الفقرة يوجب حسابه عضواً من أعضاء الجسد، و يصدق على قطعه و لو بالنحو المزبور إزالته و إتلافه، كيف و قد ثبت في قطع المارن من الأنف و الحشفة من الذكر تمام الدية مع أنّهما من جزء العضو، و جزء العضو تابع مع أنّه لا تتوقّف حياة الإنسان بشي ء منهما، و اللّٰه العالم.

دية الثديين

(1) بلا خلاف بين أصحابنا و يدلّ على ذلك الإطلاق و العموم في: أنّ كلّ ما في الجسد اثنان في كلّ منهما نصف الدية «1».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 283، الباب الأوّل من أبواب موجبات الضمان، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 193

و لو قطع الحلمتين (1)، قال في المبسوط: فيهما الدية و فيه إشكال من حيث إنّ الدية في الثديين و الحلمتان بعضهما. أمّا حلمتا الرجل ففي المبسوط و الخلاف فيهما الدية، و قال ابن بابويه رحمه الله: في حلمة ثديي الرجل ثمن الدية مائة و خمسة و عشرون ديناراً. و كذا ذكر الشيخ رحمه الله في التهذيب عن ظريف. و في إيجاب الدية فيهما بُعد. و الشيخ أضرب عن رواية ظريف و تمسّك بالحديث الذي مرّ في فصل الشفتين.

______________________________

أضف إلى ذلك صحيحة أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل قطع ثدي امرأته، قال: أُغرّمه إذن لها نصف الدية «1».

و لو

انقطع لبنها بذلك يكون في انقطاعه الحكومة حيث إنّ قطعها أوجبت جناية لا مقدّر لها فيرجع إلى الحكومة.

و لا فرق في ذلك بين الانقطاع أو تعذّر نزول اللبن حيث إنّ المرأة إذا صارت حاملًا لم يتكون في ذلك الثدي اللبن بحيث يستند إلى قطعها.

و كذلك يرجع إلى الحكومة إذا قطع مع قطع الثدي شي ء من جلد الصدر حيث إنّ قطع شي ء من الجلد لا مقدّر لها يرجع إلى الحكومة، و لو أجاف بقطع الثدي الصدر يثبت مع دية الثدي دية الجائفة.

في الحلمتين

(1) و لو قطع الحلمتين من ثديي المرأة قال في المبسوط: فيهما الدية كاملة «2»، و تبعه العلّامة و ابن حمزة و ابن إدريس «3».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 354، الباب 46 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

(2) المبسوط 7: 148.

(3) التحرير 5: 597. و الوسيلة: 442 و 450، و السرائر 3: 394.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 194

..........

______________________________

و المستند فيما ذكروا التمسّك بالإطلاق و العموم المشار إليهما.

و قد أورد على ذلك بأنّ الحلمة جزء من ثدي المرأة و ثبوت نصف الدية في ثديها يوجب تقسيطها و توزيعها على أجزائها، و إلّا لزم مساواة الجزء مع الكلّ.

و دعوى عدم البأس بمساواة الجزء مع الكلّ و قد ثبت المساواة في اليد و الرجل و الذكر و الأنف لا يمكن المساعدة عليها؛ لأنّ اليد و الرجل و الذكر و الأنف يطلق على البعض أيضاً، بخلاف الثدي و الحلمة مع أنّ ما ذكر مورد النصّ و قياس المقام بها من القياس المنهي عنه.

و قد يقال بأنّ الثابت في حلمتي الرجل ربع ديته و يكون الأمر في المرأة أيضاً كذلك؛ لأنّ المرأة تشارك الرجل إلى ثلث الدية،

و هذا العموم يجري في المقام أيضاً فيكون في حلمتي المرأة أيضاً كالرجل ربع الدية، و في رواية ظريف التي ذكرنا اعتبارها و أنّه يجري عليها حكم سائر الروايات المعتبرة من الأخذ بها مع عدم المعارض لها: «و في حلمة ثدي الرجل ثمن الدية مائة و خمسة و عشرون ديناراً» «1».

فلا تصل النوبة إلى ما ذكر في المبسوط و الخلاف «2» من التمسّك بأنّ ما في الجسد اثنان في أحدهما نصف الدية.

و لا ما مال إليه في الرياض «3» من الرجوع إلى الحكومة حتّى في حلمتي الرجل و أنّه لا يتمسّك برواية ظريف و إن قلنا باعتبار سندها لتعارض الإجماع المدّعى من الخلاف فيرجع إلى الحكومة مضافاً إلى أصالة البراءة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 304-/ 305، الباب 13 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

(2) المبسوط 7: 148، الخلاف 5: 257، المسألة 65.

(3) رياض المسائل 2: 550 (الطبعة القديمة).

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 195

[الخامس عشر الذكر]

(الخامس عشر): الذكر و في الحشفة فما زاد الدية و إن استؤصل (1)، سواء كان لشاب أو شيخ أو صبي لم يبلغ، أو من سُلَّت خصيتاه.

دية الذكر

______________________________

(1) من غير خلاف معروف أو منقول من أصحابنا و يدلّ عليه ما في معتبرة يونس الذي عرض على الرضا عليه السلام كتاب الديات: «و الذكر إذا استؤصل ألف دينار» «1».

و صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: في الرجل يكسر ظهره قال: فيه الدية كاملة- إلى أن قال:- و في الذكر إذا قطعت الحشفة و ما فوق الدية «2».

و مدلول هذه أنّ قطع الحشفة أو القطع من فوق يوجب تمام الدية و بهذه يرفع اليد عن إطلاق ما ورد في معتبرة يونس

المتقدّمة و يلتزم ثبوت الدية كاملة إذا استؤصل الذكر أو قطع الحشفة و ما فوق.

و أصرح منها في ثبوت الدية في قطع الحشفة خاصّة صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: في الأنف إذا استؤصل جذعه الدية- إلى أن قال:- و في الذكر إذا قطع من موضع الحشفة الدية «3».

و مقتضى الإطلاق في هذه الروايات عدم الفرق بين كون المقطوع منه شاباً أو شيخاً أو صبيّاً أو من شلّت خصيتاه و لم يوجب الشلل شلل ذكره، و إلّا يكون في قطع الذكر المشلول ثلث الدية كما يأتي.

و يدلّ على الإطلاق ما ورد في قطع الذكر من الغلام لصحيحة بريد العجلي، عن أبي جعفر قدس سره: «في ذكر الغلام الدية كاملة» «4».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 283-/ 284، الباب الأوّل من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 29: 284-/ 285، الباب الأوّل من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة 29: 285، الباب الأوّل من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 5.

(4) وسائل الشيعة 29: 339، الباب 35 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 196

و لو قطع بعض الحشفة كانت دية المقطوع بنسبة الدية من مساحة الكمرة حسب، و لو قطع الحشفة و قطع آخر ما بقي كان على الأوّل الدية و على الثاني الأرش. (1)

______________________________

و على الجملة، المستفاد من الروايات الثلاث المتقدّمة أنّ مثل الحشفة بالإضافة إلى قطع الذكر مثل ذهاب الأصابع بقطع الكفّ، كما أنّ الأصابع إذا قطع مستقلّاً ففيها الدية، و لكن إذا ذهبت بقطع الكفّين فلا دية لذهابها، كذلك الأمر في الحشفة إذا ذهبت بقطع الذكر من فوق الحشفة فلا دية لها، و

أمّا إذ قطعت الحشفة مستقلّاً تكون فيها الدية كاملة، و على ذلك فإن قطع بعض الحشفة ثبتت الدية في المقدار المقطوع بحسابه إلى تمام الحشفة التي يعبّر عنها بالكمرة؛ و ذلك لثبوت الدية الكاملة في قطع الحشفة خاصّة فيكون المقطوع بحسابه على ما ورد في بعض الموارد و يساعده اعتبار الأرش.

(1) فإنّ من قطع الحشفة عليه تمام الدية على ما تقدّم.

و أمّا قطع الذكر الذي قطعت حشفته فلم يرد فيه تقدير فيرجع فيه إلى الحكومة.

و الظاهر عدم الفرق في هذا الحكم بين ما إذا قطع آخر ما بقي ذكره أو قطعه قاطع الحشفة ثانياً كما صرّح بذلك في الجواهر «1».

و الوجه في ذلك أنّ ما ورد في قطع الذكر و ما فوق أو قطعه بالاستئصال فيه الدية ناظر إلى ما إذا كان ذلك بجناية واحدة و بقطع واحد عرفاً، أمّا إذا عدّت جنايتان و قطعان فلأحدهما مقدّر خاصّ يكون في الأُخرى الحكومة، كما تقدّم ذلك في الجناية على اليدين و الأصابع.

و بذلك يظهر الحال في قطع ذكر الخنثى التي أحرزت أنّها امرأة فإنّ ذكرها شي ء

______________________________

(1) جواهر الكلام 43: 268.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 197

و في ذكر العِنين ثلث الدية، و فيما قطع منه بحسابه (1).

و في الخصيتين الدية. و في كلّ واحدة نصف الدية. (2)

______________________________

زائد يكون قطعه جناية لا تقدير فيها فيرجع إلى الحكومة.

(1) هذا المشهور عند الأصحاب؛ لأنّ العضو المشلول ديته ثلث دية العضو الصحيح فيكون في قطع تمام ذكر العنّين ثلث الدية و في قطعها بحساب المقدار المقطوع إلى ثلث الدية الثابت في قطع مجموع ذكره حيث لم يرد في قطع حشفته ثبوت ثلث الدية الكاملة، بل لا يختصّ

الشلل بالحشفة ليكون في قطعها ثلث الدية، بل يكون الشلل في أصل الذكر و ينسب المقدار المقطوع إلى أصل الذكر في حساب المساحة.

هذا، و قد ورد في معتبرة السكوني قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: «في ذكر الصبي الدية، و في ذكر العنين الدية «1». و ظاهر تساوي ذكر العنين و الغلام أنّ في قطع كلّ منهما تمام الدية، و مقتضى ذلك رفع اليد بها عمّا استفيد من بعض الروايات من أنّ الدية في العضو المشلول ثلث دية ذلك العضو إذا كان صحيحاً بقانون رفع اليد عن العموم و الإطلاق بالخاصّ الوارد على خلافهما.

و مع ذلك أنّ الوارد في قطع ذكر الخصي في صحيحة بريد بن معاوية ثلث الدية «2». و التفرقة بين ذكره و بين العنين بعيد جدّاً فإنّ كلّاً من الخصي و العنين الذي لا ينتشر ذكره شلل.

دية الخصيتين

(2) لا خلاف في أن تثبت الدية الكاملة في قطع الخصيتين معاً، و يشهد له مضافاً إلى العموم في صحيحة هشام بن سالم- عن أبي عبد اللّه عليه السلام: كلّ ما في

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 339، الباب 35 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 29: 336، الباب 31 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 198

و في رواية: في اليسرى ثلثا الدية؛ لأنّ منها الولد، و الرواية حسنة، لكن عدولًا عن عموم الروايات المشهورة. و في أدرة الخصيتين أربعمائة (1) دينار، فإن فحج فلم يقدر على المشي فثمان مائة دينار، و مستنده كتاب ظريف غير أنّ الشهرة تتضمّن تؤيده.

______________________________

الإنسان اثنان ففيهما الدية «1».- ما ورد في صحيحة يونس، عن كتاب ظريف و في البيضتين ألف دينار

«2». فتكون الدية في قطع إحداهما نصف الدية على ما هو مقتضى القاعدة الواردة كلّ ما في البدن اثنان ففي أحدهما نصف الدية، إلّا أنّه قد ورد التفرقة بين اليسرى و اليمنى في صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام بأنّ في اليسرى ثلثا الدية و في اليمنى ثلثها، معللًا الفرق بأن الولد يكون من اليسرى «3».

و لكن يعارض الصحيحة في ذلك ما ورد في معتبرة ظريف عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: و في خصية الرجل خمسمائة دينار «4». فإنّ ثبوت نصف الدية في خصية تنفي الاختلاف بين اليمنى و اليسرى.

و مع التعارض بينها و بين صحيحة عبد اللّه بن سنان يرجع إلى عموم ما دلّ على أنّ ما في الإنسان و الجسد اثنان ففي أحدهما نصف الدية.

و ما ورد في صحيحة عبد اللّه بن سنان من تعليل اختلاف ديتهما بأنّ الولد يكون من اليسرى و إن ورد في مرفوعة أبي يحيى الواسطي «5» أيضاً إلّا أنّ التعليل ممّا وقع مورداً لإنكار من بعض الأطباء، و المرفوعة ضعيفة بالإرسال بمحمّد بن هارون.

(1) ما ذكر قدس سره في أدرة الخصيتين أربعمائة دينار أي ما إذا فعل ما حصل به

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 287، الباب الأوّل من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 12.

(2) وسائل الشيعة 29: 383-/ 384، الباب الأوّل من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 29: 283، الباب الأوّل من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

(4) التهذيب 10: 307، الحديث 26.

(5) وسائل الشيعة 29: 311-/ 312، الباب 18 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 199

[السادس عشر الشفران]

(السادس عشر): الشفران و هما اللحم المحيط بالفرج

إحاطة الشفتين بالفم، و فيهما ديتها. و في كلّ واحدة نصف ديتها. و تستوي في الدية السليمة و الرتقاء.

و في الزكَب حكومة، و هو مثل موضع العانة من الرجل. (1)

______________________________

انتفاخ الخصيتين فإن فحج أي حصل التباعد بين رجليه بانتفاخهما بحيث لا يتمكّن من المشي بلا مشقّة يكون الدية ثمانمائة دينار أي أربعة أخماس الدية كما ورد ذلك في كتاب ظريف عن أمير المؤمنين عليه السلام فإن أُصيب رجل فأدر خصيتاه كلتاهما فديته أربعمائة دينار فإن فحج فلم يستطع المشي إلّا مشياً لا ينفعه فديته أربعة أخماس دية النفس «1». و حيث إنّه لا يعارضها شي ء من الروايات، و لم تقع مورداً لإعراض من الأصحاب يتعيّن العمل بما ورد فيه كيف و قد ذكر الماتن أنّ مستنده كتاب ظريف غير أنّ الشهرة تؤيّده.

دية الشفرين

(1) و في قطع الشفران من المرأة و هما اللحمان المحيطان بفرجها الدية كاملة أي دية المرأة، و في قطع أحدهما نصف ديتها من غير فرق بين المرأة السليمة و غيرها من الرتقاء و القرناء و الكبيرة و الصغيرة و الثيب و البكر من غير خلاف معروف من أصحابنا.

و يدلّ على ذلك مضافاً إلى القاعدة العامة المشار إليها كلّ ما في الجسد اثنان ففي واحد منهما نصف الدية و فيهما الدية، معتبرة عبد الرحمن بن سيابة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إنّ في كتاب علي عليه السلام لو أنّ رجلًا قطع فرج امرأته لأغرمته لها ديتها «2». و قطع الفرج ظاهره قطع نفس الشفرين اللتين كالشفتين بالإضافة إلى الفم.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 311، الباب 18 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 29: 171، الباب 9 من أبواب قصاص الطرف،

الحديث 2.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 200

و في إفضاء المرأة ديتها (1)، و تسقط في طرف الزوج، إن كان بالوطء بعد بلوغها. و لو كان قبل البلوغ ضمن الزوج مع مهرها ديتها، و الإِنفاق عليها حتّى يموت أحدهما.

______________________________

و أمّا المنسوب إلى أهل اللغة في معنى الشفرين فليس عند العرف من عضوين من الجسد يعدّان كحاشيتي الجفنين للعين مع أنّ الوارد في معتبرة عنوان الفرج دون الشفرين و الفرج للمرأة هو الشفرين بالمعنى المذكور في المتن.

ثمّ الإطلاق و العموم في المعتبرة و القاعدة يعمّ قطع الشفرين من أي امرأة سليمة أو غيرها حتّى الرتقاء و القرناء و الصبيّة و البالغة و الثيّب و البكر، و أمّا قطع الزكب من المرأة فيه الحكومة لعدم ورود تقدير دية فيه، و الزكب في المرأة كالعانة من الرجل حيث إنّ في قطع عانة الرجل أيضاً الحكومة؛ لأنّ فيه أيضاً لم يرد تقدير سواء قطع مع الفرج أو منفرداً.

و أمّا ما في صحيحة أبي بصير قال أبو جعفر عليه السلام: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل قطع فرج امرأته، قال: إذن أُغرمه لها نصف الدية «1». فلا يبعد أن يكون الحديث كما في التهذيب: «في رجل قطع ثدي امرأته» «2» أو كان القطع في إحدى الشفرين.

و على كلّ، فلا ينبغي التأمّل في أنّ قطع الشفرين بمعنى قطع الفرج يوجب تمام الدية فإنّها عضو واحد من أعضاء جسد المرأة.

دية إفضاء المرأة

(1) بلا خلاف يعرف و يدلّ عليه صحيحة سليمان بن خالد، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل كسر بعصوصه فلم يملك إسته ما فيه من الدية؟ فقال: الدية

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 171، الباب 9

من أبواب قصاص الطرف، الحديث الأوّل.

(2) التهذيب 10: 252، الحديث 31.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 201

..........

______________________________

كاملة، و سألته عن رجل وقع بجارية فأفضاها و كانت إذا نزلت بتلك المنزلة لم تلد؟

فقال: الدية كاملة «1». و ما رواه الصدوق بإسناده إلى قضايا أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قضى في امرأة أُفضيت بالدية «2». و لا فرق في ثبوت الدية بين كون الوطء شبهة أو حتّى الزنا، سواء كانت المرأة مطاوعة أو مكرهة فإنّ الزانية لا تستحقّ المهر لا أنّه لا تستحقّ دية الجناية، و على ذلك فإن كان المفضي أجنبياً تستحقّ المرأة دية نفسها كما هو ظاهر الروايتين.

و أمّا إذا كان المفضي زوجها فلا يكون على زوجها شي ء إذا كانت المرأة بالغة بأن أكمل تسع سنينها.

بخلاف ما إذا لم تكن بالغة حيث إنّه كان يحرم على الزوج وطء زوجتها قبل إكمالها تسع سنين فيتعلّق بالإفضاء دية نفسها.

و الكلام يقع في جهات:

الأُولى: أنّ تعلّق ديتها على زوجها المفضي مطلق أو أنّه يختصّ بصورة طلاقها بعد الإفضاء و لو متأخّراً و لو أمسكها على حباله إلى الآخر فلا يتعلّق عليه الدية.

ظاهر المنسوب «3» إلى المشهور أنّ تعلّق ديتها على زوجها المفضي قبل بلوغها مطلق أخذاً بإطلاق الروايتين.

و لكن في المقابل صحيحة حمران، عن أبي عبد للّٰه عليه السلام قال: سئل عن رجل تزوّج جارية بكراً لم تدرك فلمّا دخل بها اقتضّها فأفضاها؟ فقال: إن كان دخل بها

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 370، الباب 9 من أبواب ديات المنافع، الحديث الأوّل.

(2) من لا يحضره الفقيه 4: 148، بعد الحديث 5328.

(3) نسبه الشهيد الثاني في المسالك 15: 438.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 202

..........

______________________________

حين دخل

بها و لها تسع سنين فلا شي ء عليه و إن كانت لم تبلغ تسع سنين أو كان لها أقل من ذلك بقليل حين دخل بها فاقتضّها فإنه أفسدها و عطّلها على الأزواج فعلى الإمام أن يغرمه ديتها و إن أمسكها و لم يطلّقها حتّى تموت فلا شي ء عليه «1».

و ظاهرها كما ترى التفصيل في تعلّق الدية بين عدم إمساكها و طلاقها فيثبت الدية و بين عدم طلاقها و لو فيما بعد ذلك فلا يثبت الدية فإنّ الشي ء الذي يتحمّل الزوج المفضي المذكور في الرواية هو ديتها.

و قد قال في الرياض «2» إنّ هذه الرواية المفصّلة بين البلوغ و عدمه غير معمول بها عند الأصحاب، كما صرّح بذلك المجلسي.

و لكن لا يخفى أنّه لا يمكن إثبات إعراض الأصحاب عن الرواية لعدم تعرّض جملة منهم للمسألة أصلًا و عدم عمل عدة منهم لعلّه بدعوى أنّ المنفي في صورة عدم الطلاق نفي الدية بإطلاق نفي الشي ء و ما دلّ على تعلّق الدية خاصّ بالدية مضافاً إلى ما يأتي.

أقول: توقّف صاحب العروة في إطلاق ثبوت الدية و تصريح صاحب الحدائق بالتفصيل يؤيّد عدم ثبوت الإعراض.

الجهة الثانية: أنّ الدخول على الزوجة قبل بلوغ الجارية تسع سنين حرام و إن جاز نكاحها قبل بلوغها، و في صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «قال: إذا تزوّج الرجل الجارية و هي صغيرة فلا يدخل بها حتّى يأتي لها تسع سنين» «3».

و في موثقة طلحة بن زيد، عن جعفر عن أبيه، عن علي عليه السلام قال: «من تزوّج بكراً

______________________________

(1) وسائل الشيعة 20: 103-/ 104، الباب 45 من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث 9.

(2) الرياض 2: 551 (الطبعة القديمة)

(3) وسائل الشيعة 20:

101، الباب 45 من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 203

..........

______________________________

فدخل بها في أقلّ من تسع سنين فعيبت ضمن» «1» و في صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إنّ من دخل بامرأة قبل أن تبلغ تسع سنين فأصابها عيب فهو ضامن» «2».

و في صحيحة ابن أبي عمير، عن غير واحد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «حدّ بلوغ المرأة تسع سنين» «3».

و ما في بعض الروايات تسع سنين أو عشر سنين محمول على رعاية العشرة استحباباً، أو كون المراد الدخول بعشر سنين، و إطلاق (ضمن) يقيد بصورة الطلاق بعد الإفضاء إذا كان العيب إفضاءً.

و على كل تقدير فالإفضاء إذا دخل بها قبل إكمال تسع سنين و إن كان موجباً للدية كما ذكرنا و لا تبطل الزوجيّة إلّا بالطلاق إلّا أنّ المحكي عن جملة بطلان النكاح بذلك و تصير المرأة محرمة على المفضي كما هو ظاهر مرسلة يعقوب بن يزيد، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا خطب الرجل المرأة فدخل بها قبل أن تبلغ تسع سنين فرّق بينهما و لم تحلّ له أبداً» «4» و لكنّ تقدّم أنّ صحيحة حمران كالصريح في بقاء الزوجية ما لم يطلّق، و كذا رواية بريد بن معاوية عن أبي جعفر عليه السلام في رجل افتضّ جارية يعني امرأته فأفضاها؟ قال: عليه الدية إن كان دخل بها قبل أن تبلغ تسع سنين، قال: و إن أمسكها و لم يطلّقها فلا شي ء عليه، إن شاء أمسك و إن شاء طلّق «5».

فالمرسلة مع ضعفها بالإرسال و معارضتها بالصحيحة و غيرها لا يمكن

______________________________

(1) وسائل الشيعة 20: 103، الباب 45

من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث 6.

(2) وسائل الشيعة 20: 103، الباب 45 من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث 8.

(3) وسائل الشيعة 20: 104، الباب 45 من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث 10.

(4) وسائل الشيعة 20: 494، الباب 34 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 2.

(5) وسائل الشيعة 20: 494، الباب 34 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 3.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 204

..........

______________________________

الاعتماد عليها، و حمل المرسلة على حرمة الدخول بها أبداً حتّى و إن أمسكها و لم يطلّقها لا يعدّ جمعاً عرفيّاً مع أنّه لم يفرض في المرسلة الإفضاء، بل الموضوع هو الدخول قبل بلوغ تسع سنين و لا أظنّ أن يلتزم به واحد من الأصحاب.

و على الجملة، فلا موجب أيضاً للالتزام بحرمة الدخول بها و لو من المفضي لها خصوصاً فيما اندمل الجرح.

الجهة الثالثة: أنّ على الزوج المفضي نفقة المفضاة ما دامت حيّة و إن طلّقها بعد ذلك كما يدلّ على ذلك صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن رجل تزوّج جارية فوقع بها فأفضاها؟ قال: عليه الإجراء عليها ما دامت حيّة «1». و مقتضى إطلاقها عدم الفرق في الإجراء بين صورة إمساكها حتّى ما لو طلّقها بعد إفضائها.

نعم، بما أنّ الحكم بالإجراء أي الإنفاق لا يعمّ المفضي بعد موته قيد الحكم بما لم يمت أحدهما، و حيث إنّ المستفاد من صحيحة الحلبي الواردة في الإجراء عليها أنّ ما على المفضي الزوج في الفرض نفقتها حتّى فيما إذا طلّقها هو أن لا تبقى المفضاة بلا نفقة فإذا مات الزوج قبلها فلا يكون على المفضي نفقتها، بل تكون نفقتها من ملكها من سهم الإرث كما أنّه لو تزوجت بعد

طلاقها من الآخر تكون نفقتها على زوجها.

الجهة الرابعة: أنّ المفضي لها إذا طلّقها بعد الإفضاء يكون عليه مهرها مضافاً إلى ديتها لأنّ الدية عوض جناية الإفضاء و المهر استقراره بالدخول و لا موجب و لا دليل على التداخل.

و ما تقدّم من وجوب الإنفاق أو حرمة الدخول بناءً على المشهور، إنّما هو فيما إذا كانت الزوجة باكرة صغيرة، و أمّا الكبيرة و الموطوءة بشبهة أو حتّى بالزنا لا يترتّب عليه إلّا دية الإفضاء في غير الزوجة الكبيرة؛ لما تقدم من أنّه لا يترتّب على الإفضاء

______________________________

(1) وسائل الشيعة 20: 494، الباب 34 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 4.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 205

و لو لم يكن زوجاً، و كان مكرهاً، فلها المهر و الدية (1). و إن كانت مطاوعة، فلا مهر، و لها الدية. و لو كانت المكرهة بكراً، هل يجب لها أرش البكارة زائداً على المهر؟ فيه تردد، و الأشبه وجوبه، و يلزم ذلك في ماله؛ لأنّ الجناية إمّا عمد أو شبيه بالعمد.

[السابع عشر الأليتان]

(السابع عشر): قال في المبسوط: في الأليتين (2) الدية. و في كلّ واحدة نصف الدية.

______________________________

في الزوجة الكبيرة دية الإفضاء كما ورد ذلك في صحيحة حمران قال: سئل عن رجل تزوّج جارية بكراً لم تدرك فلمّا دخل بها اقتضها فأفضاها؟ فقال: إن كان دخل بها حين دخل بها و لها تسع سنين فلا شي ء عليه «1». و نحوها غيرها.

(1) يعني لو كان المفضي مكرهاً للمرأة و لم يكن زوجاً لها يتعلّق عليه الإفضاء و مهرها ودية إفضائها و هي دية نفسها.

نعم، إذا كانت مطاوعة تكون زانية تسقط مهرها و تستحقّ دية نفسها أي دية الإفضاء، و ذكر الماتن أنّ

المكرهة إذا كانت باكرة فلها مع مهرها و ديتها أرش البكارة زائداً على المهر، و لكن لم يعلم لما ذكره وجه صحيح فإنّ أرش البكارة تدخل في مهر المثل إذا كانت المرأة باكرة.

و على كلّ حال، الإفضاء جناية لا تكون موضع للاقتصاص بل تثبت الدية بها و تكون الدية على المفضي إمّا لأنّ الإفضاء جناية لا مورد القصاص فيها و تكون الجناية مورداً للدية أو أنّها شبه خطأ.

دية الأليتين

(2) المراد بالأليتين اللحمان النابتان بين الظهر و الفخذين، و لا ينبغي التأمّل في

______________________________

(1) وسائل الشيعة 20: 103-/ 104، الباب 34 من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث 9.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 206

و من المرأة ديتها، و في كلّ واحدة منها نصف ديتها، و هو حسن تعويلًا على الرواية التي مرّت في فصل الشفتين.

[الثامن عشر الرجلان]

(الثامن عشر): الرجلان و فيهما الدية. و في كلّ واحدة نصف الدية، و حدّهما مفصل الساق. (1)

______________________________

أنّهما تعدّان عضوين من الجسد متميّزتين من سائر الأعضاء من الجسد دخيلتين في الجمال و المنفعة و أقلّها، الجلوس على الأرض و الفراش.

و يقال في قطع كلتيهما تمام الدية و في قطع كلّ واحدة منها نصف الدية؛ لأنّ كلّ ما في الجسد اثنان ففيهما الدية و في قطع إحداهما نصفها.

و هل المراد من قطعهما أو قطع إحداهما القطع إلى أن يصل إلى العظم أو المراد قطع ما أشرف منهما، فالظاهر أنّها اسم للمجموع لا خصوص ما أشرف منها و على ذلك فإن قطع ما أشرف خاصّة يكون المورد من موارد الحكومة بناءً على القاعدة المتقدّمة في أنّ كلّ ما لم يرد فيه تقدير الدية يرجع إلى الحكومة، كما أنّه لو قطع بعض ما أشرف

فهو أيضاً موردها.

و دعوى أنّ الداخل في معنى الألية هو ما أشرف إلى أن يصل إلى مساواة الظهر و الفخذ فلا يمكن المساعدة عليها فإنّ ما أشرف إلى موضع العظم يعدّ عضواً واحداً و يحسب المجموع الألية فيكون قطع ما أشرف خاصّة أيضاً موضع الحكومة مع بقاء اللحم إلى العظم.

دية الرجلين

(1) الدية في كلّ من الرجلين كالدية في كلّ من اليدين و في كلّ منهما نصف الدية و في كلتيهما الدية كاملة.

و يدلّ على ذلك مضافاً إلى ما تقدّم من القاعدة من أنّ كلّ ما في الجسد اثنان ففي كلّ واحد منهما نصف الدية، عدّة من الروايات:

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 207

و في الأصابع منفردة دية كاملة. و في كلّ إصبع عُشْر الدية، و الخلاف هنا في الإِبهام كما في اليدين. ودية كلّ إصبع مقسومة على ثلاث أنامل بالسوية. و في الإبهام على اثنين. و في الساقين الدية. و كذا في الفخذين. و في كلّ واحدة نصف الدية.

______________________________

منها موثقة سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «في الرجل الواحدة نصف الدية» «1».

و معتبرة زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في اليد نصف الدية و في اليدين جميعاً الدية و في الرجلين كذلك» «2».

و حدّ الرجل مفصل الساق من ناحية القدم فإذا قطع القدم من ناحية مفصل الساق تثبت نصف الدية، كما أنّه إذا قطع من مفصل الفخذ أو الركبة تثبت أيضاً نصف الدية على ما تقدّم في دية اليد.

هذا كلّه إذا وقعت جناية واحدة من إحدى المفاصل أو من بعض الساق أو الفخذ؛ لأنّ المقطوع على كلّ تقدير جناية بقطع الرجل كما أوضحنا في قطع اليد، و أمّا إذا قطع

القدم أوّلًا ثمّ قطع الساق أو الفخذ ففي كلّ منهما دية كاملة أخذاً بما دلّ على أنّ كلّ ما في البدن اثنان ففي واحدة نصف الدية.

نعم، ذكرنا أنّه لا يبعد أنّ يلتزم بنفي القصاص فيما إذا قطع القدم من مفصل الساق ثمّ قطع الساق من الركبة شخص آخر، فلا يثبت القصاص، للثاني لانتفاء المماثلة بين العضوين فإنّ الساق بلا قدم ليس مثل الساق مع القدم.

و ذكرنا أيضاً أنّ أصابع الرجلين كأصابع اليدين يثبت في قطعهما من اليدين أو الرجلين تمام الدية إذا كان قطعت منفردة بخلاف ما لو كانت تابعة، كما إذا قطعت

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 285، الباب الأوّل من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 7.

(2) وسائل الشيعة 29: 285، الباب الأوّل من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 6.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 208

..........

______________________________

الرجلان من مفصل الساق فإنّه لا يثبت إلّا دية الرجل.

و الأمر في دية الأصابع في الرجلين كالدية في أصابع اليدين ففي الإبهام ثلث دية الرجل، و في غيرها أربعة أسداس ديتها كما كان الحال كذلك في أصابع اليدين كذلك.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 209

[مسائل]
اشارة

مسائل:

[الأولى في الأضلاع مما خالط القلب لكل ضلع إذا كسرت خمسة و عشرون دينارا]

(الأُولى): في الأضلاع ممّا خالط القلب، لكلّ ضلع إذا كسرت خمسة و عشرون ديناراً. و فيها ممّا يلي العضدين، لكلّ ضلعٍ إذا كُسِرَت عشرة دنانير. (1)

دية الأضلاع

______________________________

(1) المصرّح به في كلمات جماعة التفرقة بين دية كسر ضلع ممّا خالط القلب أي يليه و بين كسر الضلع الذي يلي العضدين، بل لم ينسب «1» الخلاف إلّا إلى ابن إدريس حيث إنّه سوّى بين دية الضلعين حيث قالوا إنّ دية كسر الضلع الذي يلي القلب خمسة و عشرون ديناراً ودية كسر ما يلي العضدين عشرة دنانير و إذا تعدّد الضلع المكسور يكون لكلّ من المتعدّد ما ذكرنا في كسره، و لكن ابن ادريس ذكر أنّ في كسر ضلع واحد خمسة و عشرين ديناراً «2»، بلا فرق بين القسم الأوّل و القسم الثانية، و لا يكون في البين مستند لدية كسر الضلع إلّا الوارد في كتاب ظريف مقتضاه التفصيل بين قسمي الأضلاع حيث ورد فيه «و في الأضلاع فيما خالط القلب من الأضلاع إذا كسر منها ضلع فديته خمسة و عشرون ديناراً و في صدعه اثنا عشر ديناراً و نصف ودية نقل عظامه سبعة دنانير و نصف و موضّحته على ربع دية كسره و نقبه مثل ذلك، و في الأضلاع ممّا يلي العضدين دية كلّ ضلع عشرة دنانير إذا كسر، ودية صدعه سبعة دنانير ودية نقل عظامه خمسة دنانير، و كلّ ضلع في موضحة كلّ ضلع منها ربع دية كسره ديناران و نصف، فإن نقب ضلع منها فديتها ديناران و نصف» «3».

و أمّا التسوية المنقولة عن ابن ادريس فلم يظهر لها وجه.

______________________________

(1) نسبه الشيخ النجفي في جواهر الكلام 43: 280.

(2) السرائر 3: 411.

(3) وسائل الشيعة 29: 304-/

305، الباب 13 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 210

[الثانية لو كسر بعصوصه فلم يملك غائطه كان فيه الدية]

(الثانية): لو كسر بُعْصُوصه، فلم يملك غائطه، كان فيه الدية و هي رواية سليمان بن خالد (1). و من ضرب عجانه، فلم يملك غائطه و لا بوله، ففيه الدية و هي رواية إسحاق بن عمّار.

______________________________

و كيف كان، فالظاهر ممّا ورد في كتاب ظريف أنّ الأضلاع على قسمين: قسم منها تخالط القلب، و قسم آخر لا تخالطه، و المخالطة و عدمها معرّف للقسم الأوّل من الضلع، و ما يلي العضدين معرّف للقسم الآخر لا أنّه الأضلاع لوحظت قسماً واحداً و مخالطة القلب و ما يلي العضدين تقسيم للكسر الواقع في الضلع، و على ذلك يختصّ ما يلي العضدين بالأعالي من الأضلاع كما لا يخفى، و أمّا حمل ما يخالط و ما لا يخالط لموضع الكسر من الضلع فهو خلاف الظاهر كما ذكرنا.

دية البعصوص

(1) كما صرح بذلك جملة من الأصحاب و يستدلّ على ذلك بصحيحة سليمان بن خالد، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل كسر بعصوصه فلم يملك إسته ما فيه من الدية؟ فقال: «الدية كاملة» «1».

و كذا من ضرب عجانه أي ما بين خصيتيه و فقحته أي حلقة دبره فلم يملك غائطه و لا بوله.

و يدلّ عليه معتبرة إسحاق بن عمّار أو صحيحته قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في الرجل يضرب على عجانه فلا يستمسك غائطه و لا بوله أنّ في ذلك الدية كاملة «2».

و مقتضى القاعدة على ما يأتي تعدّد الدية في الصورة المفروضة؛ لأنّ كلّ واحد

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 370، الباب 9 من أبواب ديات

المنافع، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 29: 371، الباب 9 من أبواب ديات المنافع، الحديث 2.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 211

[الثالثة في كسر عظم من عضو خمس دية ذلك العضو]
اشارة

(الثالثة): في كسر عظم من عضو، خُمس دية ذلك العضو. فإن صلح على غير عيب فأربعة أخماس دية كسره. و في موضّحته ربع دية كسره. و في رضّه ثلث دية العضو، فإن صلح على غير عيب فأربعة أخماس دية رضه. و في فكّه من العضو بحيث يتعطّل العضو ثلثا دية العضو، فإن صلح على غير عيب، فأربعة أخماس دية فكّه. (1)

______________________________

ممّا يوجب عدم التمكّن من إمساك الغائط، و عدم التمكّن من إمساك البول موجب للدية الكاملة و ظاهر الرواية التداخل في الفرض.

و أمّا إذا انفرد بأن أوجب الجناية عدم التمكّن من إمساك البول، تكون دية الجناية الدية الكاملة، بل الظاهر الضرب على العجان لا خصوصيّة له، بل كلّ أمر أوجب عدم التمكّن من الإمساك بالغائط أو البول تكون ديته دية النفس؛ و لذا ثبت الدية في كسر العصعص الذي عبّر عنه في الصحيحة بالبعصوص.

و أيضاً لا فرق في ثبوت دية النفس بين الجناية على المرأة و الرجل لما دلّ على تساوي الرجل و المرأة فيما يوجب دية النفس إلّا أنّ في الرجل دية نفسه، و في المرأة دية نفسها.

دية كسر عظم من عضو

(1) هذه المسألة تعرّض فيها لبيان دية الكسر و الجرح و الرّض و فكّ العظم في غير الرأس و المشهور بين أصحابنا أنّ في كسر العظم من كلّ عضو له دية مقدّرة في الشرع خمس دية ذلك العضو فإن صلح الكسر من غير عيب و عثم أي عدم الاستواء فديته أربعة أخماس دية الكسر و إن انجبرت مع عدم الاستواء

ففيه دية كسرها.

و في موضحة عظم عضو بالجرح ربع دية كسره.

و في رضّ عظمه ثلث دية ذلك العضو فإن برئ من غير عيب و عثم يكون ديته أربعة أخماس دية رضّه.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 212

..........

______________________________

و إذا فكّ العظم من العضو بحيث أوجب شلل ذلك العضو تكون ديته ثلثا دية ذلك العضو، كما هو مقتضى الجناية الموجبة لشلل كلّ عضو فإن صلح على غير عيب يكون ديته أربعة أخماس فكّه.

و لكنّ إجراء هذه القاعدة في كلّ كسر و غيره من كلّ عضو أو في كلّ كسر لا يمكن إتمامها بالدليل؛ و لذا لا بدّ من ملاحظة الدليل و إجراء الحكم في كلّ مورد بمقتضاه و نتعرّض للموارد بعد بيان ما ذكر الماتن في كسر الترقوة حيث ذكر قدس سره في المسألة الرابعة أي بعد هذه المسألة قال في المبسوط و الخلاف: في الترقوتين الدية و في كلّ واحدة منهما مقدّر عند أصحابنا «1»، ثمّ ذكر قدس سره «و لعلّ كلام الشيخ في الكتابين ناظر إلى ما ذكره جماعة عن ظريف و هو في الترقوة إذا كسرت فجبرت على غير عيب أربعون ديناراً».

أقول: ورد دية كسر الترقوة و هو العظم المتّصل من مفصل العضد إلى ثغرة النحر من الجانبين فيكون في كلّ إنسان ترقوتان في كتاب الديات المعروف بكتاب ظريف عن أمير المؤمنين عليه السلام على ما رواه الكليني و الشيخ و الصدوق قدّس سرهما و على نقل الكافي قال أمير المؤمنين عليه السلام: «و في الترقوة إذا انكسرت فجبرت على غير عثم و لا عيب أربعون ديناراً فإن انصدعت فديتها أربعة أخماس كسرها اثنان و ثلاثون ديناراً، فإن أوضحت فديتها خمسة و

عشرون ديناراً و ذلك خمسة أجزاء من ثمانية من ديتها إذا انكسرت فإن نقل منها العظام فديتها نصف دية كسرها عشرون ديناراً فإن نقبت فديتها ربع دية كسرها عشرة دنانير».

و أمّا ما نقل الماتن عن الشيخ في المبسوط و الخلاف «2» لا يرتبط بمسألة كسر

______________________________

(1) المبسوط 7: 155، الخلاف 5: 261، المسألة 73.

(2) الكافي 7: 334، الحديث 10. التهذيب 10: 300، الفقيه 4: 83.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 213

..........

______________________________

الترقوة، و ظاهر كلامه فيهما فرض قطع الترقوة و الترقوتين كما فرض ذلك غيره أيضاً و التزموا بأنّ في قطعهما الدية و في إحداهما نصف الدية أخذاً بالقاعدة المستفادة من الروايات كلّ ما في الجسد اثنان ففي كلّ واحدة نصف الدية و فيهما الدية.

نعم، قد يشكل في الحكم المذكور بأنّ الترقوة بنفسها لا تعدّ عرفاً عضواً مستقلّاً و أنّ الروايات منصرفة إلى ما يعدّ عضواً مستقلّاً و لعلّهما تعدّان من توابع الصدر.

و في الإشكال تأمّل؛ لأنّ لهما عنواناً خاصّاً كما في الساعد و الساق من مقطوع اليد و الرجل حيث التزموا في قطع كلّ منهما بجريان القاعدة، فالالتزام بالحكومة في قطع إحداهما أو كليهما بعيد.

هذا، و لكن لم يرد في معتبرة ظريف دية كسر الترقوة إذا لم تجبر أو جبرت مع عيب و عثم فلا بدّ فيه من الالتزام بالحكومة.

أقول: قد تقدّم الكلام في دية كسر الظهر و قلنا إنّ في كسره الدية الكاملة هذا فيما إذا لم يجبر من غير عيب و عثم بأن لم يجبر أو جبر مع عيب أو عثم، و أمّا إذا جبر من غير عيب و عثم فقيل إنّ ديته ثلث الدية الكاملة، و ذكرنا أنّه لا دليل

على ذلك، بل ديته مائة دينار على ما ورد في كتاب ظريف و ليس له معارض في البين قال على ما ورد فيه: و إن انكسر الصلب فجبر على غير عثم و لا عيب فديته مائة دينار، و إن عثم فديته ألف دينار «1».

و كذا تكون الدية الكاملة إذا أصاب الظهر بحيث لا يستطيع الجلوس أو حدثت فيه حدبة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 304-/ 305، الباب 13 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 214

..........

______________________________

و يدلّ على ذلك صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يكسر ظهره، قال:

«فيه الدية كاملة» «1».

و في كتاب الديات الذي عرضه يونس بن عبد الرّحمن على الرضا عليه السلام: و الظهر إذا أحدب ألف دينار «2».

و معتبرة بريد العجلي، عن أبي جعفر عليه السلام في رجل كسر صلبه فلا يستطيع أن يجلس أنّ فيه الدية «3».

و تقدّم الكلام أيضاً في كسر الأضلاع و كان المذكور في بحث كسر الأضلاع في المسألة الأُولى هو أنّ كسر كلّ ضلع ممّا خالط القلب خمسة و عشرون ديناراً، و في صدعه اثنا عشر ديناراً و نصف و في الجرح موضحته و ربع دية كسره، و كذا في نقبه و في نقل عظامه سبعة دنانير و نصف دينار هذا في الأضلاع التي خالطت القلب.

و أمّا الأضلاع التي تلي العضدين ففي كسر كلّ واحد عشرة دنانير و في صدعه سبعة دنانير و في موضحته ديناران و نصف، و كذا في نقب كلّ ضلع ودية نقل عظامه خمسة دنانير.

و يدلّ على ذلك أيضاً ما في الكتاب المذكور حيث ورد فيه: و في الأضلاع فيما خالط القلب من الأضلاع إذا

كسر منها ضلع فديته خمسة و عشرون ديناراً، و في صدعه اثنا عشر ديناراً و نصف، ودية نقل عظامها سبعة دنانير و نصف، و موضحته على ربع دية كسره، و نقبه مثل ذلك، و في الأضلاع ممّا يلي العضدين دية كلّ ضلع عشرة دنانير إذا كسر، ودية صدعه سبعة دنانير، ودية نقل عظامه خمسة دنانير

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 284، الباب الأوّل من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 29: 283، الباب الأوّل من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 29: 305-/ 306، الباب 14 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 215

..........

______________________________

و موضحة كلّ ضلع منها ربع دية كسره ديناران و نصف فإن نقب ضلع منها فديتها ديناران و نصف «1».

و تقدّم الكلام أيضاً في كسر بعصوصه فلم يملك غائطه، و ذكرنا أنّ فيه الدية الكاملة، و يدلّ على ذلك صحيحة هشام بن سالم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل كسر بعصوصه فلم يملك إسته ما فيه من الدية؟ فقال: «الدية كاملة» «2».

و لكن الالتزام بالدية الكاملة فيما أوجب كسره عدم تمكّنه من إمساك غائطه، و لا يبعد أن تكون الدية لذهاب التمكّن من إمساك غائطه لا كسر بعصوصه، و إذا كسر مع تمكّنه من إمساكه فلا يستفاد من الصحيحة كون دية الكسر دية النفس، و لا بدّ من الالتزام بالحكومة كما ذكرناها في كلّ جناية لم ترد فيه تقدير الدية.

و يؤيد ما ذكرنا موثّقة إسحاق بن عمّار أو صحيحته حيث قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في الرجل يضرب على عجانه فلا يستمسك غائطه و

لا بوله أنّ في ذلك الدية كاملة «3». و وجه التأييد أنّه لم يفرض في الرواية الكسر، بل يعمّ الوارد فيها ما إذا لم يكن سلس الغائط مع الكسر، و أيضاً مقتضى صحيحة إسحاق بن عمّار التداخل فيما إذا حدث سلس البول و الغائط بجناية واحدة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 304-/ 305، الباب 13 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 29: 370، الباب 9 من أبواب ديات المنافع، الحديث الأوّل.

(3) وسائل الشيعة 29: 371، الباب 9 من أبواب ديات المنافع، الحديث 2.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 216

[استدراك لفروع على وفق متن تكملة المنهاج]
[مسألة 319: في رضّ الصدر إذا انثنى شقّاه نصف الدية]

مسألة 319: في رضّ الصدر إذا انثنى شقّاه نصف الدية (1) و إذا انثنى أحد شقّيه ربع الدية و كذلك الحال في الكتفين و في موضحة كلّ من الصدر و الكتفين خمسة و عشرون ديناراً.

______________________________

استدراك لفروع:

ثمّ إنّ في المقام فروعاً من ديات الكسر و الرّض لم يذكرها الماتن المحقّق قدس سره نتعرّض لها و لمبانيها في ضوء الأدلّة استيفاء للمطالب، و لنبحث على وفق متن تكملة المنهاج.

دية رضّ الصدر

(1) لم يتعرّض الأكثر لذلك و لكن ورد دية رضّ الصدر بحيث انثنى كلا شقّيه يعني طرفه الأيمن و الأيسر أو أحد شقّيه في المعتبرة من كتاب ظريف «1».

و كذا الحال في انثناء الكتفين أو انثناء إحداهما، و الكتف جمعه أكتاف عظم عريض خلف المنكب، و المنكب كما يأتي مجتمع رأس الكتف و العضد، و الموضحة الجرح النافذ في اللحم بحيث يقشر السمحاق فيظهر بياض العظم و العضد من المرفق إلى الكتف.

و قد روى الكليني بأسانيده إلى كتاب ظريف عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: في الصدر إذا رضّ فثنّى شقّيه كليهما فديته خمسمائة دينار، ودية

أحد شقّيه إذا انثنى مائتان و خمسون ديناراً، و إذا انثنى الصدر و الكتفان فديته ألف دينار، و إن انثنى أحد شقي الصدر و أحد الكتفين فديته خمسمائة دينار، ودية موضحة الصدر خمسة و عشرون ديناراً، ودية موضحة الكتفين و الظهر خمسة و عشرون ديناراً، و إن اعترى الرجل من ذلك صعر لا يستطيع أن يلتفت فديته خمسمائة دينار «2». و ظاهرها أنّ دية

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 304، الباب 13 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

(2) الكافي 7: 338، الحديث 11.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 217

[مسألة 320: في كسر المنكب إذا جبر على غير عثم و لا عيب خمس دية اليد مائة دينار]

مسألة 320: في كسر المنكب إذا جبر على غير عثم و لا عيب خمس دية اليد مائة دينار (1) و في صدعه ثمانون ديناراً، و في موضحته خمسة و عشرون ديناراً، و كذلك الحال في نقبه، و في نقل عظامه خمسون ديناراً، و في رضّه إذا عثم ثلث دية النفس و في فكّه ثلاثون ديناراً.

______________________________

كلّ من موضحة الصدر و موضحة الظهر و كلّ من الكتفين خمسة و عشرون ديناراً، و حيث إنّه ليس في البين ما يعارضها و قد ذكرنا اعتبار ما ورد في كتاب ظريف فالمتعيّن الأخذ به، و هذا فيما إذا لم توجب جناية رضّ الصدر موته و إلّا تثبت دية النفس إذا كان خطأ أو يثبت القصاص إذا كانت عمديّاً على ما تقدّم من الاعتبار في ثبوت حقّ القصاص.

دية كسر المنكب

(1) هذا أيضا وارد في المعتبرة في كتاب ظريف التي رواها الكليني بأسانيده إلى ذلك الكتاب و فيها: دية المنكب (الذي هو مجمع رأس الكتف و العضد) إذا كسر خمس دية اليد مائة دينار فإن كان في المنكب صدع فديته أربعة أخماس

دية كسره ثمانون ديناراً، فإن أوضح فديته ربع دية كسره خمسة و عشرون ديناراً، فإن نقلت منه العظام فديته مائة و خمسة و سبعون ديناراً، منها مائة دينار دية لكسره، و خمسون ديناراً لنقل عظامه، و خمسة و عشرون ديناراً لموضحته، فإن كانت ناقبة فديتها ربع دية كسره خمسة و عشرون ديناراً، فإن رضّ فعثم فديته ثلث دية النفس ثلاثمائة و ثلاثة و ثلاثون ديناراً و ثلث دينار، فإن فكّ فديته ثلاثون ديناراً «1».

و المراد من الثقب الجرح الذي يرى داخله و يعبّر عنه بالناقبة.

و قد يقال إنّ في رضّ العضو ثلث دية ذلك العضو إذا عثم، و عليه فلا يكون دية رضّ المنكب ثلث دية النفس فما ورد في المعتبرة في رضّ المنكب إذا عثم من ثلث

______________________________

(1) الكافي 7: 334، الحديث 10.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 218

[مسألة 321: في كسر العضد إذا جبرت على غير عثم و لا عيب خمس دية اليد]

مسألة 321: في كسر العضد إذا جبرت على غير عثم و لا عيب خمس دية اليد (1) و في موضحتها خمسة و عشرون ديناراً، و كذلك في نقبها، و في نقل عظامها خمسون ديناراً.

[مسألة 322: في كسر الساعد إذا جبرت على غير عثم و لا عيب ثلث دية النفس]

مسألة 322: في كسر الساعد إذا جبرت على غير عثم و لا عيب ثلث دية النفس (2) و في كسر إحدى قصبتي الساعد إذا جبرت على غير عثم و لا عيب مائة دينار، و في صدعها ثمانون ديناراً، و في موضحتها خمسة و عشرون ديناراً، و في نقل عظامها مائة دينار، و في نقبها اثنا عشر ديناراً و نصف دينار، و في نافذتها خمسون ديناراً، و في قرحتها التي لا تبرأ ثلاثة و ثلاثون ديناراً و ثلث دينار.

______________________________

دية النفس محمول على رضّ المنكب الموجب عثمها الشلل فيكون ديتها ثلثي دية اليد.

و لكن لا يمكن المساعدة عليه فإنّ مجرّد الاستبعاد لا يوجب طرح ظهور الرواية إذا لم يكن لها قرينة أو معارض.

دية كسر العضد

(1) قد ورد ذلك في المعتبرة عن كتاب ظريف، عن أمير المؤمنين عليه السلام في العضد إذا انكسر فجبر على غير عثم و لا عيب فديتها خمس دية اليد مائة دينار، ودية موضحتها ربع دية كسرها خمسة و عشرون ديناراً، ودية نقل عظامها نصف دية كسرها خمسون ديناراً، ودية نقبها ربع دية كسرها خمسة و عشرون ديناراً «1».

دية كسر الساعد

(2) قد ورد ذلك في ما روى في التهذيب «2» و الفقيه عن كتاب ظريف فإنّه روى في الفقيه عن الكتاب: «و في الساعد إذا كسر فجبر على غير عثم و لا عيب ثلث دية

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 300، الباب 10 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

(2) التهذيب 10:

301، الحديث 26.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 219

..........

______________________________

النفس ثلاثمائة دينار و ثلاثة و ثلاثون ديناراً و ثلث دينار، فإن كان كسر إحدى القصبتين من الساعد فديته خمس دية اليد مائة دينار، و في إحداهما أيضاً في الكسر لأحد الزندين خمسون ديناراً، و في كليهما مائة دينار، فإنّ انصدع إحدى القصبتين ففيهما أربعة أخماس دية إحدى قصبتي الساعد ثمانون ديناراً، ودية موضحتها ربع كسرها خمسة و عشرون ديناراً، ودية نقل عظامها مائة دينار، و ذلك خمس دية اليد، و إن كانت ناقبة فديتها ربع دية كسرها خمسة و عشرون ديناراً، ودية نقبها نصف دية موضحتها اثنا عشر ديناراً و نصف دينار، ودية نافذتهما خمسون ديناراً فإن صارت فيه قرحة لا تبرأ فديتها ثلث دية الساعد ثلاثة و ثلاثون ديناراً و ثلث دينار و ذلك ثلث دية الذي هو فيه «1».

أقول: المروي في الفقيه و التهذيب: أنّ دية كسر الساعد إذا انجبر من غير عثم و لا عيب ثلث دية النفس. و لكن ما في الكافي في نسخة على ما في الوسائل: و في الساعد إذا كسر ثمّ جبر على غير عثم و لا عيب فديته خمس دية اليد مائة دينار «2». و يقال إنّ نسخ الكافي مختلفة، و في بعضها دية كسر الساعد كما في الفقيه و التهذيب: ثلاثمائة و ثلاثة و ثلاثون ديناراً و ثلث دينار. و على ذلك تسقط رواية الكافي لاختلاف النسخ عن الاعتبار و يؤخذ بما في الفقيه و التهذيب لعدم اختلاف نسخهما و يثبت ثلث الدية.

و أمّا في كسر إحدى القصبتين من الساعد ففيما رواه عن الكافي في الوسائل الرواية مختلفة حيث ورد فيه أنّ في كسر قصبتي

الساعد مائة دينار و ورد فيه أيضاً: إن انصدعت إحدى القصبتين أربعة أخماس إحدى قصبتي الساعد ثمانون ديناراً.

فيكون على ذلك في كسر إحدى القصبتين مائة دينار فيؤخذ أيضاً بما في الفقيه.

______________________________

(1) من لا يحضره الفقيه 4: 84، الحديث 5150.

(2) الكافي 7: 335، الحديث 10، الوسائل الشيعة 29: 301، الباب 11 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 220

[مسألة 323: في كسر المرفق إذا جبر على غير عثم و لا عيب مائة دينار]

مسألة 323: في كسر المرفق إذا جبر على غير عثم و لا عيب مائة دينار، و في صدعه ثمانون ديناراً، و في نقل عظامه خمسون ديناراً، و في نقبه خمسة و عشرون ديناراً و كذلك موضحته، و في فكّه ثلاثون ديناراً، و في رضّه إذا عثم ثلث دية النفس. (1)

______________________________

و أمّا ما في التهذيب من أنّ في: انصداع إحدى القصبتين أربعة أخماس دية إحدى القصبتين أربعون ديناراً «1». ف (أربعون) غلط النسخة يقيناً حيث روى دية كسر إحداهما مائة دينار و أربعة أخماسها يكون ثمانين لا أربعين.

هذا كلّه بالإضافة إلى اختلاف النقل، و قد ظهر أنّ ثلث دية النفس يثبت في رضّ المنكب إذا عثم و في كسر الساعد إذا جبر من غير عثم و لا عيب. و في كلا الأمرين يناقش بأنّهما على خلاف فتوى المشهور بأنّ الكسر في عضو إذا انجبر مع عثم و عيب يكون فيه ثلث دية العضو لا ثلث دية النفس، و أنّه إذا انجبر من غير عثم و لا عيب يكون ديته خمس دية ذلك العضو، و عليه فيكون في المرفق و الساعد إذا انجبرتا من غير عثم و لا عيب فدية كلّ منهما مائة دينار، و إذا انجبرتا مع عثم و عيب فدية كلّ

منهما ثلث دية اليد أي مائة و ستة و ستون ديناراً و ثلثا دينار، و ذكر أنّه يحمل ما ورد في المنكب على صورة شلل العضو، و أنّ الحمل لا موجب له بعد ثبوت ثلث دية النفس في كسر الساعد مع عدم عثم عيب و لا بأس أن يقال ما ورد في كسر الساعد إذا انجبر بنحو أوجب شلل الساعد، و كذا في كسر المرفق يثبت في كلّ منهما ثلثا ديتهما.

دية كسر المرفق

(1) كما ورد في معتبرة ظريف، عن أمير المؤمنين عليه السلام ورد: في المرفق إذا كسر

______________________________

(1) التهذيب 10: 301، الحديث 26.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 221

[مسألة 324: في كسر كلا الزندين إذا جبر على غير عثم و لا عيب مائة دينار]

مسألة 324: في كسر كلا الزندين إذا جبر على غير عثم و لا عيب مائة دينار، و في كسر إحداهما خمسون ديناراً (1) و في نقل عظامها نصف دية كسرها.

[مسألة 325: في رضّ أحد الزندين إذا جبر على غير عيب و لا عثم ثلث دية اليد]

مسألة 325: في رضّ أحد الزندين إذا جبر على غير عيب و لا عثم ثلث دية اليد. (2)

______________________________

فجبر على غير عثم و لا عيب فديته مائة دينار و ذلك خمس دية اليد، و إن اصدع فديته أربعة أخماس كسره ثمانون ديناراً، فإن نقل منه العظام فديته مائة و خمسة و سبعون ديناراً: للكسر مائة دينار، و لنقل العظام خمسون ديناراً، و للموضحة خمسة و عشرون ديناراً، فإن كانت فيه ناقبة فديتها ربع دية كسرها خمسة و عشرون ديناراً، فإن رضّ المرفق فعثم فديته ثلث دية النفس ثلاثمائة دينار و ثلاثة و ثلاثون ديناراً و ثلث دينار، فإن كان فكّ فديته ثلاثون ديناراً «1».

دية كسر الزند

(1) و قد ورد في المعتبرة من كتاب ظريف في ضمن بيان دية كسر الساعد:

و في الكسر لأحد الزندين خمسون ديناراً، و في كليهما مائة دينار «2».

(2) و فيه أيضاً أنّ الرسخ إذا رضّ فجبر على غير عثم و لا عيب ثلث دية اليد مائة دينار و ستة و ستّون ديناراً و ثلثا دينار، قال في التهذيب: قال الخليل: الرسغ مفصل ما بين الساعد و الكف «3». و على ذلك يكون المراد من الرسغ و الزند شيئاً واحداً، و يكون في الزند إذا رضّ و جبر على غير عيب و نقص ثلث دية اليد مائة دينار و ستة و ستون ديناراً و ثلثا دينار.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 300، الباب 10 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 29: 301، الباب

11 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

(3) التهذيب 10: 302، و انظر كتاب العين 4: 377، مادة «رسغ».

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 222

[مسألة 326: في كسر الكفّ إذا جبرت على غير عثم و لا عيب أربعون ديناراً]

مسألة 326: في كسر الكفّ إذا جبرت على غير عثم و لا عيب أربعون ديناراً، و في صدعها اثنان و ثلاثون ديناراً، و في موضحتها خمسة و عشرون ديناراً، و في نقل عظامها عشرون ديناراً و نصف دينار، و في نقبها ربع دية كسرها و في قرحة لا تبرأ ثلاثة عشر ديناراً و ثلث دينار. (1)

دية كسر الكف

______________________________

(1) قد ورد في معتبرة ظريف: و في الكف إذا كسرت فجبرت على غير عثم و لا عيب فديتها أربعون ديناراً، ودية صدعها أربعة أخماس دية كسرها اثنان و ثلاثون ديناراً، ودية موضحتها خمسة و عشرون ديناراً، ودية نقل عظامها عشرون ديناراً و نصف دينار، ودية نقبها ربع دية كسرها عشرة دنانير، ودية قرحة لا تبرأ ثلاثة عشر ديناراً و ثلث دينار «1».

أقول: ظاهر الكفّ في المعتبرة حيث ذكر بعد دية كسر قصبة الأصابع و مفاصلها، مقابل الأصابع، و المذكور من الدية كما ترى دية كسر الكفّ ودية صدعها ودية موضحتها ودية نقل عظامها التي تضاف إلى دية الكسر ودية نقب الكفّ و القرحة التي حدثت فيها فلا تبرأ.

و لكن ورد في المعتبرة أيضاً: ودية الكف إذا كسرت فجبرت على غير عثم و لا عيب خمس دية اليد مائة دينار، و إن فكّ الكفّ فديته ثلث دية اليد مائة دينار و ستة و ستون ديناراً و ثلثا دينار، و في موضحتها ربع دية كسرها خمسة و عشرون ديناراً، ودية نقل عظامها خمسون ديناراً نصف دية كسرها، و في نافذتها إن لم تنسدّ

خمس دية اليد مائة ديناراً، فإن كانت ناقبة فديتها ربع دية كسرها خمسه و عشرون ديناراً «2».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 302، الباب 12 من أبواب ديات الأعضاء، نهاية الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 29: 302، الباب 11 من أبواب ديات الأعضاء، نهاية الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 223

..........

______________________________

فيختلف الوارد فيها في دية كسر الكفّ ودية نقل العظام ودية النقب، و هذا الاختلاف في المعتبرة موجود في نقل الشيخ و الصدوق «1» (قدس سرّهما) أيضاً.

و قد يقال بحمل الأوّل على الكفّ الزائد و الثاني على الكفّ الأصلي.

كما يقال بغلط النسخة حيث إنّ ما نقلنا ثانياً كان دية الكتف لا دية الكفّ و ما نقلنا أوّلًا دية الكفّ فيكون دية كسر الكفّ مثل دية المنكب.

و لكن شي ء من الأمرين لا يمكن إثباته فالواردتان في المعتبرة في موضعين منها متعارضتان، و يقال بأنّه يبنى على الأقل حيث إنّ النقلين في كلّ من الموضعين متّفقان في ثبوت الأقل و الزائد يدفع بأصالة البراءة.

و بتعبير آخر، بما أنّ الدية من باب الدين و أجزاءه من قبيل الأقلّ و الأكثر الاستقلاليين تكون المعارضة بين الدليلين المختلفين في ثبوت الأقلّ و الأكثر في ناحية ثبوت الزائد و عدمه، و أمّا بالإضافة إلى ثبوت الأقلّ لا يكون بينهما تعارض.

و يجي ء ذلك في ناحية دية القرحة في الكفّ التي لا تبرأ فإنّ الوارد في ذيل النقل الثاني فإن كان في الكفّ قرحة لا تبرأ فديتها ثلاثة و ثلاثون ديناراً و ثلث دينار فإنّه ثلث دية كسر الكفّ إذا كان دية كسرها مائة ديناراً، و الوارد في المعتبرة في الموضع الأوّل ودية القرحة يعني قرحة الكفّ التي لا تبرأ ثلاثة عشر ديناراً

و ثلث دينار و هذا يساوي مع ثلث دية كسر الكفّ إذا كان دية كسرها أربعين ديناراً، و قد ذكرنا أنّ المعارضة في مثل ذلك يوجب الاقتصار بالأقل و الرجوع في المقدار الأكثر إلى أصالة العدم.

ثمّ إنّه قد ظهر ممّا ذكرنا الحال في الاختلاف الوارد في المعتبرة في نقل العظام

______________________________

(1) التهذيب 10: 302، الحديث 26، من لا يحضره الفقيه 4: 85، الحديث 5150.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 224

..........

______________________________

حيث إنّ الوارد في المورد الأوّل أنّها عشرون ديناراً و نصف دينار، و المورد الثاني أنّها خمسون ديناراً فيثبت الأقل، و لكن ورد في المعتبرة أنّ دية نقل العظام نصف دية كلّ عظم، و بما أنّه لم يتعيّن في الفرض حدّ لدية كسر الكفّ إلّا بمقدار الأقل كما تقدّم لا يمكن الأخذ بالعموم المذكور في نقل عظام كسر الكفّ.

و الحاصل أنّ ما في معتبرة ظريف التي نقلها في الوسائل في باب 12 من أبواب ديات الأعضاء: ودية قرحة في الكف التي لا تبرأ ثلاثة عشر ديناراً و ثلث دينار، و ورد فيها قبل ذلك: فإن كان في الكف قرحة لا تبرأ فديتها ثلاثة و ثلاثون و ثلث دينار «1».

و ورد في ما رواه في الباب الثاني من ديات الشجاج و الجراح من صحيحة يونس: و في قرحة لا تبرأ ثلث دية العظم الذي هو فيه «2».

و عليه فإن كان دية كسر الكف أربعين ديناراً فثلثه يكون ثلاثة عشر ديناراً و ثلث دينار، و إذا كانت دية كسرها مائة دينار تكون دية القرحة ثلاثة و ثلاثون و ثلث دينار، و مع التعارض كما ذكرنا يؤخذ بالأقل على ما تقدّم بيانه.

و ورد أيضاً في صحيحة يونس

المتقدّمة: و في نقل عظامه نصف دية كسره «3».

مع أنّه قد ورد في معتبرة ظريف بعد بيان أنّ دية كسر الكف أربعون ديناراً أنّ دية نقل عظام الكفّ عشرون ديناراً و نصف، مع أنّ مقتضى عموم صحيحة يونس أن يكون دية نقل عظام الكفّ عشرين لا عشرين و نصف، و لا مانع من الالتزام بأنّ زيادة نصف دينار في نقل عظام الكف و أنّ ذلك تخصيص للعموم الوارد في صحيحة يونس.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 303-/ 304، الباب 12 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 29: 378، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج و الجراح، الحديث 3.

(3) المصدر السابق.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 225

[مسألة 327: في كسر قصبة إبهام الكفّ إذا جبرت على غير عثم و لا عيب ثلاثة و ثلاثون ديناراً و ثلث دينار]

مسألة 327: في كسر قصبة إبهام الكفّ إذا جبرت على غير عثم و لا عيب ثلاثة و ثلاثون ديناراً و ثلث دينار، و في صدعها ستة و عشرون ديناراً و ثلثا دينار، و في موضحتها ثمانية دنانير و ثلث دينار، و في نقل عظامها ستة عشر ديناراً و ثلثا دينار، و في نقبها ثمانية دنانير و ثلث دينار، و في فكّها عشرة دنانير (1).

[مسألة 328: في كسر كلّ قصبة من قصب أصابع الكفّ دون الإبهام إذا جبرت على غير عثم و لا عيب عشرون ديناراً و ثلثا دينار]

مسألة 328: في كسر كلّ قصبة من قصب أصابع الكفّ دون الإبهام إذا جبرت على غير عثم و لا عيب عشرون ديناراً و ثلثا دينار (2). و في موضحة كلّ قصبة من تلك القصب الأربع أربعة دنانير و سدس دينار، و في نقل كلّ قصبة منهنّ ثمانية دنانير و ثلث دينار.

دية قصبة الإبهام

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، در يك جلد، دار الصديقة الشهيدة سلام الله عليها، قم - ايران، اول، 1428 ه ق

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات؛ ص: 225

______________________________

(1) ورد ذلك في معتبرة ظريف حيث ورد فيها: أنّ دية قصبة الإبهام التي في الكفّ تجبر على غير عثم خمس دية الإبهام ثلاثة و ثلاثون و ثلث دينار، إذا استوى جبرها و ثبت، ودية صدعها ستة و عشرون ديناراً و ثلثا دينار، ودية موضحتها ثمانية دنانير و ثلث دينار ودية نقل عظامها ستة عشر ديناراً و ثلثا دينار، ودية نقبها ثمانية دنانير و ثلث دينار نصف دية نقل عظامها، ودية موضحتها نصف دية ناقلتها ثمانية دنانير و ثلث دينار، ودية فكّها عشرة دنانير «1» و حيث لم يرد فيها و لا في غيرها ما يعارضها تعيّن الأخذ بها.

دية كسر قصبة الأصابع

(2) و قد ورد في

معتبرة ظريف المتقدّمة: ودية قصب أصابع الكفّ سوى الإبهام في كلّ قصبة عشرون ديناراً و ثلثا دينار، ودية موضحته في كلّ قصبة من القصب الأربع أصابع أربعة دنانير و سدس دينار و نقل كلّ قصبة منهنّ ثمانية دنانير و ثلث دينار.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 302-/ 303، الباب 12 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 226

[مسألة 329: في كسر المفصل الذي فيه الظفر من الإبهام في الكفّ إذا جبر على غير عيب و لا عثم ستة عشر ديناراً و ثلثا دينار]

مسألة 329: في كسر المفصل الذي فيه الظفر من الإبهام في الكفّ إذا جبر على غير عيب و لا عثم ستة عشر ديناراً و ثلثا دينار، و في موضحتها أربعة دنانير و سدس دينار و كذا في نقبها و في صدعها ثلاثة عشر ديناراً و ثلث دينار، و في نقل عظامها خمسة دنانير (1).

[مسألة 330: في كسر كلّ مفصل من الأصابع الأربع التي تلي الكفّ غير الإبهام ستة عشر ديناراً و ثلثا دينار]

مسألة 330: في كسر كلّ مفصل من الأصابع الأربع التي تلي الكفّ غير الإبهام ستة عشر ديناراً و ثلثا دينار (2) و في صدع كلّ قصبة منهنّ ثلاثة عشر ديناراً و ثلث دينار، و في نقل عظامها ثمانية دنانير و ثلث دينار، و في موضحتها أربعة دنانير و سدس دينار و كذلك في نقبها و في فكّها خمسة دنانير.

دية كسر المفصل الذي فيه الظفر من الإبهام

______________________________

(1) كما ورد في معتبرة ظريف: ودية المفصل الثاني من أعلى الإبهام إن كسر فجبر على غير عثم و لا عيب ستة عشر ديناراً و ثلثا دينار، ودية الموضحة إن كانت فيها أربعة دنانير و سدس دينار، ودية ثقبها أربعة دنانير و سدس دينار، ودية صدعها ثلاثة عشر ديناراً و ثلث دينار، ودية نقل عظامها خمس دنانير «1».

دية كسر المفصل من الأصابع

(2) للأصابع الأربعة غير الإبهام لكلّ منها ثلاثة مفاصل، و في كسر كلّ مفصل من تلك الأصابع دية المفصل الذي تلي الكفّ ستة عشر ديناراً، و في صدع كلّ قصبة منهن ثلاثة عشر ديناراً و ثلث دينار، و نقل عظامها ثمانية دنانير و ثلث دينار، و في موضحتها أربعة دنانير و سدس دينار و كذا في نقبها و في فكّها خمسة دنانير حيث ورد في المعتبرة المقدمّة: ودية كسر كلّ مفصل من الأصابع الأربع التي

تلي الكفّ ستة عشر ديناراً و ثلثا دينار، و في صدع كلّ قصبة منهن ثلاثة عشر ديناراً و ثلث دينار، فإن كان في الكفّ قرحة لا تبرأ فديتها ثلاثة و ثلاثون ديناراً و ثلث دينار، و في نقل عظامها

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 302- 303، الباب 12 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 227

[مسألة 331: في كسر المفصل الأوسط من الأصابع الأربع أحد عشر ديناراً و ثلث دينار]

مسألة 331: في كسر المفصل الأوسط (1) من الأصابع الأربع أحد عشر ديناراً و ثلث دينار، و في صدعه ثمانية دنانير و نصف دينار، و في موضحته ديناران و ثلث دينار، و كذا في نقبه، و في نقل عظامه خمسة دنانير و ثلث دينار، و في فكّه ثلاثة دنانير و ثلثا دينار.

[مسألة 332: في كسر المفصل الأعلى من الأصابع الأربع خمسة دنانير و أربعة أخماس دينار]

مسألة 332: في كسر المفصل الأعلى من الأصابع الأربع (2) خمسة دنانير و أربعة أخماس دينار و في صدعه أربعة دنانير و خمس دينار، و في موضحته ديناران و ثلث دينار، و في نقل عظامه خمسة دنانير و ثلث دينار، و في نقبه ديناران و ثلثا دينار، و في فكّه ثلاثة دنانير و ثلثا دينار.

______________________________

ثمانية دنانير و ثلث دينار، و في موضحته أربعة دنانير و سدس دينار، و في نقبه أربعة دنانير و سدس دينار. و في فكّه خمسة دنانير «1». و قد ذكرنا حيث لا معارض لذلك غير ما ذكر في القرحة التي لا تبرأ يؤخذ بما ورد فيها.

دية كسر المفصل الأوسط

(1) قد ورد في المعتبرة المتقدّمة: ودية المفصل الأوسط من الأصابع الأربع إذا قطع خمسة و خمسون ديناراً و ثلث دينار، و في كسره أحد عشر ديناراً و ثلث دينار و في صدعه ثمانية دنانير و نصف دينار، و في موضحته ديناران و ثلثا دينار، و في نقل عظامه خمسة دنانير و ثلث دينار، و في نقبه ديناران و ثلثا دينار، و في فكّه ثلاثة دنانير و ثلثا دينار «2».

دية كسر المفصل الأعلى

(2) و ورد فيها أيضاً: و في المفصل الأعلى من الأصابع الأربع إذا قطع سبعة و عشرون ديناراً و نصف و ربع و نصف عشر دينار، و في كسره

خمسة دنانير و أربعة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 302-/ 303، الباب 12 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

(2) المصدر المتقدم.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 228

[مسألة 333: في الورك إذا كسر فجبر على غير عثم و لا عيب خمس دية الرجل]

مسألة 333: في الورك إذا كسر فجبر على غير عثم و لا عيب خمس (1) دية الرجل، و في صدعه أربعة أخماس دية كسره، و في موضحته ربع دية كسره، و في نقل عظامه خمسون ديناراً، و في رضّه إذا عثم ثلث دية النفس، و الأقرب أنّ دية فكّه ثلاثون ديناراً.

______________________________

أخماس دينار، و في صدعه أربعة دنانير و خمس دينار، و في موضحته ديناران و ثلث دينار، و في نقل عظامه خمسة دنانير و ثلث، و ورد في المعتبرة أيضاً: و في ظفر كلّ إصبع منها خمسة دنانير «1».

دية الورك

(1) و يشهد لذلك ما في كتاب ظريف عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: في الورك إذا كسر فجبر على غير عثم و لا عيب خمس دية الرجلين مائتا دينار، و إن صدع الورك فديته مائة و ستون ديناراً أربعة أخماس دية كسره، فإن أوضحت فديته ربع دية كسره خمسون ديناراً، ودية نقل عظامه مائة و خمسة و سبعون: لكسرها مائة دينار، و لنقل عظامها خمسون ديناراً، و لموضحتها خمسة و عشرون ديناراً، ودية فكّها ثلاثون ديناراً، فإن رضّت فعثمت فديتها ثلاثمائة دينار و ثلاثة و ثلاثون ديناراً و ثلث دينار الحديث «2».

و ظاهر خمس دية الرجلين أنّ الدية كذلك في كسر الوركين فيكون في كسر أحدهما نصفها، و كذا في صدع أحدهما و يدلّ على ذلك: ودية نقل عظامها مائة و خمسة و سبعون ديناراً مائة دينار لكسرها و لنقل عظامها خمسون ديناراً و لموضحتها خمسة

و عشرين ديناراً.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 302-/ 304، الباب 12 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 29: 306-/ 307، الباب 15 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 229

[مسألة 334: في الفخذ إذا كسرت فجبرت على غير عثم و لا عيب خمس دية]

مسألة 334: في الفخذ إذا كسرت فجبرت على غير عثم و لا عيب خمس دية (1) الرجل فإن عثمت فديتها ثلث دية الرجل و في صدعها ثمانون ديناراً و في موضحتها ربع دية كسرها و كذلك في نقبها، و في نقل عظامها نصف دية كسرها، و إن كانت فيها قرحة لا تبرأ فديتها ثلث دية كسرها.

دية الفخذ

______________________________

(1) و في الفخذ على ما في كتاب ظريف: إذا كسرت فجبرت على غير عثم و لا عيب خمس دية الرجلين مائتا دينار، فإن عثمت فديتها ثلاثمائة و ثلاثة و ثلاثون ديناراً و ثلث دينار، و ذلك ثلث دية النفس، ودية صدع الفخذ أربعة أخماس دية كسرها مائة دينار و ستون ديناراً، فإن كانت قرحة لا تبرأ فديتها ثلث دية كسرها ستّة و ستّون ديناراً و ثلثا دينار، ودية موضحتها ربع دية كسرها خمسون ديناراً، ودية نقل عظامها نصف دية كسرها مائة دينار، ودية نقبها ربع دية كسرها خمسون ديناراً «1».

و المفروض في ظاهر ما ذكر الجناية على كلا الفخذين نظير فرض الجناية على الورك قبل ذلك. و عليه يكون في كسر إحدى الفخذين مائة دينار، و مع عثمها فالدية ثلث دية الرجل يعني المائة و ستّة و ستّين ديناراً و ثلثا دينار، و في صدع إحدى الفخذين ثمانون ديناراً أربعة أخماس دية كسرها فإن كانت في إحدى الفخذين قرحة لا تبرأ فديتها ثلاثة و ثلاثون ديناراً و ثلث دينار، ودية نقبها

ربع دية كسرها خمسه و عشرون ديناراً، كما هو الحال أيضاً في موضحة إحداهما، ودية نقل عظامها نصف دية كسرها خمسون ديناراً.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 306-/ 307، الباب 15 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 230

[مسألة 335: في كسر الركبة إذا جبرت على غير عثم و لا عيب مائة دينار]

مسألة 335: في كسر الركبة إذا جبرت على غير عثم و لا عيب مائة دينار (1) و في صدعها ثمانون ديناراً و في موضحتها خمسة و عشرون ديناراً و كذلك في نقبها، و في نقل عظامها خمسون ديناراً، ودية فكّها ثلاثون ديناراً، و في رضّها إذا عثمت ثلث دية النفس و في قرحتها التي لا تبرأ ثلث دية كسرها.

دية كسر الركبة

______________________________

(1) الوارد في كتاب ظريف عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: و في الركبة إذا كسرت و جبرت على غير عثم و لا عيب خمس دية الرجلين مائتا دينار، فإن انصدعت فديتها أربعة أخماس دية كسرها مائة و ستون ديناراً، ودية موضحتها ربع دية كسرها خمسون ديناراً، ودية نقل عظامها مائة دينار و خمسة و سبعون ديناراً: منها دية كسرها مائة دينار، و في نقل عظامها خمسون ديناراً، و في موضحتها خمسة و عشرون ديناراً، ودية نقبها ربع دية كسرها خمسون ديناراً، فإن رضّت فعثمت ففيها ثلث دية النفس ثلاثمائة و ثلاثة و ثلاثون ديناراً و ثلث دينار، فإن فكّت فديتها ثلاثة أجزاء من دية الكسر ثلاثون ديناراً «1».

و لا يخفى أنّ ما ذكر فيها من قوله: و في الركبة إذا كسرت إلى قوله: ودية نقل عظامها، يرجع إلى فرض الجناية على كلا الركبتين بقرينة ما فسّر من أنّ في نقل عظامها مائة و خمسة و سبعون ديناراً بأنّ مائة دينار دية

كسرها و في نقل عظامها خمسون ديناراً، و في موضحتها خمسة و عشرون ديناراً، فيكون ما ذكر من تحديد دية الكسر بمائتين ودية الانصداع بمائة و ستّين، ودية الموضحة بخمسين ديناراً بفرض الجناية على كلتيهما، و ما ورد في دية نقبها من أنّ ديته ربع دية كسرها خمسون ديناراً فرض أيضاً للنقب في كلتا الركبتين بقرينة أنّ المائتين ربعهما خمسون ديناراً فيكون دية كسر إحداهما مائة و ربعها خمسة و عشرون ديناراً.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 307-/ 308، الباب 16 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 231

[مسألة 336: في كسر الساق إذا جبرت على غير عثم و لا عيب مائة دينار]

مسألة 336: في كسر الساق إذا جبرت على غير عثم و لا عيب مائة دينار (1) و مع العثم مائة و ستون ديناراً و ثلثا دينار، و في صدعها ثمانون ديناراً، و في موضحتها خمسة و عشرون ديناراً و كذلك في نقل عظامها و في نفوذها ودية نقبها نصف دية موضحتها، و في قرحتها التي لا تبرأ ثلاثة و ثلاثون ديناراً و ثلث دينار.

______________________________

و أمّا ما ورد في دية الرضّ فعثمت ففيها ثلث دية النفس ثلاثمائة و ثلاثة و ثلاثون ديناراً و ثلث دينار فلا يبعد أن تكون ديتها في الجناية في إحداهما كذلك إذا كان العثم يوجب شلل الركبة نوعاً و الشلل في عضو يوجب الدية بثلثي دية العضو و ثلثا دية الرجل أو الركبة ثلث دية النفس، و ما ورد فيه من أنّ فإن فكّت فديتها ثلاثة أجزاء من دية الكسر أيضاً فرض لوقوع الفكّ في أحدهما بقرينة ثلاثون ديناراً حيث إنّه ثلاثة أجزاء من دية الكسر في إحداهما.

دية كسر الساق

(1) قد ورد في كتاب ظريف عن أمير المؤمنين عليه

السلام في ذيل دية كسر الركبة:

و في الساق إذا كسرت فجبرت على غير عثم و لا عيب خمس دية الرجلين مائتا دينار، ودية صدعها أربعة أخماس دية كسرها مائة و ستون ديناراً، و في موضحتها ربع دية كسرها خمسون ديناراً، و في نقبها نصف موضحتها خمسة و عشرون ديناراً، و في نقل عظامها ربع دية كسرها خمسون ديناراً، و في نفوذها ربع دية كسرها خمسون، و في قرحة لا تبرأ ثلاثة و ثلاثون ديناراً و ثلث دينار، فإن عثم الساق فديتها ثلث دية النفس ثلاثمائة و ثلاثة و ثلاثون ديناراً و ثلث دينار، الحديث «1» و الظاهر فرض القرحة في إحدى الساقين للعموم الوارد في صحيحة يونس من قوله: و في قرحة لا تبرأ «2».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 307-/ 308، الباب 16 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 29: 378، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج و الجراح، الحديث 3.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 232

[مسألة 337: في رضّ الكعبين إذا جبرتا على غير عثم و لا عيب ثلث دية النفس]

مسألة 337: في رضّ الكعبين إذا جبرتا على غير عثم و لا عيب ثلث دية النفس، و في رضّ إحداهما إذا جبرت على غير عثم و لا عيب نصف ذلك (1).

[مسألة 338: في القدم إذا كسرت فجبرت على غير عثم و لا عيب مائة دينار]

مسألة 338: في القدم إذا كسرت فجبرت على غير عثم و لا عيب مائة دينار (2) و في موضحتها ربع دية كسرها، و في نقل عظامها نصف دية كسرها، و في نافذتها التي لا تنسدّ مائة دينار، و في ناقبتها ربع دية كسرها.

دية رضّ الكعبين

______________________________

(1) و في كتاب ظريف في ذيل دية الركبة و الساق: و في الكعب إذا رضّ فجبر على غير عثم و لا عيب ثلث دية الرجلين ثلاثمائة و ثلاثة و ثلاثون ديناراً و ثلث دينار «1». و قد تقدّم أنّ ما تقدّم عليه من دية الركبة و الساق قرينة على فرض الكسر في كلتيهما و يكون في رضّ واحدة منهما مع جبرها من غير عثم و عيب نصف ثلث دية الرجلين يعني سدس دية الرجلين.

دية كسر القدم

(2) المراد من كسر القدم كسر غير الكعب و غير أصابع القدم فإنّها إذا كسرت فجبرت على غير عثم و لا عيب مائة دينار، ودية موضحتها ربع دية كسرها، و في نقل عظامها نصف دية كسرها، و في نافذتها التي لا تنسدّ مائة دينار، و في ناقبتها ربع دية كسرها، و في كتاب ظريف، عن أمير المؤمنين عليه السلام: القدم إذا كسرت فجبرت على غير عثم و لا عيب خمس دية الرجل مائتا دينار، ودية موضحتها ربع دية كسرها خمسون ديناراً، و في نقل عظامها مائة دينار نصف دية كسرها، و في نافذة فيها لا تنسدّ خمس دية الرجل مائتا دينار، و في ناقبة

فيها ربع دية كسرها خمسون ديناراً «2». و ظاهر ما في الكتاب فرض إصابة الكسر على كلتا القدمين بقرينة ما تقدّم من أنّ دية كسر

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 307-/ 308، الباب 16 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 29: 308، الباب 17 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 233

[مسألة 339: دية كسر قصبة الإبهام التي تلي القدم كدية قصبة الإبهام من اليد]

مسألة 339: دية كسر قصبة الإبهام التي تلي القدم كدية قصبة الإبهام من اليد (1) و في نقل عظامها ستّة و عشرون ديناراً و ثلثا دينار، و كذلك الحال في صدعها، ودية موضحتها و نقبها و فكّها كديتها في اليد، و دية كسر الأعلى من الإبهام و هو الثاني الذي فيه الظفر كدية كسر الأعلى من الإبهام في اليد، و كذلك الحال في موضحتها و نقبها و صدعها، و في نقل عظامها ثمانية دنانير و ثلث دينار.

______________________________

واحدة من الرجلين مائة دينار، فتحديد الدية بمائتين يتمّ مع فرض وقوع الكسر على كلتا الرجلين، و بهذا يظهر الحال فيما ورد في الكتاب في موضحتها و نقل عظامها و نافذتها و ناقبتها.

دية كسر قصبة الإبهام

(1) الوارد في كتاب ظريف: ففي الإبهام ثلث دية الرجل (الرجلين) ثلاثمائة و ثلاثون ديناراً و ثلث دينار، ودية كسر قصبة الإبهام التي تلي القدم خمس دية الإبهام ستّة و ستّون ديناراً و ثلثا دينار، و في نقل عظامها ستّة و عشرون ديناراً و ثلثا دينار، و في صدعها ستّة و عشرون ديناراً و ثلثا دينار، و في موضحتها ثمانية دنانير و ثلث دينار، و في نقبها ثمانية دنانير و ثلث دينار، و في فكّها عشرة دنانير «1».

أقول: الوارد في الكتاب ناظر إلى قطع الإبهام

من كلتا القدمين، و كذلك دية كسر قصبته الإبهام حيث إنّ ثلاثمائة و ثلاثة و ثلاثون و ثلث دينار ثلث دية الرجلين، و كذا في كسر قصبة الإبهام ستّة و ستّون و ثلثا دينار خمس دية الإبهامين لا دية أحد الإبهامين.

ثمّ إنّ الوارد فيها أنّ دية نقل عظام قصبة الإبهام ستّة و عشرون ديناراً و ثلثا دينار، و لكن الوارد فيما رواه الكليني أيضاً في صحيحة يونس، عن أبي الحسن عليه السلام أنّ دية نقل عظام كلّ كسر نصف دية الكسر «2». و عليه يكون دية نقل عظام القصبة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 308، الباب 17 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

(2) الكافي 7: 327، الحديث 5.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 234

و في فكّها خمسة دنانير (1) و في كسر قصبة كلّ من الأصابع الأربعة سوى الإبهام ستّة عشر ديناراً و ثلثا دينار، ودية صدعها (2) ثلاثة عشر ديناراً و ثلث دينار، ودية موضّحتها و نقبها و نقل عظامها كديتها في اليد، و في قرحة لا تبرأ في القدم ثلاثة و ثلاثون ديناراً و ثلث دينار.

______________________________

نصف دية كسره أي ستّة عشر ديناراً و ثلثا دينار كما في نقل عظم قصبة الإبهام من اليد فلا بدّ من الالتزام بأنّ النقل في عظام قصبة الإبهام مما يلي القدم خارج عن العموم المذكور و أمّا دية الصدع و الموضحة و النقب و الفك كما تقدّم في إبهام اليد.

دية فك قصبة الإبهام

(1) و في كتاب ظريف، عن أمير المؤمنين عليه السلام: ودية المفصل الأعلى من الإبهام- و هو الثاني الذي فيه الظّفر- ستّة عشر ديناراً و ثلثا دينار، و في موضحته أربعة دنانير و سدس، و

في نقل عظامه ثمانية دنانير و ثلث، و في ناقبته أربعة دنانير و سدس، و في صدعها ثلاثة عشر ديناراً و ثلث، و في فكّها خمسة دنانير «1».

دية كسر قصبة أصابع الرجل

(2) و في كتاب ظريف أيضاً بعد نقل دية المفصل الأعلى من الإبهام ودية الإصبع دية كلّ إصبع منها سدس دية الرجل ثلاثة و ثمانون ديناراً و ثلث دينار «2».

أقول: المراد دية قطع كلّ إصبع من الأصابع الأربع فإنّ ديته سدس دية الرجل الواحدة بقرينة تعيين ثلاثة و ثمانين و ثلث دينار فإنّ خمس خمسمائة دينار يساوي ما ذكر، و الوارد في الكتاب بعد ذلك: ودية قصبة الأربع سوى الإبهام دية كلّ قصبة منهن ستّة عشر دينار و ثلثا دينار، ودية موضحة كلّ قصبة منهنّ أربعة دنانير و سدس دينار،

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 308-/ 309، الباب 17 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

(2) المصدر السابق.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 235

[مسألة 340: في كسر المفصل الأخير من كلّ من الأصابع الأربع من القدم غير الإبهام ستّة عشر ديناراً]

مسألة 340: في كسر المفصل الأخير من كلّ من الأصابع الأربع من القدم غير الإبهام ستّة عشر ديناراً (1) و ثلث دينار، و في صدعها ثلاثة عشر ديناراً و ثلث دينار، و في كسر المفصل الأوسط من الأصابع الأربع أحد عشر ديناراً و ثلثا دينار، و في صدعها ثمانية دنانير و أربعة أخماس دينار، و في موضحتها ديناران، و في نقل عظامها خمسة دنانير و ثلثا دينار، ودية نقبها كديته في اليد، و في فكّها ثلاثة دنانير، ودية كسر المفصل الأعلى منها كديته في اليد، و كذلك في صدعها، و في موضحتها دينار و ثلث دينار، و كذلك في نقبها، و في نقل عظامها ديناران و خمس دينار، و في فكّها

ديناران و أربعة أخماس دينار.

______________________________

ودية نقل عظم كلّ قصبة منهن ثمانية دنانير و ثلث دينار، ودية صدعها ثلاثة عشر ديناراً و ثلثا دينار، ودية نقب كلّ قصبة منهن أربعة دنانير و سدس دينار، ودية قرحة لا تبرأ في القدم ثلاثة و ثلاثون ديناراً و ثلث دينار «1». و ما في المذكور ودية قصبة الأربع سوى الإبهام دية كلّ ستّة عشر ديناراً المراد دية كسرها بقرينة ذكر دية القطع قبل ذلك و كونه تعييناً لدية الكسر في مقابل دية كسر الإبهام.

دية كسر المفصل الأخير من أصابع القدم غير الإبهام

(1) قد ورد في الكتاب بعد نقل ما ذكر: ودية كسر كلّ مفصل من الأصابع الأربع التي تلي القدم ستّة عشر ديناراً و ثلث دينار، ودية صدعها ثلاثة عشر ديناراً و ثلث دينار، ودية نقل عظام كلّ قصبة منهنّ ثمانية دنانير و ثلث دينار، ودية موضحة كلّ قصبة منهنّ أربعة دنانير و سدس دينار، ودية نقبها أربعة دنانير و سدس دينار ودية فكّها خمسة دنانير و في المفصل الأوسط من الأصابع الأربع إذا قطع فديته خمسة و خمسون ديناراً و ثلثا دينار، ودية كسره أحد عشر ديناراً و ثلثا دينار ودية صدعه

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 308-/ 309، الباب 17 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 236

..........

______________________________

ثمانية دنانير و أربعة أخماس دينار، ودية موضحته ديناران، ودية نقل عظامه خمسة دنانير و ثلثا دينار ودية نقبه ديناران و ثلثا دينار، ودية فكّه ثمانية دنانير (ثلاثة دنانير و ثلثا دينار) و في المفصل الأعلى من الأصابع الأربع التي فيها الظفر إذا قطع فديته سبعة و عشرون ديناراً و أربعة أخماس دينار، ودية كسره

خمسة دنانير و أربعة أخماس دينار، ودية صدعه أربعة دنانير و خمس دينار، ودية موضحته دينار و ثلث دينار، ودية نقل عظامه ديناران و خمس دينار، ودية نقبه دينار و ثلث دينار، ودية فكّه ديناران و أربعة أخماس دينار، ودية كلّ ظفر عشرة دنانير و في موضحة الأصابع ثلث دية الأصابع «1».

ثمّ لا يخفى أنّ الوارد في كتاب ظريف على نقل الكليني في المفصل الثاني أنّ دية فكّه ثلاثة دنانير «2»، و على نقل التهذيب و الفقيه ثلاثة دنانير و ثلثا دينار «3»، فيكون الأمر في دية فكّ المفصل الأوسط مردّدة بين الأقل و الأكثر فيؤخذ بالأقل أي ثلاثة دنانير على ما تقدّم من قاعدة تردّد الدين بين الأقل و الأكثر.

و أيضاً لا يخفى أنّ صاحب الوسائل نقل عن الكافي بعد بيان أنّ دية كلّ ظفر عشرة دنانير (و في موضحة الأصابع ثلث دية الأصابع) و أضاف إليه قوله: و رواه الصدوق و الشيخ كما مرّ «4»، أي مثل ما نقل عن الكافي مع أنّ ما ذكره بعد نقل دية كلّ ظفر عشرة دنانير ليس في الكافي و لا الفقيه و لا التهذيب، بل مفاده غير صحيح قطعاً، حيث إنّ دية موضحة الأصابع لا يحتمل كونها أزيد من دية كسرها، بل

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 309-/ 310، الباب 17 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

(2) الكافي 7: 341، الحديث 11.

(3) التهذيب 10: 303، من لا يحضره الفقيه 4: 91.

(4) وسائل الشيعة 29: 307-/ 308، الباب 17 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 237

[الرابعة قال في المبسوط و الخلاف في الترقوتين الدية]

(الرابعة): قال في المبسوط و الخلاف: في الترقوتين الدية. و في كلّ واحدة منهما مقدّر

عند أصحابنا. و لعلّه إشارة إلى ما ذكره الجماعة عن ظريف، و هو في الترقوة إذا كسرت و جبرت على غير عيب أربعون ديناراً. (1)

______________________________

لا يناسب مع دية الموضحة التي ذكرت في ديات كسر الإصبع و موضحتها فلا بدّ من كون ما ذكر من سهو القلم أو غلط النسخة.

و أيضاً ورد في صحيحه إسحاق بن عمار أو موثقته، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

«قضى أمير المؤمنين عليه السلام في الجرح في الأصابع إذا أوضح العظم عشر دية الإصبع إذا لم يرد المجروح أن يقتص» هذا في الكافي و الفقيه «1»، و لكن رواها في التهذيب «2» و فيه: «نصف عشر دية الإصبع» و شي ء من النقلين لا يناسب ما ذكر في موضحة الأصابع الوارد في كتاب ظريف؛ لأنّ الدية للموضحة في الأصابع أقلّها دينار و أكثرها أربعة دنانير و سدس دينار على اختلاف موارد الجرح، و لا يحتمل أن يكون دية جرح الإصبع أكثر من دية موضحة مفاصل الأصابع، و على ذلك تعارض هذه مع ما ورد في كتاب ظريف فيؤخذ بالأقل على غرار ما تقدّم.

دية كسر الترقوة

(1) و بعد التعرّض لتلك الفروع على نهج تكملة المنهاج، نعود إلى شرح ما في متن الشرائع و نعيد الكلام في الجناية بكسر الترقوة، و قد ورد في كتاب ظريف عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: و في الترقوة إذا انكسرت فجبرت على غير عثم و لا عيب أربعون ديناراً فإن انصدعت فديتها أربعة أخماس كسرها اثنان و ثلاثون ديناراً، فإن أوضحت فديتها خمسة و عشرون ديناراً، و ذلك خمسة أجزاء من ثمانية من ديتها إذا انكسرت، فإن نقل منها العظام فديتها نصف دية كسرها عشرون ديناراً،

فإن نقبت

______________________________

(1) الكافي 7: 327، الحديث 7، من لا يحضره الفقيه 4: 137، الحديث 5303.

(2) التهذيب 10: 290-/ 291، الحديث 6.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 238

[الخامسة من داس بطن إنسان حتى أحدث ديس بطنه]

(الخامسة): من داس بطن إنسان حتّى أحدث، ديس بطنه، أو يفتدي ذلك بثلث الدية (1)، و هي رواية السكوني، و فيه ضعف.

______________________________

فديتها ربع دية كسرها «1».

و قد نقل الماتن قدس سره عن الشيخ قدس سره في الخلاف و المبسوط «2» في الترقوتين الدية يعني الدية و في كلّ واحدة منهما مقدّر عند أصحابنا و احتمل أنّ مراد الشيخ قدس سره ما ورد من التقدير المذكور في كتاب ظريف، و لكنّ الظاهر أنّ مراده قدس سره كما أشرنا دية النفس و في كلّ منهما نصفها في صورة إتلاف الترقوتين أو إحداهما على ما تقرّر في كلّ ما في البدن اثنان ففيهما الدية و في إحداهما نصفها.

و لكن قد يناقش في شمول ما ذكر لمثل الترقوة التي لا تعدّ عرفاً عضواً في مقابل سائر الأعضاء من الجسد، و عليه يرجع في تعيين الدية إلى الحكومة، و كذا ما ورد في كتاب ظريف من تعيين كسر إحداهما أربعون ديناراً فرض انجباره بغير عثم و عيب، و أمّا إذا جبرت مع عثم و عيب فلا بد من الرجوع إلى الحكومة.

من داس بطن إنسان

(1) المراد وطء بطن إنسان بالرجل حتّى يحدث بالبول أو الغائط فإنّه يوطأ بطن الواطئ بالاقتصاص منه أو يفتدى بثلث الدية أي دية النفس، و هذا هو المنسوب إلى المشهور.

و يستدلّ على ذلك بمعتبرة السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: رفع إلى أمير المؤمنين عليه السلام رجل داس بطن رجل حتّى أحدث في ثيابه فقضى

أن يداس بطنه حتّى يحدث في ثيابه كما أحدث أو يغرم ثلث الدية «3».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 299، الباب 9 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

(2) الخلاف 5: 261، المسألة 73، المبسوط 7: 155.

(3) وسائل الشيعة 29: 182، الباب 20 من أبواب قصاص الطرف، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 239

[السادسة من افتض بكرا بإصبعه فخرق مثانتها فلا تملك بولها فعليه ثلث ديتها]

(السادسة): من افتض بكراً بإصبعه فخرق مثانتها فلا تملك بولها فعليه ديتها (1) و في رواية ديتها، و هي أولى و مثل مهر نسائها.

______________________________

و يناقش في الاستدلال بها تارة بضعف السند فإنّ في سندها النوفلي مضافاً إلى كون السكوني عاميّاً.

و أُخرى في الدلالة فإنّ مدلولها حكاية واقعة خاصّة لخفاء خصوصيّتها يمنع عن التعدّي و استفادة الحكم الكلّي.

و لكن لا يخفى ما في المناقشة فإنّ السكوني موثّق و حسين بن يزيد النوفلي الراوي عن السكوني من المعاريف؛ لأنّ جلّ روايات السكوني الكثيرة جدّاً المتفرّقة في الأبواب المختلفة و رواها الكليني و الصدوق و الشيخ «1» أعلى الله مقامهم و عمل بها في موارد متعدّدة، و قد ذكر الشيخ قدس سره عمل الأصحاب بروايته التي راويها النوفلي و أنّ تصدّي الإمام عليه السلام للواقعة ظاهرها بيان الحكم لا مجرّد نقل قضيّة تاريخيّة.

و على ذلك فلا مورد في الإشكال في ثبوت القصاص في الفرض بدعوى أنّ فيه تغرير النفس و أنّه لو كان الإحداث من قبيل السلس فاللازم ثبوت دية النفس و إلّا فالحكومة.

نعم، لا يمكن التعدّي من الرواية و الالتزام بما ذكر في الدوس الموجب لإخراج الريح كما ربّما يظهر من إطلاق الماتن، و الوجه في عدم الإمكان ما ذكر من فرض الإحداث في ثيابه و في مثله يرجع إلى الحكومة، و اللّٰه

العالم.

من افتض بكراً بإصبعه

(1) المنسوب «2» إلى المشهور أنّ الدية في الفرض دية المرأة خمسمائة دينار

______________________________

(1) الكافي 7: 377، الحديث 21، من لا يحضره الفقيه 4: 147، الحديث 5326، التهذيب 10: 251، الحديث 26.

(2) نسبه السيد الخوئي في مباني تكملة المنهاج 2: 370.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 240

..........

______________________________

حيث إنّ ديتها نصف دية الرجل.

و يستدلّ على ذلك بما رواه الشيخ في التهذيب مرسلًا عن هشام بن إبراهيم «1» و أنّ الجناية الموجبة لزوال الإمساك بالبول بالسلس توجب الدية الكاملة، بل ذكر الصدوق قدس سره بعد نقل رواية ظريف و أكثر روايات أصحابنا في ذلك الدية كاملة «2».

و لعلّه قدس سره يشير إلى روايات سلس البول.

و لكن لا يخفى أنّ رواية هشام بن إبراهيم ضعيفة لتردّد هشام بن إبراهيم و كونها مرسلة.

و أمّا روايات سلس البول فلا بدّ من رفع اليد عن إطلاقها بما رواه الشيخ و الصدوق (قدس سرّهما) عن كتاب ظريف: في رجل افتضّ جارية بإصبعه فخرق مثانتها فلا تملك بولها فجعل لها ثلث الدية مائة و ستّة و ستّين ديناراً و ثلثا دينار، و قضى عليه السلام لها عليه بصداق مثل نساء قومها «3». و حيث إنّ دية المرأة نصف دية الرجل يكون ثلث ديتها ما ذكر مضافاً إلى مهر المثل الذي دية الافتضاض.

______________________________

(1) التهذيب 10: 308، آخر الحديث 26.

(2) من لا يحضره الفقيه 4: 92، آخر حديث ظريف رقم 5150.

(3) التهذيب 10: 308، آخر الحديث 26. و من لا يحضره الفقيه 4: 92، آخر الحديث 5150.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 241

[المقصد الثاني في الجناية على المنافع]

اشارة

المقصد الثاني: في الجناية على المنافع و هي سبعة:

[الأول العقل]

(الأوّل): العقل و فيه الدية. و في بعضه الأرش في نظر الحاكم (1)، إذ لا طريق إلى تقدير النقصان. و في المبسوط: يُقدَّر بالزمان. فلو جُنَّ يوماً و أفاق يوماً، كان الذاهب نصفه. أو جنّ يوماً و أفاق يومين، كان الذاهب ثلثه، و هو تخمين، و لا قصاص في ذهابه و لا في نقصانه لعدم العلم بمحله، و لو شجَّه فذهب عقله لم تتداخل دية الجنايتين. و في رواية: إن كان بضربة واحدة تداخلتا، و الأوّل أشبه.

المقصد الثاني: في الجناية على المنافع

دية ذهاب العقل

______________________________

(1) ذكر قدس سره في المقام أُموراً:

الأوّل: أنّ دية ذهاب العقل دية النفس و الظاهر أنّه لا خلاف فيه بحيث يعرف أو ينقل. و يدلّ عليه صحيحة إبراهيم بن عمر، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل ضرب رجلًا بعصا فذهب سمعه و بصره و لسانه و عقله و فرجه و انقطع جماعه و هو حيّ بستّ ديات» «1» و لا يبعد أيضاً أن يستظهر ذلك من صحيحة هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «كلّ ما كان في الإنسان اثنان ففيهما الدية و في أحدهما نصف الدية و ما كان فيه واحد ففيه الدية» «2» فإنّ عموم: كلّ ما في الإنسان، يشمل المنافع أيضاً، و مقتضى هذه عدم الفرق في ذهابه بين أن يكون ذهابه بالضرب على الرأس و غيره و لو ممّا لا يكون ضرباً و لا جرحاً كما في إفزاعه حتّى ذهب عقله، بل يفهم من صحيحة إبراهيم بن عمر أيضاً أنّ الدية الكاملة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 365، الباب 6

من أبواب ديات المنافع، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 29: 287، الباب الأوّل من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 12.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 242

..........

______________________________

لذهاب كلّ من تلك المنافع و لو بغير الضرب أو الضرب بالعصا، و يظهر ذلك أيضاً من صحيحة أبي عبيدة الحذّاء الآتية.

الثاني: إن لم يذهب تمام العقل بل بعضه فذكر الماتن قدس سره أنّ فيه الأرش في نظر الحاكم حيث إنّه المرجع عند عدم تعيين الدية و علّل قدس سره الرجوع إلى الأرش بأنّه لا طريق إلى معرفة مقدار النقص كما يذكره طريقاً لمعرفة مقدار نقص ضوء العين على ما يأتي.

و ذكر الشيخ قدس سره في المبسوط أنّ الطريق إلى النقص التقدير بالزمان «1»، فلو جنّ يوماً أو شهراً و أفاق يوماً أو شهراً فالذاهب نصفه و إن أفاق يومين أو شهرين فالذاهب ثلثه و هكذا.

و لكن لا يخفى أنّ ما ذكر على تقدير تحقّقه يدخل في غير العلم و اعتباره يحتاج إلى قيام الدليل عليه، و لعلّه لذلك عبّر قدس سره بأنّ ما ذكر تخمين.

أضف إلى ذلك إمكان ذهاب العقل بالإضافة إلى بعض الأُمور و عدم ذهابه بالإضافة إلى البعض الآخر، فالصحيح الرجوع إلى الأرش على كلّ تقدير حتّى ذهابه في بعض الزمان و عوده في بعضه و تكرارهما كذلك المعبّر عنه بالجنون الأدواري المعدود من النقص في العقل.

الثالث: أنّه لا قصاص في ذهاب العقل و لا في نقصانه و علّل ذلك بأنّه إذا لم يمكن القصاص من الجناية ينتقل الأمر إلى الدية إذا كانت للجناية تقدير، و إن لم يكن تقدير ينتقل إلى الأرش، و حيث لا يعلم موضع القصاص في ذهاب العقل و نقصانه ينتقل الأمر إلى

الدية و الأرش.

و بتعبير آخر لا يمكن في القصاص التعدّي عن مقدار الجناية الواردة، و المماثلة

______________________________

(1) المبسوط 7: 126.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 243

..........

______________________________

في الاقتصاص من الجناية شرط و لا يمكن إحراز المماثلة في القصاص في الجناية الموجبة لزوال العقل أو نقصانه.

و على الجملة، ففي ذهاب العقل، الدية و في نقصانه الحكومة، و هل يعدّ الجنون الأدواري من الجنون بمعنى زوال العقل أو من نقصانه؟ فعلى الأوّل يدخل فيما ورد في صحيحة ابن عمر المتقدّمة، و يحكم عليه بالدية و على الثاني يحكم بالأرش.

و ظاهر الشيخ في المبسوط و العلّامة في القواعد «1» أنّ الدية تقسط في الفرض بحسب الزمان على ما تقدّم.

و لكن الظاهر أنّ الجنون الأدواري يعدّ نقصاً في العقل و يرجع فيه إلى الحكومة، و ما ورد في صحيحة إبراهيم بن عمر من ثبوت الدية ينصرف إلى ذهاب عقله مطلقاً كذهاب سائر ما ورد فيها.

الرابع: أنّه لو جرحه في رأسه فذهب عقله لم تتداخل دية الشجاج و دية ذهاب العقل نظير ما تقدّم من أنّه لو قطع إذنه فذهب سمعه أيضاً تثبت دية الجنايتين و لم يكن في البين تداخل.

و لكن في البين رواية صحيحة مقتضاها التداخل و هي صحيحة أبي عبيدة الحذّاء قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل ضرب رجلًا بعمود فسطاط على رأسه ضربة واحدة فأجافه حتّى وصلت الضربة إلى الدماغ فذهب عقله، قال: إن كان المضروب لا يعقل منها أوقات الصلاة و لا يعقل ما قال و لا ما قيل له، فإنّه ينتظر به سنة فإن مات فيما بينه و بين السنة أُقيد به ضاربه، و إن لم يمت فيما بينه و بين

السنة و لم يرجع إليه عقله أُغرم ضاربه الدية في ماله لذهاب عقله، قلت: فما ترى عليه في

______________________________

(1) المبسوط 7: 126، و القواعد 3: 684.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 244

..........

______________________________

الشجّة شيئاً؟ قال: لا؛ لأنّه إنّما ضرب ضربة واحدة فجنت جنايتين فألزمته أغلظ الجنايتين و هي الدية، و لو كان ضربه ضربتين فجنت الضربتان جنايتين فألزمته جناية ما جنتا كائناً ما كان إلّا أن يكون فيهما الموت فيقاد به ضاربه، فإن ضربه ثلاث ضربات واحدة بعد واحدة فجنين ثلاث جنايات ألزمته جناية ما جنت الثلاث الضربات كائنات ما كانت ما لم يكن فيها الموت فيقاد به ضاربه، قال: فإن ضربه عشر ضربات فجنين جناية واحدة ألزمته تلك الجناية التي جنتها العشر ضربات «1».

أقول: يستفاد من هذه الصحيحة أنّه إذا وقعت الجنايتان بضربة واحدة و كانت الدية في إحداهما أغلظ من الأُخرى و كانت إحدى الجنايتين مسبّبة عن الأُخرى تدخل دية غير الأغلظ في الأغلظ كترتّب ذهاب العقل على الشجّة الحاصلة بالضربة الواحدة على رأسه، و هذا بخلاف ما إذا تعدّدت الضربة و حصل بكلّ منها جناية غير الجناية الأُخرى الحاصلة من الضربة الأُخرى فإنّه يلزم بالجنايتين و يؤخذ ديتهما من الجاني حتّى فيما إذا كانت الدية في إحداهما أغلظ من الأُخرى، و كذا فيما كانت الضربة واحدة و حصلت جنايتان طوليتان أو عرضيّتان، و لكن لم تكن الدية في إحداهما أغلظ من الأُخرى.

نعم، لو كانت إحدى الجنايتين مورد القصاص من النفس فيقاد بها و تطرح غيرها، و إن كانت الجنايات متعدّدة و اعتبار الترتّب بين الجنايتين الحاصلتين من ضربة واحدة لظاهر الفرض في السؤال، و جواب الإمام عليه السلام راجع إلى المفروض

فلا تداخل فيما إذا كانت الجنايتان عرضيتين، سواء كانت الدية في إحداهما أغلظ أم لا، و اعتبار الأغلظيّة زائد على اعتبار كون الجنايتين طوليتين لتعليل الإمام عليه السلام عدم ثبوت الدية على الشجّة في الرأس التي موردها الدية حيث لا قصاص في جراحات

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 366، الباب 7 من أبواب ديات المنافع، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 245

..........

______________________________

الرأس كما لا قصاص في إذهاب العقل كما يأتي.

و ممّا ذكر يظهر أنّه لو قطع أُذنيه فذهب سمعه بذلك تثبت دية السمع ودية الأُذنين و إن كانت الجنايتان بضربة واحدة مترتّبتين؛ لأنّ إحداهما ليس أغلظ في الدية من الأُخرى.

و بالجملة، القاعدة الأوّليّة ثبوت الدية في كلّ جناية و مع تعدّد الجناية تتعدّد الدية، سواء كانتا مترتّبتين أو عرضيتين، سواء كانتا بضربة واحدة أو متعدّدة، كما هو مقتضى إطلاق خطابات الدية في الجنايات فيرفع اليد عن ذلك بمقدار قيام الدليل عليه.

و كيف ما كان، فلا موجب لرفع اليد عن الصحيحة فإنّ ما ذكرنا من مقتضاها غايته رفع اليد عن إطلاق خطابات دية الجنايات و قد حكي «1» عن جماعة من الأصحاب العمل بها.

هذا كلّه فيما إذا كانت كلتا الجنايتين موجبة للدية بالأصالة، و أمّا إذا كانتا موجبتين القصاص بإن كانت إحدى الجنايتين جرحاً و الآخر قتلًا، فإن كانت الجرح و القتل بضربة واحدة ترتّب عليه الجرح و القتل فلا ينبغي التأمّل في دخول قصاص الطرف في قصاص النفس؛ لأنّ القتل في الغالب بالسراية من الجرح كما إذا قطعت يده من المنكب ثمّ مات.

و يدلّ على ذلك صحيحة محمّد بن قيس، عن أحدهما عليهما السلام في رجل فقأ عيني رجل و قطع أُذنيه ثمّ

قتله، فقال: «إن كان فرق ذلك اقتصّ منه ثمّ يقتل، و إن كان ضربه ضربة واحدة ضربت عنقه و لم يقتصّ منه «2» فإنّ ظاهر الذيل دخول

______________________________

(1) حكاه الفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 511، (الطبعة القديمة)، و الشهيد الثاني في مسالك الأفهام 15: 445.

(2) وسائل الشيعة 29: 112، الباب 51 من أبواب قصاص النفس، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 246

..........

______________________________

قصاص الطرف في قصاص النفس.

و يدلّ أيضاً صحيحة حفص بن البختري، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل ضرب على رأسه فذهب سمعه و بصره و اعتقل لسانه ثمّ مات؟ فقال: «إن كان ضربه ضربة بعد ضربة اقتصّ منه ثمّ قتل، و إن كان أصابه هذا من ضربة واحدة قتل و لم يقتصّ منه» «1» و ظاهر هذه أيضاً أنّ مع وحدة الضربة يدخل قصاص الطرف في قصاص النفس كما أنّ ظاهرهما أنّ مع تعدّد الضربة و حصول جناية بكلّ منهما، لا يدخل قصاص الطرف في قصاص النفس.

هذا فيما إذا لم يكن القتل مستنداً إلى مجموع الضربتين و إلّا يثبت قصاص النفس فقط، و الظاهر عدم الفرق بين أن تكون الضربتان متفرّقتين من حيث الزمان أو متفقتين فإن استند الموت إلى كلتا الضربتين و المجموع يثبت قصاص النفس فقط، و أمّا في صورة الاستناد إلى إحداهما لا يدخل قصاص الطرف في قصاص النفس، و إن يستظهر من صحيحة أبي عبيدة الحذاء المتقدّمة التداخل فيما إذا كانت جنايتان متعدّدتان في أحدهما قصاص النفس تطرح الأُخرى، و إن كانت بضربات متعدّدة حيث قال عليه السلام في صحيحة أبي عبيدة الحذّاء: «و لو كان ضربه ضربتين فجنت الضربتان جنايتين لألزمته جناية

ما جنتا كائناً ما كان إلّا أن يكون فيهما الموت بواحدة و تطرح الأُخرى فيقاد به ضاربه، فإن ضربه ثلاث ضربات واحدة بعد واحدة فجنين ثلاث جنايات ألزمته جناية ما جنت الثلاث ضربات كائنات ما كانت ما لم يكن فيها الموت فيقاد به ضاربه» «2» الحديث.

و ظاهر ما ذكر أنّ مع تعدّد الضربات و تعدّد الجنايات إذا كان أحدها الموت أي

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 112، الباب 51 من أبواب قصاص النفس، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 29: 366، الباب 7 من أبواب ديات المنافع، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 247

و في رواية لو ضرب على رأسه فذهب عقله انتظر به سنة (1)، فإن مات فيها قيد به، و إن بقي و لم يرجع عقله ففيه الدية، و هي حسنة، و لو جنى فأذهب العقل و دفع الدية ثمّ عاد لم يرتجع الدية؛ لأنّه هبة مجدّدة من اللّٰه.

______________________________

موجب القصاص تطرح الأُخرى و لو كان الموت مترتّب على إحدى الجنايتين أو الجنايات. و بالجملة، فالوارد في صحيحة أبي عبيدة الحذّاء يعارضه ما ورد في صحيحة محمّد بن قيس بل صحيحة حفص، و لا ينبغي التأمّل في أنّ مدلول الصحيحتين موافق للكتاب المجيد الدالّ على ثبوت القصاص كالنفس في الأطراف و الجروح و الخارج عن ذلك صورة سراية الجناية على الطرف أو الجرح على النفس حيث يثبت معه قصاص النفس فقط أو دية النفس على ما تقدّم في كتاب القصاص من ثبوت قصاص النفس إذا كان الجناية على الطرف أو الجرح قاتلة أو قصد الجاني بها قتل المجني و ترتّب عليه القتل و لو لم تكن قاتلة عادة، و أمّا إذا لم تكن قاتلة

و لم يقصد بها القتل لكن ترتّب عليه القتل اتفاقاً حيث يثبت في هذه الصورة دية النفس.

لا يقال: إنّ مدلول صحيحة محمّد بن قيس عدم تداخل قصاص الطرف في قصاص النفس إذا كان الضرب بضربتين فيما كانت الضربتان متفرّقتين زماناً، و مدلول صحيحة أبي عبيدة فيما كان الضربة بعد ضربة بأن كانتا متواليتين، فالالتزام بتداخل قصاص الطرف في قصاص النفس في الثاني لا تنافي عدم التداخل فيما إذا كانت الضربتان متفرّقتين من حيث الزمان.

فإنّه يقال: المراد بالتفرّق في صحيحة محمّد بن قيس كونه بضربات متعدّدة في مقابل الجنايتين إحداهما ترتّب الموت بضربة واحدة لا التفريق بينهما من حيث الزمان فراجعها.

لو ضرب على رأسه فذهب عقله

(1) الأمر الخامس أنّه قد ورد في صحيحة أبي عبيدة الحذّاء المتقدّمة: سألت

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 248

..........

______________________________

أبا جعفر عليه السلام عن رجل ضرب رجلًا بعمود فسطاط على رأسه ضربة واحدة فأجافه حتّى وصلت الضربة إلى الدماغ فذهب عقله، قال: إن كان المضروب لا يعقل منها أوقات الصلاة و لا يعقل ما قال و لا ما قيل له فإنّه ينتظر به سنة فإن مات فيما بينه و بين السنة أُقيد به ضاربه، و إن لم يمت فيما بينه و بين السنة و لم يرجع إليه عقله أُغرم ضاربه الدية في ماله لذهاب عقله «1». الحديث، فإنّ الرواية كما ذكرنا صحيحة و ليس بحسنة حيث إنّ الكليني قدس سره رواها عن الحسن بن محبوب، عن جميل بن صالح، عن أبي عبيدة بطريقين: أحدهما علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، و الطريق الآخر: محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب «2»، و

المتعيّن العمل بالوارد فيها فينتظر من زمان الجناية إلى سنة فإن عاد عقله قبل تمام السنة يرجع إلى الأرش ودية الضربة، و إن لم يعد تثبت دية ذهاب العقل على ما تقدّم.

و لو أدّى الجاني الدية ثمّ عاد عقله فظاهر الماتن أنّه لم يرتجع الدية؛ لأنّ عود العقل هبة جديدة من اللّٰه سبحانه لا ينافي عوده مع زواله بالجناية من قبل، سواء كان عوده قبل تمام السنة من الجناية و زواله أو عوده بعد مضي السنة؛ و لذا حكى عن بعض الأصحاب التفصيل بأنّه إن كان العود بحيث يحكم أهل الخبرة بأنّه لم يكن العقل زائلًا بل كان الإغماء العارض من الضربة موجباً لعدم إدراكه يرتجع الدية، بخلاف ما إذا كان الرجوع عندهم أمراً غير عادياً فإنّه يحسب عوده هبة من اللّٰه، و ظاهر الصحيحة التفصيل بين عوده قبل تمام السنة و عوده بعد تمامها فيرتجع الدية في العود في الأوّل دون الثاني.

و ما يظهر من رواية أبي حمزة الثمالي من عدم جواز ارتجاع الدية حتّى فيما إذا

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 366، الباب 7 من أبواب ديات المنافع، الحديث الأوّل.

(2) الكافي 7: 325، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 249

[الثاني السمع]

(الثاني): السمع و فيه الدية (1) إن شهد أهل المعرفة باليأس. فإن أمّلوا العود بعد مدّة معيّنة، توقّعنا انقضاءها. فإن لم يعد، فقد استقرّت الدية.

______________________________

عاد عقله قبل تمام السنة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: جعلت فداك ما تقول في رجل ضرب رأس رجل بعمود فسطاط فأمّه حتّى ذهب عقله؟ قال: عليه الدية، قلت: فإنّه عاش عشرة أيّام أو أقل أو أكثر فرجع إليه عقله، أله أن يأخذ الدية؟ قال: لا،

قد مضت الدية بما فيها، قلت: فإنّه مات بعد شهرين أو ثلاثة، قال أصحابه: نريد أن نقتل الرجل الضارب، قال: إن أرادوا أن يقتلوه يردّوا الدية ما بينهم و بين السنة، فإذا مضت السنة فليس لهم أن يقتلوه، و مضت الدية بما فيها «1».

و لا يخفى أنّ ظاهرها عدم ارتجاع الدية حتّى بعد رجوع عقله بعشرة أيّام، و حيث إنّ سندها ضعيف لا يمكن رفع اليد عمّا هو ظاهر صحيحة أبي عبيدة الحذّاء المتقدّمة.

السمع

(1) لا خلاف في أنّ في ذهاب السمع الدية و قد ورد في صحيحة إبراهيم بن عمر المتقدّمة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل ضرب رجلًا بعصا فذهب سمعه و بصره و لسانه و عقله و فرجه و انقطع جماعه و هو حيّ، بستّ ديات «2».

و في كتاب الديات الذي عرضه يونس بن عبد الرحمن على الرضا عليه السلام في ذهاب السمع كلّه ألف دينار «3». و يدلّ على ذلك صحيحة سليمان بن خالد أيضاً عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال في رجل ضرب رجلًا في أُذنه بعظم فادّعى أنّه لا يسمع، قال:

يترصّد و يستغفل و ينتظر به سنة، فإن سمع أو شهد عليه رجلان أنّه يسمع، و إلّا حلّفه

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 367، الباب 7 من أبواب ديات المنافع، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 29: 365، الباب 6 من أبواب ديات المنافع، الحديث الأوّل.

(3) وسائل الشيعة 29: 357، الباب الأوّل من أبواب ديات المنافع، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 250

..........

______________________________

و أعطاه الدية، قيل يا أمير المؤمنين فإن عثر عليه بعد ذلك أنّه يسمع؟ قال: إن كان اللّٰه

ردّ عليه سمعه لم أرَ عليه شيئاً «1».

و ما ذكر الماتن عليه السلام من أنّ استحقاق المجني عليه الدية إنّما هو على تقدير شهادة أهل الخبرة باليأس عن عود عقله، و أمّا إذا قالوا بالأمل في عوده بعد مدّة كذا ينتظر إلى تلك المدّة فإن لم يعد فيها استقرّت الدية.

و لكن ظاهر ما ورد في صحيحة سليمان بن خالد أنّه مع عدم إحراز ذهاب العقل أو احتمال عوده ينتظر إلى سنة و يترصّد و يستغفل بسؤاله فإن انكشف أنّه يسمع أو شهد شاهدان أنّه يسمع فلا يعطي الدية هو أنّ مدة الانتظار سنة كما في

ذهاب العقل و بعد السنة إن لم يثبت أنّه يسمع و لم يشهد عليه شاهدان فيحلّف المجني عليه على عدم سماعه و يعطي الدية و لا يحتمل أن يكون فرق بين إحراز زوال العقل حين الجناية و احتمال عوده و بين دعواه ذهاب عقله مع احتمال كذب دعواه و احتمال العود على تقدير صدقه.

نعم، إذا ثبت ذهاب سمعه و عوده قبل تمام السنة يرجع إلى الأرش على ما تقدّم في ذهاب العقل.

و لكن قد ورد في صحيحة علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال:

سألته عن رجل ضرب بعظم في أُذنه فادّعى أنّه لا يسمع؟ قال: «إذا كان الرجل مسلماً صدّق» «2» فإن أمكن حملها على صورة حلفه بعد الانتظار على ما يأتي كيفيّة إحلافه و بيان قسامته فهو، و إلّا فلا يمكن الأخذ بها؛ لأنّها مخالفة لما دلّ على أنّ القضاء يكون بالبيّنة و الحلف من الروايات، و يمكن حملها على استحباب القبول

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 361-/ 362، الباب 3 من أبواب ديات المنافع، الحديث

الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 29: 363، الباب 3 من أبواب ديات المنافع، الحديث 4.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 251

و لو أكذب الجاني عند دعوى ذهابه، أو قال: لا أعلم (1)، اعتبرت حاله عند الصوت العظيم و الرعد القوي و صيح به بعد استغفاله، فإن تحقّق ما ادّعاه و إلّا أحلف القسامة، و حكم له.

و لو ذهب سمع إحدى الأُذنين، ففيه نصف الدية (2).

و لو نقص سمع إحداهما، قيس إلى الأُخرى، بأن تسدّ الناقصة و تطلق الصحيحة، و يصاح به حتّى يقول: لا أسمع، ثمّ يُعاد عليه ذلك مرّة ثانية، فإن تساوت المسافتان صُدِّق. ثمّ تطلق الناقصة و تُسَدّ الصحيحة، و يعتبر بالصوت حتّى يقول: لا أسمع، ثمّ يكرّر عليه الاعتبار فإن تساوت المقادير في سماعه فقد صدق و تمسح مسافة الصحيحة و الناقصة، و يلزم من الدية بحسب التفاوت.

______________________________

فيما إذا احتمل صدقه فلا منافاة بينها و بين صحيحة سليمان بن خالد.

(1) قد تقدّم أنّه في هذه الصورة أُجّل إلى سنة اعتبرت حالة المجني عليه و استغفل بسؤاله فإن انكشف الخلاف و أنّه يسمع أو شهد شاهدان بأنّه يسمع فليس له المطالبة بالدية، و إن لم يظهر سماعه بالاختبار بما ذكر أو بشاهدين عدلين فعلى المجني عليه أن يأتي بالقسامة، و القسامة حلفه مع خمسة أشخاص إذا أمكن و إلّا يحلف هو ستّ مرّات فعندئذ يستحقّ الدية و لو فرض عود السماع عليه بعد السنة فإن احتمل حدوث العود بعدها بعد زوالها يحسب هبة من اللّٰه و لا يسترجع الدية.

ذهاب سمع إحدى الأُذنين

(2) لأنّ مقتضى ما تقدّم من أنّ في ذهاب السمع الدية مقتضاه أن يكون في ذهاب سمع إحداهما نصف الدية فإنّ تقسيط

الدية في ذهاب إحداهما على خلاف ذلك يحتاج إلى دليل و قرينة، و لا فرق في كون دية ذهاب إحداهما نصفها بين كون إحدى الأُذنين أحدّ من الأُخرى أم لا.

و كذا لو كان السمع بالأُخرى ذاهباً بآفة أو جناية جان أم لا.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 252

و في رواية يعتبر بالصوت من جوانبه الأربعة و يصدق مع التساوي و يكذب مع الاختلاف. (1)

______________________________

و ما عن ابن حمزة «1» أنّه لو كان قد ذهب السمع بالأُخرى من قبل بسبب من اللّٰه تعالى تكون بذهاب السمع الدية الكاملة لم يعلم له وجه إلّا قياس المقام بذهاب البصر حيث يأتي أنّه لو جنى على الأعور و ذهب بصره من عينه الصحيحة فعلى الجاني الدية الكاملة، و من الظاهر أنّ إجراء الحكم الوارد على الأعور في المقام مجرّد قياس و استحسان.

(1) قد تقدّم الحكم فيما إذا ادّعى ذهاب سمعه، و أمّا إذا ادّعى نقصان سمع إحدى أُذنيه قيس ما ادّعى النقص فيها إلى أُذنه الأُخرى و طريق القياس أن تسدّ أُذنه التي ادّعى النقص فيها بنحو لا يسمع بها و تطلق الصحيحة، و يصاح بالشخص المدّعي إلى أن يقول لا أسمع، و يعاد الصيحة عليه من جانبه الآخر مثل الأوّل إلى أن يقول لا أسمع، فإن تساوت المسافتان في سماعه في أُذنه الصحيحة صدق ثمّ تسدّ أُذنه الصحيحة بحيث لا يسمع بها و يعتبر أُذنه التي ادّعى النقص فيها بالصيحة عليه كما ذكرنا في اختبار سماع أُذنه الصحيحة، فإن صدق فيها أيضاً بأن تساوت المسافة في سماعه بها بتكرار الصيحة عليه في المرّتين بتساوي المقدار في سماعه فيهما تمسح مسافة الصحيحة و الناقصة و يقدّر الدية

بحسب تفاوت المسافتين.

و ظاهر الماتن قدس سره عدم ذكر القسامة في المتن و لكن عدم ذكرها؛ لأنّه لم يفرض في كلامه صورة الدعوى و الإنكار، بل فرض النقص في إحداهما و بيّن طريق تعيين الدية في صورة النقص في إحدى الأُذنين فلا ينافي الحاجة إلى القسامة في مقدار التصديق بالاعتبار المزبور في صورة الدعوى.

______________________________

(1) الوسيلة: 445.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 253

و في ذهاب السمع بقطع الأُذنين (1) ديتان. و لا يقاس السمع في الريح بل يتوخّى سكون الهواء.

[الثالث في ضوء العينين]

(الثالث): في ضوء العينين و فيه الدية كاملة. فإن ادّعى ذهابه، و شهد له شاهدان من أهل الخبرة أو رجل، و امرأتان، إن كان خطأً أو شبيه عمد، فقد ثبت الدعوى. فإن قالا: لا يُرجى عوده، فقد استقرّت الدية.

______________________________

و يشهد للاعتبار المذكور و القسامة في مقدار النقص ظاهر معتبرة يونس و الحسن بن علي بن فضّال، عن الرضا عليه السلام حيث ورد فيها بعد بيان النقص في البصر قال: «و إن كان السمع فعلى نحو من ذلك غير أنّه يضرب له بشي ء حتّى يعلم منتهى سمعه ثمّ يقاس ذلك، و القسامة على نحو ما ينقص من سمعه» الحديث «1» و أمّا رواية عليّ بن حمزة «2» الظاهرة في الاختبار في كلّ من أُذنه الصحيحة و الناقصة من أربعة أطراف فلضعف سندها و عدم الحاجة بعد إحراز صدقة إلى ذلك لا يمكن الحكم بلزوم الاختبار كذلك، و إطلاق الأمر بالتحليف في صحيحة سليمان بن خالد «3» لا يشمل فرض النقص.

ذهاب السمع بقطع الأُذنين

(1) و الوجه في ذلك أنّ كلّا من القطع و ذهاب السمع جناية و ترتّب الذهاب على القطع و لو كان بضربة واحدة

لا يوجب التداخل؛ لأنّ ما ورد في صحيحة أبي عبيدة الحذّاء المتقدّمة من التداخل فيما إذا كانت الجنايتان بضربة واحدة فرضها كون إحدى الديتين أقل و الآخر أكثر.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 375، الباب 12 من أبواب ديات المنافع، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 29: 362، الباب 3 من أبواب ديات المنافع، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 29: 363، الباب 3 من أبواب ديات المنافع، الحديث 3.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 254

و كذا لو قالا: يُرجى عوده، لكن لا تقدير له. أو قالا: بعد مدّة معيّنة فانقضت، و لم يعد. و كذا لو مات قبل المدّة. أمّا لو عاد ففيه الأرش. (1)

دية ذهاب ضوء العينين

______________________________

(1) لا ينبغي التأمّل و لا خلاف أيضاً في أنّ دية ذهاب ضوء العينين دية النفس و في ذهاب ضوء إحداهما نصفها.

و يدلّ على ذلك ما تقدّم من صحيحة إبراهيم بن عمر، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل ضرب رجلًا بعصا فذهب سمعه و بصره و لسانه و عقله و فرجه و انقطع جماعه و هو حيّ بستّ ديات» «1».

و الصحيحة التي رواها الصدوق عن عاصم بن حميد، عن محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «ضرب رجل رجلًا في هامته على عهد أمير المؤمنين عليه السلام فادّعى المضروب أنّه لا يبصر بعينيه شيئاً و أنّه لا يشمّ رائحة و أنّه قد خرس فلا ينطق فقال أمير المؤمنين عليه السلام: إن كان صادقاً فقد وجبت له ثلاث ديات النفس» الحديث «2».

و يدلّ أيضاً ما في المعتبرة من كتاب ظريف: «و الضوء كلّه من العينين ألف دينار» «3».

و على ما ذكرنا في

ذهاب سمع إحدى الأُذنين يكون دية ذهاب ضوء إحدى العينين نصف الدية حيث إنّ التفرقة في ذهاب ضوئهما يحتاج إلى بيان خاصّ و تعيين الاختلاف.

و إن ادّعى المجني عليه ذهاب ضوء عينيه فقال الماتن قدس سره فإن شهد شاهدان من أهل الخبرة أو رجل و امرأتان بالذهاب في صورة كون الجناية خطأً أو شبه عمد

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 365، الباب 6 من أبواب ديات المنافع، الحديث الأوّل.

(2) من لا يحضره الفقيه 3: 19، الحديث 3250.

(3) وسائل الشيعة 29: 284، الباب الأوّل من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 3.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 255

..........

______________________________

ثبتت الدعوى؛ و ذلك لأنّ الدعوى في فرض الخطأ و شبه العمد من دعوى الدين على العاقلة و الجاني، حيث إنّ الدية داخل في عنوان الدين، و الدين يثبت بكلّ من شاهدي عدل و شهادة رجل و امرأتين.

و لكن لا يخفى أنّ إحراز صدق الدعوى بأنّه لا يبصر أو كذبه يتيسّر بجعل عيني المدّعي مقابل نور قوي كقرص الشمس فإن لم يتمالك حتّى غمض عينيه فهو كاذب و لا دية له، و إن بقيتا مفتوحتين كان صادقاً و استحقّ الدية مع ثبوت استناد ذهابه إلى جناية الجاني.

و يكفي في إثبات أنّ ذهابه بالجناية عليه القسامة نظير ما تقدّم في دعوى ذهاب السمع.

و بالجملة، فإن اعترف الجاني بدعوى المجني عليه ينفذ اعترافه على نفسه و إلّا يختبر في صدق دعواه بأنّه لا يبصر بالاختبار المذكور و حيث أُحرز أنّه لا يبصر لا يكفي في أنّ عدم بصره مستند إلى جناية الجاني، و كون المورد من موارد اللوث يثبت الاستناد بالقسامة فقد ورد في ذيل صحيحة عاصم المتقدّمة فقيل: يا أمير المؤمنين

عليه السلام فكيف يعلم أنّه صادق؟ فقال: «أمّا ما ادّعاه أنّه لا يشمّ رائحة فإنّه يدنا منه الحراق فإن كان كما يقول و إلّا نحّى رأسه و دمعت عينه، و أمّا ما ادّعاه في عينيه فإنّه يقابل بعينيه الشمس فإن كان كاذباً لم يتمالك حتّى يغمض عينيه و إن كان صادقاً بقيتا مفتوحتين» الحديث «1».

و ضمّ القسامة إلى ما ذكر لمّا تقدّم ممّا ورد في كتاب ظريف في دعوى نقصان البصر بعد الاختبار ضمّ القسامة و قوله عليه السلام: و كذلك القسامة كلّها من الجروح «2».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 363- 364، الباب 4 من أبواب ديات المنافع، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 29: 159- 160، الباب 11 من أبواب دعوى القتل، الحديث 2.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 256

و لو اختلفا في عوده، فالقول قول المجني عليه مع يمينه. (1)

______________________________

و التعرّض لأنّ الحكم في دعوى نقصان السمع كما ذكر في دعوى نقصان البصر من الحاجة للقسامة.

و على ما ذكرنا فإن عاد البصر بعد مدّة بحيث يعلم أنّ عدم بصره بعد وقوع الجناية كان لأمر عارض و بزواله عاد بصره يرجع إلى الأرش، و إن لم يعلم أنّه ينكشف ذلك استقرّت الدية فإنّ الموضوع للدية ذهاب الضوء على ما تقدّم، فإن شهد أهل الخبرة بأنّ عوده كاشف عن كون عدم بصره كان لحاجب عارض و قد زال ذلك العارض يتدارك بالأرش لعدم تقدير الدية في عدم البصر كذلك لانصراف ما دلّ عليها عن ذلك الفرض، و إن لم يعلم ذلك بأن احتمل أنّه عناية خاصّة المعبّر عنها بالهبة الجديدة من اللّٰه يؤخذ بما دلّ على تعيّن الدية، و قد يقال ينتظر إلى سنة فإن عاد

بصره قبل تمامها يرجع إلى الأرش و إن انقضت السنة تستقرّ الدية كما يستقرّ بموت المجني عليه قبل تمام السنة، و يستظهر ذلك من رواية سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن العين يدّعي صاحبها أنّه لا يبصر شيئاً؟ قال: يؤجّل سنة ثمّ يستحلف بعد السنة أنّه لا يبصر ثمّ يعطى الدية، قال: قلت: فإنّ هو أبصر بعده؟ قال: هو من أعطاه اللّٰه إيّاه «1». و لكنّ الرواية ضعيفة بحمّاد بن زيد الراوي عن سليمان بن خالد فلا يمكن رفع اليد عن القاعدة التي ذكرناها.

(1) و ذلك فإنّ الجاني في الفرض يعدّ مدّعياً حيث إنّه يدّعي خلاف الاستصحاب الجاري في ناحية بقاء ذهاب صوته و إذا لم يكن للمدّعي بيّنة لإثبات مدّعاه تصل النوبة إلى حلف المنكر و إذا حلف استقرّت الدية.

و نظير ذلك ما إذا مات المجني عليه و ادّعى الجاني أنّه عاد ضوء عينه قبل موته و أنكر ذلك أولياء الميت ففي هذا الفرض أيضاً إن أقام الجاني البيّنة على العود

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 370، الباب 8 من أبواب ديات المنافع، الحديث 5.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 257

و إن ادّعى ذهاب بصره و عينه قائمة، أُحلف القسامة و قضي له. و في رواية تقابل بالشمس، فإن كان كما قال بقيتا مفتوحتين. و لو ادّعى نقصان إحداهما قيست إلى الأُخرى (1) و فعل كما فعل في السمع.

______________________________

قبل الموت يحكم بالأرش و إلّا يحلف أولياء المقتول و استقرّت الدية.

لا يقال: قد تقدّم أنّ مع إمكان إحراز الواقع لا تصل النوبة إلى تتبّع طريق لإثبات الدعوى فإذا كان الجاني مدّعياً للعود فلم لا يختبر في فرض الماتن

بجعل عينه مقابل قرص الشمس.

فإنّه يقال: كان النصّ في الاختبار بما ذكر في دعوى المجني عليه ذهاب ضوء بصره، و الفرض في الثاني دعوى الجاني عود ضوء بصره فلا يعمّه ذلك النصّ، مع أنّ اختلاف الحكم في الفرض و لو لاحتمال عود ضوء العين و ذهابه ثانياً بإصابة عينه بقرص الشمس، فلا يكون ما ذكر طريقاً إلى إحراز الواقع في هذا الفرض مع أنّ الإلزام عليه بالاختبار مع ظهور صدقه في أوّل مرّة وهن عليه.

و على الجملة، ففيما ادّعى الجاني العود في فرض الماتن أو في فرض موت المجني عليه و دعوى الجاني العود قبل موته إن أقام الجاني البيّنة لدعواه فهو و إلّا يكون الحكم كما ذكر.

(1) إذا ادّعى المجني عليه نقصان ضوء إحدى عينيه بالجناية الواردة من الجاني.

فإن اعترف الجاني بذلك يؤخذ باعترافه و عيّن مقدار الأرش بالقياس إلى ضوء عينه الأُخرى كما تقدّم في تعيين الأرش في نقصان السمع.

و إن لم يعترف الجاني يختبر بما تقدّم في دعوى نقصان السمع و يضمّ على تقدير إحراز النقص استناده إلى الجناية بالمقدار المتقدّم من القسامة فقد روى الكليني و الشيخ بسندهما الصحيح عن معاوية بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يصاب في عينه فيذهب بعض بصره أيّ شي ء يعطى؟ قال: تربط

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 258

..........

______________________________

إحداهما، ثمّ توضع له بيضة ثمّ يقال له: انظر فما دام يدّعي أنّه يبصر موضعها حتّى إذا انتهى إلى موضع إن جازه قال: لا أُبصر قرّبها حتّى يبصر ثمّ يعلّم ذلك المكان، ثمّ يقاس بذلك القياس من خلفه و عن يمينه و عن شماله، فإن جاء سواء و إلّا قيل

له:

كذبت حتّى يصدق، قلت: أ ليس يؤمن؟ قال: لا، و لا كرامة و يصنع بالعين الأُخرى مثل ذلك ثمّ يقاس ذلك على دية العين «1».

و في المعتبرة عن كتاب ظريف قضى أمير المؤمنين عليه السلام إذا أُصيب الرجل في إحدى عينيه فإنّها تقاس ببيضة تربط على عينه المصابة و ينظر ما منتهى نظر عينه الصحيحة، ثمّ تغطى عينه الصحيحة و ينظر ما منتهى نظر عينه المصابة فيعطي ديته من حساب ذلك، و القسامة مع ذلك من الستّة الأجزاء على قدر ما أُصيب من عينه، فإن كان سدس بصره حلف هو وحده و أُعطي، و إن كان ثلث بصره حلف هو و حلف معه رجل واحد، و إن كان نصف بصره حلف هو و حلف معه رجلان، و إن كان ثلثي بصره حلف هو و حلف معه ثلاثة نفر، و إن كان أربعة أخماس بصره حلف هو و حلف معه أربعة نفر، و إن كان بصره كلّه حلف هو و حلف معه خمسة نفر، و كذلك القسامة كلّها في الجروح، و إن لم يكن للمصاب بصره من يحلف معه ضوعفت عليه الأيمان:

إن كان سدس بصره حلف مرّة واحدة، و إن كان ثلث بصره حلف مرّتين، و إن كان أكثر على هذا الحساب، و إنّما القسامة على مبلغ منتهى بصره. الحديث «2».

ثمّ لا يخفى أنّ الحاجة إلى القسامة على ما تقدّم فيما إذا لم يعلم استناد النقص الذي عيّنه الاختبار إلى الجناية.

و أمّا إذا علم ذلك فلا حاجة إلى القسامة؛ و ذلك فإنّ النقص في ذهاب بعض ضوئه

______________________________

(1) الكافي 7: 323، الحديث 8، و التهذيب 10: 265، الحديث 78.

(2) وسائل الشيعة 29: 374، الباب 12 من

أبواب ديات المنافع، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 259

..........

______________________________

لا يلازم نقصه بالجناية الواردة عليه، و بما أنّ المورد من موارد اللوث يحتاج إحراز الاستناد إلى القسامة، كما أنّه لا يكفي القسامة بلا اختبار فما عن الأردبيلي قدس سره من عدم لزوم الاختبار مع القسامة «1» غير تامّ كما هو ظاهر الوارد في كتاب ظريف الذي نقلناه.

و ذكر في الجواهر أنّه إذا علم حصول النقص و لم يعلم مقداره فالظاهر الاختبار حتّى يصدق و لا يسقط دعواه النقص بظهور كذبه في الاختبار، بل لا بد من الاستمرار في الاختبار حتّى يصدق؛ لأنّ الفرض حصول النقص بالجناية محرز و الاختلاف و الدعوى في مقداره، و إن لم يمكن تعيين مقدار النقص بالاختبار فهل يرجع في تعيين مقداره إلى القسامة أو يكفي يمين واحدة أو لزوم المصالحة على مقدار النقص مع إمكانه و إلّا يقتصر على القدر المتيقّن من الأرش وجوه لا يبعد الأخير «2».

و فيه أنّ العلم بأصل النقص و الجناية يعدّ لوثاً حتّى مع عدم إمكان العلم بصدق المجني عليه في مقدار النقص الوارد على ضوء عينه، و ما تقدم من الوارد في كتاب ظريف يعمّ الفرض و الاختبار كان سبيلًا إلى صدق المجني عليه في مقدار النقص، سواء كان دعواه أصل النقص أو مقداره، و أمّا استناد النقص الحاصل إلى جناية الجاني كان بالقسامة مطلقاً و إذا لم يمكن استظهار صدقه أو كذبه في مقدار النقص و لم يعلم حصول نقص بالجناية عليه فلا ينبغي التأمّل في الحاجة إلى القسامة في إثبات الاستناد.

و أمّا إذا علم حصول النقص بأي مقدار كان بالجناية عليه و لم يحرز تعيين الأرش بطريق الاختبار فإن

تصالحا فهو، و إلّا يؤخذ بالقدر المتيقّن حيث إنّ الاستناد محرز فلا مورد للقسامة كما لم يذكر القسامة في مورد صحيحة معاوية بن عمار المتقدّمة.

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان 14: 435-/ 436.

(2) الجواهر 43: 307.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 260

و لو ادّعى النقصان فيهما، قيستا إلى عيني من هو من أبناء سِنِّه (1)، و أُلزم الجاني التفاوت بعد الاستظهار بالإِيمان. و لا تقاس عين في يوم غيم، و لا في أرض مختلفة الجهات. و لو قلع عيناً، و قال: كانت قائمة، و قال المجني عليه كانت صحيحة، فالقول قول الجاني مع يمينه. و ربّما خطر أنّ القول قول المجني عليه مع يمينه؛ لأنّ الأصل الصحّة، و هو ضعيف؛ لأنّ أصل الصحة معارض بأصل البراءة، و استحقاق الدية و القصاص منوطٌ بتيقّن السبب، و لا يقين هنا؛ لأنّ الأصل ظنّ لا قطع.

[الرابع الشم]

(الرابع): الشمّ و فيه الدية كاملة (2). و إذا ادّعى ذهابه عقيب الجناية، اعتبر بالأشياء الطيّبة و المنتنة، ثمّ يستظهر عليه بالقسامة و يقضى له؛ لأنّه لا طريق إلى البيّنة. و في رواية يُحرق له حراق و يقرّب منه، فإن دمعت عيناه و نحّى أنفه، فهو كاذب.

______________________________

(1) و يدلّ على ذلك صحيحة عبد اللّه بن ميمون، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: أُتي أمير المؤمنين عليه السلام برجل قد ضرب رجلًا حتّى انتقص من بصره، فدعا برجال من أسنانه ثمّ أراهم شيئاً فنظر ما انتقص من بصره فأعطاه دية ما انتقص من بصره. رواها الفقيه «1» بسند صحيح عنه.

دية ذهاب الشم

(2) في ذهاب الشمّ كاملًا أي من كلا المنخرين، الدية كاملة من غير خلاف يعرف.

و يدلّ عليه ما رواه الصدوق

بإسناده إلى قضايا أمير المؤمنين عليه السلام عن رجل ضرب رجلًا على هامته فادّعى المضروب أنّه لا يبصر بعينه شيئاً، و لا يشمّ الرائحة،

______________________________

(1) من لا يحضره الفقيه 4: 130، الحديث 5277.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 261

..........

______________________________

و أنّه قد ذهب لسانه أخرس فلا ينطق قال أمير المؤمنين عليه السلام: إن صدق فله ثلاث ديات فقيل: يا أمير المؤمنين عليه السلام فكيف يعلم أنّه صادق؟ فقال: أمّا ما ادّعاه أنّه لا يشمّ رائحة فإنّه يدنى منه الحراق فإن كان كما يقول، و إلّا نحّى رأسه و دمعت عينه «1». الحديث.

و إذا ذهب الشمّ من إحدى منخريه فنصف الدية حيث إنّه إذا كان ذهابه من كلاهما تمام الدية، فالتقسيط فيما ذهب من أحدهما بغير هذا الوجه يحتاج إلى دليل، كما تقدّم بيان ذلك من ذهاب السمع من أحد أُذنيه، و لو ادّعى المجني عليه عقيب الجناية ذهاب شمّه فظاهر الماتن يستظهر صحّة دعواه بالأشياء الطبيّة و المنتنة في حال غفلة المجني عليه، بأن يقرّب إلى أنفه من خلفه يقضى له بصدق دعواه و عدم صدقه؛ و ذلك لعدم طريق إلى البيّنة في ثبوت هذه الدعوى.

و لكنّ الوارد في صحيحة قيس المتقدّمة في صورة دعوى المجني عليه و عدم الطريق إلى ثبوت دعواه كاعتراف الجاني بصدقه يدنى منه الحراق (كالخرقة التي وقع فيها النار) فإن كان كما يقول و إلّا نحى رأسه و دمعت عيناه. و قد تقدّم في دعوى ذهاب السمع و البصر أنّه لا يحكم بالدية بمجرّد الاختبار، بل على المجني عليه القسامة؛ لأنّ الحاصل بالاختبار ذهاب الشمّ، و أمّا استناده إلى جناية الجاني فاللازم استظهاره بالقسامة، و القسامة كما تقدّم في ذهاب

المنافع بالستّ كما دلّ على ذلك ما ورد في كتاب ظريف من قوله عليه السلام: و كذلك القسامة كلّها في الجروح من الستّة الأجزاء «2» و المراد بالجروح مطلق الجناية التي يترتّب عليها ذهاب المنفعة من السمع و البصر و الشمّ و الذوق كما هو مورد المفروض من المروي في الكتاب.

______________________________

(1) من لا يحضره الفقيه 3: 19-/ 20، الحديث 3250.

(2) وسائل الشيعة 29: 159، الباب 11 من أبواب دعوى القتل، الحديث 2.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 262

و لو ادّعى نقص الشم، قيل: يحلف إذ لا طريق له إلى البيّنة (1)، و يوجب له الحاكم ما يؤدّي إليه اجتهاده.

و لو أخذ دية الشمّ ثمّ عاد (2)، لم يُعد الدية. و لو قطع الأنف فذهب الشمّ فديتان. (3)

______________________________

(1) ظاهر الماتن قدس سره أنّه بمجرّد دعوى المجني عليه النقص في شمّه بالجناية تصل النوبة إلى القسامة إذ لا طريق له إلى إثبات دعواه بالبيّنة فيقدم قوله، و يثبت دعواه بالقسامة التي تقدّم في المنافع و المنقول عن بعض الأصحاب أنّ القسامة إنّما هو فيما إذا لم يحرز كذبه في دعواه بالامتحان نظير ما تقدّم في اختباره غيره.

أقول: الظاهر لزوم استظهار كذبه في دعواه أوّلًا فإن لم يظهر كذبه بالامتحان و احتمل صدقه تثبت دعواه النقص بالقسامة التي في الستّة أجزاء.

و لا يخفى أنّه إذا ثبت النقص في شمّه بالقسامة فإن عيّن المجني عليه في دعواه مقدار النقص و حلفت القسامة عليه يؤخذ من الدية بذلك المقدار و إلّا فلا يبعد الحكم بقدر اليقين على تقدير النقص، و اللّٰه العالم.

(2) لا يخفى لو كان العود بحيث يعدّ عوده كاشفاً من عدم ذهابه كما تقدّم في ذهاب

السمع و البصر فعلى المجني عليه ردّ الدية إلى الجاني و يكون له الأرش على الجاني، و أمّا إذا لم يظهر من عوده عدم ذهابه كما إذا كان العود بعد مدّة طويلة فليس للجاني استرداد الدية؛ لأنّ المفروض أنّ المجني عليه قد أثبت ذهابه بطريق معتبر عند الحاكم و حكمه طريق شرعي إلى استحقاقه الدية و لم يعلم الخلاف حيث إنّ العود كما ذكر لا يلازم عدم الذهاب أوّلًا.

(3) قد تقدّم أنّ كلّاً من قطع الأنف و ذهاب الشّمّ يوجب الدية كاملة، و إذا اجتمعا يترتّب على كلّ منهما استحقاق الدية، و مجرّد ترتّب الذهاب على القطع لا يوجب التداخل، و إنّما يكون التداخل فيما إذا كانت دية الجرح أقل و ما يترتّب

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 263

[الخامس الذوق]

(الخامس): الذوق يمكن أن يقال: فيه الدية لقولهم عليهم السلام: كلّ ما في الإِنسان منه واحد ففيه الدية (1). و يرجع فيه عقيب الجناية، إلى دعوى المجني عليه مع الاستظهار بالإيمان. و مع النقصان يقضي الحاكم بما يحسم المنازعة تقريباً.

______________________________

عليه من الجناية أكثر على ما تقدّم سابقاً، و مثله ما إذا كانت الجنايتان في إحداهما قصاص النفس على تفصيل قد تقدّم.

دية ذهاب الذوق

(1) ذهب جماعة كالماتن قدس سره إلى أنّه إذا جنى على أحد فذهب بها ذوقه يكون على الجاني الدية كاملة كما في ذهاب الشّم، و يستدلّ على ذلك بأحد الوجهين:

الأوّل: ما ذكره الماتن من شمول قولهم عليهم السلام: كلّ ما في الإنسان واحد ففيه الدية «1». و لكن لا يخفى انصرافه إلى العضو من بدن الإنسان؛ و لذا ذكر (سلام اللّٰه عليه) في صحيحة عبد اللّه بن سنان: ما كان في

الجسد منه اثنان ففيه نصف الدية «2»... إلى آخره.

و ثاني الوجهين: أنّ الذوق منفعة اللسان كالشّم منفعة الأنف فيكون في ذهابه الدية الكاملة.

و فيه أنّ المنفعة الظاهرة للّسان هو النطق و البيان و في ذهابه تمام الدية.

و أمّا الذوق فمنفعته غير ظاهرة و لم يرد فيه الدية الكاملة و لا تعيين دية غيرها فيرجع إلى الحكومة، و على ذلك فإن ادّعى المجني عليه عقيب الجناية ذهاب ذوقه يستظهر ذلك بالقسامة حيث لا سبيل إلى ثبوته بالبيّنة، و كذلك إذا ادّعى عقيبها النقصان و يجري فيه نظير ما تقدّم في الشّم.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 287، الباب الأوّل من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 12.

(2) وسائل الشيعة 29: 283، الباب الأوّل من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 264

[السادس إصابة تعذر الإنزال]

(السادس): لو أُصيب فتعذّر عليه الإنزال في حال الجماع كان فيه الدية. (1)

دية ذهاب الإنزال

______________________________

(1) كما حكي ذلك عن جماعة، بل عن الرياض نفي الخلاف فيه «1»، و يستدلّ على ذلك بروايات:

منها ما ورد في أنّ كلّ ما في الإنسان واحد ففيه الدية «2». بدعوى أنّه يشمل ذهاب المنافع أيضاً و منها الإنزال عند الجماع، و قد تقدّم انصرافه إلى أعضاء الإنسان و لا يعمّ المنافع.

و منها موثّقة سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: في الظهر إذا كسر حتّى لا ينزل صاحبه الماء الدية كاملة «3».

و منها موثقته الأُخرى عن أبي عبد اللّه حيث ورد فيها: في الظهر إذا انكسر حتّى لا ينزل صاحبه الماء الدية كاملة «4».

و لكن لا يخفى أنّ ظاهرهما أنّ الدية الكاملة لكسر خاصّ للظهر و تعذّر الإنزال معرف لذلك الحدّ من الكسر لا أنّ الدية الكاملة

لتعذّر الإنزال و لو لم يكن كسر الظهر.

و قد يستدلّ على ثبوت الدية الكاملة في تعذّر الإنزال بصحيحة إبراهيم بن عمر، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل ضرب رجلًا بعصا فذهب سمعه و بصره و لسانه و عقله و فرجه و انقطع جماعه و هو حيّ بستّ ديات» «5» بدعوى أنّ انقطاع جماعه يعمّ تعذّر الإنزال.

______________________________

(1) رياض المسائل 2: 555 (القديمة).

(2) وسائل الشيعة 29: 287، الباب الأوّل من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 12.

(3) وسائل الشيعة 29: 285-/ 286، الباب الأوّل من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 7.

(4) وسائل الشيعة 29: 376، الباب 14 من أبواب ديات المنافع، الحديث الأوّل.

(5) وسائل الشيعة 29: 365، الباب 6 من أبواب ديات المنافع، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 265

[السابع سلس البول]

(السابع): قيل: في سلس البول الدية (1)، و هي رواية غياث بن إبراهيم و فيه ضعف. و قيل: إن دام إلى الليل ففيه الدية. و إن كان إلى الزوال فثلثا الدية. و إلى ارتفاع النهار فثلث الدية.

______________________________

و فيه أيضاً ما لا يخفى؛ لأنّ انقطاع جماعه ظاهره عدم انتشار ذكره لا تعذّر إنزاله مع فرض التمكّن من الدخول كما هو موضوع استحقاق الدية في كلام الماتن و الأظهر الرجوع إلى الحكومة.

ثمّ إنّه قد ورد في صحيحة إبراهيم بن عمر: فذهب سمعه و بصره و لسانه و عقله و فرجه و انقطع جماعه. فيقال إنّه لا معنى لذهاب الفرج إلّا انقطاع الجماع مع أنّ انقطاع الجماع ذكر في مقابله و جعل الأمر السادس ممّا ترتّب على الضرب بالعصا و قد نقل «1» عن المجلسي في مرآة العقول أنّ المراد من ذهاب

الفرج ابتلاءه بسلس البول و لكنّه بعيد.

أقول: لا يبعد أن يكون المراد ذهاب الذكر كلّاً أو بعضاً حيث يذهب معه أيضاً تمكّنه من الجماع المعبّر عنه بانقطاع جماعه لا مجرّد حدوث الشلل في الذكر ليقال إنّ دية شلل العضو ثلثا الدية لا الدية الكاملة.

دية سلس البول

(1) قد ذكر الماتن أنّ دية سلس البول- على ما قيل و لعلّ القائل كما في الجواهر «2» المشهور- الدية الكاملة و المراد ذهاب القوة الممسكة بحيث يستمرّ السلس، و يستظهر ذلك من موثقة غياث بن إبراهيم، عن جعفر، عن أبيه عليها السلام أنّ عليّاً عليه السلام قضى في رجل ضرب حتّى سلس ببوله بالدية الكاملة «3».

______________________________

(1) نقله السيد الخوئي في مباني تكملة المنهاج 2: 369، الحادي عشر تعذر الإنزال، و انظر مرآة العقول 24: 114.

(2) جواهر الكلام 43: 314.

(3) وسائل الشيعة 29: 371-/ 372، الباب 9 من أبواب ديات المنافع، الحديث 4.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 266

..........

______________________________

و ناقش الماتن فيها بأنّ في غياث بن إبراهيم ضعفاً، و لكنّ الضعف في مذهبه فإنّه بتري و لا ينافي كونه ثقة في حديثه كما عن النجاشي حيث ذكر أنّه ثقة «1».

و نحوها موثقة إسحاق بن عمار قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في الرجل يضرب على عجانه فلا يستمسك غائطه و لا بوله أنّ في ذلك الدية كاملة «2».

و لكن في موثّقته الأُخرى التي رواها الصدوق قدس سره عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سأله رجل- و أنا عنده- عن رجل ضرب رجلًا فقطع بوله؟ فقال له: «إن كان البول يمرّ إلى الليل فعليه الدية؛ لأنّه قد منعه المعيشة، و إن

كان إلى آخر النهار فعليه الدية، و إن كان إلى نصف النهار فعليه ثلثا الدية، و إن كان إلى ارتفاع النهار فعليه ثلث الدية» «3».

و قد يستشكل في الأخيرة بأنّ فرض السلس إلى نصف النهار أو ارتفاع النهار أمر لا يتحقّق في الخارج، فإنّه إذا تحقّق السلس لا يتمكّن الشخص من إمساك بوله و على تقدير تحقّقه لإمكان اختلاف الخلل في القوّة الماسكة فلا بأس بالالتزام بذلك.

هذا كلّه في سلس البول.

و مثله ما إذا أوجبت سلس الغائط فإنّ فيه أيضاً الدية كاملة.

و يدلّ على ذلك صحيحة سليمان بن خالد، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل كسر بعصوصه فلم يملك إسته ما فيه من الدية؟ فقال: «الدية كاملة» «4». فإنّه و إن

______________________________

(1) رجال النجاشي: 305، الرقم 833.

(2) وسائل الشيعة 29: 371، الباب 9 من أبواب ديات المنافع، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 29: 371، الباب 9 من أبواب ديات المنافع، الحديث 3. و من لا يحضره الفقيه 4: 142، الحديث 5314 مع اختلاف يسير.

(4) وسائل الشيعة 29: 370، الباب 9 من أبواب ديات المنافع، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 267

و في الصوت، الدية كاملة. (1)

______________________________

قيل إنّ ما ورد فيها دية كسر البعصوص إلّا أنّ ظاهرها أنّ الوارد فيها دية حدوث السلس في الغائط حيث إنّ ذلك مقتضى تفريع عدم ملك إسته على كسر بعصوصه، فإنّه فرق بين التفريع و بين التقييد كما تقدّم في تقييد كسر الظهر بقوله: حتّى لا ينزل صاحبه الماء، كما ذكرنا في دية تعذّر الإنزال، و على ذلك فإن حدث عدم ملك إسته بغير الكسر فالثابت الدية.

ثمّ إنّه قد ورد في موثقة إسحاق بن عمّار

المتقدّمة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قضى أمير المؤمنين عليه السلام في الرجل يضرب عجانه فلا يستمسك غائطه و لا بوله أنّ في ذلك الدية كاملة «1». و مقتضى ثبوت الدية في كلّ من سلس البول و عدم ملك الاست عدم التداخل ما تقدّم سابقاً، و لكن مقتضى موثّقة إسحاق بن عمّار تداخل الجنايتين فلا بأس بالالتزام به و رفع اليد عن مقتضى القاعدة المتقدّمة في الفرض.

دية ذهاب الصوت

(1) المراد ذهاب الصوت ذهاب كلّه من الغنن و البحح كما ورد في صحيحة يونس أنّه عرض على أبي الحسن الرضا عليه السلام كتاب الديات و كان فيه في ذهاب السمع كلّه ألف دينار و الصوت كلّه من الغنن و البحح ألف دينار «2». و مقتضى ذكر: «من الغنن و البحح» عدم التمكّن من الجهر في التكلّم فلا ينافي تمكّنه من التكلّم إخفاتاً بحيث يسمع نفسه أو من هو أقرب إلى أُذنه منه، و لو فرض أداء الجناية على ذهاب الصوت و النطق كانت موجبة لثبوت ديتين لذهاب الصوت و ذهاب النطق، و ما عن بعض الأصحاب من أنّ الجناية إن كانت موجبة مع ذهاب الصوت عدم حركة اللسان أي شلله تثبت دية لذهاب الصوت و ثلثيه لشلل اللسان لا يمكن المساعدة عليه؛ لما

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 371، الباب 9 من أبواب ديات المنافع، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 29: 357، الباب الأوّل من أبواب ديات المنافع، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 268

..........

______________________________

تقدّم من أنّ ذهاب النطق في نفسه يوجب دية كاملة و إن كان ذهابه بشلل اللسان و ذهاب الصوت يوجب ثبوتها، و قد تقدّمت الصحيحة الدّالة على أنّ أمير المؤمنين

عليه السلام حكم بثلاث ديات في رجل ضرب رجلًا على هامته فادعى المضروب أنّه لا يبصر بعينه شيئاً و أنّه لا يشمّ رائحة و أنّه قد ذهب لسانه فلا ينطق- إلى أن قال:- و أمّا ما ادّعاه في لسانه فإنّه يضرب على لسانه بإبرة فإن خرج الدم أحمر فقد كذب، و إن خرج الدم أسود فقد صدق «1». فإنّ خروج الدم الأسود يوجب شلل اللسان.

و على الجملة الصوت الداخل في عنوان الغنن و البحح منفعة و النطق منفعة أُخرى و إن كان للصوت دخالة فيه.

نعم، لو قطع الجاني بعد ذهاب نطقه لسانه المشلول فعليه ثلث الدية حيث يدخل قطعه في قطع لسان الأخرس، و قد تقدّم في صحيحة بريد بن معاوية عن أبي جعفر عليه السلام قال في لسان الأخرس و عين الأعمى و ذكر الخصي و أُنثييه ثلث الدية «2».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 363-/ 364، الباب 4 من أبواب ديات المنافع، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 29: 336، الباب 31 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 269

[المقصد الثالث في الشجاج و الجراح]

اشارة

المقصد الثالث: في الشجاج و الجراح (1)

و الشجاج ثمان: الحارصة، و الدامية، و المتلاحمة، و السمحاق، و الموضحة و الهاشمة، و المنقّلة، و المأمومة.

[أما الحارصة]

أمّا الحارصة: فهي التي تقشِّر الجلد، و فيها بعير. و هل هي الدامية؟ قال الشيخ:

نعم، و الرواية ضعيفة (2)، و الأكثرون على أنّ الدامية غيرها، و هي رواية منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

[و أما الدامية]

ففي الدامية- إذن- بعيران، و هي التي تأخذ في اللحم يسيراً،

[و أما المتلاحمة]

و أمّا المتلاحمة:

فهي التي تأخذ في اللحم كثيراً، و لا تبلغ السمحاق، و فيها ثلاثة أبعرِة. و هل هي غير الباضعة؟ فمن قال: الدامية غير الحارصة، فالباضعة و المتلاحمة واحدة. و من قال:

الدامية و الحارصة واحدة، فالباضعة غير المتلاحمة.

المقصد الثالث: في الشجاج و الجراح

______________________________

(1) المراد من الشجاج جرح الرأس و الوجه و يطلق الجراح على جرح سائر الأعضاء، و يذكر للشجاج ثمانية أقسام باختلاف الدية في كلّ منها مع الدية في الأُخرى.

دية الحارصة و الدامية

(2) الأوّل منها الحارصة و يفسّر بأنّها هي التي تقشر الجلد و لم تأخذ من اللحم لتجري عليها الدم و إن خرج الدم أي ظهر على موضع قشر الجلد و موضع الخدش.

و في كلمات المشهور تجعل الدامية القسم الثاني من جرح الرأس أو الوجه، و يفسّر بأنّها تأخذ من اللحم يسيراً و يجري الدم على موضعها، و عن بعض الأصحاب

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 270

..........

______________________________

جعل الدامية مرادفة مع الحارصة «1»، و يطلق على الجرح في القسم الثاني الباضعة و يقابلها المتلاحمة و الجرح الذي يأخذ في اللحم كثيراً و لا يبلغ السمحاق.

و على كلّ تقدير، فالدية في الحارصة- سواء كانت خطأً أو شبه العمد على المشهور- بعير، و المراد ليس تعيّن البعير على ما نذكر بل جزء من مائة أجزاء دية النفس، بلا فرق بين كونه بعيراً أو غيره.

و ما يحكى «2» عن الإسكافي من أنّ الدية في الحارصة نصف بعير، قول شاذّ لا يعلم له أيّ مستند، بل ورد في موثّقة منصور بن حازم أو صحيحته على الأصح عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في

الخرصة شبه الخدش بعير، و في الدامية بعيران، و في الباضعة و هي مادون السمحاق ثلاث من الإبل، و في السمحاق و هي دون الموضحة أربع من الإبل، و في الموضحة خمس من الإبل» «3» و ظاهرها ما عليه ظاهر المتن من كون الدامية مرتبة ثانية تقابل الحارصة لا أنّها ترادفها، و أنّ الدية في الحارصة بعير و في الدامية بعيران، و لكن قد تطلق الدامية على الحارصة كما في موثقة السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «أنّ رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله قضى في الدامية بعيراً و في الباضعة بعيرين و في المتلاحمة ثلاثة أبعرة و في السمحاق أربعة أبعرة» «4» فإنّه حيث جعلت الدية في السمحاق أربعة من الإبل في كلّ منها يعلم أنّ المراد من الدامية في موثّقة السكوني ما عبّر عنها في صحيحة منصور بالخرصة؛ لأنّ قبل السمحاق في كلّ منها ثلاث مراتب، و على ذلك فلا يوجب إطلاق الدامية على الخارصة أن لا يكون للشجاج

______________________________

(1) كالشيخ في النهاية: 775.

(2) حكاه العلّامة في مختلف الشيعة 9: 402.

(3) وسائل الشيعة 29: 382، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج و الجراح، الحديث 14.

(4) وسائل الشيعة 29: 380، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج و الجراح، الحديث 8.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 271

..........

______________________________

قبل السمحاق ثلاثة أقسام كما ذكرنا، فإنّ الدية في الجرح الذي يأخذ من اللحم شيئاً و يجري عليه الدم بعيران.

و إذا أخذ منه كثيراً و لكن لم يبلغ غشاء العظم تكون الدية ثلاثة أبعرة، و يطلق على الجرح كذلك بالمتلاحمة و إذا بلغ الجرح إلى الجلد الرقيق بين اللحم و العظم و يعبّر عنه بغشاء

العظم يطلق عليه السمحاق و إذا خرق الجرح ذلك الجلد الرقيق و ظهر بياض العظم يطلق عليه الموضحة على ما يذكر.

ثمّ إنّه قد ذكرنا أنّ المراد من البعير في الخارصة ليس خصوص البعير بل جزء واحد من مائة أجزاء دية النفس و إن ذكر عنوان البعير و البعيرين و الأبعرة و الإبل في غير واحد من الروايات و لكن يلتزم بالجزء بالنسبة إلى دية النفس في جميعها بقرينة ما ورد في صحيحة معاوية قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الشجّة المأمومة؟ فقال:

ثلث الدية، و الشجّة الجائفة ثلث الدية، و سألته عن الموضحة؟ قال: خمس من الإبل «1». حيث عيّنت الدية للشجّة المأمومة و الجائفة بثلث الدية.

و في صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الموضحة خمس من الإبل و في السمحاق أربع من الإبل و الباضعة ثلاث من الإبل، و المأمومة ثلاث و ثلاثون من الإبل، و الجائفة ثلاث و ثلاثون، و المنقّلة خمس عشرة من الإبل «2».

حيث إنّ التعبير في المأمومة بثلث الدية في صحيحة معاوية بن وهب و بثلاث و ثلاثون من الإبل في هذه الصحيحة تعطي أنّ المراد في المقام، النسبة الخاصّة بالإضافة إلى دية النفس في أقسام الشجاج.

و أوضح من ذلك ما ورد في كتاب ظريف حيث تكرّر بيان اعتبار من قوله: و في

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 381، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج و الجراح، الحديث 12.

(2) وسائل الشيعة 29: 379، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج و الجراح، الحديث 4.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 272

[و أما السمحاق]

و أمّا السمحاق: فهي التي تبلغ السمحاقة، و هي جلدة مغشية للعظم، و فيها أربعة أبعرة.

[و أما الموضحة]

اشارة

و أمّا الموضحة: فهي التي تكشف عن وضح العظم و فيها خمسة أبعرة. (1)

______________________________

موضحة الرأس خمسون ديناراً، فإن نقل منها العظام فديتها مائة و خمسون ديناراً، فإن كانت ثاقبة في الرأس فتلك المأمومة ديتها ثلاثمائة و ثلاثة و ثلاثون ديناراً و ثلث دينار «1».

أضف إلى ذلك أنّه لو كانت الدية في الشجاج معيّنة في الإبل خاصّة لزادت دية المأمومة على دية النفس أحياناً.

دية السمحاق و الموضحة

(1) قد تقدّم أنّ الدية في الدامية التي عبّر عنها في معتبرة السكوني بالباضعة بعيران و ذكرنا أنّ المراد بها على كلّ تقدير الجرح الذي يأخذ من اللحم يسيراً بحيث يجري على موضعه الدّم في مقابل ما يعبّر عنه في كلام الأكثر بالمتلاحمة أو الباضعة، و المراد بها ما يأخذ من اللحم كثيراً و لكن لا يصل إلى السمحاق، و المراد من السمحاق ما تبلغ الجرح الجلدة المغشية للعظم و لكن لا تخرقها، و في المتلاحمة و إن عبّر عنها بالباضعة ثلاثة من الإبل، و في السمحاق أربع، و في الموضحة خمس من الإبل كما ورد في صحيحة معاوية بن وهب المتقدّمة و في معتبرة السكوني المتقدّمة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قضى في الدامية- المراد بها الحارصة على ما مرّ- بعيراً و في الباضعة بعيرين، و في المتلاحمة ثلاثة أبعرة، و في السمحاق أربعة أبعرة «2».

و في صحيحة منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الحرصة شبه الخدش بعير، و في الدامية بعيران، و في الباضعة و هي ما دون السمحاق ثلاث من الإبل، و في السمحاق دون الموضحة

أربع من الإبل، و في الموضحة خمس من الإبل «3».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 295- 296، الباب 6 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 29: 380، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج و الجراح، الحديث 8.

(3) وسائل الشيعة 29: 382، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج و الجراح، الحديث 14.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 273

[فروع]

فروع: لو أوضحه اثنتين، ففي كلّ واحدة خمس من الإبل. و لو وصل الجاني بينهما، صارتا واحدة (1)، كما لو أوضحه ابتداءً و كذا لو سرتا، فذهب ما بينهما؛ لأنّ السراية من فعله. و لو وصل بينهما غيره لزم الأوّل ديتان، و الواصل ثالثة؛ لأنّ فعله لا يبني على فعل غيره. و لو وصلهما المجني عليه فعلى الأوّل ديتان، و الواصلة هدر. و لو اختلفا فقال الجاني: أنا شققت بينهما، و أنكر المجني عليه، فالقول قول المجني عليه مع يمينه؛ لأنّ الأصل ثبوت الديتين، و لم يثبت المسقط.

______________________________

و في معتبرة أبي مريم، قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام إنّ رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله قد كتب لابن حزم كتاباً فخذه منه فأتني به حتّى أنظر إليه قال: فانطلقت إليه فأخذت منه الكتاب ثمّ أتيته به فعرضته عليه، فإذا فيه من أبواب الصدقات و أبواب الديات، و إذا فيه: في العين خمسون، و في الجائفة الثلث، و في المنقّلة خمس عشرة، و في الموضحة خمس من الإبل «1». إلى غير ذلك ممّا يأتي.

ثمّ إنّه يظهر من بعض الكلمات أنّه إذا كان مع قشر الجلد ظهور نقطة من الدم، و لو لم يجرِ على الموضع بل يبس في موضعة بعد ظهوره فهي دامية و

فيها بعيران حيث إنّ خروجه يكون بأخذ شي ء من اللحم.

و لكن هذا غير ظاهر و المتيقّن من ثبوت الدية فيها بعير كما أنّ المتيقّن من الدامية ما يجري على موضعه الدم و لو قليلًا لأخذها من اللحم يسيراً عرفاً، و في الباضعة التي يأخذ من اللحم كثيراً المعبّر عنها بالمتلاحمة أيضاً على ما تقدّم ثلاث من الإبل و لا تبلغ السمحاق، و إذا بلغ إليه و لم تخرقه أربع، و إذا خرقه بحيث ظهر العظم و يعبّر عنها بالموضحة خمس من الإبل.

دية ما لو أوضحه اثنتين

(1) لا يخفى أنّه لا يختلف الدية في أيّ مرتبة من مراتب الجرح من حيث سعة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 381، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج و الجراح، الحديث 13.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 274

..........

______________________________

الجرح طولًا و عرضاً و يتّحد الموضحة مع الموضحة الأُخرى في الدية و إن كان إحداهما أوسع طولًا أو عرضاً من الأُخرى، بل الأمر في ثبوت القصاص في تلك المراتب أيضاً كذلك فلا فرق في ثبوت القصاص في موضحة مع اختلافها مع موضحة أُخرى من حيث الطول و العرض و إن يجب ملاحظة المقدار في مقام استيفاء القصاص من الجاني.

و الوجه في ذلك كلّه تعلّق الدية الخاصّة بالموضحة مثلًا كما تقدّم من خمسة أبعرة من غير تقييد لها من جهة الطول و العرض، و كذلك الأمر في تعلّق القود منها على الجاني.

و أيضاً قد ذكرنا سابقا أنّه لو جنى جنايتين بضربة واحدة، فإن لم تكن إحدى الجنايتين مترتّبة على الأُخرى بأن كانتا في عرض واحد تثبت الدية في كلّ واحدة منها، و كذا فيما إذا كانتا مترتّبتين و لكن كان كلّ منهما

مساوية مع الأُخرى في الدية.

بخلاف ما إذا كانت الجنايتان بضربتين فإنّ لكلّ منها دية و إن اختلفتا في مقدار الدية كما استظهرنا ذلك من صحيحة أبي عبيدة الحذّاء عن أبي جعفر عليه السلام حيث ورد فيها: فما ترى عليه في الشجّة شيئاً؟ قال: لا، لأنّه إنّما ضربه ضربة واحدة فجنت الضربة جنايتين فألزمته أغلظ الجنايتين و هي الدية، و لو كان ضربه ضربتين فجنت الضربتان جنايتين لألزمته جناية ما جنتا كائناً ما كان إلّا أن يكون فيهما الموت بواحدة و تطرح الأُخرى فيقاد به ضاربه «1». الحديث.

و من هنا أنّه لو جرح شخص الآخر بجراحة موضحة مثلًا مع جراحة موضحة أُخرى في رأسه يتعلّق بالجاني ديتان لكلّ منهما خمس إبل حتّى ما إذا كانتا بضربة واحدة فضلًا عن كونه بضربتين.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 366، الباب 7 من أبواب ديات المنافع، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 275

..........

______________________________

و أيضاً لا فرق في ثبوت دية الجراحات بين برئها و عدمه أو من غير بقاء أثرها أو زواله و يقتضيه إطلاق ما ورد في تعيين ديتها.

و ذكر الماتن قدس سره لو أوضح الجاني موضحتين ففي كلّ منهما خمس من الإبل فإن وصل الجاني بينهما صارتا موضحة واحدة و يكون على الجاني دية موضحة واحدة، كما إذا كانت من الابتداء موضحة واحدة، و نظير ذلك ما لو سرت إحداهما أو كلاهما بحيث صارتا جراحة واحدة، فإنّ سراية الجراحة أيضاً يحسب من فعل الجاني؛ و لذا يكون ضمان سراية الجراحة على الجاني بخلاف ما إذا كان الوصل بينهما بفعل الغير حيث يحسب الموضحتان على الجاني الأوّل؛ لأنّ فعل الغير لا يخرج فعل الصادر عن الجاني عن كونه

موجباً لجنايتين، بل يحسب الصادر عن الغير جراحة موضحة يكون عليه ديتها، و أمّا إذا وصلهما نفس المجني عليه يكون على الأوّل ديتان و فعل المجني عليه هدر.

أقول: لا يخفى ما فيه فإنّ وصل الجاني بين الموضحتين جناية ثالثة و يكون عليه ديتها و إلحاقها بما إذا كانت الموضحة من الأوّل وسيعة طولًا بضربة واحدة يدخل في القياس مع الفارق.

نعم، إذا كان الاتّصال بينهما بالسراية لا تزيد على الديتين على الجاني شي ء آخر؛ لأنّ سراية الجراحة بالسعة في طولها و عرضها غير مضمون بخلاف سرايتها في العمق.

و من هنا يظهر الحال فيما إذا كان الوصل بفعل الغير أو المجني عليه حيث يضمن الغير دية موضحة أُخرى و يكون فعل المجني عليه هدراً.

ثمّ إنّ ثبوت دية موضحة أُخرى على الجاني أو على الغير فيما إذا كان الاتّصال بجراح موضحة أُخرى، و أمّا إذا كان بالباضعة أو غيرها فإن سرت الجراحة عمقاً حتّى صارت موضحة فكما تقدّم و إلّا يضمن ما أحدثه من الجراحة من ديتها لمّا تقدّم من

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 276

و كذا لو قطع يديه و رجليه (1)، ثمّ مات بعد مدّة يمكن فيها الاندمال.

و اختلفا، فالقول قول الولي مع يمينه. و لو شجّه واحدة و اختلفت مقاديرها أخذ دية الأبلغ؛ لأنّها لو كانت كلّها كذلك، لم تزد على ديتها. (2)

-

______________________________

ضمان سراية الجرح عمقاً لا سعتها طولًا أو عرضاً.

دية ما لو قطع يديه و رجليه

(1) يعني إذا قطع الجاني اليدين و الرجلين ثمّ مات المجني عليه في زمان يحتمل أن يكون موته بسراية جرح قطع اليدين و الرجلين أو موته بعد برء جرح قطع اليدين و الرجلين، بأن لا يكون

موته بسراية جرح قطع اليدين و الرجلين، فقال الجاني مات بالسراية فلا يكون عليه إلّا دية واحدة للنفس؛ لدخول دية الجرح في دية النفس إذا سرى الجرح فمات و قال وليّ الميّت إنّه لم يكن في البين سراية، بل مات الشخص لا بالسراية فيكون على الجاني دية نفس لقطع اليدين، ودية نفس أُخرى لقطع الرجلين فيحلف الولي على عدم السراية فيأخذ ديتين إذا لم يكن للجاني بيّنة للسراية.

فرع

(2) لو ضربه بضربة واحدة و أحدثت جراحة تصل بعضها حدّ الموضحة و بعض أطرافها من طولها إلى حدّ الباضعة يكون على الجاني دية الموضحة فقط لما تقدّم من أنّ المستفاد من صحيحة أبي عبيدة الحذّاء «1» في أنّ الجناية الأخف تدخل ديتها في الأشدّ إذا كانتا مترتّبتين؛ و لأنّ جراحة الموضحة يكون مسبوقة بالسمحاق و الباضعة و الدامية و تقدّم أيضاً أنّ الجراحة لا تختلف ديتها بحسب طولها أو عرضها فيما إذا كانت بضربة واحدة حتّى فيما إذا كانت بطولها في مرتبة واحدة،

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 366، الباب 7 من أبواب ديات المنافع، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 277

و لو شجّه في عضوين كان لكلّ عضو دية على انفراده (1)، و لو كان بضربة واحدة. و لو شجّه في رأسه و جبهته فالأقرب أنّها واحدة؛ لأنّهما عضو واحد.

______________________________

و أولى بعد الاختلاف فيما إذا كانت ما بضربة واحدة مقدار منها متلاحمة و مقدار باضعة مثلًا. و بالجملة، لو كان تمام الجرح الواحد في مرتبة وحدة لم تزد ديتها على دية تلك المرتبة فكيف ما إذا كان بعض أطرافه دون تلك المرتبة؟

لو شجّه في عضوين

(1) إذا شجّه في عضوين مختلفين من شخص واحد كاليد و

الرأس، كان لجرح كلّ عضو حكمه، فإن كان جرح الرأس بقدر الموضحة و جرح الآخر دونها يكون عليه ديتان موضحة للرأس و غيرها لغيره من غير فرق بين أن يكون الجرحان بضربتين أو بضربة واحدة فإنّ الوجه في ذلك فيما كان بضربتين ظاهر.

و أمّا إذا كانا بضربة واحدة فلمّا تقدّم عند التكلّم في صحيحة أبي عبيدة الحذّاء عن أبي جعفر عليه السلام «1» من أنّ الجنايتين الحاصلتين بضربة واحدة إذا كانتا مترتّبتين و كانت الدية في إحداهما أقل و في الأُخرى أكثر تلزم أبلغ الجنايتين و المفروض في المقام جنايتان حاصلتان في عرض واحد و إن كانت دية إحداهما أكثر من الدية في الأُخرى.

هذا كلّه فيما إذا كان الجرحان في عضوين كما في المثال، و أمّا إذا كانا في عضو واحد و كانا متّصلين، كما إذا ضرب رأسه فجرح رأسه و جبهته فإنّ مع اتصال الجرحين من عضو واحد تعدّ جناية واحدة، سواء كان ذلك بضربة واحدة أو ضربتين، حيث إنّ الدية تترتّب على جراحة واحدة و لا يفرق في الجراحة الواحدة كون العرض و الطول مختلفاً أم لا، بلغت عمقها بحدّ واحد في أطرافها أم لا، و إذا كانت الجراحة في عضو واحد متعدّدة من الأوّل كان لكلّ منها دية تخصّها على ما تقدّم.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 366، الباب 7 من أبواب ديات المنافع، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 278

[و أما الهاشمة]

و أمّا الهاشمة: فهي التي تهشم العظم، و ديتها عشرة من الإبل أرباعاً إن كان خطأً و أثلاثاً إن كان شبيه العمد، و لا قصاص فيها. و يتعلّق الحكم بالكسر، و إن لم يكن جرح.

و لو أوضحه اثنتين و هشمه

فيهما و اتّصل الهشم باطناً، قال في المبسوط: هما هاشمتان و فيه تردد. (1)

______________________________

و على ذلك فلو شجّه في رأسه و جبهته جراحة تصل من الرأس إلى الجبهة فهي جراحة واحدة، فإنّ الجبهة داخلة في الرأس لا أنّها عضو آخر مستقلّ؛ و لذا لو ذبح من عنقه يقال قطع رأسه بخلاف الصدر و الرأس أو الرأس و البطن أو البطن و الصدر.

دية الهاشمة

(1) لا خلاف بين أصحابنا في أنّ دية الهاشمة عشر من الإبل و المراد منها الجرح الذي تكسر الشجّة معه العظم، بل يقال إنّ الحكم أي ثبوت عشرة من الإبل يتعلّق بنفس كسر العظم و إن لم يكن معه جرح أخذاً بظاهر الاسم حيث إنّ الهشم بمعنى الكسر و منه يقال للنبات اليابس المنكسر هشيم.

و يدلّ على الحكم رواية السكوني، عن أمير المؤمنين عليه السلام قضى في الهاشمة بعشر من الإبل «1». و مثلها ما رواه الصدوق قدس سره في الفقيه بإسناده إلى السكوني: أنّ عليّاً قضى في الهاشمة بعشر من الإبل «2». و ربّما يعبّر عنهما بالمعتبرتين للسكوني و لا يخلو عن تأمّل، فإنّ السكوني لم يذكر الواسطة للرواية عن قضاء علي عليه السلام و لعلّ هذا ممّا لا بأس به؛ لأنّ المعهود من السكوني الرواية عن علي أو عن رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله بواسطة أبي عبد اللّه عليه السلام.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 382، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج و الجراح، الحديث 15.

(2) من لا يحضره الفقيه 4: 169، الحديث 5386.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 279

[و أما المنقلة]

و أمّا المنقلة: فهي التي تحوج إلى نقل العظم، و ديتها خمسة عشر بعيراً (1)، و لا قصاص فيها،

و للمجني عليه أن يقتص في قدر الموضحة، و يأخذ دية ما زاد، و هو عشر من الإبل.

______________________________

و يمكن أن يستدلّ على الحكم- أي ثبوت عشر من الإبل لكسر عظم الرأس و إن لم يكن في البين شجّة- بما ورد في صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: في الموضحة خمس من الإبل، و في السمحاق أربع من الإبل، و الباضعة ثلاث من الإبل، و المأمومة ثلاث و ثلاثون من الإبل و الجائفة ثلاث و ثلاثون و المنقّلة خمس عشرة من الإبل «1». فإنّ دية المنقّلة على الكسر يزيد بنصف على ما تقدّم من ضابطة دية كسر العظم، و إذا كان في المنقّلة خمسة عشر من الإبل تكون دية الهاشمة عشر من الإبل، سواء كان في البين جراحة أم لا، حيث إنّ الكسر لا يستلزم الجرح، و يقال في أداء دية الهاشمة بعشر من الإبل تفصيل فإن كان الكسر خطأً محضاً تؤدّى أرباعاً و إن كان شبه الخطأ تؤدّي أثلاثاً، و حيث إنّ القصاص لا يتعلّق بالهاشمة لعدم ثبوت القصاص في كسر العظام يكون الثابت معه أيضاً الدية أثلاثاً حيث إنّ الدية في العمد لا يكون أقلّ من شبه الخطأ و لكن الاختلاف بين الخطأ و شبه العمد بالأرباع و الأثلاث ثابت في دية النفس، و أمّا في دية غير النفس فلم يقم عليه دليل، بل مقتضى إطلاق عشر من الإبل يعمّ فيؤخذ به.

دية المنقّلة

(1) المراد من المنقّلة الشجّة التي تنقل العظم بكسره من موضعه الذي خلقه اللّٰه تعالى فيه إلى موضع آخر و لا يثبت فيها القصاص لما تقدّم في الهاشمة و لعدم القصاص في كسر العظام و الدية فيه خمسة عشر

بعيراً.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 379، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج و الجراح، الحديث 4.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 280

[و أما المأمومة]

و أمّا المأمومة فهي التي تبلغ أُمّ الرأس، و هي الخريطة التي تجمع الدماغ (1)، و فيها ثلث الدية، و هو ثلاثة و ثلاثون بعيراً.

______________________________

كما يدلّ على ذلك صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: في الموضحة خمس من الإبل، و في السمحاق أربع من الإبل، و الباضعة ثلاث من الإبل، و المأمومة ثلاث و ثلاثون من الإبل، و الجائفة ثلاث و ثلاثون [من الإبل]، و المنقّلة خمس عشرة من الإبل «1».

و في معتبرة أبي مريم قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام: إنّ رسول اللّٰه عليه السلام قد كتب لابن حزم كتاباً فخذه فأتني به حتّى أنظر إليه، قال: فانطلقت إليه فأخذت منه الكتاب ثمّ أتيته به فعرضته عليه، فإذا فيه من أبواب الصدقات و أبواب الديات، و إذا فيه: في العين خمسون، و في الجائفة الثلث، و في المنقلة خمس عشرة، و في الموضحة خمس من الإبل «2». و ما ذكر الماتن قدس سره و للمجني عليه أن يقتصّ في قدر الموضحة و يأخذ دية ما زاد و هو عشر من الإبل.

و لكن لا يخفى أنّ الضربة إذا كانت واحدة و حدثت تلك الشجّة منقّلة فتحديد تلك الجناية بخمسة عشر من الإبل ظاهره عدم تعلّق أمر آخر بالجاني غير الدية، نعم إذا كانت بضربة أو ضربات حدثت ببعضها الموضحة أو ما دونها يتعلّق بها القصاص إذا كانت عمداً كما يدلّ على ذلك ما تقدّم في صحيحة أبي عبيدة الحذّاء المتقدّمة فراجع.

دية المأمومة و الدامغة

(1) و أمّا الشجّة

المأمومة و هي التي تبلغ أمّ الرأس أي الخريطة التي تجمع الدماغ و تغشاه فيها ثلث الدية فتكون ثلاثمائة و ثلاثون ديناراً و ثلث دينار، نعم إذا

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 379، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج و الجراح، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 29: 381، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج و الجراح، الحديث 13.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 281

..........

______________________________

أعطى الدية من الإبل فيكفي ثلاثة و ثلاثون إبلًا من غير حاجة إلى ضمّ ثلث بعير و كذا الحال في الجائفة.

و يدلّ على ذلك صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: في الموضحة خمس من الإبل و في السمحاق أربع من الإبل، و الباضعة ثلاث من الإبل، و المأمومة ثلاث و ثلاثون من الإبل، و الجائفة ثلاث و ثلاثون، و المنقّلة خمس عشرة من الإبل «1».

و في صحيحة معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الشجّة المأمومة؟ فقال: ثلث الدية، و الشجّة الجائفة ثلث الدية «2».

و مقتضى هذه الصحيحة ثبوت ثلث الدية في المأمومة فيكون ثلاثمائة و ثلاثون و ثلث دينار و يرفع اليد في إعطائها بالإبل حيث إنّ مقتضى صحيحة الحلبي كفاية ثلاثة و ثلاثون من الإبل و حملها على عدم الاهتمام في الجواب لبيان تمام الحدّ من الإبل كما ترى.

و ممّا ذكرنا يظهر الحال في الدامغة التي السلامة معها نادرة فلو اتّفق السلامة فديتها أيضاً ثلث الدية لمّا تقدّم في الصحيحتين من أنّ في الجائفة ثلث الدية أو ثلاثة و ثلاثون من الإبل، و إن ترتّب عليها الموت فإن كان عمداً متعمّداً يتعلّق على الجاني الاقتصاص منه و إن كان خطأً فدية النفس، و

ما ذكر الماتن في المقام أيضاً من أنّه على تقدير اتفاق السلامة للمجنى عليه الاقتصاص من الموضحة و أخذ دية الزائد و هو ثمانية و عشرون من الإبل فقد ذكرنا ما فيه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 379، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج و الجراح، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 29: 381، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج و الجراح، الحديث 12.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 282

[و أما الدامغة]

و أمّا الدامغة: فهي التي تفتق الخريطة و السلامة معها بعيدة. و لا قصاص في المأمومة؛ لأنّ السلامة معها غير غالبة. و لو أراد المجني عليه أن يقتص في الموضحة و يطالب بدية الزائد جاز، و الزيادة ثمان و عشرون بعيراً.

قال في المبسوط: و ثلث بعير، و هو بناء على أنّ ما في المأمومة ثلاثة و ثلاثون و ثلث و نحن نقتصر على ثلاثة و ثلاثين تبعاً للنقل.

و لو جنى عليه موضحة فأتمها آخر هاشمة (1)، و ثالث منقلة، و رابع مأمومة، فعلى الأوّل خمسة، و على الثاني ما بين الموضحة و الهاشمة خمسة أيضاً، و على الثالث ما بين الهاشمة و المنقلة خمسة أيضاً، و على الرابع تمام دية المأمومة ثمانية عشر بعيراً.

إذا تداخلت الشجّات

______________________________

(1) هذا ما ذكر في كلمات جملة من الأصحاب، و لكن لا يمكن المساعدة عليه فإنّ من أحدث شجّة خاصّة فعليه تمام دية تلك الشجّة، فمن أحدث المأمومة فعليه ديتها كما أنّ من أحدث الهاشمة فعليه دية الهاشمة و إن أحدث المنقّلة فعليه ديتها أخذاً بإطلاق الوارد في الروايات في دية تلك الشجّة أو الكسر.

و بالجملة، مقتضى الإطلاقات في الروايات المتقدّمة أنّ من أحدث أي شجّة فعليه تمام ديته لا أنّ دية

الشجّة تقسّط على الجناة كلّ على حسب جنايته.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 283

[و من لواحق هذا الباب مسائل]

اشارة

و من لواحق هذا الباب مسائل:

[الأولى دية النافذة في الأنف ثلث الدية]

(الأُولى): دية النافذة في الأنف ثلث الدية (1)، فإن صَلُحت فخُمْس الدية مائتا دينار. و لو كانت في أحد المنخرين إلى الحاجز، فعُشْر الدية.

دية النافذة في الأنف

______________________________

(1) المراد أنّه إذا نفذت نافذة في الأنف بحيث خرقت المنخرين و الوترة التي بين المنخرين فإن كان بنحو لا ينسدّ ففيه ثلث الدية و ان برأت و انسدّت بلا عيب ففيه خمس الدية أي مائتا دينار، و قد ورد في معتبرة ظريف، عن أمير المؤمنين عليه السلام في الأنف قال: فإن قطع روثة الأنف- و هي طرفه- فديته خمسمائة دينار، و إن نفذت فيه نافذة لا تنسدّ بسهم أو رمح فديته ثلاثمائة دينار و ثلاثة و ثلاثون ديناراً و ثلث دينار، و إن كانت نافذة فبرأت و التأمت فديتها خمس دية روثة الأنف مائة دينار فما أُصيب منه بحساب ذلك، و إن كانت نافذة في إحدى المنخرين إلى الخيشوم- و هو الحاجز بين المنخرين- فديتها عشر دية روثة الأنف خمسون ديناراً؛ لأنّه النصف، و إن كانت نافذة من إحدى المنخرين أو الخيشوم إلى المنخر الآخر فديتها ستّة و ستّون ديناراً و ثلثا دينار «1».

و لا يبعد أن يستظهر من الحديث أنّ المراد من روثة الأنف مجموع المارن الذي يقطر منه دم الرعاف و نحوه، و أنّ دية قطعه نصف دية الأنف أي خمسمائة دينار فإنّه نصف الدية التي تثبت عند قطع الأنف أو المارن أو إفساد الأنف بحيث ذهب الأنف أو المارن منه.

و يستفاد من الحديث أيضاً أنّ النافذة إذا نفذت في الأنف بحيث خرقت

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 293، الباب 4 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، تنقيح

مباني الأحكام - كتاب الديات، در يك جلد، دار الصديقة الشهيدة سلام الله عليها، قم - ايران، اول، 1428 ه ق

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات؛ ص: 284

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 284

[الثانية في شق الشفتين حتى تبدو الأسنان ثلث ديتهما]

(الثانية): في شقّ الشفتين حتّى تبدو الأسنان ثلث ديتهما (1)، و لو برئتا فخُمْس ديتهما. و لو كان في إحداهما، فثُلث ديتها، و مع البرء خُمْس ديتها.

______________________________

المنخرين و الحاجز بينهما المعبّر عنه بالخيشوم فديتها مع عدم برئها و عدم التئام الأنف ثلث دية الأنف أي ثلاثمائة و ثلاثة و ثلاثون ديناراً و ثلث دينار، و إن برئت و التأمت فديتها خمس دية (روثة) الأنف فإن كان الوارد في الحديث خمس دية الأنف يتمّ ما ذكره الماتن، و لكن في نسخة خمس دية روثة الأنف، و عليه تكون ديتها مائة دينار، و ذكر مائة دينار في نسخة الوسائل قرينة على أنّ المذكور في الحديث خمس دية روثة الأنف لا خمس دية الأنف لتكون الدية مائتي دينار.

دية شقّ الشفتين

(1) و قد ورد ذلك في معتبرة ظريف و فيها: و إن قطعت الشفة العليا و استؤصلت فديتها خمسمائة دينار فما قطع منها بحساب ذلك، فإن انشقّت حتّى تبدو منها الأسنان ثمّ دوويت و برئت و التأمت فديتها مائة دينار، فذلك خمس دية الشفة إذا قطعت و استؤصلت، و ما قطع منه فبحساب ذلك، و إن شترت فشينت شيناً قبيحاً فديتها مائة دينار و ثلاثة و ثلاثون ديناراً و ثلث دينار، ودية الشفة السفلى إذا استؤصلت ثلثا الدية ستمائة و ستّة و ستّون ديناراً و ثلثا دينار، فما قطع منها فبحساب ذلك، فإن انشقّت حتّى تبدو الأسنان منها ثمّ برئت و التأمت

فديتها مائة و ثلاثة و ثلاثون ديناراً و ثلث دينار، و إن أُصيبت فشينت شيناً قبيحاً فديتها ثلاثمائة و ثلاثة و ثلاثون ديناراً و ثلث دينار، و ذلك نصف (ثلث) ديتها «1».

أقول: قد تقدّم أنّ الوارد في الروايات أنّ في الشفّتين إذا استؤصلا ألف دينار «2».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 294، الباب 5 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 29: 283-/ 284، الباب الأوّل من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 285

[الثالثة الجائفة هي التي تصل إلى الجوف]
اشارة

(الثالثة): الجائفة هي التي تصل إلى الجوف، من أي الجهات كان و لو من ثغرة النحر (1)، و فيها ثلث الدية، و لا قصاص فيها. و لو جرح في عضو ثمّ أجاف لزمه دية الجرح ودية الجائفة، مثل أن يشقّ الكتف حتّى يحاذي الجنب، ثمّ يجيفه.

______________________________

و أنّ كلّ ما في الجسد اثنان ففي كلّ منهما نصف الدية «1». و في موثقة سماعة الشفتان العليا و السفلى سواء في الدية «2». و على ذلك فلا يمكن الأخذ بما في المعتبرة من أنّ دية الشفة العليا خمسمائة دينار ودية الشفة السفلى ثلثا دية الشفتين أي ستمائة و ستّة و ستون ديناراً و ثلثا دينار و المتعيّن ترك العمل بذلك في المعتبرة في مقابل موثّقة سماعة، فإن توافق ما ورد في أنّ دية الشفتين ألف دينار و أنّ كلّ ما في الجسد اثنان ففي كلّ منهما نصف الدية مع أنّ زيادة دية الشفتين على دية النفس أمر بعيد و لا يضرّ بذلك موافقة سماعة مع مذهب العامّة فإنّ الترجيح بالكتاب و السنة مقدّم على رعاية مخالفة العامّة.

و أمّا سائر ما ورد فيه و هو اختلاف الشقّ في الشفتين إذا

لم تبرأ و صار فيهما شيناً فإنّ الدية في الشفّة العليا مائة دينار و ثلاثة و ثلاثون ديناراً و ثلث دينار، و في السفلى ثلاثمائة و ثلاثة و ثلاثون ديناراً و ثلث دينار.

و لكن يشكل ذلك على ما ورد بعد ذلك (و ذلك نصف ديتها) كما لا يخفى، و الأحوط في الزائد على ثلث دية الشفّة التصالح كما أنّ الأحوط أيضاً في صورة الشين من العليا التصالح بالإضافة إلى المقدار الأقلّ من ثلث ديتها.

دية الجائفة

(1) ذكر قدس سره أوّلًا المراد من الجائفة أنّه الجراحة في أي من جهات الجسد بحيث يصل الجرح جوف الجسد و لو كان الجرح من ثغرة النحر.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 283، الباب الأوّل من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 29: 286، الباب الأوّل من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 10.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 286

..........

______________________________

و ذكر ثانياً أنّ دية هذه الجراحة ثلث الدية أي ثلث دية نفس الرجل و أنّ ثبوت الدية على الإطلاق سواء كانت الجناية تعمّداً أو خطأً حيث إنّه لا قصاص في هذا القسم من الجرح فيخرج عن عموم قوله سبحانه «و الجروح قصاص».

أقول: كون المراد بالجائفة ما ذكره قدس سره هو المعروف المشهور بين الأصحاب، و لكن يظهر من عبارة المقنع أنّ الجائفة هي الجراحة في الرأس بحيث تبلغ جوف الدماغ «1»، بخلاف المأمومة و هي الجراحة نفذت في العظم و لكن لم تصل إلى جوف الدماغ، و بتعبير آخر الدامغة التي ذكر الماتن قبل ذلك يرادف الجائفة.

و يظهر ذلك من كلام الكليني قدس سره حيث قال: «المأمومة و هي التي تبلغ أُمّ الدماغ ثمّ الجائفة التي تصير في جوف الدماغ» «2».

و لذا

ذكر الأردبيلي قدس سره أن ثلث الدية في الجائفة «3» كما ورد في عدّة من الروايات ما كان في جائفة الرأس حتّى بناءً على أنّ اسم الجائفة يعمّ سائر البدن إذا وصلت الجراحة إلى الجوف، و ذلك فإنّ تحديد ديتها بالثلث في تلك الروايات ناظرة إلى الجائفة في الرأس.

و في صحيحة معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الشجّة المأمومة؟ فقال: ثلث الدية و الشجّة الجائفة ثلث الدية، و سألته عن الموضحة؟ قال خمس من الإبل «4». فإنّ مع جعل الشجّة موصوفاً لوصف الجائفة لا سبيل إلى دعوى الإطلاق فيها بأن تعمّ الجائفة سائر الجسد.

______________________________

(1) المقنع: 512.

(2) الكافي 7: 329، باب تفسير الجراحات و الشجاج.

(3) مجمع الفائدة و البرهان 14: 456.

(4) وسائل الشيعة 29: 381، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج و الجراح، الحديث 12.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 287

..........

______________________________

و في صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: في الموضحة خمس من الإبل و في السمحاق أربع من الإبل، و الباضعة ثلاث من الإبل، و المأمومة ثلاث و ثلاثون من الإبل، و الجائفة ثلاث و ثلاثون و المنقّلة خمس عشرة من الإبل «1». فإنّ مع كون كلّ ما ورد فيها دية شجّاج على ما تقدّم كيف تجعل الجائفة مطلقة تعمّ الجراح في سائر الأعضاء من الجسد؟

و كذا في رواية زيد الشحام قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الشجّة المأمومة؟

فقال: فيها ثلث الدية، و في الجائفة ثلث الدية، و في الموضحة خمس من الإبل «2».

و لا يخفى أنّ اسم الجائفة لا تعمّ الجرح الوارد على غير الرأس و الوجه أمر لا أساس له فإنّ المنسبق

منها الجرح الواصل إلى الجوف.

نعم، دعوى أنّ الجائفة الواردة في الروايات التي ذكرت فيها أنّ ديتها ثلث الدية لا تعمّ الجائفة في غير الرأس و أنّها ناظرة إلى بيان دية الجائفة في الرأس لها وجه فإنّ الروايات التي ذكرها يمكن المناقشة في إطلاقها بدعوى أنّ الدية المذكورة فيها كما ذكر في مواردها بغرض الشجاج و لو بقرينة السياق.

و لكن يمكن الجواب عن المناقشة بأنّ السياق لا تحسب قرينة على رفع اليد عن إطلاق المطلق نظير ما ورد في معتبرة أبي مريم قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام إنّ رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله قد كتب لابن حزم كتاباً فخذه منه فأتني به حتّى أنظر إليه، قال:

فانطلقت إليه فأخذت منه الكتاب ثمّ أتيته به فعرضته عليه فإذا فيه من أبواب الصدقات و أبواب الديات، و إذا فيه: في العين خمسون و في الجائفة الثلث، و في

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 379، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج و الجراح، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 29: 379، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج و الجراح، الحديث 5.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 288

..........

______________________________

المنقّلة خمس عشرة، و في الموضحة خمس من الإبل «1». حيث إنّ الجائفة في هذه الرواية مطلقة كالعين و لا يكون ذكر المنقّلة و الموضحة قرينة على تقييدها.

و ما في كلام المقنع و الكليني من اختصاص الجائفة بالشجّة في مقابل المأمومة لا يمكن المساعدة عليه فإن ذلك و إن ورد في رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: في السمحاق، و هي التي دون الموضحة خمسمائة درهم، و فيها إذا كان في الوجه ضعف الدية

على قدر الشين، و في المأمومة ثلث الدية، و هي التي نفذت و لم تصل إلى الجوف فهي فيما بينهما، و في الجائفة ثلث الدية، و هي التي بلغت جوف الدماغ، و في المنقّلة خمس عشرة من الإبل و هي التي قد صارت قرحة تنقل منها العظام «2».

و لو أُغمض عن ذلك كلّه و قلنا بأنّه لا يستفاد من هذه الرواية أكثر من دية جائفة الرأس لإهمال تلك الروايات بالإضافة إلى دية غير الرأس أو لإجمال الجائفة يكفي في المقام معتبرة ظريف حيث ورد فيها: في جائفة الصدر- بعد بيان كسر الأضلاع و جرحها: و في موضحة كلّ ضلع منها ربع دية كسره ديناران و نصف، فإن نقب ضلع منها فديتها ديناران و نصف، و في الجائفة ثلث دية النفس ثلاثمائة و ثلاثة و ثلاثون ديناراً و ثلث دينار «3». فلا مورد للتأمّل في أنّ الجائفة ديتها في الجسد أيضاً الثلث كما في الرأس إذا سلم منها و لم يترتّب عليه الموت أو زوال العقل أو غيره.

ثمّ إنّ المشهور بين الأصحاب بل المجمع عليه عندهم عدم ثبوت القصاص في الجائفة، سواء كانت في الرأس أو سائر الأطراف و في مقطوعة أبي حمزة: و في

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 381، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج و الجراح، الحديث 13.

(2) وسائل الشيعة 29: 380، الباب 2 من أبواب ديات الشجاج و الجراح، الحديث 9.

(3) وسائل الشيعة 29: 304-/ 305، الباب 13 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 289

..........

______________________________

الجائفة ما وقعت في الجوف ليس فها قصاص إلّا الحكومة «1». و الظاهر أنّ المراد بالحكومة الحكم بثلث الدية.

و يؤيده ما تقدّم

من عدم ثبوت القصاص في كسر العظام لعدم إمكان رعاية المماثلة في الاقتصاص منها فإنّ ذلك يجري في المقام أيضاً، فتدبّر. و الأحوط التصالح بالدية في جائفة سائر الجسد غير الرأس.

ثمّ إنّه قد ذكر الماتن أنّ الجاني إذا جرح في عضو ثمّ أجاف ذلك الجرح لزمه دية الجرح ثمّ دية الجائفة.

و يظهر الوجه في ذلك ممّا تقدّم آنفاً أنّه إذا حصل الجنايتان بفعلين يثبت على الجاني دية كلّ منهما، فإذا شقّ الكتف مثلًا حتّى يحاذي الجنب ثمّ أجافه فلتعدّد الضربة يثبت عليه دية الجرح أوّلًا ودية الجائفة ثانياً، و احتمال ثبوت الدية الجائفة فقط؛ لأنّ الجرح الحاصل و لو بفعلين واحد يكون على الجاني دية أغلظهما كما ترى، فإنّ الموجود حقيقة جنايتان حصلت كلّ منهما بضربة غير الحاصلة بالأُخرى.

ثمّ ما ذكر من جائفة الرأس التي فيها ثلث الدية إنّما هو فيما إذا دخل الجرح في جوف الدماغ.

و أمّا إذا دخل في جوف الخدّ فليس فيها ثلث الدية، بل كما يأتي أنّ الجرح إذا نفذ فيه بحيث يرى جوف الفم فديتها مائتا دينار فإن دووي و التأم و لكن كان فيه أثر بين و شتر يزداد على مائتين و خمسين ديناراً، كما ورد ذلك في معتبرة ظريف و يأتي التعرّض لذلك عند تعرّض الماتن لتساوي دية الشجاج من الرأس و الوجه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 180، الباب 16 من أبواب قصاص الطرف، الحديث 2.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 290

[فروع]

فروع:

لو أجافه واحد، كان عليه دية الجائفة. و لو أدخل آخر سكّينة و لم يزد فعليه التعزير حسب (1). و إن وسعها باطناً أو ظاهراً ففيه الحكومة. و لو وسعها فيهما فهي جائفة أُخرى كما

لو انفردت. و لو أبرز حشوته فالثاني قاتل.

و لو خيطت ففتقها آخر، فإن كانت بحالها لم تلتئم، و لم تحصل بالفتق جناية، قال الشيخ رحمه الله: فلا أرش و يعزّر (2) و الأقرب الأرش؛ لأنّه لا بدّ من أذى، و لو في الخياطة ثانياً. و لو التحم البعض ففيه الحكومة. و لو كان بعد الاندمال فهي جائفة مبتكرة فعليه ثلث الدية.

فروع: لو أجافه واحد

______________________________

(1) و ذلك فإنّ بالإدخال المذكور و إن لم تحصل جناية و لو بتوسعة الجرح في ظاهره و لا في باطنه إلّا أنّه ظلم و تعدٍّ يستحقّ فاعله التعزير، و أمّا إذا وسّعه ظاهراً أو باطناً ففيه الحكومة؛ لأنّ التوسعة في أحدهما لا تعدّ جائفة فإنّ الجائفة ما يكون الجرح بالجرح من الظاهر و إيصاله إلى الباطن و الجوف، و على ذلك فإن وسّعه فيهما يكون جائفة أُخرى عليه ثلث الدية، من غير فرق بين أن يكون من الجارح الأوّل أو شخص آخر. و لو جرح أحد الشخصين الجائفة و الآخر أبرز حشوته يعدّ الأوّل مع موت المجني عليه جارحاً و عليه ثلث الدية و على الآخر حيث إنّ إبراز الحشوة يكون جرحاً قاتلًا عادة الاقتصاص منه أو أخذ الدية صلحاً أو على عاقلته إن كان من الخطأ المحض.

لو خيطت ففتقها آخر

(2) الأظهر كما عليه الماتن يتعلّق بالفتق مع عدم الالتيام الأرش فإنّ الجناية قبل ذلك لم تكن محتاجة إلى الخياطة و بالفتق جعلها محتاجة فعلى الثاني أرش ذلك كما أنّه يتعلّق عليه الأرش ما إذا كان بعض الجرح ملتئماً فالفتق بعمله، و لو كان ملتئماً تمامه فانفتق بفعله فهو جائفة أُخرى جديدة فعليه ثلث الدية.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص:

291

و لو أجافه اثنتين فثلثا الدية (1). و لو طعن في صدره فخرج من ظهره، قال في المبسوط واحدة، و في الخلاف: اثنتان و هو أشبه. (2)

______________________________

(1) لأنّ لكلّ من الجائفتين ديتها ثلث الدية فعلى الجاني يكون ثلثا دية النفس فإن أعطى من الإبل فعليه ستّة و ستّين إبلًا.

لو طعن في صدره فخرج من ظهره

(2) المحتملات في المسألة ثلاثة:

الأوّل: ما ذكره في المبسوط «1» فإنّه حيث كان الجرح بضربة واحدة متّصلًا من الأوّل يحسب جائفة واحدة يكون على الجاني ديتها، و قيل إنّ الوحدة ظاهر فتاوى العلماء «2» حيث إنّ الضربة و الجناية واحدة و مال إلى ذلك في الجواهر «3».

و الثاني: أنّها جنايتان لما تقدّم من أنّه إذا كانت الضربة الواحدة بحيث شمل الجرح عضوين فيحسب ذلك جنايتان و جرحان كما شمل بالضربة الواحدة الجرح الرأس و الجبين، و ما تقدّم من أنّ الضربة الواحدة إذا أوجبت جنايتين أحدهما أغلظ من الأُخرى يكون على الجاني أغلظهما إنّما هو فيما إذا كانت الجنايتان مترتّبين أو كانتا في عضو واحد.

الثالث: و هو أن لا يكون عليه دية الجائفة فقط، بأن تكون ديتها أكثر و يستفاد ذلك من معتبرة ظريف بعد بيان أنّ: في الجائفة ثلث دية النفس ثلاثمائة و ثلاثة و ثلاثون ديناراً و ثلث دينار، و إن نفذت من الجانبين كليهما رمية أو طعنة فديتها أربعمائة دينار و ثلاثة و ثلاثون ديناراً و ثلث دينار «4». و حيث إنّه لا معارض لها فيؤخذ بما ورد فيها.

______________________________

(1) المبسوط 7: 125.

(2) حكاه الفاضل الهندي عن الشهيد في كشف اللثام 2: 518 (القديمة).

(3) جواهر الكلام 43: 344.

(4) وسائل الشيعة 29: 304-/ 305، الباب 13 من أبواب ديات

الأعضاء، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 292

[الرابعة قيل إذا نفذت نافذة في شي ء من أطراف الرجل]

(الرابعة): قيل: إذا نفذت نافذة في شي ء من أطراف الرجل ففيها مائة دينار (1).

[الخامسة في احمرار الوجه بالجناية دينار و نصف و في اخضراره ثلاثة دنانير]

(الخامسة): في احمرار الوجه بالجناية دينار و نصف، و في اخضراره ثلاثة دنانير (2)، و كذا في الاسوداد عند قوم. و عند الآخرين ستة دنانير، و هو أولى، لرواية إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، و لما فيه من زيادة النكاية. قال جماعة: ودية هذه الثلاث في البدن، على النصف.

دية ما إذا نفذت نافذة

______________________________

(1) القائل هو الشيخ قدس سره و جماعة من أصحابنا فإنّهم ذهبوا إلى الجرح النافذ في شي ء من أطراف الرجل بحيث لا يدخل في عنوان الجائفة ديته مائة دينار لما ورد في معتبرة ظريف المروي في الكافي و الفقيه و التهذيب: و أفتى [يعني علياً عليه السلام] في النافذة إذا انفذت من رمح أو خنجر في شي ء من البدن في أطرافه فديتها عشر دية الرجل مائة دينار «1». نعم يرفع اليد عن إطلاقها في عضو ورد في دية نافذته كالأنف و الوجه تعيين الدية بغيرها و يؤخذ بها في غير ذلك، و تعبير الماتن في التقدير ب (قيل) المشعر بالتضعيف و التردّد منه بلا موجب.

إلّا أن يقال إنّ العموم المزبور لا يمكن الأخذ به كما إذا كان الجرح النافذ في اليد فضلًا عن الأصابع و الأنامل.

أقول: إذا لم يمكن الأخذ بالعموم و الإطلاق في خطاب يقتصر فيه على القدر اليقين و هي الجرح الذي لو كانت جائفة كانت ديتها ثلث دية الرجل.

دية احمرار الوجه و اخضراره و اسوداده

(2) و في صحيحة إسحاق بن عمّار أو موثّقته، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في اللطمة يسودّ أثرها في الوجه أنّ

أرشها ستّة دنانير فإن لم تسودّ

______________________________

(1) الكافي 7: 327، الحديث 5. الفقيه 4: 92، ذيل الحديث 5150-/ التهذيب 10: 292، الحديث 13.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 293

..........

______________________________

و اخضرّت فإنّ أرشها ثلاثة دنانير فإن احمرّت و لم تخضارّ فإنّ أرشها دينار و نصف «1».

و أمّا القول بأنّ في فرض الاسوداء الدية ثلاثة دنانير فلا نعرف له وجهاً إلّا المحكي «2» عن السيدين مدّعيين عليه الإجماع، و لكنّ الإجماع غير متحقّق قطعاً حيث إنّ المحكي عن الأكثر أنّها ستّة دنانير، و تدلّ عليه رواية إسحاق بن عمار المتقدّمة.

هذا كلّه إذا كان في الوجه.

و أمّا إذا كان في سائر الجسد فمقتضى رواية إسحاق على ما في الفقيه «3»، حيث ورد في ذيلها: «و في البدن نصف ذلك» و يؤخذ بتلك الزيادة؛ لأنّ رواية الكافي أو التهذيب لا ينافيها.

ثمّ إنّ ظاهر جملة من الأصحاب عدم اختصاص الحكم بالضرب، بل إذا حصل الاسوداد أو الاخضرار أو الاحمرار بأيّ جناية تكون الدية كما ذكر، و ما ورد في الموثّقة و إن كان عنوان اللطمة الظاهرة في الضرب باليد إلّا أنّ الظاهر أنّ الضرب بغيرها بسوط أو خشب و نحوه أيضاً إذا أوجب الاحمرار أو الاسوداد أو الاخضرار تكون ديتها كذلك، و أمّا التعدّي إلى مطلق الجناية ففيه تأمّل و إن قيل بذلك بدعوى الإجماع عليه.

و مقتضى الإطلاق في الموثّقة ثبوت الدية بما ورد فيها من غير فرق بين الرجل و المرأة و ما ورد في الروايات من تساوي المرأة و الرجل في دية الجراحات إلى أن تبلغ الثلث و إذا بلغ الثلث ضعف دية الرجل و إن كان لا يعمّ المقام لفرض الكلام في

______________________________

(1) وسائل الشيعة

29: 384، الباب 4 من أبواب ديات الشجاج و الجراح، الحديث الأوّل.

(2) حكاه المحقق في جواهر الكلام 43: 347، غنية النزوع: 420، الانتصار: 549، المسألة 309.

(3) من لا يحضره الفقيه 4: 158، الحديث 5359.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 294

[السادسة كل عضو ديته مقدرة]

(السادسة): كلّ عضو ديته مقدّرة، ففي شلله ثلثا ديته، كاليدين و الرجلين و الأصابع. و في قطعه بعد شلله، ثلث ديته. (1)

______________________________

اللطمة، إلّا أنّ ما دلّ أيضاً من أنّ دية المرأة نصف دية الرجل ظاهره دية النفس و الأعضاء لا هذا النوع من الضرب فلا يبعد الأخذ بإطلاق الموثّقة.

بل يقتضي تساويهما في الدية ما ورد في صحيحة أبان بن تغلب: أنّ المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث الدية فإذا بلغت الثلث رجعت إلى النصف «1».

دية شلل العضو و قطعه

(1) بلا خلاف معروف و يمكن أن يستظهر ذلك من صحيحة الفضيل بن يسار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الذراع إذا ضرب فانكسر منه الزند قال: فقال: إذا يبست منه الكفّ فشلّت أصابع الكفّ كلّها فإنّ فيها ثلثي الدية دية اليد، قال: و إن شلّت بعض الأصابع و بقي بعض فإنّ في كلّ إصبع شلّت ثلثي ديتها، قال: و كذلك الحكم في الساق و القدم إذا شلّت أصابع القدم «2». فإنّ قوله عليه السلام: «و كذلك الحكم في الساق و القدم» ظاهره أنّ ما ذكر من ثلثي دية العضو حكم الشلل.

لا يقال: هذه الصحيحة يعارضها ما دلّ على أنّ في شلل الإصبع تمام ديتها و كذلك في شلل اليدين تمام دية اليدين و في صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

في الإصبع عشر الدية إذا قطعت و شلّت. الحديث «3».

و في موثقة

زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: في الإصبع عشر من الإبل إذا قطعت من أصلها أو شلّت «4».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 352، الباب 44 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 29: 347، الباب 39 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 5.

(3) وسائل الشيعة 29: 346، الباب 39 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 3.

(4) وسائل الشيعة 29: 348، الباب 39 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 8.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 295

..........

______________________________

و في معتبرة ظريف من كتاب الديات: و الشلل في اليدين كلتاهما ألف دينار، و شلل الرجلين ألف دينار «1».

مع أنّ يونس قد عرض كتاب الديات على أبي الحسن الرضا عليه السلام.

فإنّه يقال: إنّ ما ذكر من الروايات و إن تعدّ من المعارض لصحيحة الفضيل بن يسار إلّا أنّه لا بدّ من الأخذ بالصحيحة و طرح تلك الروايات في مقام المعارضة لكون تلك الروايات موافقة للعامّة، و عرض يونس كتاب الديات على أبي الحسن الرضا عليه السلام لا ينافي ذلك فإنّ تصديقه عليه السلام بأنّ ما فيه عن علي عليه السلام غير كون ما فيه الأحكام الواقعية، فإنّ أمير المؤمنين عليه السلام حتّى في زمان خلافته كان مبتلى بالتقيّة فيمكن أن يكون بعض ما فيه من جهة رعايتها.

و يؤيّد كون شلل العضو ثلثي دية ذلك العضو ما ورد في دية العضو المشلول من أنّ ديته ثلث دية العضو، و في رواية الحكم بن عتيبة، عن أبي جعفر عليه السلام كلّ ما كان من شلل فهو على الثلث من دية الصحاح «2». و في صحيحة بريد بن معاوية، عن أبي جعفر عليه السلام قال: في لسان الأخرس و عين الأعمى و ذكر

الخصي و أُنثييه ثلث الدية «3».

و الحاصل كون دية الشلل ثلثي دية العضو مع كون دية العضو المشلول ثلثاً و إن لا ينافي مع قيام الدليل على الخلاف في مورد، إلّا أنّ مع عدم القيام مقتضى كون دية المشلول ثلث دية ذلك العضو مقتضاه أن يكون دية الشلل ثلثي دية ذلك العضو.

نعم، يرفع اليد عمّا ذكر من أنّ دية العضو المشلول ثلث دية ذلك العضو في قطع ذكر العنين، فإنّ العنين ذكره و إن كان داخلًا في العضو المشلول إلّا أنّ ديته في معتبرة السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام الدية الكاملة فإنّه روى عن أبي عبد اللّه عليه السلام

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 283-/ 284، الباب الأوّل من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 29: 345، الباب 39 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

(3) وسائل الشيعة 29: 336، الباب 31 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 296

[السابعة دية الشجاج في الرأس و الوجه سواء]

(السابعة): دية الشجاج في الرأس و الوجه سواء، و مثلها في البدن بنسبة العضو الذي يتّفق فيه من دية الرأس. (1)

______________________________

قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: في ذكر الصبي الدية، و في ذكر العنين الدية «1». و المشهور و إن ذكروا أنّ دية قطعه كسائر العضو المشلول ثلث الدية إلّا أنّه لا موجب لرفع اليد عن المعتبرة و الالتزام بخروج ذلك عن الإطلاق و العموم و قد حكي «2» عن الصدوق و الإسكافي الالتزام بذلك في ذكر العنين مع التزامهم في ذكر الخصي بالثلث.

و يؤيد الحكم في العنين صحيحة إبراهيم بن عمر، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل ضرب رجلًا بعصا

فذهب سمعه و بصره و لسانه و عقله و فرجه و انقطع جماعه و هو حيّ بستّ ديات «3». فإنّ انقطاع الجماع عبارة أُخرى عن صيرورته عنيناً، و لكن ذكر ذهاب الفرج في مقابله كما هو مقتضى الحكم بستّ ديات لا يناسب ذلك إلّا أن يقال ذهاب الفرج بمعنى ذهاب الحشفة، فتدبر.

بقي حكم من سلّت خصيتاه فإنّه إن أدّى إلى شلل الذكر ففي قطع ذكره دية الخصيّ و إن لم يؤد إلى ذلك ففي قطعه الدية الكاملة.

دية الشجاج في الرأس و الوجه سواء

(1) أقول: ما ذكر الماتن قدس سره في المقام أمران:

أحدهما: استواء دية الشجاج في الرأس مع ديات الشجاج في الوجه، و بتعبير آخر ما ذكر في ديات الجراحات في الرأس بعينها الديات في مثل تلك الجراحات في الوجه.

الثاني: أنّ الجراحات التي ذكرت ديتها في الرأس فإن وقعت مثل تلك الجراحات في سائر أعضاء البدن تتعيّن دية تلك الجراحات بملاحظة النسبة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 339، الباب 35 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.

(2) حكاه العلّامة في مختلف الشيعة 9: 427، المقنع: 522.

(3) وسائل الشيعة 29: 365، الباب 6 من أبواب ديات المنافع، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 297

..........

______________________________

الملحوظة بين دية الجراحة الواقعة على الرأس و بين دية الرأس أي دية النفس بالأخذ بتلك النسبة بين الجراحة الواقعة على العضو و بين تمام دية ذلك العضو، مثلًا قد تقدّم أنّ النسبة في دية الحارصة في الرأس و بين دية الرأس أي دية النفس جزء من مائة جزء دية النفس، فتكون الحارصة الواقعة على اليد جزءاً من مائة جزء من دية اليد أي خمسمائة درهم المساوي لنصف بعير أو خمسة دنانير،

و الحارصة الواقعة على أنملة الإصبع جزء من مائة جزء من دية الإصبع فتكون ديته نصف عشر بعير أو نصف دينار و هكذا.

و قد تقدّم أنّ دية الجائفة و إن كانت ثلث الدية في الرأس إلّا أنّ ديتها في الخدّ لا تكون ثلث الدية؛ لما ورد في معتبرة ظريف، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: في الخدّ إذا كانت فيه نافذة يرى منها جوف الفم فديتها مائتا دينار، فإن دووي فبرأ و التأم و به أثر بيّن و شتر فاحش فديته خمسون ديناراً «1». فإنّ النافذة في الخدّ الذي عضو خاصّ من الوجه كانت بحيث يرى منه جوف الفم تعدّ جائفة مع أنّ ديتها على تقدير الشين و الشتر تصير مائتين و خمسين ديناراً و بلا شين و شتر مائتي دينار فيرفع اليد بذلك عن الإطلاق المتقدّم من تقدير دية الجائفة بثلث الدية.

و بالجملة، مقتضى ما ورد في دية الشجاج تساوي دية الشجّة الواقعة على الرأس مع الشجّة الواقعة في الوجه، حيث إنّ الشجّة تعمّ الجرح الوارد على الرأس و الوجه و يؤيد ما في رواية الحسن بن صالح الثوري، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الموضحة في الرأس كما هي في الوجه؟ فقال: «الموضحة و الشجاج في الوجه و الرأس سواء في الدية؛ لأنّ الوجه من الرأس، و ليست الجراحات في الجسد كما هي في الرأس» «2» و معتبرة السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله: «إنّ

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 295، الباب 6 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 29: 385، الباب 5 من أبواب ديات الشجاج و الجراح،

الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 298

..........

______________________________

الموضحة في الوجه و الرأس سواء» «1» كما لا يبعد أن يلتزم بأنّ الموضحة إذا كانت في الجسد ديتها أربعون ديناراً كما هو ظاهر معتبرة ظريف.

و بالجملة، لا ينبغي التأمّل في أنّ دية الموضحة في الوجه يساوي دية الموضحة للرأس في كونها خمسة من الإبل أو خمسين ديناراً لقوله عليه السلام في معتبرة السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله: «إنّ الموضحة في الرأس و الوجه سواء» «2» و مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين كونها موضحة من الخدّ أو غيره من مواضع الوجه، بل لا يبعد أن يجري التساوي في سائر الجروح الواردة على الوجه ممّا ذكر ديته في الرأس؛ لأنّ الشجّة الخاصّة إذا كانت ديتها معيّنة تصدق على ما في الوجه أيضاً.

نعم، إنّ ما ورد في دية الجائفة في الرأس لا يجري في الجائفة من الخدّ لما تقدّم من أنّ ديتها مائتا دينار إذا برئ من غير شين و إلّا يزاد عليها خمسون ديناراً، و على كلّ من التقديرين تكون ديته أقل من ثلث الدية، و ذكرنا أيضاً لا فرق بين الرأس و مثل الصدر و البطن في أنّ دية الجائفة في كلّ منها ثلث الدية.

هذا بالإضافة إلى ما ذكر من كون الشجاج من الرأس و الوجه سواء في الدية، و أمّا سائر الأعضاء من البدن التي لكلّ منها دية مقدّرة ذكرنا فيما تقدّم، فإن ورد على تلك الأعضاء مثل ما ذكرناها في الرأس من الجراحات فالمعروف بين الأصحاب يلاحظ النسبة بين دية الشجة الواقعة على الرأس و بين دية الرأس أي دية النفس فيتعيّن دية

الجراحة الواقعة على سائر الأعضاء بالأخذ بتلك النسبة من دية ذلك العضو، فلا يلائم ما ورد في معتبرة ظريف التي ذكرناها في بيان دية الأعضاء

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 385، الباب 5 من أبواب ديات الشجاج و الجراح، الحديث 2.

(2) المصدر المتقدم.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 299

[الثامنة المرأة تساوي الرجل في ديات الأعضاء و الجراح]

(الثامنة): المرأة تساوي الرجل في ديات الأعضاء و الجراح، حتّى تبلغ ثلث دية الرجل (1)، ثمّ تصير على النصف، سواء كان الجاني رجلًا أو امرأة. ففي الإِصبع مائة، و في الاثنتين مائتان، و في الثلاث ثلاثمائة، و في الأربع مائتان. و كذا يُقتص مع الرد.

______________________________

و الجراحات الواقعة عليها في كلّ مورد فالأحوط التصالح في مقدار الدية في تلك الموارد و إن لا يبعد أن يؤخذ بما في المعتبرة و يؤخذ بالأرش في غيرها.

المرأة تساوي الرجل في ديات الأعضاء

(1) لا خلاف بين الأصحاب في أنّ كلّ جناية تردّ على الرجل في عضوه من قطع أو كسر عظمه أو ذهاب نفعه فإن كانت ديتها أقلّ من ثلث دية نفسه تكون دية تلك الجناية في الرجل و المرأة على حدٍّ سواء.

و يدلّ على ذلك جملة من الروايات:

منها صحيحة أبان بن تغلب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ما تقول في رجل قطع إصبعاً من أصابع المرأة، كم فيها؟ قال: عشرة من الإبل، قلت قطع اثنتين؟ قال عشرون، قلت: قطع ثلاثاً؟ قال: ثلاثون، قلت: قطع أربعاً؟ قال: عشرون، قلت:

سبحان اللّٰه يقطع ثلاثاً فيكون عليه ثلاثون، و يقطع أربعاً فيكون عليه عشرون إنّ هذا كان يبلغنا و نحن بالعراق فنتبرّأ ممّن قاله و نقول: الذي جاء به شيطان فقال: مهلًا يا أبان هكذا حكم رسول اللّٰه صلى الله عليه

و آله إنّ المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث الدية، فإذا بلغت الثلث رجعت إلى النصف، يا أبان إنّك أخذتني بالقياس، و السنّة إذا قيست محق الدين. رواها المشايخ الثلاثة «1» بأسانيدهم.

______________________________

(1) الكافي 7: 299، الحديث 6، من لا يحضره الفقيه 4: 118- 119، الحديث 5239، التهذيب 10: 184، الحديث 16.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 300

..........

______________________________

و موثقة سماعة قال: سألته عن جراحة النساء فقال: «الرجال و النساء في الدية سواء حتّى تبلغ الثلث فإذا جازت الثلث فإنّها مثل نصف دية الرجل» «1».

و صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام- في حديث- قال: «جراحات الرجال و النساء: سواء سنّ المرأة بسنّ الرجل، و موضحة المرأة بموضحة الرجل، و إصبع المرأة بإصبع الرجل حتّى تبلغ الجراحة ثلث الدية، فإذا بلغت ثلث الدية ضعفت دية الرجل على دية المرأة» «2».

و هذا فيما إذا لم تبلغ الدية ثلث دية الرجل ممّا لا كلام فيه، و أمّا إذا بلغ الثلث فهل تكون دية المرأة على النصف؟ أو أنّ الرجوع إلى النصف في ما إذا تجاوز دية الجناية ثلث دية الرجل، كما إذا جنى الرجل على المرأة بالجراحة الجائفة التي ديتها الثلث فهل تساوي في ذلك دية الرجل و المرأة أو ترجع دية المرأة إلى نصف ثلث دية الرجل؟ مقتضى بعض الروايات الواردة في المقام أنّ الملاك في رجوع دية المرأة على النصف بلوغ الدية ثلث دية الرجل كما هو ظاهر صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «جراحات الرجال و النساء سواء حتّى تبلغ الجراحة ثلث الدية و إذا بلغت الثلث ضعف دية الرجل على دية المرأة «3»، و نحوها غيرها.

و مقتضى بعضها أنّ الملاك في

الرجوع إلى النصف تجاوز الدية ثلث دية الرجل كما هو مقتضى موثّقة سماعة «4» و غيره فيتعارضان فيما إذا كانت الدية بمقدار الثلث من غير تجاوز فيتساقطان بالمعارضة فيرجع إلى إطلاق ما دلّ على أنّ: «دية المرأة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 352، الباب 44 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 29: 163، الباب الأوّل من أبواب قصاص الطرف، الحديث الأوّل.

(3) المصدر المتقدم.

(4) تقدمت آنفاً.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 301

..........

______________________________

نصف دية الرجل» «1».

و في معتبرة أبي مريم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «جراحات النساء على النصف من جراحات الرجال في كلّ شي ء» «2»، و يرفع اليد عن العموم فيما إذا لم تبلغ الدية الثلث و قد ذكر الماتن قدس سره أنّ تساوي دية الجناية على المرأة مع دية الرجل لا يختصّ بما إذا كان الجاني على المرأة رجلًا بأن قطع الرجل إصبع امرأة، بل لو قطعت امرأة إصبع امرأة أُخرى خطأً فالدية عشرة من الإبل لا خمسة، و هذا هو المشهور بين الأصحاب.

و لكن ذكر بعض «3» اختصاص التساوي بما إذا كان الجاني على المرأة رجلًا و إلّا فدية المرأة نصف دية الرجل فلا يكون على المرأة التي قطعت إصبع امرأة اخرى إلّا خمسة من الإبل، و قد علّل الاختصاص بأنّ المفروض في الروايات التي وردت في تساوي دية الرجل و المرأة إلى بلوغ الثلث كون الجاني عليها رجلًا فالتعدّي منها إلى غير المفروض يحتاج إلى دليل.

و فيه: أنّ جملة من الروايات كما ذكر، إلّا أنّ فيها ما لم يفرض فيه كون الجاني على المرأة رجلًا كموثقة أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «جراحات المرأة و الرجل

سواء إلى أن تبلغ ثلث الدية، فإذا جاز ذلك تضاعفت جراحة الرجل على جراحة المرأة ضعفين» «4».

و في موثقة سماعة قال: سألته عن جراحة النساء؟ فقال: «الرجال و النساء في

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 205، الباب 5 من أبواب ديات النفس، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 29: 384، الباب 3 من أبواب ديات النفس، الحديث 2.

(3) و هو المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 14: 471- 472.

(4) وسائل الشيعة 29: 383، الباب 3 من أبواب ديات الشجاج، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 302

..........

______________________________

الدية سواء حتّى تبلغ الثلث، فإذا جازت الثلث فإنّها مثل نصف دية الرجل» «1».

ثمّ إنّه إذا جنت المرأة على الرجل بما يوجب القصاص و أراد الرجل أو أولياؤه الاقتصاص من المرأة اقتصر على القصاص و لا يطالب منها شي ء، كما تقدّم الكلام في ذلك في كتاب القصاص، و قلنا: إنّ الجاني لا يضمن أزيد من نفسه كما يدلّ على ذلك صحيحة عبد اللّه بن سنان قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: في رجل قتل امرأة متعمّداً، قال: إن شاء أهلها أن يقتلوه قتلوه، و يؤدّوا إلى أهله نصف الدية، و إن شاءوا أخذوا نصف الدية خمسة آلاف درهم. و قال في امرأة قتلت زوجها متعمّدة قال: إن شاء أهله أن يقتلوها قتلوها و ليس يجني أحد أكثر من جنايته على نفسه «2». و في صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: في الرجل يقتل المرأة متعمّداً فأراد أهل المرأة أن يقتلوه، قال: ذاك لهم إذا أدّوا إلى أهله نصف الدية، و إن قبلوا الدية فلهم نصف دية الرجل، و إن قتلت المرأة الرجل، قتلت به

ليس لهم إلّا نفسها. و في ذيلها:

جراحات الرجال و النساء سواء: سنّ المرأة بسنّ الرجل، و موضحة المرأة بموضحة الرجل، و إصبع المرأة بإصبع الرجل حتّى تبلغ الجراحة ثلث الدية، فإذا بلغت ثلث الدية ضعفت دية الرجل على دية المرأة «3».

و على ذلك فإن جنت المرأة على الرجل بقطع إحدى يديه، فإن أراد المجني عليه القصاص يقطع إحدى يديها من غير مطالبة نصف دية اليد؛ لأنّ الجاني لا يجني أكثر من نفسه، و أمّا إذا قطع الرجل إحدى يدي المرأة فإن أرادت المرأة القصاص من الرجل لا بدّ من أن تعطيه نصف دية يده أو تأخذ نصف دية يد الرجل أي مائتين و خمسين ديناراً.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 352، الباب 44 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 29: 80، الباب 33، من أبواب القصاص في النفس، الحديث الأوّل.

(3) الكافي 7: 298- 299، الحديث 2.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 303

[التاسعة كل ما فيه دية الرجل من الأعضاء و الجراح فيه من المرأة ديتها]

(التاسعة): كلّ ما فيه دية الرجل من الأعضاء و الجراح، فيه من المرأة ديتها (1). و كذا من الذمي ديته، و من العبد قيمته. و ما فيه مقدَّر من الحرّ، فهو بنسبته من دية المرأة و الذمّي و قيمة العبد.

[العاشرة كل موضع قلنا فيه الأرش و الحكومة فهما واحد]

(العاشرة): كلّ موضع قلنا فيه الأرش و الحكومة فهما واحد، و المعنى أنّه يُقوَّم صحيحاً لو كان مملوكاً، و يُقوَّم مع الجناية، و يُنسب إلى القيمة، و يؤخذ من الدية بحسابه. و إن كان المجني عليه مملوكاً، أخذ مولاه قدر النقصان. (2)

دية المرأة من الأعضاء و الجراح و الذمّي و العبد

______________________________

(1) ذكر قدس سره في هذه المسألة أنّ كلّ جناية على الرجل الحرّ المسلم فيها دية الرجل كقطع يديه و رجليه أو أُذنيه أو إذهاب سمعه و بصره و بعض الجرح، ففي تلك الجناية إذا وقعت على المرأة دية المرأة فيكون في قطع يدي المرأة خمسمائة دينار نصف دية الرجل، و إذا وقعت تلك الجناية على العبد يكون تمام قيمتها و من الذمّي ديته و من الذمّية نصف دية الذمّي.

و أمّا إذا كانت الجناية على الرجل الحرّ بحيث تكون ديتها مقدّرة فيلاحظ نسبة تلك الدية إلى دية النفس فيؤخذ بتلك النسبة من دية المرأة أو الذمي أو قيمة العبد.

نعم، يلاحظ تساوي دية الرجل و المرأة إلى ثلث دية الرجل و ملاحظة النسبة بعد بلوغ الدية في الرجل الثلث.

الأرش و الحكومة

(2) كلّما يطلق في كلمات الأصحاب في الجناية المفروضة الأرش أو الحكومة، فالمراد واحد و هو أنّه لو كان المجني عليه حرّاً و لم تكن في الجناية الواقعة عليه تقدير دية، يفرض أنّ الحر عبد و لم يكن فيه الجناية المفروضة، و يلاحظ أنّ قيمته أي

مقدار، و يقوّم أيضاً قيمته لو كان عبداً مع الجناية أي مقدار، و يعيّن نسبة نقص قيمته بالجناية و يعيّن ديتها بتلك النسبة من دية النفس.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 304

..........

______________________________

و أمّا إذا كان المجني عليه عبداً يأخذ مولاه بتفاوت ما بين قيمته صحيحاً و قيمته مع تلك الجناية، و لكن هذه الطريقة لا تنفع فيما إذا كانت الجناية بحيث لا توجب تفاوتاً في القيمة، كما إذا قطع شيئاً زائداً في شي ء من أعضائه أو بدنه.

و دعوى أنّ هذا القطع يؤثر أيضاً في القيمة و لو عند وقوعها: لأنّها في معرض السراية كما ترى فإنّ استقرار ضمان الجناية إمّا بالبرء أي عدم السراية أو بالسراية، و إذا فرض عدم السراية كيف يحسب له أرشاً؟ و قد ورد في الروايات تعيين الدية في بعض الجناية التي لا يتفاوت بها قيمة العبد حيث لا يحسب عيباً، كما ورد ذلك في أرش اللطمة فإنّ اللطمة مع زوالها بزمان قليل جداً لا يوجب تفاوتاً في قيمة العبد، و قد ورد في صحيحة أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام- في حديث- قال: إنّ عندنا الجامعة، قلت: و ما الجامعة؟ قال: صحيفة فيها كلّ حلال و حرام، و كلّ شي ء يحتاج إليه الناس حتّى الأرش في الخدش، و ضرب بيده إليّ فقال: تأذن يا أبا محمد؟ قلت:

جعلت فداك إنّما أنا لك فاصنع ما شئت، فغمزني بيده و قال: حتّى أرش هذا «1». و بالجملة الأرش في هذه الموارد الدية مع أنّ الجناية الواقعة لا توجب تفاوتاً في قيمة العبد.

لا يقال: إنّ هذه الصحيحة لا يمكن الأخذ بظاهرها فإنّ مقتضاها أنّه لا مورد للأرش و الحكومة في

موارد الجنايات، سواء كانت بحيث يختلف بها قيمة العبد أم لم تختلف، فإنّ في كلّ جناية دية معيّنة حتّى أرش الخدش كما هو ظاهرها فلا يبقى مع ذلك مورد لمدلول صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: دية اليد إذا قطعت خمسون من الإبل فما كان جروحاً دون الاصطلام فيحكم به ذوا عدل منكم «و من لم يحكم بما أنزل اللّٰه فأُولئك هم الكافرون» «2».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 356، الباب 48 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 29: 302، الباب 11 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2، و الآية 44 من سورة المائدة.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 305

[الحادية عشرة من لا ولي له فالإمام ع ولي دمه]

(الحادية عشرة): من لا ولي له فالإِمام عليه السلام ولي دمه يقتصّ إن قتل عمداً. و هل له العفو؟ الأصح: لا. و كذا لو قتل خطأً فله استيفاء الدية، و ليس له العفو. (1)

______________________________

و بالجملة، لا يبقى مع الأخذ بصحيحة أبي بصير مورد للحكومة و الأرش مع أنّ المشهور عند الأصحاب أنّ في مورد الجناية إن كانت الجناية موجبة لنقص القيمة لو كان المجني عليه عبداً فيؤخذ في الحرّ بنسبة التفاوت بين القيمتين، و إن لم يوجب تفاوتاً فالأمر بيد الحكم فيأخذ من الجاني للمجني عليه مقداراً من المال بحيث ما يرى مصلحة.

فإنّه يقال: لا منافاة بين مدلول صحيحة أبي بصير و صحيحة عبد اللّه بن سنان لأنّ تعيين الأرش في كلّ أمر يحتاج إليه الناس يمكن أن يكون بفرض المجني عليه عبداً، و مع عدم التفاوت يحكم الحاكم بنظر المصلحة فإنّ هذا النحو أيضاً من تعيين من كلّ أمر يحتاج إليه الناس، و لكن تعيين الأرش و

الحكومة بالطريق الذي يفرض الحرّ عبداً لم يتمّ عليه دليل، و مقتضى صحيحة عبد اللّه بن سنان الرجوع بحكم ذوي العدل يعني حكم الحاكم بملاحظة نظر ذوي العدل تعيين مقدار المال الذي جزاء للجناية خصوصاً بملاحظة الموارد التي لا يمكن التعيين بفرض الحرّ عبداً كما في مثل زماننا.

و لكن الإنصاف أنّ المقام لا يخلو عن صعوبة و الأحوط التصالح.

الامام ولي من لا ولي له

(1) و قد تقدّم الكلام في كتاب الإرث أنّ الإمام عليه السلام وليّ من لا وليّ له و إذا لم يكن للمسلم وارث مسلم يكون الإمام أولى بميراثه.

و يشهد لذلك صحيحة سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل مسلم قتل، و له أب نصراني، لمن تكون ديته؟ قال: تؤخذ فتجعل في بيت مال

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 306

..........

______________________________

المسلمين «1». في روايات متعدّدة و فيها الصحيح عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «من مات و ليس له مولى فماله من الأنفال» «2».

و صحيحة أبي ولّاد الحناط قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل مسلم قتل رجلًا مسلماً عمداً فلم يكن للمقتول أولياء من المسلمين إلّا أولياء من أهل الذمة من قرابته، فقال: على الإمام أن يعرض على قرابته من أهل بيته الإسلام، فمن أسلم منهم فهو وليّه يدفع القاتل إليه فإن شاء قتل، و إن شاء عفا، و إن شاء أخذ الدية، فإن لم يسلم أحد كان الإمام وليّ أمره، فإن شاء قتل، و إن شاء أخذ الدية فجعلها في بيت مال المسلمين؛ لأنّ جناية المقتول كانت على الإمام فكذلك تكون ديته لإمام المسلمين، قلت: فإن عفا عنه الإمام، فقال: إنّما هو حقّ

جميع المسلمين و إنّما على الإمام أن يقتل أو يأخذ الدية، و ليس له أن يعفو «3». و ما في عبارة الماتن: يقتص إن قتل عمداً. فليكن المراد جواز الاقتصاص فإنّه عليه السلام مخيّر بين القصاص و أخذ الدية إن بذل الجاني الدية كما هو مقتضى ولايته على المقتول، نعم ليس له العفو عن الجناية و البحث في ذلك ينفع بالإضافة إلى الفقيه إذا تصدّى الحكومة في زمان الغيبة بناءً على ثبوت الولاية له بالنيابة عن الإمام و إلّا فلا يجوز له إلّا ما تقتضيه الحسبة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 26: 253، الباب 4 من أبواب ولاء ضمان الجريرة، الحديث 5.

(2) وسائل الشيعة 26: 247، الباب 3 من أبواب ولاء الضمان الجريرة، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 29: 124، الباب 60 من أبواب القصاص في النفس، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 307

النظر الرابع [في اللواحق]

اشارة

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 308

النَّظرُ الرابع

في اللواحق و هي أربعة:

[الأول في الجنين]

اشارة

(الأُولى): في الجنين ودية الجنين المسلم الحرّ مائة دينار، إذا تمّ و لم تلجه الروح (1)، ذكراً كان أو أُنثى.

النَّظرُ الرابع: في اللواحق

دية الجنين قبل ولوج الروح

______________________________

(1) هذا ما عليه المشهور بل ادّعى عليه الإجماع، و يدلّ عليه من الروايات معتبرة ظريف عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: جعل دية الجنين مائة دينار، و جعل مني الرجل إلى أن يكون جنيناً خمسة أجزاء، فإذا كان جنيناً قبل أن تلجه الروح مائة دينار، و ذلك إنّ اللّٰه عزّ و جلّ خلق الإنسان من سلالة- و هي النطفة- فهذا جزء، ثمّ علقة فهو جزءان ثمّ مضغة فهو ثلاثة أجزاء، ثمّ عظماً فهو أربعة أجزاء، ثمّ يكسى لحماً فحينئذٍ تمّ جنيناً فكملت له خمسة أجزاء مائة دينار، و المائة دينار خمسة أجزاء فجعل للنطفة خمس المائة عشرين ديناراً، و للعلقة خمسي المائة أربعين ديناراً، و للمضغة ثلاثة أخماس المائة ستّين ديناراً، و للعظم أربعة أخماس المائة ثمانين ديناراً، فإذا كسي اللحم كانت له مائة كاملة، فإذا نشأ فيه خلق آخر و هو الروح فهو حينئذٍ نفس بألف دينار كاملة إن كان ذكراً، و إن كان أُنثى فخمسمائة دينار، الحديث «1».

و رواية سليمان بن صالح، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في النطفة عشرون ديناراً، و في العلقة أربعون ديناراً، و في المضغة ستّون ديناراً، و في العظم ثمانون ديناراً، فإذا

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 312، الباب 19 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 309

..........

______________________________

كسي اللحم فمائة دينار، ثمّ هي ديته حتّى يستهلّ، فإذا استهلّ فالدية كاملة» «1».

و

في رواية ابن مسكان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «دية الجنين خمسة أجزاء:

خمس للنطفة عشرون ديناراً، و للعلقة خمسان أربعون ديناراً، و للمضغة ثلاثة أخماس ستّون ديناراً، و للعظم أربعة أخماس ثمانون ديناراً، و إذا تمّ الجنين كانت له مائة دينار، فإذا أُنشئ فيه الروح فديته ألف دينار أو عشرة آلاف درهم إن كان ذكراً، و إن كان أُنثى فخمسمائة دينار، و إن قتلت المرأة و هي حبلى فلم يدر أ ذكراً كان ولدها أم أُنثى فدية الولد نصف دية الذكر و نصف دية الأُنثى و ديتها كاملة «2».

و في رواية سعيد بن المسيّب قال: سألت علي بن الحسين عليهما السلام عن رجل ضرب امرأة حاملًا برجله فطرحت ما في بطنها ميّتاً، فقال: إن كان نطفة فإنّ عليه عشرين ديناراً، قلت: و ما حدّ النطفة؟ فقال: هي التي إذا وقعت في الرحم فاستقرّت فيه أربعين يوماً، و إن طرحته و هو علقة فإنّ عليه أربعين ديناراً، قلت: فما حدّ العلقة قال: هي التي إذا وقعت في الرحم فاستقرّت فيه ثمانين يوماً، و إن طرحته و هو مضغة فإنّ عليه ستّين ديناراً، قلت: فما حدّ المضغة قال: هي التي إذا وقعت في الرحم فاستقرّت فيه مائة و عشرين يوماً، قال: و ان طرحته و هو نسمة مخلّقة له عظم و لحم مزيل الجوارح قد نفخت فيه روح العقل فإنّ عليه دية كاملة. الحديث «3».

و لكن قد ورد في بعض الروايات ما ظاهرها أنّ دية العظم مائة دينار و إن لم يكسه لحم كصحيحة محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يضرب المرأة فتطرح النطفة؟ فقال: عليه عشرين ديناراً، فقلت: يضربها

فتطرح العلقة، فقال:

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 313، الباب 19 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 29: 229، الباب 21 من أبواب ديات النفس، الحديث الأوّل.

(3) وسائل الشيعة 29: 316، الباب 19 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 8.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 310

..........

______________________________

عليه أربعون ديناراً، قلت: فيضربها فتطرح المضغة، فقال: عليه ستّون ديناراً فقلت:

فيضربها فتطرحه و قد صار له عظم، قال: عليه الدية كاملة. الحديث «1».

و صحيحة أبي عبيدة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في امرأة شربت دواءً و هي حامل لتطرح ولدها فالقت ولدها، قال: إن كان له عظم قد نبت عليه اللحم و شقّ له السمع و البصر فإنّ عليها دية تسلّمها إلى أبيه، قال: و إن كان جنيناً علقة أو مضغة فإنّ عليها أربعين ديناراً أو غرّة تسلّمها إلى أبيه، قلت فهي لا ترث من ولدها من ديته؟ قال: لا لأنّها قتلته «2».

و هاتان الصحيحتان مطلقتان من حيث ولوج الروح و عدمه فيحمل على صورة الروح لما ذكر عليه السلام في معتبرة ظريف أنّه إذا لم تلج الروح فالدية مائة دينار فيرفع اليد بها عن إطلاق هاتين كما لا يخفى.

و على كلّ حال فلا وجه للالتزام بأنّه إذا تمّ الجنين و إن لم تلجه الروح فديته دية النفس كما حكى «3» ذلك عن العماني، و عن الإسكافي إذا أُلقي الجنين ميّتاً من غير أن يتبيّن حياته بعد الجناية على الأُم كان فيه غرّة عبد أو أمة إذا كانت الأُم حرّة مسلمة و قد قدّر قيمة الغرّة قدر نصف عشر الدية كما في كشف اللثام «4».

أقول: قد ورد في بعض الروايات أنّ على الجاني على الجنين غرّة وصيف

عبد أو أمة كما في صحيحة داود بن فرقد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: جاءت امرأة فاستعدت على أعرابي قد أفزعها فألقت جنيناً فقال الأعرابي: لم يهلّ و لم يصحّ مثله

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 314، الباب 19 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 29: 318، الباب 20 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

(3) حكاه العلّامة في المختلف 9: 411.

(4) كشف اللثام 2: 518 (الطبعة القديمة).

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 311

..........

______________________________

يطلّ فقال النبي صلى الله عليه و آله اسكت سجاعة عليك غرّة وصيف عبد أو أمة «1».

و معتبرة السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال قضى رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله في جنين الهلالية حيث رميت بالحجر فألقت ما في بطنها ميّتاً فإنّ عليه غرّة عبد أو أمة «2».

و صحيحة سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّ رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه و آله و قد ضرب امرأة حبلى فأسقطت سقطاً ميّتاً فأتى زوج المرأة إلى النبي فاستعدى عليه فقال الضارب: يا رسول اللّٰه ما أكل و لا شرب و لا استهلّ و لا صاح و لا استبشّ فقال النبي صلى الله عليه و آله إنّك رجل سجاعة فقضى فيه رقبة «3».

و رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إن ضرب الرجل امرأة حبلى فألقت ما في بطنها ميّتاً فإنّ عليه غرّة عبد أو أمة يدفعه إليها «4».

و ظاهر هذه الروايات أنّ دية الجنين غرّة بالضم أي عبد أو أمّة سواء كان الجناية على الجنين قبل ولوج الروح أو بعده، بل يمكن أن يقال بظهور بعضها في

أنّ الدية بالغرّة بعد فرض ولوج الروح كما هو ظاهر تقييد السقط سقطت سقطاً ميّتاً، و كما يظهر ذلك من معتبرة السكوني أيضاً فهذه الروايات تكون مخالفة لما تقدّم من أنّ الجنين قبل ولوج الروح ديته مائة دينار و بعده دية النفس، و حيث إنّ دية الجنين بعد ولوج الروح لا يكون غرّة إلّا عند جماعة من العامّة تطرح تلك الروايات بحملها على التقيّة و الشيخ قدس سره «5» قد حمل الجنين في هذه الرواية على ما لا تتمّ خلقته و لم تلجه

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 319، الباب 20 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 29: 319، الباب 20 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 29: 319، الباب 20 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 4.

(4) وسائل الشيعة 29: 320، الباب 20 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 5.

(5) التهذيب 10: 287، ذيل الحديث 14.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 312

..........

______________________________

الروح كالعلقة و المضغة؛ لما ورد في صحيحة أبي عبيدة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في امرأة شربت دواءً و هي حامل لتطرح ولدها فألقت ولدها؟ قال إن كان له عظم قد نبت عليه اللحم و شقّ له السمع و البصر فإنّ عليها دية تسلّمها إلى أبيه، قال: و إن كان جنيناً علقة أو مضغة فإنّ عليها أربعين ديناراً أو غرّة تسلّمها إلى أبيه. قلت: فهي لا ترث من ولدها من ديته قال: لا لأنّها قتلته «1».

و هذه الصحيحة إن أمكن حمل ذيلها بأنّ دية المضغة و العلقة مخيّرة بين أربعين ديناراً أو غرّة إلّا أنّه يعارضها ما رواه أبي عبيدة و الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام

قال: سئل عن رجل قتل امرأة خطأً و هي على رأس ولدها تمخض فقال خمسة آلاف درهم، و عليه دية الذي في بطنها وصيف أو وصيفة أو أربعون ديناراً «2».

فإنّ ظاهر فرض أنّ المرأة على رأس ولدها تمخض فرض ولوج الروح للجنين و لا يمكن الالتزام بأنّ ديته أربعون ديناراً.

و كيف ما كان، فالمتعيّن إرجاع هذه الروايات إلى أهلها، و قد ذكرنا أنّ الدية في الجنين على مراحل النطفة و العلقة و المضغة و العظم و كسائه باللحم و شقّ الأُذن و البصر فأيّ مرتبة من ذلك قبل ولوج الروح لها دية و مائة دينار عشر دية النفس بعد تمام المراتب قبل ولوج الروح بلا فرق بين كون الجنين ذكراً أو أُنثى.

و لكن المنقول «3» عن المحقّق الأردبيلي أنّ دية الجنين الذكر ضعف دية جنين الأُنثى فديتها خمسون ديناراً و استدلّ على ذلك بمعتبرة ظريف لما ورد فيها بعد ذكر

______________________________

(1) التهذيب 10: 287، الحديث 15.

(2) وسائل الشيعة 29: 320، الباب 20 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 6.

(3) نقله السيد الخوئي في مباني تكملة المنهاج 2: 402، المسألة 379، و انظر مجمع الفائدة و البرهان 14: 324- 327.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 313

و لو كان ذمّياً، فعُشر دية أبيه. (1)

______________________________

دية الجنين الذكر قبل ولوج الروح و بعده: و قضى في دية جراح الجنين من حساب المائة على ما يكون من جراح الذكر و الأُنثى «1». و لكن لا يخفى أنّه عليه السلام علّق قبل ذلك كون الدية بأنّ بعد ولوج الروح على كونه ذكراً و كون الدية خمسمائة على ما إذا كان أُنثى.

و على كلّ تقدير، لم يذكر الاختلاف بين الذكر و

الأُنثى في دية الجنين قبل ولوج الروح، و على ذلك تكون دية جراح الجنين من حساب المائة قبل ولوج الروح.

و بتعبير آخر، إذا كان إسقاط الجنين قبل ولوجه فالدية عشر دية النفس يعني مائة دينار بلا فرق بين الذكر و الأُنثى. هذا كلّه في دية الجنين المسلم قبل ولوج الروح.

دية الجنين الذمّي

(1) و لو كان الجنين قبل ولوج الروح ذمّياً حكماً فقد ذكر الماتن أنّ ديته عشر دية أبيه فتكون ديته ثمانين درهماً، كما أنّ المنسوب إلى المشهور ذلك فإنّها المناسب لدية الجنين المسلم قبل ولوج الروح، و في الجواهر: بلا خلاف أجده «2».

و لكن في معتبرة السكوني أنّ ديته عشر دية أُمّه، فيكون دية الجنين الذمي حكماً أربعين درهماً بلا خلاف بين الذكر و الانثى، و قد روى عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليه السلام أنّه قضى في جنين اليهوديّة و النصرانيّة و المجوسيّة عشر دية أُمّه «3».

و يؤيدها رواية مسمع عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قضى في جنين اليهوديّة و النصرانيّة و المجوسيّة عشر دية أُمّه «4». و التعبير بالتأييد؛ لأنّ في

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 312- 313، الباب 19 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

(2) جواهر الكلام 43: 361.

(3) وسائل الشيعة 29: 225، الباب 18 من أبواب ديات النفس، الحديث 3.

(4) وسائل الشيعة 29: 225، الباب 18 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 314

و في رواية السكوني، عن أبي جعفر، عن علي عليه السلام، عُشْر دية أُمّه، و العمل على الأوّل. أمّا المملوك، فعشر قيمة أُمّه المملوكة. (1)

______________________________

سندها محمّد بن الحسن بن شمون عن الأصم و هما ضعيفان،

و حيث لم يقم على خلاف معتبرة السكوني المؤيدة برواية مسمع شي ء يمكن الاعتماد عليه يتعيّن الأخذ بها.

و ما قيل من أنّها معرض عنها عند الأصحاب و مخالفة لما ورد في الجنين المسلم حيث إنّ المناسب لما ورد فيه عشر قيمة الأب.

فلا يمكن المساعدة عليه فإنّه يظهر من كلام المجلسي أنّها معمول بها عند بعض و ما ورد في الجنين المسلم لا يقتضي أن يكون الجنين الذمي حكماً مثله فإنّه شرف الإسلام لعلّه أوجب أن يكون حساب الجنين المسلم إلى الأب بخلاف الجنين المحكوم بالذمي.

دية الجنين المملوك

(1) و لو كان الجنين مملوكاً فأُسقط قبل ولوج الروح فديته عشر قيمة أُمّه المملوكة سواء كان الجنين ذكراً أو أُنثى كما عليه المشهور.

و يستدلّ على ذلك بما عبّر عنه في الجواهر «1» لقوي السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في جنين الأمة عشر ثمنها» «2» و مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين كون الجنين ذكراً أو أُنثى، و لكن روى عن السكوني الشيخ قدس سره في التهذيب بسنده إليه، و في سنده ضعف؛ لأنّه يروى عن ابن أبي الجيد «3»، و ربّما يدّعى أنّ العمل من المشهور جابر لضعفها، و لا يبعد ذلك و لكنّه غير محرز و الأحوط التصالح.

______________________________

(1) جواهر الكلام 43: 362.

(2) وسائل الشيعة 29: 323، الباب 21 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.

(3) الفهرست (للشيخ الطوسي): 50- 51، إسماعيل بن أبي زياد السكوني.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 315

و لو كان الحمل زائداً عن واحد فلكلّ واحد دية (1).

و لا كفارة على الجاني (2).

و لو ولجت فيه الروح، فدية كاملة للذكر، و نصف للأُنثى (3). و لا تجب إلّا مع تيقّن الحياة، و

لا اعتبار بالسكون بعد الحركة، لاحتمال كونها عن ريح. و تجب الكفّارة هنا مع مباشرة الجناية.

______________________________

و لو قيل بأنّه مع عدم التصالح يرجع إلى الحكومة فله وجه.

هذا فيما كان جنين الأمة مملوكة كما هو منصرف الرواية؛ لأنّ الجنين غير المملوك لا يقوّم بالقيمة، بل الإطلاق في دية الجنين بأنّها قبل ولوج الروح مائة دينار و بعده دية الذكر الحر لو كان ذكراً، و إن كان أُنثى فديتها نصف الدية يعمّ هذا الجنين الذي لا يكون مملوكاً، و لو كان الجنين مملوكاً بعد ولوج الروح فتكون ديته قيمته.

(1) فإنّ ما ورد في معتبرة ظريف و غيرها أو ما ورد في الجنين كذا ظاهره مفاد قضيّة حقيقيّة و بيان حكم انحلالي من غير تأمّل، و التداخل مع تعدّد الجنين يحتاج إلى قيام دليل.

و بالجملة، تعدّد الجنين يوجب ترتّب الحكم على كلّ بلا فرق في ذلك بين المسلم و الذمي و المملوك.

(2) و ذلك فإنّ الكفارة المترتّبة موضعها القتل و لا يصدق القتل قبل ولوج الروح كما هو المفروض.

دية الجنين بعد ولوج الروح

(3) فإنّه بعد ولوج الروح يصدق عنوان القتل على ما تقدّم و يفترق بعد ولوجه الذكر عن الأُنثى بأنّ دية الذكر ضعف الأُنثى.

نعم، لا بد في ترتّب الدية كذلك من إحراز أنّه كان الجنين حيّاً في بطن أُمّه قبل

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 316

و لو لم تتمّ خلقته، ففي ديته قولان: أحدهما غُرَّة، ذَكَره في المبسوط (1)، و في موضع آخر من الخلاف، و في كتابي الأخبار، و الآخر و هو الأشهر، توزيع الدية على مراتب النقل، ففيه: عظماً ثمانون، و مضغة ستون، و علقة أربعون.

______________________________

الجناية حتّى يحرز عنوان قتل النفس و

تجب في الفرض- يعني مع إحراز القتل الكفّارة عمداً كان أو خطأً، و لكن إنّما تجب الدية في المقام كسائر المقامات بشرط أن تكون الجناية بالمباشرة لا بالتسبيب كما عليه المشهور، فإنّه في موارد التسبيب لا يكون إسناد القتل حقيقياً، و إنّما قام الدليل على الضمان فيها، و أمّا الموضوع لوجوب الكفّارة هو القاتل و لا يصدق هذا العنوان في غير موارد المباشرة.

ثمّ إنّه قد يقال إنّ في الجنين و لو كان بعد ولوج الروح لا يكون على مسقطه كفّارة، فإنّ الموضوع لها قتل المؤمن و الرجل و شي ء من العنوانين لا يصدق على الجنين و لا على الصبي غير المميّز.

نعم، الإجماع في قتل الصبي غير المميّز على لزوم الكفّارة تام بخلاف الجنين.

أقول: فيما رواه الصدوق باسناده عن طلحة بن زيد، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه في امرأة حبلى شربت دواءً فأسقطت، قال: تكفّر عنه «1». و يرفع اليد عن إطلاقها أو يحمل على الاستحباب، و رفع اليد عن إطلاقها مشكل فالمتعيّن الحمل على الاستحباب.

(1) قد تقدّم الكلام في ذلك فلا نعيده و لا ينبغي التأمّل بانقضاء العدّة بإسقاط الجنين و لو قبل ولوج الروح بل فيما إذا كان مضغة أو علقة.

و في صحيحة عبد الرحمن الحجّاج، عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن الحبلى إذا طلّقها زوجها فوضعت سقطاً تمّ أو لم يتمّ أو وضعته مضغة؟ فقال: «كلّ شي ء يستبين أنّه حمل تمّ أو لم يتمّ فقد انقضت عدّتها و إن كان مضغة» «2».

______________________________

(1) من لا يحضره الفقيه 3: 373، الحديث 4309.

(2) وسائل الشيعة 22: 197، الباب 11 من أبواب العدد، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 317

و يتعلّق

بكلّ واحدة من هذه أُمور ثلاثة: وجوب الدية، و انقضاء العدّة، و صيرورة الأمة أُمّ ولد. و لو قيل: ما الفائدة، و هي تخرج بموت الولد عن حكم المستولدة؟ قلنا: الفائدة هي التسلّط على إبطال التصرّفات السابقة، التي يمنع منها الاستيلاد.

أمّا النطفة: فلا يتعلّق بها إلّا الدية، و هي عشرون ديناراً بعد إلقائها في الرحم.

و قال في النهاية: تصير بذلك في حكم المستولدة (1)، و هو بعيد.

______________________________

و إذا ألقت المرأة النطفة فإن كان الإلقاء بعد وضعها في الرحم من غير أن يحصل فيها تغيير فلا ينبغي التأمّل في تعلّق الدية بها؛ لما يأتي في صحيحة محمّد بن مسلم و غيرها و لا ينقضي بإلقائها كذلك خروج العدّة، فإنّه لا يصدق عليه وضع حملها المستبين و لا إلقاؤه، و ما عن الشيخ في النهاية «1» بأنّها تصير بإلقاء النطفة في حكم المستولدة فإن أراد النطفة التي ذكرنا فلا يمكن المساعدة عليه.

دية النطفة

(1) قد تقدّم أنّ الالتزام بأنّ دية الجنين في أي مرتبة غرّة على ما تقدّم لا يمكن، بل ديته إذا تمّ الجنين و لم تلجه الروح مائة دينار و قبل أن يكسو العظم باللحم ثمانون، و قبل أن يصير العظم ستّون، و قبل أن تصير مضغة أي بصيرورته علقة أربعون، و قبلها عشرون كما استظهرنا ذلك من معتبرة ظريف و غيرها كصحيحة محمّد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يضرب المرأة فتطرح النطفة؟ فقال: عليه عشرون ديناراً، فقلت: يضربها فتطرح العلقة، فقال: عليه أربعون ديناراً، قلت: فيضربها فتطرح المضغة، فقال عليه ستّون ديناراً، فقلت: يضربها فتطرحه و قد صار له عظم، فقال:

عليه الدية كاملة «2». حيث قيّدنا ذلك بمعتبرة ظريف بما

إذا ولج فيه الروح، و قد ذكر

______________________________

(1) النهاية: 546.

(2) وسائل الشيعة 29: 314، الباب 19 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 4.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 318

..........

______________________________

الشيخ في النهاية و فيما بيّن كلّ مرتبة بحساب ذلك «1». و ظاهر هذا الكلام أنّه إذا تجاوز الحمل مرتبة و لم يبلغ مرتبة أُخرى بأن كان ما بين المرتبتين يحسب ديته بحساب ذلك.

و قد فسّر هذا الكلام الذي ذكر في النهاية ابن إدريس «2» بأنّ النطفة تمكث في الرحم عشرين يوماً ثمّ تصير علقة في عشرين يوماً أُخرى فابتداء تحوّلها إلى العلقة من اليوم الحادي و العشرين، و كذا ما بين العلقة و المضغة، و كذا بين العظم و الكمال فإذا مكثت اثنين و عشرين كان فيها اثنان و عشرون و إذا مكثت عشرة أيّام بعد عشرين كان فيها ثمانون و على هذا القياس فيكون لكلّ يوم دينار، و مقتضى ما ذكر أنّ الفصل بين المراتب في التنقّل عشرون يوماً، و أنّ تقسيط الدية بين المراتب يكون بإضافة دينار على يوم سابقة.

و لكنّ الماتن قدس سره أورد على السرائر بما ذكر أوّلًا من تعيين المراتب التي أُشير إليها في كلام الشيخ في النهاية: فيما بين كلّ مرتبة بحسب ذلك، إلى الخمس التي ذكره من عشرين يوماً للنطفة و عشرين يوماً للعلقة بمعنى أنّ النطفة بعد أربعين يوماً تصير ديتها أربعين ديناراً و أورد أيضاً بأنّه لا دليل على تقسيط الدية ما بين كلّ مرتبة يكون على ما ذكره من زيادة الدينار على عشرين ديناراً دية النطفة.

ثمّ على تقدير المعارضة بين الأخبار في تحديد المراتب يؤخذ بما في رواية سعيد بن المسيب، و صحيحة محمد بن

مسلم، و أبي جرير القمي لموافقتها للكتاب من أنّ المخلقة و غير المخلقة وصفان للمضغة التي حدّدت بأنّها تستقرّ في الرحم مائة و عشرين يوماً أي تمام مدّة الجنين قبل ولوج الروح.

______________________________

(1) النهاية: 778.

(2) السرائر 3: 416.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 319

..........

______________________________

و كيف كان، فما هو المنسوب إلى ابن ادريس من تحديد المراتب بعشرين يوماً و أنّ تفسيره: ما بين كلّ مرتبة بحساب ذلك، بأنّه يزيد الدية على العشرين كلّ يوم بدينار لا يمكن المساعدة عليه؛ فإنّ الوارد في بعض الروايات ما ظاهره أنّ المراتب في تنقّل الجنين العلقة و المضغة و كلّ منهما في أربعين يوماً كما أنّ النطفة مدّتها أربعون يوماً إلى أن يصير علقة.

و قد نقل في الكافي في باب بدء خلق الإنسان و تقلّبه في بطن أُمّه الباب الأوّل من كتاب العقيقة في الجزء السادس بعض النصوص كصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنّ اللّٰه إذا أراد أن يخلق النطفة، إلى أن قال: فتفتح الرحم بابها فتصل النطفة إلى الرحم فتردّد فيه أربعين يوماً ثمّ تصير علقة أربعين يوماً ثمّ تصير مضغة أربعين يوماً ثمّ تصير لحماً تجري فيه عروق مشتبكة. الحديث «1».

و صحيحته الأُخرى قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إذا وقعت النطفة في الرحم استقرّت فيها أربعين يوماً، و تكون علقة أربعين يوماً، و تكون مضغة أربعين يوماً، ثمّ يبعث اللّٰه ملكين خلاقين. الحديث «2».

و ما روى الحسن بن علي بن فضال، عن الحسن بن الجهم، عن الرضا عليه السلام يقول:

قال أبو جعفر عليه السلام: إنّ النطفة تكون في الرحم أربعين يوماً، ثمّ تصير علقة أربعين يوماً، ثمّ تصير مضغة أربعين يوماً، فإذا كمل

أربعة أشهر بعث اللّٰه ملكين خلاقين الحديث «3».

و هذه الروايات و بعض ما تقدّم و إن تخالفها صحيحة البزنطي عن الرضا عليه السلام قال: سألته أن يدعو اللّٰه عزّ و جلّ لامرأة من أهلنا بها حمل؟ فقال أبو جعفر عليه السلام:

______________________________

(1) الكافي 6: 13- 14، الحديث 4.

(2) الكافي 6: 16، الحديث 7.

(3) الكافي 6: 13، الحديث 3.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 320

..........

______________________________

الدعاء ما لم تمض أربعة أشهر، فقلت له: إنّما لها أقلّ من ذلك فدعا لها، ثمّ قال: إنّ النطفة تكون في الرحم ثلاثين يوماً، و تكون علقة ثلاثين يوماً، و تكون مضغة ثلاثين يوماً، و تكون مخلّقة و غير مخلقة ثلاثين يوماً، الحديث «1» فإنّ هذه الصحيحة مخالفة لجميع الروايات التي ورد فيها تحديد النطفة و العلقة و المضغة تطرح، بل مخالفة لظاهر الكتاب المجيد من كون المخلّقة و غير المخلّقة وصفان للمضغة فإنّ المضغة إذا تمّ فيه الجنين فمخلّقة و إذا لم يتمّ فهي غير مخلّقة.

كما هو ظاهر الكتاب العزيز «يٰا أَيُّهَا النّٰاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنّٰا خَلَقْنٰاكُمْ مِنْ تُرٰابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَ غَيْرِ مُخَلَّقَةٍ» الآية «2».

و الحاصل لو لم يصحّ لأحد الأخذ بما تقدّم من الروايات الدالّة على أنّ مراتب الجنين من النطفة و العلقة و المضغة لكلّ منها أربعون يوماً لاشتمالها لبعض ما يمنع من الوثوق بها، و كذا استفادتها من رواية أبي جرير القمي التي لا يبعد اعتبار سندها قال: سألت العبد الصالح عليه السلام عن النطفة ما فيها من الدية، و ما في العلقة، و ما في المضغة، و ما في المخلّقة، و ما يقرّ

في الأرحام؟ فقال: إنّه يخلق في بطن أُمّه خلقاً من بعد خلق يكون نطفة أربعين يوماً، ثمّ تكون علقة أربعين يوماً، ثمّ مضغة أربعين يوماً، ففي النطفة أربعون ديناراً. الحديث «3».

فاللازم في تنقّل الجنين في ما بين المراتب المتقدّمة من المصالحة على الدية؛ و ذلك فإنّ معتبرة ظريف «4» قد دلّت على أنّ دية الجنين قبل ولوج الروح مائة دينار

______________________________

(1) وسائل الشيعة 7: 142، الباب 64 من أبواب الدعاء، الحديث 4.

(2) سورة الحج: الآية 5.

(3) وسائل الشيعة 29: 317، الباب 19 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 9.

(4) وسائل الشيعة 29: 312، الباب 19 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 321

و قال بعض الأصحاب: و فيما بين كلّ مرتبة بحساب ذلك (1). و فسّره واحد:

بأنّ النطفة تمكث عشرين يوماً ثمّ تصير علقة، و كذا ما بين العلقة و المضغة، فيكون لكلّ يوم دينار، و نحن نطالبه بصحّة ما ادّعاه الأوّل، ثمّ نطالبه بالدلالة على أن تفسيره مراد. على أنّ المروي في المكث بين النطفة و العلقة أربعون يوماً. و كذا بين العلقة و المضغة. روى ذلك: سعد بن المسيب، عن علي بن الحسين عليهما السلام. و محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام. و أبو جرير القمي عن موسى عليه السلام. و أمّا العشرون فلم نقف بها على رواية و لو سلّمنا المكث الذي ذكره، من أين لنا أنّ التفاوت في الدية مقسوم على الأيام؟ غايته الاحتمال، و ليس كلّ محتمل واقعاً، مع أنّه يحتمل أن تكون الإشارة بذلك (2)، إلى ما رواه يونس الشيباني،-

______________________________

و عشرون ديناراً فيما كانت نطفة، و أربعون إذا كانت علقة و ستّون

إذا كانت مضغة و ثمانون إذا كانت المضغة عظماً، و مائة دينار إذا كانت كسا اللحم العظم، و أمّا الدية ما بين ما ذكر من المراتب و الحالات فيه فلم يرد ما يطمئن النفس، و أنّ ما ورد فيها في صحيحة سليمان بن خالد و رواية أبي شبل و رواية يونس «1» من زيادة دينارين بزيادة نقطة الدم في النطفة و بزيادة عرق اللحم في العلقة، و بزيادة أربع دنانير بزيادة عقدة العظم فيها إلى أن يتمّ الجنين و تصل إلى مائة دينار يجرى فيها ما أشرنا إليه من اقترانها ببعض ما يمنع عن الوثوق بها، و اللّٰه العالم.

(1) ذكر ذلك الشيخ قدس سره «2» و لم يفسّره، و لكن فسّره ابن إدريس في السرائر «3» بما ذكره في المتن و قد تقدّم الكلام في تفسيره و ما يرد عليه.

(2) يعني يحتمل أن يكون ما ذكره الشيخ بأنّ فيما بين كلّ مرتبة بحساب ذلك

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 314- 315، الباب 19 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 5 و 6.

(2) النهاية: 778.

(3) السرائر 3: 416.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 322

عن الصادق عليه السلام: «إنّ لكلّ قطرة تظهر في النطفة دينارين». و كذا كلّ ما صار في العلقة شبه العرق من اللحم يزاد دينارين. و هذه الأخبار و إن توقّفت فيها؛ لاضطراب النقل أو لضعف الناقل، فكذا أتوقّف عن التفسير الذي مرّ بخيال ذلك القائل.

و لو قتلت المرأة فمات معها جنين فدية للمرأة (1) و نصف الديتين للجنين، إن جهل حاله. و لو علم ذكراً فديته، أو أُنثى فديتها.

______________________________

إشارة إلى ما رواه يونس الشيباني و غيره.

دية ما لو قتلت امرأة فمات معها جنين

(1)

و ذلك ظاهر فإنّ القاتل عليه دية المرأة و كذلك دية الجنين و لو علم حال الجنين من الذكر أو الأُنثى فلا كلام، و أمّا إذا لم يعلم كما إذا مات الجنين في بطنها فديته نصف دية الأُنثى و نصف دية الذكر، و هذا وارد في معتبرة ظريف حيث ورد فيها: و إن قتلت امرأة و هي حبلى متمّ فلم يسقط ولدها و لم يعلم أذكر هو أو أُنثى و لم يعلم أبعدها مات أم قبلها فديته نصفان نصف دية الذكر و نصف دية الأُنثى ودية المرأة كاملة بعد ذلك «1».

و يؤيّدها رواية ابن مسكان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: دية الجنين خمسة أجزاء:

خمس للنطفة عشرون ديناراً، و للعلقة خمسان و أربعون ديناراً، و للمضغة ثلاثة أخماس ستّون ديناراً، و للعظم أربعة أخماس ثمانون ديناراً، و إذا تمّ الجنين كانت له مائة دينار- إلى أن قال:- و إن قتلت المرأة و هي حبلى فلم يدر أ ذكراً كان ولدها أم أُنثى فدية الولد نصف دية الذكر و نصف دية الأُنثى و ديتها كاملة «2».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 312، الباب 19 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 29: 229، الباب 21 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 323

و قيل: مع الجهالة يستخرج بالقرعة؛ لأنّه مشكل، و لا إشكال مع وجود ما يُصار إليه من النقل المشهور. و لو ألقت المرأة حملها مباشرة أو تسبيباً، فعليها دية ما ألقته (1). و لا نصيب لها من هذه الدية. و لو أفزعها مفزع فألقته، فالدية على المفزع.

______________________________

و ما يقال من أنّ المشهور يلتزمون بالقرعة مع عدم إحراز الولد

ذكراً أم أُنثى؛ لأنّ القرعة لكلّ أمر مشكل، لا يمكن المساعدة عليه؛ فإنّه لا إشكال في المشتبه إذا عيّن الشارع فيه حكماً كما في المقام.

و بتعبير آخر، مع تعيين الشارع الدية في المشتبه يرتفع الإشكال في مقداره فيكون ما دلّ على التعيين حاكماً على العموم و لا أقلّ من التخصيص.

دية إسقاط الجنين

(1) و ذلك لأنّه قد تقدّم ثبوت الدية في إسقاط الجنين سواء كان إسقاطه بالمباشرة أو بالتسبيب كأن يشرب دواءً و سقط الجنين بشربه، و قد ورد في صحيحة أبي عبيدة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في امرأة شربت دواءً و هي حامل لتطرح ولدها فألقت ولدها قال: إن كان له عظم قد نبت عليه اللحم و شقّ له السمع و البصر فإنّ عليها دية تسلّمها إلى أبيه، قال: و إن كان جنيناً علقة أو مضغة فإنّ عليها أربعين ديناراً أو غرّة تسلّمها إلى أبيه، قلت: فهي لا ترث من ولدها من ديته؟ قال: لا، لأنّها قتلته «1».

و يستفاد منها عدم إرث الجاني المسقط للحمل و أنّ دية الحمل حتّى الجنين الذي لم ينشأ خلقاً آخر الأقرب فالأقرب من الوارث. ثمّ إنّه لا فرق بين أن يكون إسقاط الحمل من المرأة مباشرةً أو تسبيباً أو من الغير حتّى أفزعها مفزع فألقت حملها من إفزاعه يكون الدية على المفزع؛ لاستناد تلف الجنين إليه، و هذا يوجب الضمان كما هو مقتضى الإطلاقات ما ورد في الإتلاف و القتل و لو تسبيباً.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 318، الباب 20 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 324

و يرث دية الجنين من يرث المال، الأقرب فالأقرب. ودية أعضائه و جراحاته، بنسبة ديته

(1). و من أفزع مجامعاً فعزل فعلى المفزع عشرة دنانير (2). و لو عزل المجامع اختياراً عن الحرّة و لم تأذن، قيل: يلزمه عشرة دنانير، و فيه تردد، أشبه أنّه لا يجب. أمّا العزل عن الأمة فجائز، و لا دية و إن كرهت.

______________________________

و في صحيحة داود بن فرقد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: جاءت امرأة فاستعدت على أعرابي قد أفزعها فألقت جنيناً، فقال الأعرابي: لم يهلّ و لم يصح و مثله يطلّ فقال النبي صلى الله عليه و آله اسكت سجاعة عليك غرّة وصيف عبد أو أمّة «1». فإنّ دلالتها على ضمان الجنين بالوصيف و إن يحمل على نوع من التقيّة على ما تقدّم إلّا أنّ دلالتها على ضمان المفزع مع تلف الجنين يؤخذ به بلا تأمّل، نعم لو كان الإسقاط مباشرة أو تسبيباً عمديّاً أو شبه عمد فالدية على المباشر و المسبّب، و إن كان خطأً محضاً فهي على العاقلة على ما تقدّم و يأتي.

دية أعضاء الجنين و جراحاته

(1) كما في دية أعضاء الحي و جراحته فما فيه نصف الدية كقطع اليد ففي قطع يد الجنين نصف ديته أي خمسين قبل ولوج الروح، و في قطع ذكره تمام الدية أي المائة و كذا في الجروح التي فيها دية معيّنة بالإضافة إلى الحيّ فيؤخذ بتلك النسبة في جراحة الجنين.

دية من أفزع مجامعاً فعزل

(2) ذكر قدس سره لو أفزع مفزع مجامعاً فعزل المجامع بأن لم يفرغ الماء في فرج امرأته يكون على المفزع عشرة دنانير خمس المائة و في كتاب ظريف: و أفتى في مني

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 319، الباب 20 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص:

325

..........

______________________________

الرجل يفزع عن عرسه فيعزل عنها الماء و لم يرد ذلك نصف خمس المائة عشرة دنانير، و إذا أفرغ فيها عشرين ديناراً «1». و المراد أنّه إذا أفرغ المجامع في فرج المرأة و أخرج المفزع بفزعه فعليه عشرون، هذا يمكن الالتزام به.

و أمّا ثبوت الدية للمرأة الحرّة بعزل زوجها لم يثبت حرمته فضلًا عن الدية لزوجها بدعوى أنّ ماء الرجل حقّ للزوجة كما ترى.

و المتحصل أنّه لو أُفزع شخصاً حال جماعه فعزل المني في الخارج يكون على المفزع عشرة دنانير إن لم يرد المجامع العزل، و إذا أفرغ في المرأة و خرج المني بفزعه يكون على المفزع عشرين.

و أمّا عزل الرجل عن امرأته الحرّة بدون إذنها اختياراً فقيل: على الرجل عشرة دنانير «2»؛ لأنّه لا فرق في تلف النطفة بين إفزاع الغير أو عزل الزوج باختياره و الدية دية النطفة في الفرضين، و قد عدّ الماتن قدس سره الدية على الزوج أشبه في كتاب النكاح، و في المقام ذكر فيه تردّد و عدم ثبوت الدية أشبه.

أقول: قد ذكر مسألة العزل في مقدّمات النكاح و قد ورد في جوازه روايات تدلّ بإطلاقاتها على الجواز للرجل و إن لم ترضَ و لم تأذن الزوجة، و مقتضى ذلك عدم ثبوت الدية فإنّ الثابت في عزل المجامع إذا كان بفعل الغير التزمنا بالدية، و لكن بما أنّ النطفة ليس حقّاً للزوجة على الزوج ففي صورة جواز العزل لا معنى لثبوت الدية فإنّ النطفة حقّ الزوج بالإفراغ أو العزل كما هو مقتضى الروايات، نعم العزل عن الحرّة مكروه مع عدم رضاها و الكراهة لا تنافي الجواز و لا تثبت الدية هذا كلّه في الحرّة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 312، الباب

19 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأوّل.

(2) كالمفيد في المقنعة: 763، و الشيخ في الخلاف 5: 293، المسألة 123، و القاضي في المهذب: 2: 510.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 326

و تعتبر قيمة الأمة المجهضة، عند الجناية لا وقت الإِلقاء.

[فروع]

فروع: لو ضرب النصرانية حاملًا فأسلمت و ألقته (1)، لزم الجاني دية الجنين المسلم؛ لأنّ الجناية وقعت مضمونة فالاعتبار بها حال الاستقرار.

و لو ضرب الحربية، فأسلمت و ألقته، لم يضمن؛ لأنّ الجناية لم تقع مضمونة، فلم يضمن سرايتها.

______________________________

و أمّا الأمة فالعزل عنها جائز بالنصّ و الفتوى.

و ممّا ذكرنا يظهر أنّ الدية إذا كان على المفزع تثبت للرجل لا المرأة.

فروع:

لو ضرب النصرانية حاملًا و ألقته

(1) لو ضربت المرأة النصرانيّة الذميّة و هي حبلى و أسلمت بعد ضربها ثمّ ألقت حملها فعلى الجاني دية جنين المسلم أي مائة دينار على ما تقدّم، فإنّ الجناية حيث وقعت كانت مضمونة فإن زادت بقاءً بالسراية أو غيرها تكون العبرة بزمان استقرارها، و هذا بخلاف ما إذا لم تكن المرأة ذميّة فإنّ غير الذميّة و غير المستأمنة حربيّة لا ضمان في الجناية عليها حين وقوعها و لا يفيد إسلامها بعد وقوع الجناية؛ و لذا قال الماتن: لم يضمن سرايتها.

و نوقش في ذلك بأنّه إذا لم تكن الجناية حين وقوعها مضمونة لعدم الاحترام على المجني عليه حين حدوثها، فإن كان له حرمة حين استقرارها يكون لها مقتضاها حيث إنّ المفروض أنّها أسقطت جنينها بعد إسلامها و لو كان إسقاطها جنينها قبل إسلامها لم يكن لها حرمة حين الإسقاط أيضاً، و نظير ذلك ما إذا جنى على حربي بالجراحة و أسلم بعدها ثمّ سرت إلى نفسها فمات فإنّه يكون على الجاني

ديته، نعم لا يثبت القصاص فإنّه لم يقصد الجاني في الفرض قتل المسلم فيكون قتله خطأً أو شبه خطأ.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 327

و لو كانت أمة فأُعتقت و ألقته، قال الشيخ: للمولى أقلّ الأمرين من عُشْر قيمتها وقت الجناية أو الدية؛ لأنّ عُشْر القيمة إن كان أقلّ فالزيادة بالحرية فلا يستحقّها المولى، فيكون لوارث الجنين و إن كانت دية الجنين أقلّ، كان له الدية؛ لأنّ حقّه نقص بالعتق. و ما ذكره بناءً على القول بالغُرة، أو على جواز أن يكون دية جنين الأمة أكثر من دية جنين الحرّة. و كلا التقديرين ممنوع، فإذن له عشر قيمة أُمِّه يوم الجناية على التقديرين. (1)

______________________________

و بالجملة، ما ذكره المشهور من أنّ الجناية إذا لم تكن مضمونة حين وقوعها لم تضمن سرايتها لا يمكن المساعدة عليها فيما إذا طرأت الحرمة على المجني عليه حال السراية و الاستقرار في الجناية.

لو كانت أمة فأُعتقت و ألقته

(1) أقول: قول الشيخ بأنّ لمولى النصرانيّة بعد عتقها يكون أقلّ الأمرين من عشر قيمة النصرانيّة حين ضربها أو من دية الجنين؛ لأنّ عشر القيمة إذا كان أقلّ فالزائد منها بحريّة الأُم فلا يستحقّ المولى تلك الزيادة و إن كان دية الجنين أقلّ يكون له الدية أيضاً؛ لأنّ زيادة القيمة حصل بالعتق الذي هو فعل المولى «1».

و أورد عليه الماتن بأنّ ما ذكر بناءً على أنّ الواجب في جنين الأمة الغرّة حيث يكون عشر قيمة الأُم تارة أقلّ من قيمة الغرّة و أُخرى يكون الغرّة أقل قيمة من عشر قيمة الأُم أو أن يلتزم بأنّ عشر قيمة الأُم الذي دية جنين الأمة يمكن أن يكون أزيد من دية جنين الحرّة، و حيث

إنّ كلا البناءين باطل يكون للمولى عشر قيمة الأُم حين الجناية على التقديرين.

أقول: ظاهر كلام الماتن أنّ إلقاء الحمل مفروض بعد عتق المولى أمته

______________________________

(1) المبسوط 7: 198.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 328

و لو ضرب حاملًا خطأً فألقت، و قال الولي كان حيّاً، فاعترف الجاني (1) ضمن العاقلة دية الجنين غير الحي، و ضمن المعترف ما زاد؛ لأنّ العاقلة لا تضمن إقراراً. و لو أنكر و أقام كلّ واحد بيّنة، قدَّمنا بيّنة الولي؛ لأنّها تتضمّن زيادة.

______________________________

المضروبة، و في هذا الفرض إذا كان الجنين ممّا لم تلجه الروح فلا يكون لمولاها شي ء أصلًا فإنّ المفروض كما تقدّم أنّ السقط حين الإلقاء بحكم الحرّ من الجنين بكون ديته مائة دينار تصل إلى وارثه، نعم إذا كان الجنين مات في بطن أُمّه بالضرب ثمّ أُسقط تكون ديته لمولاها حيث إنّ القتل وقع قبل حرّية الجنين، كما أنّ ما نقص من قيمة الأمة لو فرض يضمنه الجاني لمولاها إذا كان النقص في زمان قبل عتقها.

و قد يقال إنّ مقتضى رواية النوفلي عن السكوني أنّ دية الجنين في فرض كون أُمّه أمة عشر ثمن أُمّها كما التزم به الماتن بل المشهور و لا يخلو عن إشكال فإنّ الرواية رواها الشيخ بسنده إلى النوفلي «1»، و سنده إليه ضعيف و يحتمل الحكومة في دية الجنين المزبور.

لو ضرب حاملًا خطأً فألقت

(1) من الفروع في إسقاط الجنين ما ذكر في المتن من أنّه لو ضرب الجاني الحامل خطأً فألقت حملها، و قال وليّ المرأة أنّ الحمل كان حيّاً قبل السقوط أو عنده و اعترف الجاني بذلك ففي الفرض تكون على العاقلة دية الجنين؛ لأنّ اعتراف الجاني لا يكون نافذاً على

العاقلة؛ لأنّه من الإقرار على الغير و يكون ما زاد على دية الجنين على الجاني حيث اعترف بحياة الجنين.

و لكن لا يخفى أنّ ضمانه ما زاد لا يكون مقتضى اعترافه؛ لأنّ اعترافه على العاقلة لا على نفسه و المفروض أنّ اعترافه على العاقلة غير نافذ.

______________________________

(1) التهذيب 10: 288، الحديث 23.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 329

و لو ضربها فألقته، فمات عند سقوطه، فالضارب قاتل (1) يُقتل إن كان عمداً، و يضمن الدية في ماله إن كان شبيهاً، و يضمنها العاقلة إن كان خطأً.

______________________________

و في معتبرة السكوني التي رواها في التهذيب عن جعفر عن أبيه أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال: العاقلة لا تضمن عمداً و لا إقراراً و لا صلحاً «1».

و بالجملة، عدم نفوذ إقرار الجاني على العاقلة؛ لأنّه من الاعتراف على الغير مقتضاه ضمان ما زاد من المال عليه، و الوجه في ذلك هو أنّ مقتضى القاعدة الأوّليّة ضمان التلف على المتلف أي الجاني خرج منها موارد ضمان العاقلة، و لو أنكر الجاني في الفرض حياة الجنين و لكن قال الولي أنّه كان حيّاً فإن لم يكن للمولى بيّنة على حياته يحلف الجاني على عدم حياته، كما هو مقتضى الاستصحاب عند الحاكم فيسقط دعوى الولي الزيادة على دية الجنين قبل ولوج الروح و إن كان للولي بيّنة على حياته يحكم بثبوت دية كاملة على العاقلة، سواء كانت للجاني بيّنة لإنكاره أو لم تكن؛ لأنّ بيّنة الولي تثبت الزيادة التي يدّعيها الولي.

لو ضربها فألقته فمات عند سقوطه

(1) المشهور أنّه لا فرق في موارد القتل عمداً بين كون المقتول طفلًا حتّى جنيناً ولجته الروح و بين غيره في ثبوت القصاص لوليّ المقتول و لو

كان القتل من إسقاط الجنين بغير قصد بأن كان شبيه الخطأ فالدية على الجاني و في الخطأ على العاقلة.

و يستدلّ على ثبوت القود على القاتل بقصد القتل و لو بإسقاط الجنين بقصد قتله- بعد عموم النفس بالنفس و حرمة الدماء على حدٍّ سواء بين المسلمين كما في المنقول عن رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله في خطبته في مسجد الخيف «2»- بمرسلة الحسن بن

______________________________

(1) التهذيب 10: 170، الحديث 13.

(2) وسائل الشيعة 29: 75- 76، الباب 31 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 2.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 330

و كذا لو بقي ضامناً و مات (1)، أو وقع صحيحاً و كان مِمَّن لا يعيش مثله.

-

______________________________

علي بن فضال، عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «كلّ من قتل شيئاً صغيراً أو كبيراً بعد أن يتعمّد فعليه القود» «1».

و لكن لا يخفى ما في الاستدلال فإنّ العموم لا يؤخذ به بعد قيام الدليل على رفع اليد عنه في مورد و مرسلة ابن فضال؛ لإرسالها لا يمكن الاعتماد عليها، نعم رواها الصدوق في الفقيه عن عبد اللّه بن بكير، عن الصادق عليه السلام: «كلّ من قتل بشي ء صغير أو كبير بعد أن يتعمّد فعليه القود» «2» و مقتضى ظاهرها أنّ القاتل بعد أن يتعمّد و يقصد القتل فلا فرق في ترتّب القود على قتله لاختلاف آلة القتل.

نعم، لو لم يكن الشي ء ممّا يقتل غالباً و لم يكن القاتل قاصداً القتل و لكن ترتّب القتل عليه اتفاقاً يكون المترتّب عليه الدية كما مرّ في القصاص.

و بالجملة، مقتضى (الباء) الداخل على شي ء صغير أو كبير ما ذكرنا؛ و لذا يرفع اليد عن مقتضى

العموم بصحيحة أبي بصير المرادي الوارد فيمن قتل مجنوناً بأنّه لا يقاد له فإنّه لا يقاد منه «3» حيث إنّ مقتضى التعليل أنّ من لا يجري عليه القود و القصاص لا يجري له أيضاً، و من الظاهر أنّ الطفل الصغير لا يجري عليه القود و القصاص فلا يجري له أيضاً فقد رفع اليد عن تساوي الدمين في المجنون فيرفع اليد عنه في الصغير أيضاً.

(1) مراده يعني ربّما يكون قتل الجنين عمداً أو شبه عمد أو خطأً، كما فيما إذا بقي الجنين الساقط غير صحيح و مات أو وقع صحيحاً و لكن كان ممّا لا يعيش، كما إذا كان سقوطه صحيحاً قبل ستّة أشهر حيث إنّ الساقط قبله لا يعيش.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 76، الباب 31 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 4.

(2) من لا يحضره الفقيه 4: 112، الحديث 5221.

(3) وسائل الشيعة 29: 71، الباب 28 من أبواب القصاص في النفس، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 331

و تلزمه الكفارة في كلّ واحدة من هذه الحالات (1).

و لو ألقته حيّاً فقتله آخر، فإن كانت حياته مستقرّة، فالثاني قاتل (2) و لا ضمان على الأوّل و يُعزَّر و إن لم تكن مستقرّة، فالأوّل قاتل و الثاني آثم يُعزَّر لخطئه.

______________________________

(1) قد تقدّم سابقاً في الجاني إذا أوجبت جنايته سقوط الجنين فإن كان ذلك قبل ولوج الروح فيه فلا كفارة على الجاني؛ لأنّ الكفّارة تعلّق بعنوان القتل الذي لا يتحقّق قبل ولوج الروح، و هذا بخلاف إسقاط الجنين بعد ولوجه حيث يتحقّق عنوان القتل و يتعلّق على الجاني الكفارة.

و لكن لا يخفى أنّ المأخوذ في موضوع كفّارة القتل من الروايات و الآية لا يعمّ الجنين

و لو بعد ولوج الروح بحيث يكون في إتلافه عمداً أو خطأً كفّارة إلّا دعوى الإجماع و نفي الخلاف فيه.

قال اللّٰه سبحانه «و من قتل مؤمناً خطأً فتحرير رقبة مؤمنة» «1» و راجع الروايات المروية في الكفّارات و فيها عنوان الرجل و المؤمن و نحوهما إلّا أن يدّعى أنّ المؤمن يعمّ المؤمن الحكمي أيضاً؛ و لذا تكون الكفّارة في قتله بعد ولوج الروح دون قبله فإنّه ليس في إسقاطه إلّا الدية يعني مائة دينار بلا فرق بين جنين الذكر و الأُنثى.

لو ألقته حيّاً فقتله آخر

(2) يعني حال إلقاء الأُم كانت حياته مستقرّة بحيث يكون قابلًا للبقاء حيّاً ففي هذه الحالة إذا قتله شخص يكون هذا الشخص الثاني قاتلًا و لا ضمان على الأوّل.

نعم، يعزّر الأوّل لتعديه و إيذائه، و لو لم يكن بعد الإلقاء قابلًا للبقاء حيّاً يكون الأوّل قاتلًا و يكون الثاني آثماً أي عاصياً و يعزّر لخطئه، و لو جهل الحال و هو أنّه إذا جنى عليه الثاني بعد الإلقاء هل كان للجنين حياة مستقرّة أم لا؟ قال الشيخ: سقط

______________________________

(1) سورة النساء: الآية 92.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 332

و لو جُهلَ حاله حين ولادته، قال الشيخ: سقط القود للاحتمال (1)، و عليه الدية.

______________________________

القود للاحتمال «1» و عليه الدية يعني يسقط القود عن كلّ من الجانيين و لكن يكون على الثاني دية الجنين.

و استدلّ في الجواهر على كون الدية على الثاني باستصحاب بقاء حياة الجنين «2» لو لا فعله. و فيه ما لا يخفى فإنّ عدم القود في الفرض بالإضافة إلى الشخصين لما تقدّم من مقتضى قاعدة: من لا يقاد منه لا يقاد، له و مع الإغماض عنه لا يقاد

من كلّ من شخصين لعدم إحراز كونه قاتلًا، و كذا لا يثبت الدية على الثاني؛ لأنّ استصحاب الحياة بعد فعله لا يثبت كونه قاتله فإنّه من أظهر أنحاء الأصل المثبت.

نعم، يكون على الثاني دية الجنين؛ لأنّه لو كان قاتلًا واقعاً يكون عليه الدية بمقدار دية الجنين مع الزائد و إن لم يكن قاتلًا كما إذا قطع رأسه يكون ثبوت دية الجنين عليه متيقّناً.

و أمّا دعوى الرجوع إلى القرعة في تعيين القاتل منهما لأداء الدية فلا وجه له؛ لأنّ القرعة يرجع إليهما فيما كان الحكم الظاهري و الواقعي مشتبهاً و مع معلوميّة الحكم الظاهري لأصالة عدم كون كلّ منهما قاتلًا لا يكون على واحد منهما شي ء و الأصل نظيره ما يجري في شخصين وجدا منيّاً في ثوب مشترك أو في شخصين علم أنّ واحداً منهما مديون لزيد أو امرأة علم كونها امرأة أحد رجلين إلى غير ذلك.

لو جهل حاله حين ولادته

(1) يعني لو جهل حال الجنين حين سقوطه هل كان له حياة مستقرّة أم لا؟

______________________________

(1) المبسوط 7: 203.

(2) جواهر الكلام 43: 381.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 333

..........

______________________________

فلا يكون في البين قود على الثاني لعدم إحراز كونه قاتلًا و جريان الاستصحاب في بقاء حياته مستقرّة حال سقوطه لا يثبت أنّ الثاني قاتله أو أنّ الذي بعد ما ضرب الأمة أُمّ الجنين قتل الجنين، بل لا يكون في البين قود على كلّ تقدير حتّى ما لو علم أنّ الجاني الذي ضرب الأُم ذبح الجنين مع كون الجنين ذات حياة مستقرّة لما تقدّم من أنّ من لا يؤخذ منه القود كالمجنون لا يؤخذ لجانيه أيضاً القود كما تدلّ عليه ما في صحيحة أبي بصير: فلا قود

لمن لا يقاد منه «1». و حيث لا قود للصغير و لا يقاد منه إذا قتل الآخر فلا يقاد من قاتله أيضاً.

و على ذلك فهل يكون على من قتل الجنين الدية فيما إذا كان معلوماً و إذا كان قاتله مشتبهاً أو بين الاثنين يشتركان في الدية أو يقرع بينهما في صورة الاشتباه أو تكون ديته في بيت مال المسلمين إلّا في مقدار عشر الدية أي مائة دينار دية الجنين فهو على الثاني.

و الأظهر أنّه لا مجال للقرعة في المقام؛ لأنّ موردها ما إذا كان الحكم يعني الحقّ مشتبهاً من حيث الواقع و الظاهر، و في ما نحن ليس كذلك؛ لأنّ الجاري في كلّ من الشخصين عدم كونه قاتلًا لاحتمال عدم استقرار الحياة حين سقوط الجنين بضرب الأُمّ يعني الأمة.

نعم، إذا فرض أنّ الثاني قطع رأس الجنين يكون عليه مائة دينار؛ لأنّه لو كان قبل قطع رأسه كانت حياته مستقرّة يكون على الثاني ألف دينار دية الجنين الذي ولجته الروح فمائة دينار متيقّن في ضمن الدية و إن كانت غير مستقرّة بكون ما ذكر دية قطع الرأس.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 71، الباب 28 من أبواب القصاص في النفس، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 334

و لو وطئها ذمّي و مسلم لشبهةٍ في طهرٍ واحدٍ، فسقط بالجناية أُقرع بين الواطئين (1)، و أُلزم الجاني بنسبة دية من أُلحِقَ به.

و لو ضربها فألقت عضواً كاليد، فإن ماتت لزمه ديتها ودية الحمل. و لو ألقت أربع أيد فدية جنين واحد؛ لاحتمال أن يكون ذلك لواحد و لو ألقت العضو، ثمّ ألقت الجنين ميّتاً، دخلت دية العضو في ديته. و كذا لو ألقته حيّاً فمات.

و لو سقط

و حياته مستقرّة ضمن دية اليد حسب. و لو تأخّر سقوطه، فإن شهد أهل المعرفة أنّها يد حيّ فنصف ديته، و إلّا فنصف المائة.

[مسألتان]

اشارة

مسألتان:

[الأولى دية الجنين إن كان عمدا أو شبيه العمد ففي مال الجاني]

الأُولى: دية الجنين إن كان عمداً و شبيه العمد، ففي مال الجاني (2). و إن كان خطأً فعلى العاقلة، و تُستأدى في ثلاث سنين.

لو وطئها ذمّي و مسلم لشبهة في طهر واحد

______________________________

(1) إذا وطأ الأمة كلّ من مسلم و ذمّي لشبهة في طهر واحد اشتباهاً فسقط الجنين بالجناية يقرع بين الواطئين في إسلام الجنين و كفره، فإن خرج أحدهما أُلحق في ديته إلى أبيه المسلم أو الكافر، حيث إنّه قد ورد في تعيين أب الطفل إذا كان مشتبهاً بين الاثنين أو أكثر يخرج أبوه بالقرعة و يلزم الجاني على الأمة بالنسبة إلى دية الجنين بحسب القرعة.

دية الجنين في مال الجاني

(2) مقتضى إطلاق ما دلّ على أنّ الجاني ضامن لدية الجنين قبل ولوج الروح عدم الفرق بين كون الجناية عمداً أو شبه عمد أو خطأً، و في الجواهر «1»: أنّه لو لم يكن في البين إجماع لأمكن الالتزام بعدم ضمان العاقلة دية الجنين قبل ولوج الروح

______________________________

(1) جواهر الكلام: 43: 383.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 335

[الثانية في قطع رأس الميت المسلم الحر مائة دينار و في قطع جوارحه بحساب ديته]

الثانية: في قطع رأس الميت المسلم الحرّ مائة دينار (1). و في قطع جوارحه بحساب ديته. و كذا في شجاجه و جراحه. و لا يرث وارثه منها شيئاً، بل تُصرف في وجوه القُرب عنه، عملًا بالرواية. و قال علم الهدى رحمه الله: يكون لبيت المال.

______________________________

فيه حيث إنّ مقتضى إطلاق ما دلّ على ضمان الجاني قبل ولوج الروح في الجنين ثبوت الضمان على الجاني في صور الجناية عمداً أو شبه عمد أو خطأً.

في قطع رأس الميت الحرّ مائة دينار

(1) دية قطع رأس الميت المسلم مائة دينار و يستظهر ذلك من رواية الحسين بن خالد، عن أبي عبد اللّه

عليه السلام قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن رجل قطع رأس ميّت فقال:

إنّ اللّٰه حرّم منه ميّتاً كما حرّم منه حيّاً، فمن فعل بميت فعلًا يكون في مثله اجتياح نفس الحيّ فعليه الدية، فسألت عن ذلك أبا الحسن عليه السلام فقال: صدق أبو عبد اللّه عليه السلام هكذا قال رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله قلت: فمن قطع رأس ميّت أو شقّ بطنه أو فعل به ما يكون فيه اجتياح نفس الحيّ فعليه دية النفس كاملة؟ قال: لا، و لكن ديته دية الجنين في بطن أُمّه قبل أن تلج فيه الروح. الحديث «1» و التزم البعض بأنّ الحسين بن خالد في السند هو ابن الخفاف و لا يخلو عن تأمّل، فإنّ المعروف هو الخفّاف من الحسين بن أبي الخفّاف لا من الحسين المعروف الخفّاف و لا يبعد الالتزام بانتقال دية الميّت إلى ورثته فإنّ الذي ينتقل إلى ورثته حيث لحق هذه الدية بالميّت بعد موته فتنقل إلى ورثته بعد موته.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 325، الباب 24 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 336

[الثاني في الجناية على الحيوان]

اشارة

(الثانية): في الجناية على الحيوان و هي باعتبار المجني عليه تنقسم أقساماً ثلاثة:

[الأول ما يؤكل]

الأوّل (1): ما يؤكل كالغنم و البقر و الإبل، فمن أتلف شيئاً منها بالذكاة، لزمه التفاوت بين كونه حيّاً و ذكياً. و هل لمالكه دفعه و المطالبة بالقيمة؟ قيل: نعم، و هو اختيار الشيخين رحمهما الله، نظراً إلى إتلاف أهم منافعه، و قيل: لا، لأنه إتلافٌ لبعض منافعه فيضمن التالف و هو أشبه.

و لو أتلفه لا بالذكاة لزمه قيمته يوم إتلافه. و لو بقي فيه ما ينتفع به، كالصوف و الشعر و الوبر و الريش، فهو للمالك، يُوضع من قيمته. و لو قطع بعض أعضائه، أو كسر شيئاً من عظامه فللمالك الأرش.

[الثاني ما لا يؤكل لحمه و تصح ذكاته]

الثاني: ما لا يؤكل لحمه و يصحّ ذكاته كالنمر و الأسد و الفهد، فإن أتلفه بالذكاة ضمن الأرش؛ لأنّ له قيمة بعد التذكية. و كذا في قطع جوارحه و كسر عظامه، مع استقرار حياته. و إن أتلفه لا بالذكاة ضمن قيمته حيّاً.

في الجناية على الحيوان

الحيوان القابل للتذكية

______________________________

(1) الأوّل ما يؤكل كالغنم و البقر و الإبل و إذا تلف شيئاً منها بالذكاة لزمه التفاوت بين كونه حيّاً و ذكيّاً و هل يجوز لمالك الحيوان دفع الحيوان إلى مذكّيه و المطالبة بقيمته؟ قيل: نعم، و هو اختيار الشيخين رحمهما الله «1» نظراً إلى إتلاف أهم منافعه و قيل: لا، لأنّه إتلاف لبعض منافعه فيضمن التالف «2» و هو أشبه.

______________________________

(1) المفيد في المقنعة: 769، و الطوسي في النهاية: 780.

(2) ابن ادريس في السرائر 3: 420.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 337

[الثالث ما لا يقع عليه الذكاة]

الثالث: ما لا يقع عليه الذكاة ففي كلب الصيد أربعون درهماً (1). و من الناس من خصّه بالسلوقي، وقوفاً على صورة الرواية. و في رواية السكوني،

______________________________

أقول: إذا أخذ الحيوان أو أتلفه من غير رضاه يتخيّر المالك بين أخذ الحيوان و بين المذكى، و قد ذكر أنّه على تقدير أخذ التفاوت بين المذكى و الحيوان يكون ما يبقى بيد المالك مملوكاً له إلّا أن يتسالما على دفعها أيضاً للمذكّى.

أنّ في قطع يد الحيّ أو رجله أو نحو ذلك من أعضائه دية كذلك في قطع يد الميّت أو رجله أو نحوها من أعضائه، و لو أتلفه لا بالذكاة لزمه قيمة يوم إتلافه، و لو بقي فيه ما ينتفع به كالصوف و الشعر و الوبر و الريش فهو للمالك يوضع من قيمته، و لو قطع بعض أعضائه أو

كسر شيئاً من عظامه فللمالك الأرش.

و أمّا إذا كان ممّا لا يؤكل و لكن كان قابلًا للتذكية و لكن الجاني قتله بغير التذكية يضمن قيمته، و إذا أدّى قيمته ففي هذه الصورة يكون المنافع التي تبقى ملحوظة كالعظم و الصوف و نحوها يكون في اختيار قاتل الحيوان.

و ما يقال من أنّ التي يجوز الانتفاع به من أجزائه التي لا تحلّه الحياة و نحوها يكون مضموناً فإذا أدّى الضمان و خرج عنه بالقيمة- كما هو مقتضى كون التالف قيمياً- ينتقل ما يتخلف ممّا يمكن الانتفاع منه على ملك المالك إلّا إذا بنى على عدم الملكيّة في هذه الأُمور و فيه تأمّل.

نعم، إذا قطع بعض أعضاء الحيوان أو كسر بعضها أو جرحها فعليه الأرش، و هو التفاوت ما بين قيمتي الصحيح و المعيب.

نعم، إذا فقأ عين ذات القوائم الأربع فعلى الجاني ربع ثمنها.

الحيوان غير القابل للتذكية

(1) يعني الدية في كلب الصيد أربعون درهماً و كأنّ ذلك لا يختصّ بكلب

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 338

عن أبي عبد اللّه عليه السلام، في كلب الصيد أنّه يقوَّم. و كذا كلب الغنم، و كلب الحائط و الأوّل أشهر.

و في كلب الغنم كبش، و قيل: عشرون درهماً، و هي رواية ابن فضال، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، مع شهرتها لكن الأُولى أصحّ طريقاً.

و قيل: في كلب الحائط عشرون درهماً، و لا أعرف المستند.

و في كلب الزرع قفيز من البُر، و لا قيمة لما عدا ذلك من الكلاب و غيرها.

و لا يضمن قاتلها شيئاً. أمّا ما يملكه الذمّي كالخنزير، فهو يضمن بقيمته عند مستحلّيه. و في الجناية على أطرافه الأرش.

______________________________

الصيد السلوقي و إن ورد في

خبر الوليد بن صبيح، عن أبي عبد اللّه عليه السلام «1» و كذا في خبر أبي بصير «2» و لكن لم يرد القيد في معتبرة السكوني عنه عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام فيمن قتل كلب الصيد، قال: يقوّمه و كذلك البازي، و كذلك كلب الغنم، و كذلك كلب الحائط «3». و يعني بالحائط البستان و حيث إنّه لم يحرز أنّ الروايات تامّة من حيث السند و الدلالة فلا بأس بالالتزام بالقيمة في كلب الصيد أيضاً، سواء كانت القيمة أقلّ من الأربعين أو أزيد منه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 226، الباب 19 من أبواب ديات النفس، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 29: 226، الباب 19 من أبواب ديات النفس، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 29: 226، الباب 19 من أبواب ديات النفس، الحديث 3.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 339

[مسائل]

اشارة

مسائل:

[الأولى لو أتلف لذمي خمرا أو آلة لهو ضمنها المتلف]

الأُولى: لو أتلف الذمّي خمراً أو آلة لهو ضمنها المتلف، و لو كان مسلماً.

و يشترط في الضمان الاستتار. و لو أظهرهما الذمّي لم يضمن المتلف. و لو كان ذلك لمسلم لم يضمن الجاني على التقديرات.

[الثانية إذا جنت الماشية على الزرع ليلا ضمن صاحبها]

الثانية: إذا جنت الماشية على الزرع ليلًا ضمن صاحبها. و لو كان نهاراً لم يضمن، و مستند ذلك رواية السكوني، و فيه ضعف و الأقرب اشتراط التفريط في موضع الضمان ليلًا كان أو نهاراً.

[الثالثة روي عن أمير المؤمنين عليه السلام: أنّه قضى في بعير بين أربعة، عَقَلَهُ أحدهم]

الثالثة: روي عن أمير المؤمنين عليه السلام: أنّه قضى في بعير بين أربعة، عَقَلَهُ أحدهم فوقع في بئر فانكسر «أنّ على الشركاء حصّته» لأنّه حَفِظ، و ضيّع الباقون.

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، در يك جلد، دار الصديقة الشهيدة سلام الله عليها، قم - ايران، اول، 1428 ه ق

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات؛ ص: 339

[الرابعة دية الكلاب الثلاثة مقدرة على القاتل]

الرابعة: دية الكلاب الثلاثة مقدّرة على القاتل. أما لو غصب أحدها و تلف في يد الغاصب، ضمن قيمته السوقيّة و لو زادت عن المقدَّر.

[الثالث في كفارة القتل]

(الثالثة): في كفّارة القتل يجب كفّارة الجمع بقتل العمد (1)، و المرتَّبة بقتل الخطأ، مع المباشرة لا مع التسبيب. فلو طرح حجراً، أو حفر بئراً، أو نصب سكّيناً في غير ملكه فعثر عاثر فهلك بها ضمن الدية دون الكفّارة.

كفارة القتل

تجب كفارة الجمع بقتل العمد

______________________________

(1) قد تقدّم في مباحث قصاص النفس ملاك قتل العمد و أنّ تحقّقه يكون بضرب الآخر بآلة قاتلة بقصد القتل أو بغير آلة قاتلة نوعاً و لكن بقصد القتل كما إذا كان الضرب بها مكرّراً إلى أن يموت، أو كان الضرب بآلة قاتلة و لو لم يكن بقصد القتل.

ففي جميع الصور الثلاث بموت المضروب يكون الجاني قاتلًا و قتله عمديّاً و يجب عليه كفّارة الجمع أي عتق الرقبة المؤمنة وصوم ستّين يوماً و إطعام ستّين مسكيناً من غير خلاف.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 340

..........

______________________________

و يدلّ على ذلك روايات منها معتبرة إسماعيل بن جابر الجعفي قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: الرجل يقتل الرجل متعمّداً، قال: عليه ثلاث كفّارات يعتق رقبة، و يصوم شهرين متتابعين، و يطعم ستّين مسكيناً، قال: و أفتى علي بن الحسين عليهما السلام بمثل ذلك «1».

و منها صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال سئل عن المؤمن يقتل المؤمن متعمّداً هل له توبة؟ فقال: إن كان قتله لإيمانه فلا توبة له، و إن كان قتله لغضب أو لسبب من أمر الدنيا فإنّ توبته أن يقاد منه، و إن لم يكن علم به انطلق إلى أولياء المقتول فأقرّ

عندهم بقتل صاحبهم، فإن عفوا عنه فلم يقتلوه أعطاهم الدية و أعتق نسمة و صام شهرين متتابعين و أطعم ستّين مسكيناً توبة من اللّٰه «2». إلى غير ذلك.

و المستفاد من هذه الصحيحة أنّ القصاص إذا وقع فلا يتعلّق بالجاني الكفّارة فالقصاص مع الندم توبة، و إن لم يقع قصاص و كان عفواً يجب الكفّارة يعني كفّارة الجمع مع إعطاء الدية، هذا بالإضافة إلى القتل متعمّداً، و لا يبعد أن يكون المراد من المؤمن في الصحيحة في ناحية المجني و الجاني هو المسلم مقابل الكافر، فلا منافاة بين أن يكون المجني عليه مسلماً متديّناً صالحاً ورعاً إماماً و المسلم الجاني مسلماً بإسلام ظاهري و يكون قتل الجاني المجني عليه لدينه فلا يكون له توبة.

ثمّ لا فرق في الكفّارة في القتل عمداً بين أن يتعلّق به القود على القاتل أم لا، كما إذا قتل المولى عبده أو عبد غيره فإنّه لا يتعلّق على المولى القود و لكن يعزّر و يتعلّق به الكفّارة في قتل العمد، و كذا لا فرق في تعلّق الكفّارة فيما كان القاتل رجلًا

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 34، الباب 10 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 29: 30، الباب 9 من أبواب القصاص في النفس، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 341

..........

______________________________

و المقتول أيضاً رجلًا أو امرأة، و لكنّ المؤمن المأخوذ في الكتاب ظاهره كما ذكرنا هو المسلم، فلو قتل المسلم كافراً لا يكون على القاتل إلّا دية الذمي على تقدير كون المقتول من أهل الذمّة، و إلّا فلا دية أيضاً كما لا يكون كفّارة لعدم كون المقتول مسلماً.

و لا خلاف في أنّ الكفّارة كما تثبت في القتل

عمداً كذلك تثبت في القتل خطأً قال اللّٰه عزّ و جلّ: «وَ مٰا كٰانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلّٰا خَطَأً وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلىٰ أَهْلِهِ إِلّٰا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كٰانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَ إِنْ كٰانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ مِيثٰاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلىٰ أَهْلِهِ وَ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ شَهْرَيْنِ مُتَتٰابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللّٰهِ وَ كٰانَ اللّٰهُ عَلِيماً حَكِيماً وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزٰاؤُهُ جَهَنَّمُ خٰالِداً فِيهٰا وَ غَضِبَ اللّٰهُ عَلَيْهِ وَ لَعَنَهُ وَ أَعَدَّ لَهُ عَذٰاباً عَظِيماً» «1».

ثمّ لا يخفى أنّ القتل خطأً على قسمين:

قسم يصدق حقيقة أنّ الجاني قاتل كما إذا رأى من بعيد شبحاً أنّه يمشى فظنّ أنّه حيوان و رماه بسهم فقتله ثمّ ذهب إليه فوجد أنّه إنسان مسلم فهذا النحو يعمّه الآية في وجوب الكفّارة ففي الحقيقة القتل مباشرة خطأً.

و قسم آخر لا يصدق أنّه قاتل كما إذا ألقى الشخص حجراً على موضع من الأرض فعثر به ماش اتّفاقاً فسقط على الأرض فمات فإنّ مقتضى الروايات على أنّ ملقي الحجر يضمن الدية، و في الحقيقة أنّه ليس قاتل؛ لأنّه لم يباشر بالقتل و لم يكن قصده قتل أحد و اتّفق ذلك، و هذا النحو من التسبيب غير مشمول لتعلّق الكفّارة ثمّ إطعام ستّين مسكيناً و إن كان غير مذكور في الآية عند عدم التمكّن من الصيام، إلّا أنّه يستفاد من بعض الروايات يرفع بها اليد عن إطلاق الآية.

______________________________

(1) سورة النساء: الآية 92- 93.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 342

و تجب بقتل المسلم، ذكراً كان أو أُنثى، حرّاً

أو عبداً. و كذا تجب بقتل الصبي و المجنون، و على المولى بقتل عبده.

و لا تجب بقتل الكافر، ذمّياً كان أو معاهداً، استناداً إلى البراءة الأصليّة.

و لو قتل مسلماً في دار الحرب، مع العلم بإسلامه و لا ضرورة، فعليه القَوَد و الكفّارة. (1)

لو قتل مسلماً في دار الحرب

______________________________

(1) بعد ما ذكرنا من أنّ كفّارة قتل العمد فيما إذا عفا أولياء المقتول القصاص هي كفّارة الجمع و إعطاء الدية.

يقع الكلام في المسلم الذي يقتله المسلم في دار الحرب باعتقاد أنّه كافر حربي و فيما يقتله مع العلم بأنّه مسلم، و ظاهر الماتن قدس سره أنّه إذا قتله مع علمه بأنّه مسلم و لا ضرورة في قتله يتعلّق بالقاتل القود و الكفّارة، و لكن تقدّم أنّ تعلّق الكفّارة على تقدير القصاص معفو، و أمّا إذا كان في البين ضرورة، كما إذا تترّس الكفّار بالمسلم في الدفاع عن أنفسهم أو في قتل المسلمين فظاهر الماتن جواز قتله في مثل هذه الحالة و لا يتعلّق بالقاتل لا القود و لا الدية.

و يمكن أن يقال نفي تعلّق القود و الدية على القاتل في الفرض؛ لأنّ المسلم المفروض مع وجود الضرورة على قتله أعان على نفسه ببقائه في دار الحرب و كان مفرطاً في هدر دمه.

و دعوى أنّه في هذا الفرض لا كفّارة أيضاً على القاتل لا يمكن المساعدة عليها لإطلاق بعض الروايات بل الآية المباركة «فَإِنْ كٰانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ» «1» فإنّ المراد قتل المؤمن و هو في قوم بينكم و بينهم عداوة يكون

______________________________

(1) سورة النساء: الآية 92.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 343

و لو ظنّه كافراً، فلا دية، و

عليه الكفّارة (1). و لو كان أسيراً، قال الشيخ: ضمن الدية و الكفّارة؛ لأنّه لا قدرة للأسير على التخلّص، و فيه تردد.

و لو اشترك جماعة في قتل واحد، فعلى كلّ واحد كفّارة (2)،-

______________________________

عليكم في قتله كفّارة.

لو ظنّه كافراً فلا دية و عليه الكفّارة

(1) و لو اعتقد أنّ الذي في دار الحرب كافر فقتله ثمّ ظهر أنّه مسلم لا يكون على القاتل قود بلا خلاف؛ لعدم القصد و العمد في قتل المسلم، بل كما ذكرنا لو كان القصد في بقائه بدار الحرب بالعمد و الاختيار و الحرب قائمة فبقاؤه فيها إعانة على نفسه و إفراط على هدر دمه.

نعم، إذا لم يكن له تمكّن من الخروج كما إذا أُخذ أسيراً و ألزموه فالالتزام بالدية ممكن و أنّه يجب عليه في القتل كفّارة الخطأ.

لو اشترك جماعة في قتل واحد

(2) لأنّه مع الاشتراك بحيث صدر القتل عن الجماعة بأجمعهم يصدق على كلّ واحد أنّه قاتل فيتعلّق بكلّ منهم كفّارة القتل.

و يؤيد ذلك ما ورد من إصابة صيد من المحرمين كصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج، قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجلين أصابا صيداً و هما محرمان، الجزاء بينهما؟ أو على كلّ واحد منهما جزاء؟ قال: لا، بل عليهما أن يجزي كلّ واحد منهما الصيد «1».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 27: 154، الباب 12 من أبواب صفات القاضي، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 344

و إذا قبل من العامد الدية، وجبت الكفّارة قطعاً. و لو قتل قوداً، هل تجب في ماله؟ قال في المبسوط: لا تجب، و فيه إشكال ينشأ من كون الجناية سبباً. (1)

لو قتل قوداً هل تجب في ماله الكفارة؟

______________________________

(1) ذهب جمع من الأصحاب إلى أنّ

في مورد القتل العمد إذا لم يقتصّ من القاتل، سواء أخذ الدية أو عفا أولياء الدم عن الدية أيضاً يجب عليه كفّارة القتل عمداً، و أمّا إذا أخذ بالقصاص عنه بل لو قتل و لو بسبب آخر لا يجب عليه الكفّارة، و قال جمع آخر منهم الماتن قدس سره يؤخذ من مال القاتل الكفّارة.

و المستند للقائلين بأخذ الكفّارة من ماله أنّ الموجب لوجوب الكفّارة يعني كفّارة الجمع و هو صدور القتل منه عمداً قد تحقّق و لا موجب لسقوطه بمجرّد قتل القاتل بالقصاص أو غيره فيجري الاستصحاب في بقائه على عهدته، و لكن لا يخفى أنّه لا مجال للاستصحاب؛ لأنّ موضع الاستصحاب يرتفع بالقصاص؛ لأنّه حكم تكليفي لدلالة صحيحة عبد اللّه بن سنان على أنّ الكفّارة و إن كان وجوبها بصدور القتل إلّا أنّه معلّق على عدم أخذ القصاص منه، بل عدم موته لأنّ الكفّارة وجوبها من وجوب الفعل فإذا قتل قبل ذلك بالقصاص أو بغيره فلا يكون موضوع حتّى يجب عليه الفعل و قد ذكرنا صحيحة عبد اللّه بن سنان و موثقة ابن بكير جميعاً، عن أبي عبد اللّه عليه السلام حيث ذكر فيها الإمام عليه السلام: «فإن عفوا عنه فلم يقتلوه أعطاهم الدية و أعتق نسمة، و صام شهرين متتابعين، و أطعم ستّين مسكيناً توبة إلى اللّٰه عزّ و جلّ» «1».

فإنّه كما أنّ إعطاء الدية معلّق على عدم القصاص و إلّا فمع القصاص لا موضوع للدية كذلك وجوب الكفّارة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 30، الباب 9 من أبواب القصاص في النفس، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 345

[الرابع في العاقلة]

اشارة

(الرابعة): في العاقلة و النظر في تعيين المحلّ، و كيفيّة التقسيط، و بيان

اللواحق.

[أما المحل]

أمّا المحل (1): فهو: العصبة، و المعتق، و ضامن الجريرة، و الإِمام.

و ضابط العصبة (2): من يتقرّب بالأب، كالإخوة و أولادهم، و العمومة و أولادهم. و لا يشترط كونهم من أهل الإرث في الجاه. و قيل: هم الذين يرثون دية القاتل لو قتل.

في العاقلة

______________________________

(1) ذكر قدس سره في المحلّ للعاقلة أنّه العصبة، و المعتق يعني من له ولاء العتق، و ضامن الجريرة يعني من له ولاء ضمانها، ثمّ الإمام يعني من له ولاية الإمامة و يؤتى الدية من بيت المال و يأخذ له كما يأتي.

تفسير العصبة

(2) و فسّروا العصبة بالذين يؤخذ منهم دية الخطأ المحض ممّن يتقرّب إلى الجاني بالأب كالإخوة و أولاد الأُخوة و العمومة و أولاد العمومة و قال: لا يشترط في كونهم عصبة للجاني كونهم من أهل الإرث من الجاني، بل لا يكون من العصبة و أن يكون من الوارث.

و ما قيل من أنّه يعتبر في العصبة كونهم وارثين للجاني يأخذون ديته لو قتل لا يمكن المساعدة عليه، فإنّ اعتبار العصبة في قتل الخطأ أمر و كون شخص من أهل الإرث من الجاني أمر آخر، فإنّه لو قتل الجاني يرث ديته الزوجة و الذكور و الإناث، و لكن العقل يعني الدية لا تؤخذ إلّا من الذكور من العصبة دون من يتقرّب بالأُم للجاني أو بالأب من الإناث.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 346

و في هذا الإِطلاق وهمٌ، فإنّ الدية يرثها الذكور و الإناث، و الزوج و الزوجة، و من يتقرّب بالأُم على أحد القولين. و يختصّ بها الأقرب فالأقرب، كما تُورَّث الأموال. و ليس كذا العقل فإنّه يختصّ بالذكور من العصبة دون من يتقرّب بالأُم، و دون الزوج و

الزوجة، و من الأصحاب من خصّ به الأقرب ممّن يرث بالتسمية.

و مع عدمه، يشترك في العقل بين من يتقرّب بالأُم، مع من يتقرّب بالأب أثلاثاً. و هو استناد إلى رواية سلمة بن كهيل، عن أمير المؤمنين (عليه الصلاة و السلام) و في سلمة ضعف.

______________________________

و قد يقال إنّه تؤخذ الدية من الأقرب فالأقرب بالتسمية و مع عدمه يشترك من يتقرّب بالأب مع من يتقرّب بالأُم أثلاثاً فيؤخذ من المتقرّب بالأب ثلثان و بالأُم ثلث.

و يستدلّ على ذلك برواية سلمة بن كهيل، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: أُتي أمير المؤمنين عليه السلام برجل قد قتل رجلًا خطأً فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: من عشيرتك و قرابتك؟ فقال: ما لي بهذا البلد عشيرة و لا قرابة، فقال: فمن أيّ البلدان أنت؟ قال: أنا رجل من أهل الموصل ولدت بها ولي بها قرابة و أهل بيت، قال: فسأل عنه أمير المؤمنين عليه السلام فلم يجد له بالكوفة قرابة و لا عشيرة، قال: فكتب إلى عامله على الموصل: «أمّا بعد فإنّ فلان بن فلان و حليته كذا و كذا قتل رجلًا من المسلمين خطأً، فذكر أنّه رجل من أهل الموصل، و أنّ له بها قرابة و أهل بيت و قد بعثت به اليك مع رسولي فلان و حليته كذا و كذا، فإذا ورد عليك إن شاء اللّٰه و قرأت كتابي فافحص عن أمره وسل عن قرابته من المسلمين، فإن كان من أهل الموصل ممّن ولد بها و أصبت له قرابة من المسلمين فاجمعهم إليك، ثمّ انظر فإن كان رجل منهم يرثه له سهم في الكتاب لا يحجبه عن ميراثه أحد من قرابته فألزمه الدية و خذه بها نجوماً

في ثلاث سنين فإن لم يكن له من قرابته أحد له سهم في الكتاب و كانوا قرابته سواء في النسب، و كان له قرابة من قبل أبيه و أُمّه سواء في النسب ففضَّ الدية على قرابته من قبل أبيه و على قرابته من قبل أُمّه من الرجال المدركين المسلمين ثمّ اجعل على

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 347

..........

______________________________

قرابته من قبل أبيه ثلثي الدية، و اجعل على قرابته من قبل أُمّه ثلث الدية، و إن لم يكن له قرابة من قبل أبيه ففضّ الدية على قرابته من قبل أُمّه من الرجال المدركين المسلمين، ثمّ خذهم بها و استأدهم الدية في ثلاث سنين، و إن لم يكن له قرابة من قبل أبيه و لا قرابة من قبل أُمّه، ففضّ الدية على أهل الموصل ممّن ولد و نشأ بها و لا تدخلنّ فيهم غيرهم من أهل البلد، ثمّ استأد ذلك منهم في ثلاث سنين في كلّ سنة نجماً حتّى تستوفيه إن شاء اللّٰه، فإن لم يكن لفلان بن فلان قرابة من أهل الموصل و لم يكن من أهلها و كان مبطلًا في دعواه فردّه إليّ مع رسولي فلان بن فلان إن شاء اللّٰه فأنا وليّه و المؤدّي عنه، و لا أُبطل دم امرئ مسلم» «1».

و بالجملة، ما ذكر الماتن قدس سره من أنّ من الأصحاب من خصّ بالمحلّ الأقرب إلى الجاني ممّن يرثه بالتسمية و مع عدم الأقرب كذلك يشترك في العقل بين من يتقرّب بالأُمّ و مع من يتقرّب بالأب أثلاثاً استناد إلى رواية سلمة بن كهيل، غير تام:

أوّلًا: بأنّ الرواية ضعيفة من حيث السند؛ لأنّ في بعض النسخ يروي الحسن بن محبوب، عن

مالك بن عطيّة، عن أبيه عن سلمة بن كهيل و حال مالك بن عطية و إن كان ظاهراً فإنّه ثقة إلّا أنّ حال أبيه غير ظاهر، كما أنّ حال سلمة بن كهيل غير ظاهر.

و ثانياً: أنّ مدلولها و إن كان أنّ الدية تؤخذ مع عدم الأقرب الذي ممّن يرث بالتسمية ممّن يتقرّب بالأُم مع التقرّب بالأب من الرجال دون النساء، و لكن ليس في الرواية أثلاثاً.

و لكن قد يقال إنّ الدية تؤخذ أثلاثاً قد سقط في نسخة الوسائل عن الحديث، و لكنّها مروية في الكافي موجود في تلك النسخة حيث روى في الكافي بإسناده في الرواية السابقة عن ابن محبوب، عن مالك بن عطيّة، عن أبيه، عن سلمة بن كهيل

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 392، الباب 2 من أبواب العاقلة، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 348

..........

______________________________

قال: أُتي أمير المؤمنين عليه السلام برجل قد قتل رجلًا خطأً إلى أنّ قال عليه السلام فافحص عن أمره وسل من قرابته من المسلمين فإن كان من أهل الموصل ممّن ولد بها و أصبت له بها قرابة من المسلمين فاجمعهم إليك ثمّ انظر فإن كان منهم رجل يرثه له سهم في الكتاب لا يحجبه عن ميراثه أحد من قرابته فألزمه الدية و خذه بها نجوماً في ثلاث سنين، فإن لم يكن من قرابته أحد له سهم في الكتاب و كان قرابته سواء في النسب و كان له قرابة من قبل أبيه و أُمّه في النسب سواء ففضّ الدية على قرابته من قبل أبيه و على قرابته من قبل أُمّه من الرجال المدركين المسلمين ثمّ اجعل على قرابته من قبل أبيه ثلثي الدية، و اجعل على قرابته

من قبل أُمّه ثلث الدية، و إن لم يكن له قرابة من قبل أبيه ففضّ الدية على قرابته من قبل أُمّه من الرجال المدركين المسلمين ثمّ خذهم بها و استأدهم الدية في ثلث سنين «1». الحديث و لكن ما رواه في الوسائل عن أبيه بعد مالك بن عطيّة نسخة، و كان دأب الوسائل في صورة اختلاف الرواية بحسب الرواية عن الكتب كان يتعرّض له بقوله: و لكن فيما رواه الكافي كذا روى الرواية عن الكافي، و قال في ذيل الرواية و رواه الشيخ بإسناده عن ابن محبوب و كذا الصدوق «2».

و إذا كانت الأقرباء الأبي و الأُمّي مشتركين بكون ثلثي الدية على أقربائه الأبي و الثلث على الرجال من أقربائه الأُمّي وارداً في رواية الشيخ في التهذيب في المجلّد العاشر صفحة 171، الحديث 675- 15، و كذا في رواية الفقيه أيضاً المروية في المجلّد الرابع من الفقيه صفحة 105، باب العاقلة الحديث الأوّل، يتعيّن أنّ الوارد في الرواية اعتبار التقسيط بالثلثين و الثلث و أنّ الاشتباه و السقوط فمن نسخة الوسائل.

______________________________

(1) الكافي 7: 364، الحديث 2.

(2) التهذيب 10: 171، الحديث 15. من لا يحضره الفقيه 4: 139، الحديث 5308.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 349

..........

______________________________

و لكن الرّواية من أصل سنده ضعف فإنّ في سندها في الفقيه و التهذيب مالك بن عطيّة، عن أبيه، عن سلمة بن كهيل، و عطيّة و سلمة بن كهيل ضعيفان، و على ما ذكر لا يثبت بهذه الرواية العاقلة و كيفيّة استيفاء دية الخطأ منها و المقدار الثابت منها الرجال الأقرباء من ناحية الأُخوة الأبي و أولادهم و أعمام الأبي و أولادهم و ما يأتي من آباء الجاني و

أولاده، بل فيها أنّ مع عدم المتقرّب في البلد إلى الجاني يكون العقل على أهل البلد و هذا أيضاً لا يعهد العمل بها.

و المحكي عن بعض الأصحاب أنّ العاقلة التي تتحمّل دية الخطأ المحض هم الورثة على ترتيب الأقرب فالأقرب في الإرث.

و يستدلّ على ذلك بموثقة أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل قتل رجلًا متعمّداً ثمّ هرب القاتل فلم يقدر عليه؟ قال: إن كان له مال أُخذت الدية من ماله، و إلّا فمن الأقرب فالأقرب، فإن لم يكن قرابة أدّاه الإمام فإنّه لا يبطل دم امرئ مسلم «1». و صحيحة أحمد بن محمد عن ابن أبي نصر، عن أبي جعفر عليه السلام في رجل قتل رجلًا عمداً ثمّ فرّ فلم يقدر عليه حتّى مات، قال: إن كان له مال أُخذ منه، و إلّا أُخذ من الأقرب فالأقرب «2».

و لكن لا يخفى أنّ الروايتين لا يرتبطان بالعاقلة فإنّ تحمّل العاقلة الدية في الخطأ المحض و موردهما القتل عمداً مورد القصاص و الالتزام بمضمونهما في موردهما لا بأس به.

نعم، قد يقال بالاستدلال بمرسلة يونس بن عبد الرحمن، عمّن رواه، عن أحدهما عليهما السلام أنّه قال: في الرجل إذا قتل رجلًا خطأً فمات قبل أن يخرج إلى أولياء

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 395، الباب 4 من أبواب العاقلة، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 29: 395، الباب 4 من أبواب العاقلة، الحديث 3.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 350

و هل يدخل الآباء و الأولاد في العقل؟ قال في المبسوط و في الخلاف: لا، و الأقرب دخولهما (1)، لأنّهما أدنى قومه.

______________________________

المقتول من الدية أنّ الدية على ورثته، فإن لم يكن له عاقلة فعلى الوالي

من بيت المال «1».

و في الاستدلال بها أيضاً مناقشة:

أوّلًا: بأنّها مرسلة فإنّ الشيخ «2» رواها بإسناده عن يونس بن عبد الرحمن، عمّن رواه عن أحدهما عليهما السلام.

و ثانياً: أنّ المراد بالخطإ ليس الخطاء المحض بل شبه العمد حيث تكون الدية على القاتل بقرينة قوله في السؤال: «و مات قبل أن يخرج إلى أولياء المقتول من الدية» فتدلّ على أنّ الدية في فرض موت القاتل على ورثته يعني عاقلته و إلّا على بيت المال، و على ما ذكر لا يمكن العمل بها فإنّ القاتل إذا لم تكن له تركة لا يكون شي ء على ورثته، فإنّ الدية في القتل المفروض دين على القاتل تؤدّى من تركته فمع عدم التركة فإن اقتضت المصلحة تؤدّي من بيت المال.

هل يدخل الآباء و الأولاد في العقل؟

(1) تعرّض الماتن قدس سره لدخول آباء الجاني و أولاده في عاقلته في استيفاء دية الخطأ المحض، و حكى عن الشيخ في المبسوط و الخلاف «3» عدم دخولهم، و بما أنّ الآباء و الأولاد أدنى الأقرباء للجاني و فسّروا العصبة بأدنى القوم فلا يمكن المساعدة لما قال الشيخ قدس سره و تبعه بعض الأصحاب، و لعلّ العمدة في منعهم ما ورد في صحيحة محمد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام على امرأة اعتقت رجلًا و اشترطت ولاءه و لها ابن فألحق ولاءه بعصبتها الذين يعقلون عنه دون

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 397، الباب 6 من أبواب العاقلة، الحديث الأوّل.

(2) التهذيب 10: 172، الحديث 16.

(3) المبسوط 7: 173، الخلاف 5: 277، المسألة 98.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 351

و لا يشركهم القاتل في الضمان (1). و لا تعقل

المرأة (2)، و لا الصبي، و لا المجنون، و إن ورثوا من الدية.

______________________________

ولدها «1». فكانت الصحيحة تدلّ على عدم دخول الولد في العصبة يعني عاقلة المرأة الذين يعقلون عن الرجل المشروط ولاؤه. إذا ماتت المرأة التي أعتقت الرجل.

و بالجملة، الولد خارج عن عصبة الأُم إذا ماتت لا يرث ولدها ولاء الرجل المعتق، بل يكون ولاء الرجل المعتق لغير ولدها من عصبتها.

و لكن لا يمكن الاستدلال بالصحيحة على عدم دخول الولد فضلًا عن الأب عن عصبة الرجل أو المرأة و ذلك فإنّ غاية مدلول الصحيحة أنّ الولد لا يدخل في عصبة المرأة المعتقة إذا ماتت حيث ورد فيها قضى عليّ عليه السلام بأنّ ولاء الرجل الذي كان للمرأة. التي ماتت لعصبتها التي يعقلون عن الرجل المشروط ولاء الرجل «2».

و لو كان الولد داخلًا في عصبة المرأة كان ولاؤه لولدها فإنّه أدنى القوم للمرأة.

و الحاصل أنّه لا تدلّ الصحيحة إلّا على أنّ ولاء المشروط للأُم بعد موت الأُم لا تصل من عصبة الأُم إلى ولدها و كأنّ الولد في هذه الصورة لا تصل إليه ولاء المشروط للأُم، و لا بأس بالالتزام بذلك لدلالة الصحيحة التي لا تعمّ لعدم دخول الولد في العصبة حتّى في ولاء المشروط لأبيه المعتق بالكسر فضلًا من عدم دخول الأب أيضاً في العصبة.

(1) بغير خلاف يعرف من أصحابنا قديماً و حديثاً حيث إنّ العاقلة تضمن جنايته حيث كانت جنايته من الخطأ المحض.

لا تعقل المرأة و لا الصبي و لا المجنون

(2) أمّا خروج المرأة عن العاقلة فإنّ العاقلة كما تقدّم حتّى بناءً على دخول

______________________________

(1) وسائل الشيعة 23: 70، الباب 39 من أبواب كتاب العتق، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 23: 70، الباب 39 من

أبواب كتاب العتق الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 352

و لا يتحمّل الفقير شيئاً (1). و يعتبر فقره عند المطالبة، و هو حول الحول.

______________________________

الأقارب الأُمّي في العاقلة و اشتراكهم إنّما يكون الذكور منهم، و أمّا المرأة فلا تكون من العصبة أصلًا، و قد عرفت أنّ الذكور من قرابة الأُم وارد في رواية سلمة بن كهيل «1» و لا يمكن الاعتماد عليها لضعف سندها و غيره.

و أمّا الصبي و المجنون فإنّهما مرفوع عنهما قلم التكليف و الوضع الملازم له، و لا ينافي عدم تحمّلهما الدية كونهما من العصبة و كونهما من الوارثين إذا قتل الجاني من ديته لما ذكرنا أنّ كلّا منهما مرفوع عنهما القلم.

لا يتحمّل الفقير شيئاً من الدية

(1) كما هو ظاهر جماعة من الأصحاب، بل في الجواهر دعوى عدم الخلاف فيه «2». و لكن إذا كان بحيث يتمكّن من الأداء و لو بالإمهال لا يبعد تحمّله أيضاً فإنّه لا يكون عصبة الجاني جميعهم من الأغنياء غالباً، كما لا يكون الغني شرطاً مقوّماً لعنوان العصبة كما لا يخفى و دعوى الإجماع في المسألة غير ظاهرة.

و يمكن دعوى أنّ تحمّل الدية ليس حكماً وضعيّاً بأن تكون على ذمّتهم بالجناية ديناً بل هو مجرّد تكليف عند حولان الحول فمن كان فقيراً عنده لم يكن عليه تكليف ففي النتيجة يعتبر في وجوبها على أفراد العصبة غناهم، و لكنّ الأحوط إعطاء الفقير أيضاً عند حولان الحول إذا أمكنه أداءها و لو بالتأخير.

و بالجملة، و لو لم يكن للعاقلة الجاني ضمان في قتله خطأً، و لكن يوجد التكليف بإخراج دية الجاني عند حولان الحول، و لكن إن أُحرز الإجماع التعبّدي لما ذكره الماتن من عدم تحمّل الفقير

شيئاً من الدية إذا كان فقيراً عند حولان الحول يلتزم به، و إن لم يتم فيما أنّ الفقير أيضاً من عصبة الجاني و أمكن له الاشتراك مع سائر

______________________________

(1) تقدمت تحت عنوان تفسير العصبة.

(2) جواهر الكلام 43: 421.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 353

و لا يدخل في العقل (1) أهل الديوان. و لا أهل البلد، إذ لم يكونوا عصبة و في رواية سلمة، ما يدلّ على إلزام أهل بلد القاتل، مع فقد القرابة، و لو قتل في غيره، و هو مطرح.

و يقدّم من يتقرّب بالأبوين (2)، على من انفرد بالأب.

______________________________

أفراد العصبة و لو بالإمهال فلا موجب للقول بأنّه لا شي ء عليه.

لا يدخل في العقل أهل الديوان و لا أهل البلد

(1) يعني لا يؤخذ دية المجني عليه في قتل الجاني خطأً بل في جنايته بالجرح خطأً من أهل الديوان، و أهل الديوان على ما ذكره الذين مهّدوهم للجهاد و أدّوا لهم أرزاقهم و سجلت أسماؤهم، و هذا عندنا لا اعتبار به و لا يؤخذ من أهل ما يسمّون الديوان شي ء من الدية إلّا إذا كان من يؤخذ منه من عصبة الجاني، و معلوم أنّ ما يسمّونه بالديوان لم يكن في زمان النبي صلى الله عليه و آله و يقال اخترعه الثاني و لا اعتبار لمن يدخل في ذلك و لم يكن من عصبة الجاني كما هو الحال في أهل البلد الذي يكون بلد الجاني فإن أهل ذلك البلد إذا لم يكن فيهم من عصبة الجاني فلا يؤخذ منهم شي ء، و ما ورد في رواية سلمة بن كهيل «1» متروك لضعف الرواية من جهات على ما تقدّم مع صدور الجناية خطأً عن الجاني في غير

ذلك البلد.

تقديم من يتقرب بالأبوين

(2) يعني يؤخذ دية الجاني خطأ ممّن يتقرّب إلى الجاني بالأبوين كافية من جهة أبويه و لا يؤخذ من أخيه المتقرّب إليه من جهة أبيه خاصّة و قد ادّعى عدم الخلاف في ذلك.

و لكن لا يخفى أنّه لا فرق بين الأخوين في كونهما من عصبة الجاني، و المقام

______________________________

(1) المتقدمة تحت عنوان تفسير العصبة.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 354

و يعقل المولى من أعلى، و لا يعقل (1) من أسفل.

______________________________

غير مربوط بإرث الآخرين من الجاني حتّى يكون الأخ المتقرّب إلى الجاني بأبويه وارثاً دون المتقرّب بأبيه فقط، بل المقام يذكر حكم من يؤخذ منه دية الخطأ الذي ارتكبه الجاني، و إذا فرض أنّ الدية على عصبة الجاني فلا فرق في العصبة بين الأخوين في كونهما من عصبة الجاني. و دعوى أنّه ورد في صحيحة البزنطي ما يدلّ على أنّه يلاحظ في العصبة أيضاً الأقرب فالأقرب، و كذا في موثقة أبي بصير «1»، فإنّه روى البزنطي، عن أبي جعفر الثاني عليه السلام في رجل قتل رجلًا عمداً ثمّ فرّ فلم يقدر عليه حتّى مات، قال: «إن كان له مال أُخذ منه و إلّا أُخذ من الأقرب فالأقرب «2». و مثلها رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام «3». لا يمكن المساعدة عليها فإنّ الروايتين واردتان في القتل عمداً، و يمكن اختلاف الحكم فيه مع الحكم في القتل خطأً فلا يمكن رفع الحكم في الثاني باختلاف الحكم في الأوّل.

يعقل المولى من أعلى

(1) كما ذكر تفصيل ذلك في كتاب الإرث و المراد بالمولى من الأعلى المولى المعتق بالكسر، فإنّ العبد إذا لم يكن عتقه سائبة و لا ممّن ينعتق على

مولاه قهراً بتنكيل مولاه أو لم يتبرّأ مولاه من جريرته يكون ولاؤه لمولاه المعتق، و مع عدم المال له يكون ولاؤه لمولى مولى المعتق، و هكذا على ما تقدّم في كتاب الإرث و يقال لمولى المعتق بالكسر المولى المنعم، و يقال للعبد المعتق بالفتح المولى الأسفل، فإنّ المولى من الأعلى يعقل دون المولى من الأسفل.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 395، الباب 4 من أبواب العاقلة، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 29: 395، الباب 4 من أبواب العاقلة، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 29: 395، الباب 4 من أبواب العاقلة، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 355

و تحمل العاقلة دية الموضحة فما زاد قطعاً. و هل تحمل ما نقص؟ قال في الخلاف: نعم، و منع في غيره، و هو المروي (1)، غير أنّ في الرواية ضعفاً.

و تضمن العاقلة دية الخطأ في ثلاث سنين (2)، كلّ سنة عند انسلاخها ثلثاً، تامّة كانت الدية أو ناقصة، كدية المرأة ودية الذمّي.

______________________________

(1) يعني عدم تحمّل العاقلة الدية ما قبل الموضحة مروي، و هي رواية أبي مريم الأنصاري و هي موثقة، بل صحيحة على الأصح، فإنّه رواها الكليني عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن فضال يعني الحسن بن فضال، عن يونس بن يعقوب، عن أبي مريم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام أنّه لا يحمل على العاقلة إلّا الموضحة فصاعداً، و قال: ما دون السمحاق أجر الطبيب سوى الدية «1». و قد تكلّمنا في بحث الصلاة عن حال إبراهيم بن هاشم، و ابن فضال قد رجع عن الفطحية على الأصح، و غاية الأمر تكون الرواية موثّقة، و لعلّ مراد الماتن من ضعفها ضعف المدلول،

فإنّ ما ورد فيها من ضمان أجر الطبيب زائداً على دية الشجّة و الجرح لم يظهر العمل به، بل هو على خلاف مقتضى الدية، و لكن بشمول الرواية لحكم لم يعمل به الأصحاب و كونها خلاف مقتضى الحكم الآخر الوارد فيها لا يترك أصل الرواية، فإنّ مقتضى الاستناد فيها عدم تحمّل ما دون الموضحة على العاقلة بل على نفس الجاني كما هو مقتضى قوله سبحانه: «و لا تزر وازرة وزر أُخرى» «2».

تستأدى دية الخطأ في ثلاث سنين

(2) و الأظهر عدم الفرق في دية النفس بين نفس الرجل و المرأة بين الصغير و الكبير، بل بين دية المسلم أو الكافر الذمّي بل بين دية النفس ودية الأطراف بل بين الدية و الأرش، فإنّ الأداء في ثلاث سنين يعمّ جميع ذلك ما في صحيحة أبي ولاد،

______________________________

(1) الكافي 7: 365، الحديث 4.

(2) سورة الأنعام: الآية 164.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 356

..........

______________________________

عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان علي عليه السلام يقول: «تستأدى دية الخطأ في ثلاث سنين، و تستأدى دية العمد في سنة» «1» و إطلاقها يعمّ دية النفس و الأطراف بلا تأمّل بل أرش الجروح أيضاً، حيث إنّ الأرش دية غير مقدّرة، بل ورد في جناية الأعمى أنّه تحسب خطأً يلزم على عاقلته في ثلاث سنوات و إن لم يكن للأعمى عاقلة تؤخذ من ماله «2». فالتعبير بالجناية يعمّ موارد الأرش فضلًا عن دية الأطراف التي ورد فيها معتبرة أبي مريم، عن أبي جعفر عليه السلام قضى أمير المؤمنين عليه السلام أنّه لا يحمل على العاقلة إلّا الموضحة و صاعداً، و قال: ما دون السمحاق أجر الطبيب سوى الدية «3». يعني السمحاق و

ما دونه زائداً على ديته على الجاني أجر الطبيب أيضاً، و قد تقدّم أنّه لا يمكن أن يلتزم بأجر الطبيب على الجاني؛ لأنّ الدية عوض الجناية.

ثمّ إنّه قد ذكرنا أنّ جناية الخطأ على عاقلة الجاني و إذا لم يكن له عاقلة و لا ولاء جريرة تكون في بيت المال.

و يستثنى من ذلك جناية الأعمى فإنّ جنايته تعدّ من الخطأ و إذا لم تكن للأعمى عاقلة تكون جنايته في ماله.

كما يدلّ على ذلك صحيحة محمّد الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل ضرب رأس رجل بمعول فسالت عيناه على خدّيه فوثب المضروب على ضاربه فقتله؟ قال: فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: هذان متعدّيان جميعاً فلا أرى على الذي قتل الرجل قوداً؛ لأنّه قتله حين قتله و هو أعمى، و الأعمى جنايته خطأ يلزم عاقلته يؤخذون بها في ثلاث سنين في كلّ سنة نجماً فإن لم يكن للأعمى عاقلة لزمته دية ما

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 205، الباب 4 من أبواب ديات النفس، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 29: 399، الباب 10 من أبواب العاقلة، الحديث الأوّل.

(3) وسائل الشيعة 29: 396، الباب 5 من أبواب العاقلة، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 357

أما الأرش فقد قال في المبسوط: يُستأدى في سنة واحدة عند انسلاخها، إذا كانت ثلث الدية فما دون؛ لأنّ العاقلة لا تعقل حالًا، و فيه إشكال ينشأ من احتمال تخصيص التأجيل بالدية لا بالأرش. قال: و لو كان دون الثلثين، حلّ الثلث الأوّل عند انسلاخ الحول، و الباقي عند انسلاخ الثاني. و لو كان أكثر من الدية، كقطع يدين و قلع عينين، و كان لاثنين، حلّ لكلّ واحد عند

انسلاخ الحول ثلث الدية. و إن كان لواحدٍ حلّ له الثلث، لكلّ جناية سدس الدية، و في هذا كلّه الإشكال الأوّل.

و لا تعقل العاقلة، إقراراً و لا صلحاً (1) و لا جناية عمد، مع وجود القاتل، و لو كانت موجبة للدية، كقتل الأب ولده، أو المسلم الذمي، أو الحرّ المملوك.

-

______________________________

جنى في ماله يؤخذ بها في ثلاث سنين و يرجع الأعمى على ورثة ضاربه بدية عينيه «1».

و حمل الرواية على ما إذا قصد الأعمى الضرب دون القتل و يكون ما فعله الأعمى مورد الخطأ حقيقة لا يمكن المساعدة عليه، فإنّ ظاهر قوله عليه السلام: «الأعمى جنايته خطأ يلزم عاقلته» عمومه لكلّ أعمى، بل يعمّ كلّ جانٍ خطأً في كون جنايته في ماله مع عدم العاقلة.

و بالجملة، كما تؤدى دية النفس حتّى دية الذمّي في ثلاث سنين كذلك دية الأطراف الأرش خطأً قلّ أو كثر.

و الالتزام بأنّ دية الأطرف إذا كان أقلّ من مقدار ثلث الدية تعطى في سنة واحدة و إن كان أقلّ بمقدار الثلثين يعطى في سنتين، و إن كانت زائدة على الثلثين يؤدى الزائد في السنة الثالثة لا يمكن رفع اليد عن إطلاق ثلاث سنين بذلك قلّ أو كثر.

العاقلة لا تضمن عمداً و لا إقراراً و لا صلحاً

(1) ظاهر ما تقدّم في تحمّل العاقلة جناية الخطأ فرض ثبوت الجناية خطأً، و من

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 399، الباب 10 من أبواب العاقلة، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 358

و لو جنى على نفسه خطأ، قتلًا أو جرحاً طَلَّ و لم يضمنه العاقلة.

و جناية الذمي في ماله، و إن كانت خطأً دون عاقلته، و مع عجزه عن الدية، فعاقلته الإِمام؛ لأنّه يؤدي

إليه ضريبته. (1)

______________________________

الظاهر ثبوت ما ذكر يكون بالبيّنة كسائر الأشياء و الموضوعات، و لا يثبت بإقرار الجاني فإنّ إقراره يكون على الغير لا على النفس، و كذلك الصلح يكون نافذاً بالمتصالحين و العاقلة خارجة عنها فلا يكون نفوذ في حقّ العاقلة.

و في معتبرة السكوني، عن جعفر، عن أبيه أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال: «العاقلة لا تضمن عمداً و لا إقراراً و لا صلحاً» «1».

جناية الذمي في ماله

(1) و يدلّ على ذلك موثقة زيد بن علي، عن آبائه عليهم السلام قال: لا تعقل العاقلة إلّا ما قامت عليه البيّنة، قال: و أتاه رجل فاعترف عنده فجعله في ماله خاصّة و لم يجعل على العاقلة شيئاً «2». و يؤيّدهما رواية أبي بصير: لا تضمّن العاقلة عمداً و لا إقراراً و لا صلحاً «3». و أيضاً ما ورد في ضمان العاقلة ما إذا كانت جناية الجاني خطأً على الغير، و أمّا إذا جنى على نفسه خطأً أو عمداً تكون هدراً فلا يضمنها العاقلة أو غير العاقلة.

قد تعرّض جماعة من الفقهاء لولاء العتق و ضمان الجريرة و لواء الإمامة في مسائل الإرث بمناسبة كونهما من موجبات الإرث.

أمّا ولاء العتق فإن كان عتق المولى عبده أو أمته سائبة فلا يكون له ولاء العتق، كما إذا كان عتقه من الواجب عليه كالكفّارة، و قد عنون في الوسائل باباً من أنّ المعتق

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 394، الباب 3 من أبواب العاقلة، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 29: 398- 399، الباب 9 من أبواب العاقلة، الحديث الأوّل.

(3) وسائل الشيعة 29: 394، الباب 3 من أبواب العاقلة، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 359

..........

______________________________

بالفتح واجباً سائبة لا ولاء لأحد عليه

إلّا ضامن الجريرة أو الإمام أو تبرّأ المولى من جريرته و كذا الحلّ في من نكّل بمملوكه.

و قد نقل فيها روايات.

منها: قوله عليه السلام انظر في القرآن فما كان فيه «فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ»* فتلك يا عمّار السائبة التي لا ولاء لأحد من الناس عليها إلّا اللّٰه عزّ و جلّ، فما كان ولاؤه للّٰه عزّ و جلّ فهو لرسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و ما كان ولاؤه لرسول اللّٰه صلى الله عليه و آله فإنّ ولاءه للإمام و جنايته على الإمام و ميراثه له «1». إلى غير ذلك و هذا بالإضافة إلى المعتق الذي لم يتّخذ ولاء ضمان الجريرة من شخص آخر.

و يلحق بذلك المولى الذي أعتق عبده أو أمّته تحصيلًا لثوابه و تبرّأ حين عتقه من جريرته فإنّ المعتق في هذه الصورة أيضاً سائبة فإن لم يتخذ ضامن جريرة يكون ولاؤه للإمام عليه السلام و قد ذكرنا أنّ الولي إذا أخذ من عبده فريضة أي مال الكتابة يكون عند عتقه سائبة مع المال للعبد فيجوز أن يتخذ ضامن جريرة كما أنّ تنكيل المولى عبده أو أمته يوجب انعتاق العبد و الأمة، كما في معتبرة أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام فيمن نكل بمملوكة أنّه حرّ لا سبيل عليه سائبة، يذهب فيتولى من أحبّ فإذا ضمن جريرته فهو يرثه «2».

و نظير ذلك إذا عمى العبد أو اقعد أو جذم انعتق لا ما إذا صار أعور أو أشل أو أعرج.

و قد ذكرنا أنّ العبد أو الأمة مع فرض المال لهما عند موتهما و كان لهما قرابة نسبي و لكنّه رقّ مشترى من مال العبد و يعتق و يعطى المال

له و لا تصل النوبة إلى أن

______________________________

(1) وسائل الشيعة 23: 77، الباب 43 من أبواب العتق، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 26: 245، الباب الأوّل من أبواب ولاء ضمان الجريرة، الحديث 6.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 360

و لا يعقل مولى المملوك جنايته، قِنّاً كان أو مدبراً أو مكاتباً أو مستولدة على الأشبه.

و ضامن الجريرة يعقل (1)، و لا يعقل عنه المضمون. و لا يجتمع مع عصبة، و لا معتق؛ لأنّ عقده مشروط بجهالة النسب و عدم المولى. نعم لا يضمن الإِمام عليه السلام مع وجوده و يُسره، على الأشبه.

______________________________

يرثه المولى المعتق أو ضامن الجريرة أو الإمام. و قد تقدّم أنّه لو كان للعبد قريب نسباً و كذا الجارية و لهما مال اكتسبا و ماتا و القريب نسباً يشتري بمالهما و يعتق و يدفع إليه مالهما ففي صحيحة جميل بن دراج، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في مكاتب يموت، و قد أدّى بعض مكاتبته، و له ابن من جارية، و ترك مالًا قال: يؤدّي ابنه بقيّة مكاتبته و يعتق و يرث ما بقي «1». نعم، إذا لم يكن المعتق سائبة فمولاه يعقل جنايته و يرثه إذا لم تكن له قرابة، و يدلّ على ذلك النصوص الدّالة على أنّ ولاء العبد لمولاه الذي أعتقه بانضمام ما دلّ من النصوص على أنّ الولاء يستلزم العقل. فمن الطائفة الأُولى صحيحة أبي الصباح الكناني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في امرأة أعتقت رجلًا، لمن ولاؤه؟ و لمن ميراثه؟ قال: للذي أعتقه، إلّا أن يكون له وارث غيرها «2». و من الطائفة الثانية صحيحة هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا ولي

الرجل الرجل فله ميراثه و عليه معقلته» «3».

يعقل ضامن الجريرة

(1) و عقّبه في الجواهر بقوله: «إجماعاً بقسميه و نصوصاً مستفيضة» «4»

______________________________

(1) وسائل الشيعة 26: 59، الباب 23 من أبواب موانع الإرث، الحديث 6.

(2) وسائل الشيعة 23: 62، الباب 35 من أبواب العتق، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 26: 244، الباب الأوّل من أبواب ولاء ضمان الجريرة، الحديث 2.

(4) جواهر الكلام 43: 432.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 361

..........

______________________________

و العمدة هي نصوص الباب.

منها صحيحة إسماعيل بن الفضل قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل إذا اعتق، أله أن يضع نفسه حيث شاء و يتولى من أحبّ؟ فقال: إذا أُعتق للّٰه فهو مولى للّذي أعتقه، و إذا أُعتق فجعل سائبة، فله أن يضع نفسه و يتولّى من شاء «1».

و منها صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في من أعتق عبداً سائبة أنّه لا ولاء لمواليه عليه، فإن شاء توالى إلى رجل من المسلمين فليشهد أنّه يضمن جريرته، و كلّ حدث يلزمه، فإذا فعل ذلك فهو يرثه، و إن لم يفعل ذلك كان ميراثه يردّ على إمام المسلمين «2».

و منها صحيحة سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن مملوك أعتق سائبة؟ قال: يتولّى من شاء، و على من تولّاه جريرته و له ميراثه قلت: فإن سكت حتّى يموت، قال: يجعل ماله في بيت مال المسلمين «3».

و ذكر قدس سره أنّ دية جناية الكافر الذمّي حتّى و لو كانت خطأً في ماله دون عاقلته و إن لم يكن له مال فجنايته في بيت المال.

كما يشهد بذلك صحيحة أبي ولّاد، عن

أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ليس فيما بين أهل الذمّة معاقلة فيما يجنون من قتل أو جراحة إنّما يؤخذ ذلك من أموالهم فإن لم يكن لهم مال رجعت الجناية على إمام المسلمين؛ لأنّهم يؤدّون إليه الجزية كما يؤدّي العبد الضريبة إلى سيّده قال: و هم مماليك للإمام فمن أسلم منهم فهو حرّ «4».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 23: 63، الباب 36 من أبواب العتق، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 26: 250، الباب 3 من أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة، الحديث 12.

(3) وسائل الشيعة 23: 73، الباب 41 من أبواب كتاب العتق، الحديث الأوّل.

(4) وسائل الشيعة 29: 391، الباب الأوّل من أبواب العاقلة، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 362

..........

______________________________

حيث يستفاد منها أنّ جناية الذمّي على بيت المال، حيث إنّ الجزية المعطاة من مال بيت المال، و ولاية بيت المال للإمام عليه السلام و لو بنصبه أو توليته من يتصدّى له في زمان حضوره عليه السلام.

و الحاصل أنّه إذا لم يكن للذمّي مال يعطى دية جنايته من بيت المال الذي الولاية عليه للإمام عليه السلام لا من سهم الإمام عليه السلام الذي مقابل سهم السادة الكرام، و حيث إنّ مصرف بيت المال مصالح المسلمين لا يكون ضمان بيت المال إلّا في مورد المصلحة لا مطلقاً.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 363

[أما كيفية التقسيط]

(أمّا كيفيّة التقسيط) فإنّ الدية تجب ابتداءً على العاقلة لا يرجع بها على الجاني على الأصحّ (1)

في التقسيط

هل ثبوت الدية على العاقلة وجوب تكليفي أو نحو ضمان

______________________________

(1) المشهور عند علمائنا أنّ ضمان دية الجناية خطأً على العاقلة لا أنّ التكليف بأداء دية الجناية خطأً متوجّه إلى عاقلة الجاني، و أمّا ضمان

دية الجناية على نفس الجاني كما هو المحكي عن الشيخ المفيد و سلّار «1».

و يستدلّ على ما ذهبا إليه من كون ضمان الجناية على الجاني بقوله سبحانه:

«وَ مٰا كٰانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلّٰا خَطَأً وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلىٰ أَهْلِهِ إِلّٰا أَنْ يَصَّدَّقُوا» «2» فإنّ ظاهر الآية كون الدية على القاتل خطأً ككفّارة القتل.

و أمّا الروايات فمنها ما هو صريح في ضمان القاتل كصحيحة أبي العباس، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الخطأ الذي فيه الدية و الكفّارة، أ هو أن يعتمد ضرب رجل و لا يعتمد قتله؟ فقال: نعم، قلت: رمى شاة فأصاب إنساناً، قال: ذاك الخطأ الذي لا شكّ فيه، عليه الدية و الكفّارة «3».

و منها ما هو ظاهر في ذلك كصحيحة زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: رجل قتل في الحرم؟ قال: عليه دية و ثلث و يصوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم، قال: قلت:

______________________________

(1) حكاه ابن فهد الحلي في المهذب البارع 5: 422، و انظر المقنعة: 737، و المراسم: 241.

(2) سورة النساء: الآية 92.

(3) وسائل الشيعة 29: 38، الباب 3 من أبواب ديات النفس، الحديث 3.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 364

..........

______________________________

هذا يدخل فيه العيد و أيّام التشريق؟ فقال: يصومه فإنّه حقّ لزمه «1». و نحوها بل أظهر منها صحيحته الأُخرى قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل قتل رجلًا خطأً في أشهر الحرم؟ فقال: عليه الدية وصوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم، قلت: إنّ هذا يدخل فيه العيد و أيّام التشريق، قال: يصومه فإنّه حقّ لزمه «2».

و بالجملة، ظاهر الآية المباركة هو أنّ الدية

كالكفّارة في القتل خطأً على الجاني، و لو كنّا نحن و الآية التزمنا بأنّ في القتل في الخطأ المحض أيضاً دية الجناية على الجاني فعليه أن يؤدّي الدية إلى أولياء المقتول، و لكن رفعنا اليد بما ورد في القتل في الخطأ المحض بأنّ الدية تتحمّلها العاقلة «3». و لا يستفاد من ذلك إلّا التكليف بأدائها و أمّا ضمانهم الدية فلا تستفاد من الروايات الواردة في العاقلة، بل مقتضى ما ذكر من الروايات ضمانها على الجاني.

لا يقال: ورد في البين روايات ظاهرها ضمان العاقلة الدية في الخطأ المحض كما عليه المشهور كمعتبرة السكوني عن جعفر عن أبيه أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال:

العاقلة لا تضمن عمداً و لا إقراراً و لا صلحاً «4». فإنّ المتفاهم منها ضمان العاقلة في الخطأ المحض مع ثبوته بغير الإقرار و الصلح كما في ثبوته بالبيّنة.

فإنّه يقال: الرواية ضعيفة فإنّ في سندها النوفلي الراوي عن السكوني كرواية أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام: لا تضمن العاقلة عمداً و لا إقراراً و لا صلحاً «5»، حيث

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 204، الباب 3 من أبواب ديات النفس، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 29: 204، الباب 3 من أبواب ديات النفس، الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة 29: 400، الباب 11 من أبواب العاقلة، الحديث 1 و 3.

(4) وسائل الشيعة 29: 394، الباب 3 من أبواب العاقلة، الحديث 2.

(5) وسائل الشيعة 29: 394، الباب 3 من أبواب العاقلة، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 365

..........

______________________________

إنّ في سندها علي بن أبي حمزة.

أقول: أمّا الآية المباركة «1» فلا يختصّ مدلولها بالقتل بالخطإ المحض، بل تعمّ مطلق الخطأ و لو كان ما يعبّر عنه بشبه

الخطأ، فإنّ الكفّارة ثابتة في كلا القسمين من الخطأ بنحو الترتّب، و غاية دلالتها ظهورها في أنّ الكفارة واجبة على القاتل خطأً و كذلك الدية، و لا مانع من رفع اليد عن ظهورها في كون الدية على القاتل خطأً في القاتل بنحو الخطأ المحض بقيام الدليل على كون الدية فيه على عاقلة الرجل الجاني أو المرأة الجانية.

و ممّا ذكرنا في الآية يظهر الحال في صحيحة أبي العباس «2» و صحيحتي زرارة «3»، فإنّ الخطأ الوارد في صحيحة الفضل بن عبد الملك أيضاً كما في الآية مطلق يمكن رفع اليد عن الإطلاق في الخطأ المحض من قوله عليه السلام: «ذاك الخطاء الذي لا شكّ فيه و عليه الكفارة و الدية»، بما إذا لم يكن له عاقلة، و الحال في صحيحة زرارة أيضاً كذلك.

و على ذلك فنقول: رواية السكوني معتبرة حتّى عند القائل بصحة فتوى المفيد، و توجيه الاستدلال للفتوى المزبور مع أنّه لم يرد في شي ء من الروايات التعرّض بأنّ العاقلة إذا أدّوا الدية في الخطأ المحض يأخذون بدله عن الجاني، بل حكم عليه السلام في صحيحة محمد الحلبي بعد ذكر أنّ: الأعمى جنايته خطأً يلزم عاقلته يؤخذون بها في ثلاث سنين في كلّ سنة نجماً فإن لم يكن للأعمى عاقلة لزمته دية ما جنى في ماله «4».

______________________________

(1) سورة النساء: الآية 92.

(2) وسائل الشيعة 29: 38، الباب 11 من ابواب القصاص في النفس، الحديث 9 و قد تقدمت آنفاً.

(3) وسائل الشيعة 29: 204، الباب 3 من أبواب ديات النفس، الحديث 3 و 4.

(4) وسائل الشيعة 29: 399، الباب 10 من أبواب العاقلة، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 366

و في كيفية التقسيط قولان:

أحدهما على الغني عشرة قراريط (1)، و على الفقير خمسة قراريط، اقتصاراً على المُتَّفق. و الآخر يقسّطها الإمام على ما يراه، بحسب أحوال العاقلة، و هو أشبه.

______________________________

و قد ورد في جناية المعتوه في صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يجعل جناية المعتوه على عاقلته خطأً كان أو عمداً «1». و في صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: عمد الصبي و خطأه واحد «2».

و من الظاهر عدم الفرق بين جناية المجنون و الصبي.

كيفية التقسيط

(1) ذكر قدس سره في تقسيط الدية على العاقلة قولان:

أحدهما: على الغني من العاقلة عشرة قراريط أي نصف دينار و على الفقير خمسة قراريط أي ربع دينار «3»، و علّل ذلك بأنّ ثبوت المقدار المذكور على كلّ من الغني و الفقير متّفق عليه و يدفع الزائد على ما ذكر بالأصل.

و القول الثاني: أنّ تقسيط الدية على العصبة للإمام على حسب ما يراه من أحوال العاقلة «4».

و لكن لا يخفى أنّ الأمر الثاني يعني ملاحظة الإمام أحوال العاقلة بناءً على كون الدية على العاقلة حتّى فيما كان الفقير من العاقلة كسوباً، إنّما هو بالإمهال للفقير

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 400، الباب 11 من أبواب العاقلة، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 29: 400، الباب 11 من أبواب العاقلة، الحديث 2.

(3) و هو قول الشيخ في المبسوط 7: 174، و الخلاف 5: 282، المسألة 105، و القاضي في المهذب 2: 504، و اختاره العلامة في القواعد 3: 711، و الإرشاد 2: 230.

(4) و هو القول الآخر للشيخ في المبسوط 7: 178، و الخلاف 5: 279، المسألة 100، و ابن ادريس السرائر 3: 332،

و المصنف هنا و في المختصر النافع: 308، و غيرهم.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 367

و هل يجمع بين القريب و البعيد؟ فيه قولان: أشبههما الترتيب في التوزيع (1).

و هل تؤخذ من الموالي مع وجود العصبة؟ الأشبه: نعم، مع زيادة الدية عن العصبة. و لو اتسعت أُخذت من عصبة المولى.

______________________________

لا أخذ الأقلّ منهم، و مقتضى تحمّل العاقلة أو ضمانهم الدية عدم الفرق بين الفرق بين أفرادهم، و إنّما كان الفرق فيما إذا كان إعطاء دية الجاني من بيت المال حيث إنّ للإمام أن يلاحظ المصلحة في صرف بيت المال و مورد إعطاء دية الجاني من مصارف بيت المال كما استظهرنا ذلك من صحيحة أبي ولّاد المرويّة في الباب الأوّل من أبواب العاقلة.

و الاستدلال على القول الأوّل غير تام أيضاً لعدم الاتفاق على نصف دينار و ربع دينار حتّى يكون الزائد مورد الأصل العملي؛ لأنّ حكاية القولين في نفسها قرينة على عدم الإجماع على التفصيل فلا مورد في المسألة لدعوى الإجماع.

و الحاصل أنّ مقتضى ما ذكرنا هو تعيّن قول ثالث في التقسيط و هو عدم الفرق بين الغني و الفقير.

(1) لم يظهر كون التوزيع على ترتيب التوارث أشبه لما ذكرنا من أنّ الوارث يأخذ ما ترك الميّت و قوله سبحانه: «و أُولو الأرحام بعضهم أولى ببعض» «1» ناظر إلى ذلك، و لكنّ العصبة يؤخذ منهم دية الجاني خطأً و مقتضى المناسبة أن تؤخذ الدية من كلّ فرد من العصبة بعد التسالم على أخذ الدية منهم بل و ضمانهم الجناية التي تكون خطأً محضاً.

و ما ورد من الأخذ من ورثة الجاني إذا مات قبل إعطاء الدية كما في مرسلة يونس بن عبد الرحمن، عمّن رواه،

عن أحدهما عليهما السلام أنّه قال: في الرجل إذا قتل رجلًا خطأً فمات قبل أن يخرج إلى أولياء المقتول من الدية أنّ الدية على ورثته «2».

______________________________

(1) سورة الأنفال: الآية 75.

(2) وسائل الشيعة 29: 397، الباب 6 من أبواب العاقلة، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 368

..........

______________________________

و ما ورد في معتبرة أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل قتل رجلًا متعمّداً ثمّ هرب القاتل فلم يقدر عليه؟ قال: إن كان له مال أُخذت الدية من ماله، و إلّا فمن الأقرب فالأقرب. الحديث «1».

فلا دلالة لهما على دية القتل بالخطإ المحض التي على القاتل، و المرسلة مع ضعفها بالإرسال في ما إذا كانت الدية على نفس الجاني كما هو الحال في معتبرة أبي بصير.

و أمّا ما ورد في صحيحة ابن أبي نصر عن أبي جعفر عليه السلام «2» فهو أيضاً في مورد القتل العمدي في الأخذ من العاقلة في القتل بالخطإ المحض.

ثمّ إنّ ما ذكرنا من ثبوت الدية خطأً على العاقلة من غير فرق بين الغني و الفقير بالإضافة إلى الفقير الكسوب حيث يتمكّن من الأداء و لو بالإمهال.

و أمّا بالإضافة إلى من لا يتمكّن من الاكتساب و تحصيل المال يكون التوزيع على المتمكّنين من الأداء، من غير فرق بين أن يقال بأنّ التوزيع على العاقلة في مجرّد التكليف بالأداء لا في ضمان الدية و أنّ ضمان الدية على الجاني و لو كانت جنايته بالخطإ المحض، أو قلنا بما ذكرنا من أنّ ظاهر ما دلّ على أنّ جناية الخطأ المحض على العاقلة و نحوها كون التكليف و الضمان على العاقلة إلّا في صورة عدم العاقلة للجاني حيث تؤخذ الدية من

مال الجاني، غاية الأمر اختصاص توزيع الدية على المتمكّنين من العاقلة لا عن العاجز عن الأداء أظهر، فإنّ ما دلّ على أنّ ضمان الجناية بالخطإ المحض على العاقلة ينصرف عن الذي من العاقلة و لا يتمكّن من الأداء.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 395، الباب 4 من أبواب العاقلة، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 29: 395، الباب 4 من أبواب العاقلة، الحديث 3.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 369

و لو زادت فعلى مولى المولى، ثمّ عصبة مولى المولى. و لو زادت الدية عن العاقلة أجمع، قال الشيخ: يؤخذ الزائد من الإِمام (1) حتّى لو كانت الدية ديناراً و له أخ، أُخذ منه عشرة قراريط، و الباقي من بيت المال. و الأشبه إلزام الأخ بالجميع إن لم يكن عاقلة سواه؛ لأنّ ضمان الإمام مشروط بعدم العاقلة أو عجزهم عن الدية.

______________________________

(1) قد ذكرنا أنّه لا تقدير لمقدار الدية الذي يؤخذ من أفراد العصبة كما أنّه لا ترتيب بين أفراد العصبة بحيث يقدّم بعضها على بعض بحسب الترتيب بين مراتب الإرث، و على ذلك فلو كانت الدية زائدة تستوفى من جميع أفراد العصبة إلّا من ذكر عدم الاستيفاء منه.

نعم، إذا لم يمكن الاستيفاء منهم لزيادة الدية فمع عدم الولاء تؤخذ المقدار الذي لا يتيسّر استيفاؤه من أفراد العصبة من بيت المال حيث إنّ مصارفها مصالح الرعيّة.

و على ما ذكر فإن كان للجاني خطأً محضاً أخ و لا يتمكّن من أداء الدية بتمامها يؤخذ منه المقدار الميسور له و يتدارك باقيها من بيت المال لا يؤخذ منه مقدار نصف دينار و يؤخذ باقيها من الإمام كما هو المحكي «1» عن الشيخ قدس سره.

و ما ذكره الماتن قدس سره من أنّ:

«و الأشبه إلزام الأخ بالجميع إن لم تكن عاقلة سواه لأنّ ضمان الإمام مشروط بعدم العاقلة أو عجزهم عن الدية» هو الصحيح إلّا أنّه يمكن أن يقال: إنّه إذا كان في مثل الفرض لم يكن عاقلة للجاني بحيث يمكن استيفاء الدية منهم لا يكون ضمان بيت المال على الإطلاق، بل إذا لم يكن للجاني مال يستوفى الدية من ماله؛ لأنّ الضمان عند عدم العاقلة كما هو الفرض من مال الجاني كما هو ظاهر صحيحة محمّد الحلبي المتقدّمة «2» الواردة في قتل الأعمى المفروض كون قتله خطأً تحملها عاقلته.

______________________________

(1) حكاه الشهيد الثاني في مسالك الأفهام 15: 520. المبسوط 7: 174.

(2) في الصفحة: 356.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 370

و لو زادت العاقلة عن الدية، لم يختصّ بها البعض (1)، و قال الشيخ: يخصّ الإِمام بالعقل من شاء؛ لأنّ التوزيع بالحصص يشقّ، و الأول أنسب بالعدل. و لو غاب بعض العاقلة لم يخصّ بها الحاضر (2).

و ابتداء زمان التأجيل من حين الموت (3).

و في الطرف من حين الجناية، لا من وقت الاندمال. و في السراية من وقت الاندمال؛ لأنّ موجبها لا يستقرّ بدونه. و لا يقف ضرب الأجل على حكم الحاكم. (4)

______________________________

(1) و ذلك مقتضى كون الدية أو تحمّلها على العاقلة و مجرّد كون التوزيع بالحصص أشقّ بالإضافة إلى جعلها على بعض العصبة لا يكون دليلًا خصوصاً بالإضافة إلى من يقول باعتبار الترتيب في التوزيع.

نعم، إذا التزم بعض العصبة إعطاء جميع الدية تبرّعاً عن باقي العصبة فلا بأس، و أمّا إلزام الإمام بذلك فلا دليل على ذلك.

(2) و ممّا تقدّم ظهر الوجه في ذلك فإنّ ما دلّ على كون الدية في الخطأ المحض على العاقلة

مقتضاه عدم الفرق بين الحاضر و الغائب، غاية الأمر يكون للغائب إمهال إلى أن يحضر و يأتي نظير الإمهال على الفقير الكسوب، و اللّٰه العالم.

(3) لأنّ الموضوع لثبوت دية النفس على الجاني في شبه الخطأ أو على العاقلة في القتل بالخطإ المحض موت المجني عليه فيثبت الدية على عهدة الجاني أو على العاقلة من زمان الموت، و أمّا الدية في الطرف إذا لم يكن للجناية سراية من حين الجناية و إذا كانت لها سراية من حين الشروع في الاندمال حيث تتعيّن الجناية من حين الاندمال.

و بالجملة، ما ذكروا من مبدأ زمان التأجيل على النحو المذكور مقتضى الجنايات.

(4) فإنّ الحكم المذكور في المقام نظير سائر الأحكام المترتّبة على

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 371

و إذا حال الحول على موسر، توجهت مطالبته. و لو مات لم يسقط ما لزمه، و يثبت في تركته (1) و لو كانت العاقلة في بلد آخر، كوتب حاكمه بصورة الواقعة ليوزعها، كما لو كان القاتل هناك.

______________________________

موضوعاتها الواقعيّة كما أنّ تلك الأحكام ترتّبها على موضوعاتها لا يتوقّف على حكم الحاكم كذلك الحال في المقام.

نعم، إذا وقعت المشاجرة في ثبوت الموضوع و زمان ثبوته ففصل الخصومة فيها أمر آخر لا يرتبط بما ذكر في المقام.

ثمّ إنّه إذا حال الحول من زمان ابتداء التأجيل توجّهت مطالبة الموسر، و قد تقدّم أنّه إذا كان بعض أفراد العاقلة غير متمكّن من الأداء أصلًا لا يكون عليه شي ء، و هذا بخلاف الفقير الكسوب حيث يتعيّن عليه الأداء و لو مع الإمهال، و إذا شكّ في فرد أنّه من عصبة الجاني أم لا، لا يتعيّن عليه شي ء؛ لأنّ عدم كونه عصبة للجاني مع عدم ثبوت مثبت

شرعي له مقتضى الأصل يعني الاستصحاب و لو بنحو الاستصحاب في العدم الأزلي.

(1) هذا بناءً على ما تقدّم من ضمان العاقلة بالدية و عليه فإن مات من كان من العاقلة تحسب ما على ذمّته من ديونه فيوفي من تركته، و أمّا بناءً على عدم الضمان على العاقلة بل تحمّلها الدية من باب مجرّد تكليف عليه و الضمان على الجاني، فبالموت أو صيرورته عاجزاً يسقط التكليف عنه و ليس على ورثته شي ء غير التكليف عليهم من تحمّل الدية لكونهم من عصبة الجاني أيضاً إذا كانوا ذكوراً.

و لا يبعد أن يقال إنّ الضمان على فرد من العاقلة على ما تقدّم بيانه ليس على الإطلاق، بحيث لو كان شخص من عاقلة الجاني و مات قبل حلول الحول يكون مديوناً بالقسط المحسوب عليه، بل ضمانه الدية مشروط ببقائه حلول الحول و تمكّنه من أداء عليه، و إلّا يثبت القسط على ورثته الذكور بما أنّهم من العصبة دون ما

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 372

و لو لم يكن عاقلة، أو عجزت عن الدية، أُخذت من الجاني (1). و لو لم يكن له مال، أُخذت من الإمام. و قيل: مع فقر العاقلة أو عدمها تؤخذ من الإِمام دون القاتل، و الأوّل مروي.

______________________________

كان على أبيهم لو لا موته قبل حلول الحول.

(1) ذكر قدس سره أنّه إذا لم يكن للجاني بالخطإ المحض عاقلة أو كانت العاقلة عاجزة عن أداء الدية تكون الدية في مال الجاني، كما تدلّ على ذلك صحيحة محمّد الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل ضرب رأس رجل بمعول فسالت عيناه على خدّيه فوثب المضروب على ضاربه فقتله؟

قال: فقال أبو عبد اللّه عليه السلام:

هذان متعدّيان جميعاً فلا أرى على الذي قتل الرجل قوداً؛ لأنّه قتله حين قتله و هو أعمى، و الأعمى جنايته خطأ يلزم عاقلته يؤخذون بها في ثلاث سنين في كلّ سنة نجماً، فإن لم يكن للأعمى عاقلة لزمته دية ما جنى في ماله يؤخذ بها في ثلاث سنين، و يرجع الأعمى على ورثة ضاربه بدية عينيه «1».

و ظاهر أنّ ذلك حكم دية الخطأ إذا لم يمكن أخذ دية الجاني خطأً من عاقلته.

و في موثقة عمّار الساباطي، عن أبي عبيدة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن أعمى فقأ عين صحيح، قال: إنّ عمد الأعمى مثل الخطأ هذا فيه الدية في ماله، فإن لم يكن له مال فالدية على الإمام و لا يبطل حقّ امرئ مسلم «2». فلا بد من أن يحمل كون الدية في مال الأعمى على صورة فقد العاقلة أو عدم تمكّنهم من الدية بقرينة التقييد الوراد في الصحيحة المتقدّمة مع أنّ أبي عبيدة الذي يروي عنه عمّار الساباطي غير ظاهر من هو.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 399، الباب 10 من أبواب العاقلة، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 29: 89، الباب 35 من أبواب القصاص في النفس، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 373

ودية الخطأ شبيه العمد في مال الجاني، فإن مات أو هرب، قيل: تُؤخذ من الأقرب إليه، ممن ورث ديته. فإن لم يكن فمن بيت المال. و من الأصحاب من قصرها على الجاني، و توقّع مع فقره يُسره، و الأوّل أظهر. (1)

______________________________

(1) أقول: بعد فرض أنّ الدية على الجناية في شبه العمد من الخطأ على الجاني، فإن هرب أو مات أو قتل تكون الدية عليه تخرج من أمواله أو تركته و

منها ديته إن قتل، فإن لم يكن له مال و لا له دية حيث إنّه هرب فدية جنايته على بيت المال بالنحو الذي تقدّم بيانه.

نعم، في مرسلة يونس بن عبد الرحمن، عمّن رواه، عن أحدهما عليهما السلام أنّه قال:

في الرجل إذا قتل رجلًا خطأً فمات قبل أن يخرج إلى أولياء المقتول من الدية أنّ الدية على ورثته فإن لم يكن عاقلة فعلى الوالي من بيت المال «1». فإنّ مع عدم المال له كما هو فرض عدم العاقلة يمكن أن يقال إذا جاز أخذ الدية من ورثة الجاني عمداً جاز أخذها من ورثة القاتل خطأً حيث لا يكون القتل عمداً أخفّ من القتل خطأً فلاحظ.

نعم، في صحيحة أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل قتل رجلًا متعمّداً ثمّ هرب القاتل فلم يقدر عليه؟ قال: إن كان له مال أُخذت الدية من ماله، و إلّا فمن الأقرب فالأقرب، و إن لم يكن له قرابة أدّاه الإمام فإنّه لا يبطل دم امرئ مسلم «2».

و كذا في صحيحة ابن أبي نصر، عن أبي جعفر عليه السلام في رجل قتل رجلًا عمداً ثمّ فرّ فلم يقدر عليه حتّى مات، قال: إن كان له مال أُخذ منه، و إلّا أُخذ من الأقرب فالأقرب «3».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 29: 397، الباب 6 من أبواب العاقلة، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 29: 395، الباب 4 من أبواب العاقلة، الحديث الأوّل.

(3) وسائل الشيعة 29: 395، الباب 4 من أبواب العاقلة، الحديث 3.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 374

..........

______________________________

و مورد الصحيحتين و إن كان القتل العمدي إلّا أنّه إذا جاز أخذ الدية من ورثة الجاني عمداً، جاز أخذها من ورثة القاتل

خطأ حيث لا يحتمل أن يكون القتل عمداً أخفّ من القتل خطأً مضافاً إلى أنّ مقتضى التعليل في ذيل الصحيحة الأُولى هو تعميم الحكم بالنسبة إلى دية القتل شبه العمد.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 375

[و أما اللواحق فمسائل]

اشارة

و أمّا اللواحق فمسائل:

[الأولى لا يعقل إلا من عرف كيفية انتسابه إلى القاتل]

(الأُولى): لا يعقل إلّا من عُرِفَ كيفيّة انتسابه إلى القاتل. و لا يكفي كونه من القبيلة؛ لأنّ العلم بانتسابه إلى الأب، لا يستلزم العلم بكيفيّة الانتساب. و العقل مبني على التعصيب، خصوصاً على القول بتقديم الأولى. (1)

في اللواحق

لا يعقل إلّا من عرف كيفيّة انتسابه للقاتل

______________________________

(1) ذكر قدس سره أنّه لا يكفي في كون الشخص من عاقلة الجاني مجرّد العلم بانتسابه مع الجاني إلى أب، بل لا بد من أن يكون الانتساب بحيث يعدّ ذلك الشخص من عصبة الجاني لا من قبيل انتساب الناس بعضهم إلى بعض كانتهاء نسبهم إلى أبينا آدم أو انتساب الهاشميين بعضهم إلى بعض لكون أبيهم هاشم و نحو ذلك.

و الحاصل أنّه لا يكفي في كون شخص من عصبة الجاني مجرّد الانتساب إلى قبيلة الجاني.

أضف إلى ذلك أنّ الانتساب إلى القبيلة يمكن كونه بنحو الولاء الذي يذكر في علم الرجال، و ما ذكر الماتن خصوصاً على القول بتقديم الأولى بالميراث لا موجب له؛ لما ذكرنا من أنّه يؤخذ الدية من جميع العاقلة من غير اختصاص بطبقة دون طبقة.

و على ما ذكر فإن لم يحرز كون شخص من عصبة الجاني و لكن احتمل ذلك في حقّه لم يترتّب عليه حكم العاقلة؛ لأنّ الأصل عدم انتسابه إلى الجاني و لو بنحو الاستصحاب في العدم الأزلي حيث لا يكون في ذلك الاستصحاب ما قيل من شبهة الأصل المثبت على ما ذكر في بحث الأُصول، حيث إنّ الوصف و منه الانتساب في وجوده يحتاج إلى وجود الموصوف و المعروض، و أمّا في عدمه لا يحتاج إلى وجودهما.

و بتعبير آخر، الارتباط بين المعروض و العرض منوط بصورة التحقّق، و أمّا في

تنقيح مباني

الأحكام - كتاب الديات، ص: 376

[الثانية لو أقر بنسب مجهول ألحقناه به]

(الثانية): لو أقرَّ بنسب مجهول، ألحقناه (1) به. فلو ادّعاه الآخر و أقام البيّنة، قضينا له بالنسب، و أبطلنا الأوّل. فلو ادّعاه ثالث و أقام البيّنة أنّه ولد على فراشه قضي له بالنسب لاختصاصه بالسبب.

______________________________

مرحلة عدم التحقّق للوصف و العرض فلا يرتبط عدم تحقّقهما بعدم تحقّق المعروض و الموصوف؛ و لذا يقال عند عدم الموصوف و المعروض لم يكن وصف و عرض، و بعد وجودهما يحتمل بقاء الوصف و العرض على عدمه، بلا فرق بين أنّ الاستصحاب في عدم الوصف بنحو السالبة المحصلة أو بنحو الاستصحاب في العدم الأزلي، و لو أُغمض عن ذلك فيجري الأصل الحكمي و هو عدم وجوب إعطاء الدية كلّاً أو بعضاً بالإضافة إلى المشكوك من العصبة فلاحظ.

لو أقرّ بنسب مجهول

(1) لا ينبغي التأمّل في أنّ اللقيط إذا لم يعرف نسبه يكون محكوماً بالحريّة و كونه طفل المسلم فيما إذا وجد في بلد المسلمين أو يعيش فيه المسلمون فيما إذا ادّعى من أخذه بكونه ولده إذا لم يعارض دعواه بدعوى مسلم آخر، بل لو يدّعي آخذه بكونه ولده و إنّما أخذه لأنّه يحتاج إلى كافل للأخذ ضرورة حفظاً لنفسه عن التلف ثمّ ادّعى شخص آخر بأنّه ولده يكون إقراره نافذاً، و إذا أقام شخص آخر بيّنة أنّه ولده و كانت البيّنة معتبرة دفع الحاكم اللقيط إلى صاحب البيّنة، و لو فرض أنّ شخصاً ثالثاً أقام بيّنة أنّه ولد على فراشه يدفع إلى صاحب هذه البيّنة، فإنّ المقرّر في محلّه تقديم البيّنة على الإقرار و كون البيّنة القائمة المذكورة فيها السبب تقدّم على البيّنة الغير المذكورة فيها السبب و يدلّ على اعتبار الإقرار بالولد مع

عدم قيام البيّنة على خلافه.

و في صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: و أيّما رجل أقرّ بولده، ثمّ انتقى منه فليس له ذلك، و لا كرامة، يلحق به ولده إذا كان من امرأته أو وليدته «1».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 26: 271، الباب 6 من أبواب ميراث ولد الملاعنة، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 377

..........

______________________________

و صحيحته الأُخرى، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إذا أقرّ رجل بولدٍ ثمّ نفاه لزمه «1».

و معتبرة السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليه السلام قال: إذا أقرّ الرجل بالولد ساعة، لم ينف عنه أبداً «2». و تدلّ على تقديم البيّنة التي ذكر فيها السبب على غيرها مضافاً إلى كونها أظهر في الدلالة الصحيحة الأُولى بما ورد في ذيلها.

و أمّا كون اللقيط محكوماً بالحريّة فيدلّ عليه جملة من الروايات منها صحيحة زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: اللقيط لا يشترى و لا يباع «3». و في صحيحة عبد الرحمن العرزمي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، عن أبيه، قال المنبوذ حرّ فإذا كبر فإن شاء توالى إلى الذي التقطه، و إلّا فليردّ عليه النفقة، و ليذهب فليوالِ من شاء «4». إلى غير ذلك من الأخبار.

و أمّا الحكم بإسلامه مضافاً إلى ما ذكرنا فإنّ مقتضى الاحتياط في النفوس وجوب الحفظ من التلف يثبت حتّى فيما إذا احتمل كونه من ولد الكافر، أضف إلى ذلك أنّ الحكم بحريّة المنبوذ يستفاد منه الحكم بإسلامه أيضاً و إلّا كان من الجائز استرقاقه، و يوضح ما ذكرنا من ثبوت النسب بالإقرار الروايات الواردة في الحميل كصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألت أبا عبد اللّه عليه

السلام عن الحميل.

فقال: و أيّ شي ء الحميل؟ قال: قلت: المرأة تسبى من أرضها، و معها الولد الصغير، فتقول: هو ابني، و الرجل يسبى، و يلقي أخاه، فيقول: هو أخي، و ليس لهم بيّنة، إلّا قولهم قال: فقال: ما يقول الناس فيهم عندكم أبواب قلت: لا يورّثونهم؛

______________________________

(1) وسائل الشيعة 26: 271، الباب 6 من أبواب ميراث ولد الملاعنة، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 26: 271، الباب 6 من أبواب ميراث ولد الملاعنة، الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة 25: 467، الباب 22 من أبواب اللقطة، الحديث الأوّل.

(4) وسائل الشيعة 25: 467، باب 22 من أبواب كتاب اللقطة، الحديث 3.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 378

[الثالثة لو قتل الأب ولده عمدا دفعت الدية منه إلى الوارث و لا نصيب للأب]

(الثالثة): لو قتل الأب ولده عمداً، دفعت الدية منه إلى الوارث و لا نصيب للأب (1). و لو لم يكن وارث، فهي للإِمام عليه السلام. و لو قتله خطأً، فالدية على العاقلة و يرثها الوارث. و في توريث الأب هنا قولان. و لو لم يكن وارث سوى العاقلة، فإن قلنا: الأب لا يرث فلا دية. و إن قلنا: يرث ففي أخذه من العاقلة تردد. و كذا البحث لو قتل الولد أباه خطأ.

______________________________

لأنّه لم يكن لهم على ولادتهم بيّنة، و إنّما هي ولادة الشرك، فقال: سبحان اللّٰه، إذا جاءت بابنها أو بابنتها، و لم تزل مقرّة به، و إذا عرف أخاه، و كان ذلك في صحّة منهما، و لم يزالا مقرّين بذلك، ورث بعضهم من بعض «1».

و قد تحصّل ممّا ذكرنا أنّ ما في كلام الماتن أنّه في فرض قيام البيّنة للشخص الثالث على أنّ اللقيط ولده تولد في فراشه فإنّه يؤخذ من الشخص الثاني و يدفع إلى الثالث هو الصحيح فيحكم بأنّه

أب اللقيط، و إذا قتله هذا الأب لا تكون الجناية مورد القصاص؛ لما تقدّم أنّ في قتل الصبي سواء كان القاتل أبوه أو غيره من البالغين غير موضوع القصاص كما هو الحال في قتل المجنون، و لكن تؤخذ الدية من أبيه و يعطى لوارث اللقيط و لو كان ذلك الإمام عليه السلام في الفرض و التعبير به لأنّه لو كان للأب القاتل وارث من الولد أو الأب أو الأخ و نحو ذلك يكون هؤلاء من ورّاث اللقيط لو كان له مال على حسب مراتب الإرث حيث كانت البيّنة التي أثبتت بكون القاتل أب اللقيط أثبتت أقرباء اللقيط أيضاً.

لو قتل الأب ولده عمداً

(1) فإنّه لا يثبت على الوالد القاتل ميراث لا من دية الولد و لا من سائر أمواله.

و يدلّ على ذلك روايات:

______________________________

(1) وسائل الشيعة 26: 278، الباب 9 من أبواب ميراث ولد الملاعنة، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 379

[الرابعة لا يضمن العاقلة عبدا و لا بهيمة و لا إتلاف مال]

(الرابعة): لا يضمن العاقلة عبداً و لا بهيمة و لا إتلاف مال، و يختصّ بضمان الجناية على الآدمي حسب.

[الخامسة لو رمى طائرا و هو ذمي]

(الخامسة): لو رمى طائراً و هو ذمي، ثمّ أسلم، فقتل السهم مسلماً، لم يعقل عنه عصبته من الدية؛ لما بيّنّاه، و لأنّه أصاب و هو مسلم. و لا عصبته المسلمون؛ لأنّه رمى و هو ذمّي، و يضمن الدية في ماله. و كذا لو رمى مسلم طائراً، ثمّ ارتدّ فأصاب مسلماً، قال الشيخ: لم يعقل عنه المسلمون من عصبته، و لا الكفار. و لو قيل: يعقل عنه عصبته المسلمون، كان حسناً؛ لأنّ ميراثه لهم على الأصح.

______________________________

منها صحيحة هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله:

«لا ميراث للقاتل» «1».

و صحيحة أبي عبيدة، عن أبي جعفر عليه السلام في رجل قتل أُمّه، قال: «لا يرثها، و يقتل بها صاغراً، و لا أظنّ قتله بها كفّارة لذنبه» «2» حيث إنّ دلالتها على عدم ميراث القاتل من أُمّه المقتولة به واضحة كالصحيحة الأُولى.

و صحيحة جميل بن درّاج، عن أحدهما عليهما السلام قال: «لا يرث الرجل إذا قتل ولده أو والده و لكن يكون الميراث لورثة القاتل» «3».

و صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «إذا قتل الرجل أباه قتل به، و إن قتله أبوه لم يقتل به و لم يرثه» «4».

و في صحيحته الأُخرى قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يقتل ابنه أ يقتل

______________________________

(1) وسائل الشيعة 26: 30، الباب 7 من أبواب موانع الإرث، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 26: 30، الباب 7 من أبواب موانع الإرث، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 26: 30، الباب 7 من

أبواب موانع الإرث، الحديث 3.

(4) وسائل الشيعة 26: 30، الباب 7 من أبواب موانع الإرث، الحديث 4.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 380

..........

______________________________

به؟ قال: «لا، و لا يرث أحدهما الآخر إذا قتله» «1».

و إطلاق عدم كون القاتل وارثاً لمقتوله يعمّ إرث الدية أيضاً.

و يدلّ على حكم الدية بخصوصه صحيحة محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام قال: المرأة ترث من دية زوجها، و يرث من ديتها، ما لم يقتل أحدهما صاحبه «2».

و نحوها غيرها.

و صحيحة أبي عبيدة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن امرأة شربت دواءً و هي حامل، و لم يعلم بذلك زوجها فألقت ولدها، قال: فقال: إن كان له عظم و قد نبت عليه اللحم عليها دية تسلّمها إلى أبيه، و إن كان حين طرحته علقة أو مضغة، فإنّ عليها أربعين ديناراً، أو غرّة تؤدّيها إلى أبيه، قلت له: فهي لا ترث ولدها من ديته مع أبيه؟ فقال: لا: «لأنّها قتلته فلا ترثه» «3» و دلالتهما على عدم إرث القاتل عمداً أو حتّى دية الجنين أيضاً ظاهرة إذا أسقطه الجاني أُمّاً كانت أو غيرها كما لا يخفى، هذا بالإضافة إلى القتل العمد بلا كلام و بلا خلاف.

و أمّا إذا كان القتل بشبه العمد أو الخطأ المحض فهل يرث القاتل من دية المجني عليه؟ كما عليه جماعة. أو لا يرث، كما هو المنسوب إلى المشهور.

و المستند للقائل بأنّ القاتل يرث في صورة الخطأ صحيحة محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام إنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال: «إذا قتل الرجل أُمّه خطأً ورثها، و إن قتلها متعمّداً فلا يرثها» «4» حيث إنّ ذكر القتل خطأً في مقابل القتل متعمّداً

مقتضاه عموم

______________________________

(1) وسائل الشيعة 26: 31، الباب 7 من أبواب موانع الإرث، الحديث 7.

(2) وسائل الشيعة 26: 32، الباب 8 من أبواب موانع الإرث، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 26: 31، الباب 8 من أبواب موانع الإرث، الحديث الأوّل.

(4) وسائل الشيعة 26: 33، الباب 9 من أبواب موانع الإرث، الحديث الأوّل.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 381

..........

______________________________

الخطأ بشبه العمد و الخطاء المحض و ما ذكر عليه السلام أنّه يرث في فرض الخطأ يعمّ الدية و غيرها من سائر أموال المقتول.

و صحيحة عبد اللّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل قتل أُمّه أ يرثها؟ قال: «إن كان خطأً ورثها، و إن كان عمداً لم يرثها» «1» و تقريب الاستدلال يظهر من السابقة.

و قد يختار عدم الميراث من الدية للقاتل سواء كان قتله شبه العمد أو الخطأ، فإنّه ورد في صحيحة محمد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «المرأة ترث من دية زوجها و يرث من ديتها ما لم يقتل أحدهما صاحبه» «2» و نحوها غيرها مضافاً إلى التعليل الوارد في صحيحة أبي عبيدة «3» من التعليل لعدم الميراث من الدية للمرأة التي أسقطت ولدها بشرب الدواء بأنّها قتلته.

و بالجملة، لا ينبغي التأمّل في أنّ كلّا من صحيحة محمد بن قيس، و صحيحة عبد اللّه بن سنان المتقدّمتين دالّتين على أنّ القاتل خطأً يرث المقتول.

و الوجه في عدم المجال للتأمّل هو مقتضى مقابلة الخطأ بالتعمّد شمول الخطأ شبه العمد و الخطأ المحض، و مقتضى هذا التفصيل الجمع بين المطلقات الدّالة على عدم ميراث القاتل حمل قتله على التعمّد دون الخطأ بقانون الجمع بين الإطلاق و التقييد.

و لكن في

البين روايات ذكر فيها التفصيل بين الميراث من الدية و أنّ القاتل و لو

______________________________

(1) وسائل الشيعة 26: 34، الباب 9 من أبواب موانع الإرث، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 26: 32، الباب 8 من أبواب موانع الإرث، الحديث 2.

(3) تقدمت في الصفحة السابقة.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 382

..........

______________________________

كان قتله خطأً لا يرث من الدية كصحيحة محمد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام قال:

«المرأة ترث من دية زوجها، و يرث- أي زوجها- من ديتها ما لم يقتل أحدهما صاحبه «1».

و مقتضى إطلاق المنع من أن يرث أحدهما من دية الآخر فيما إذا قتل أحدهما الآخر بلا فرق بين كون القتل عمديّاً أو خطئيّاً.

و نحوها موثقته الأُخرى، عن أبي جعفر عليه السلام قال: أيّما امرأة طلّقت فمات زوجها قبل أن تنقضي عدّتها- إلى أن قال:- و إن قتلت ورث من ديتها، و إن قتل ورثت هي من ديته ما لم يقتل أحدهما صاحبه «2».

و المناقشة فيهما بأنّهما تختصّان بالزوج و الزوجة لا يمكن المساعدة عليها فإنّه لا يفهم الخصوصيّة بما ورد فيهما من قتل خصوص الزوج زوجتها خطأً أو قتل الزوجة زوجها كذلك.

و على ذلك فلا بد من حمل ما ورد في صحيحة محمد بن قيس السابقة عن أبي جعفر عليه السلام أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال: «إذا قتل الرجل أُمّه خطأً ورثها و إن قتلها متعمّداً فلا يرثها» «3» على أنّه يرثها من سائر أمواله غير الدية لما ورد في صحيحته الأُخرى التي ذكرنا عدم ميراثه من ديتها كما هو ظاهر ما لم يقتل أحدهما صاحبه «4».

و مقتضى الجمع بين الروايات المانعة عن ميراث القاتل مطلقاً و جواز ميراث القاتل خطأً

و عدم جواز ميراث القاتل خطأً من الدية هو ما ذكرنا، بمعنى أنّ الروايات

______________________________

(1) وسائل الشيعة 26: 32، الباب 8 من أبواب موانع الإرث، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 26: 38- 39، الباب 11 من أبواب موانع الإرث، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 26: 33، الباب 9 من أبواب موانع الإرث، الحديث الأوّل.

(4) تقدمت آنفاً.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 383

..........

______________________________

بعضها تدلّ على عدم ميراث القاتل عمداً من مقتوله، سواء كانت دية أو غيرها كصحيحة أبي عبيدة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن امرأة شربت دواءً عمداً و هي حامل و لم يعلم بذلك زوجها فألقت ولدها- إلى أن قال:- قلت له: فهي لا ترث ولدها من ديته مع أبيه: قال: لا، لأنّها قتلته فلا ترثه «1».

و لا يخفى أنّ مورد السؤال فيها دية الولد الذي قتلته أُمّه هل ترث منها أُمّه قال عليه السلام: لا، و علّل ذلك بأنّ ذلك لأنّها قتلته فلا ترثه، و يقال إنّ مقتضى التعليل عدم الميراث من المقتول لقاتله سواء كان قتله عمداً أو خطأً، و سواء كان المال دية أو غيرها من سائر أموال المقتول و لا يبعد انصرافها إلى الدية.

و كذا تدلّ على عدم الميراث للقاتل من دية مقتوله صحيحة محمد بن قيس المتقدّمة عن أبي جعفر عليه السلام: المرأة ترث من دية زوجها و يرث- أي زوجها- من ديتها ما لم يقتل أحدهما صاحبه «2». و مقتضى هذه الصحيحة أنّه لا يرث أحدهما الآخر من ديته إذا كان هو قاتل الآخر، و مقتضى إطلاق هذه الصحيحة عدم الفرق بين أن يقع من أحدهما قتل آخر عمداً أو خطأً.

نعم، قد يقال إنّ المعارضة بين ما

دلّ على كون القتل من أحد الشخصين للآخر يوجب حرمان القاتل من أن يرث من دية المقتول، و ما دلّ على أنّ القتل الخطائي لا يمنع من أن يرث القاتل من مقتوله متحقّقة لا محالة؛ لأنّ دلالة ما تقدّم من أنّ القاتل لا يرث من دية مقتوله مطلقة حيث يعمّ ما إذا كان القتل عمديّاً أو خطئيّاً كصحيحة محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام قال: المرأة ترث من دية زوجها و الرجل

______________________________

(1) وسائل الشيعة 26: 31- 32، الباب 8 من أبواب موانع الإرث، الحديث الأوّل.

(2) وسائل الشيعة 26: 32، الباب 8 من أبواب موانع الإرث، الحديث 2.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 384

..........

______________________________

يرث من دية امرأته ما لم يقتل أحدهما صاحبه «1». فإنّ ظاهرها عدم الميراث للقاتل منهما من دية المقتول فيما إذا قتل أحدهما صاحبه فإنّ إطلاقها يقتضي عدم الفرق بين كون القتل بينهما عمديّاً أو خطئيّاً.

و على المقابل مثل صحيحة عبد اللّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل قتل أُمّه أ يرثها؟ قال: «إن كان خطأً ورثها، و إن كان عمداً لم يرثها» «2» حيث إنّ جواز الميراث للقاتل أُمّه خطأً يعمّ ميراث المال و الدية.

و تقع المعارضة بين الطرفين بالإطلاق و يمكن أن يؤخذ بإطلاق المنع عن إرث الدية على القاتل و إن كان قتله خطئيّاً و يحمل إطلاق الميراث للقاتل بالخطاء عن مقتوله بالإضافة إلى سائر الأموال من غير الدية؛ لأنّ في الأخذ بإطلاق مثل صحيحة عبد اللّه بن سنان يوجب لغويّة ما ورد في منع القاتل عن إرث دية مقتوله فإنّه لو كان قتله عمديّاً فلا يرث القاتل المتعمّد لا

من الدية و لا من سائر الأموال.

و مع الغمض عن ذلك ما ذكر حكم الدية خاصّة في الروايات و أنّ القاتل لا يرث منها لا بدّ من الأخذ بإطلاقها بمعنى أنّه سواء كان قتل القاتل عمديّاً أو خطئيّاً حيث إنّه من قبيل إطلاق الخاصّ، و يقيد بذلك ما ورد من إطلاق أنّ القاتل خطأً يرث، فإنّ إطلاق ذلك يعمّ الدية و سائر تركة المقتول فتكون النتيجة أنّ القاتل خطأً يرث من غير الدية من تركة المقتول و لا يرث من ديته، نظير ما ورد في وجوب الخمس في كلّ ربح و فائدة في كلّ سنة، و ورد في أنّ الأراضي المفتوحة عنوة ملك لطبيعي المسلمين، و بما أنّ تلك الأراضي داخلة في الغنيمة و الفائدة و يعمّها في كلّ فائدة و ربح خمس، و لكنّ إطلاق ما ورد في أنّ تلك الغنيمة يعني أراضي الخراجيّة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 26: 32، الباب 8 من أبواب موانع الإرث، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 26: 34، الباب 9 من أبواب موانع الإرث، الحديث 2.

تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، ص: 385

..........

______________________________

جميعها ملك لطبيعي المسلمين يعني بجميع أجزائها ملك له لا خصوص أربعة أخماسها فيقدّم الحكم المذكور لها على عمومات وجوب الخمس و مطلقاته.

بقي في المقام أمران:

أحدهما: أنّه لا يعقل العاقلة جناية العبد و لا جناية الحيوان.

فإنّ عدم ضمان العاقلة جناية العبد فلأنّه كما تقدّم تكون جناية العبد في رقبته فلا يضمن جنايته مولاه أو غيره، و جناية الحيوان إذا كان بتفريط من مالكه يكون الضمان عليه، و أمّا إذا لم تكن مستندة إلى مالكه يكون من القضاء و القدر.

ثانيهما: أنّه إذا جرح الصبي بالغاً و تلف المجروح بسراية

الجرح بعد مدّة بلغ الصبي فيه فيحسب جناية الصبي بعد السراية و موت المجروح قتلًا خطأً يضمنها العاقلة؛ لأنّ الموت إذا استند إلى الجراحة السابقة فتحسب تلك الجناية قتلًا و بوقوع الجراحة حال صباه يكون القتل المسبّب عنها خطأً.

و الحمد للّٰه أوّلًا و آخراً و قد فرغت من تسويد مباحث الديات مع كثرة الابتلاء في الأواخر بتاريخ شهر ربيع الأوّل من سنة ألف و أربعمائة و ستّة و عشرين على مشرّفها آلاف التحيّة و الصلاة عليه و آله أجمعين.

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، تنقيح مباني الأحكام - كتاب الديات، در يك جلد، دار الصديقة الشهيدة سلام الله عليها، قم - ايران، اول، 1428 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.